7th of Sh’vat, 5785 | ז׳ בִּשְׁבָט תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللّاوِيِّين الدَّرْس الثالث والعِشرون – الإصْحاح السادِس عشر
سِفْر اللّاوِيِّين الدَّرْس الثالث والعِشرون – الإصْحاح السادِس عشر

سِفْر اللّاوِيِّين الدَّرْس الثالث والعِشرون – الإصْحاح السادِس عشر

Download Transcript


سِفْر اللّاوِيِّين

الدَّرْس الثالث والعِشرون – الإصْحاح السادِس عشر

من أكْرَر التَّحَدّيات التي تُواجِه المُؤمِنين الّذين يَتَنبَّهون بِبُطْء إلى جُذورِنا الإيمانيّة العِبْرانيَّة والى الحَقيقة التي لا يُمْكِن إنْكارها بأن مَسيحَنا يسوع هو يَهوديّ بالكامِل، هي كَيْفيَّة التّعامُل مع السِّياق الثَّقافي العِبْريّ البَحْت والمُطْلق لكَلِمَة الله.

هناك تَحَدٍّ آخر مُتَشابِك نَوْعا ما مع هذا التَّحَدّي وهو تَحَدٍّ لا يأتي من العقائد المَسيحِيَّة بل من العقائد اليَهوديّة؛ وهذا ما يُسَمّى عمومًا بالتَّقْليد. بَيْنَما كنا نَدْرس الشَّرائع الغِذائيَّة الواردة في التَوْراة……التي يُسَمِّيها اليَهود عادةً "كشْروت" (المُلاءمة الطَّقْسية) والتي يُسَمِّيها المُجْتمع الوَثَني الأَكْل "الكوشير" (المُناسب أو الملائم)…………… كان يَجِب أن نُلاحِظ في الحال كم هو قَصير القِسْم الخاص بالشَّريعة الغِذائيَّة في سِفْر اللّاوِيِّين الحادي عشر وكَيْف كانت المُتَطَلِّبات الغِذائيَّة المَفْروضة على بني إسرائيل قليلة لِلْغاية. في مُعْظَم أسْفار الكِتاب المُقَدَّس، يوَجَدَ سِفْر اللّاوِيِّين الحادي عشر في َ ْمن صفحتَيْن في الطّول؛ حتى عندما يَقْترِن بِنَظيره في سِفْر التَّثْنية الرابع عشر، سَيكون من الصَعْب مِلء ثلاث صَفْحات كامِلة بأحْكام الأَكْل الكوشير التي وَضعَها يَهوَهْ. مع ذلك فقد ضاعَف التَّقْليد اليَهوديّ هذه الصَفْحات الثلاث الأساسيّة والبَسيطة والمُباشَرة من فَرائض الله المُتَعَلِّقة بالأَكْل إلى آلاف الصَّفحات من القواعِد والمَحْظورات التي تمّ حَشْوها في عِدّة مُجَلّدات.

بالنِّسْبَة لأولئك مِنّا الّذين يرْغبون في أخْذ توْراة الله على مَحْمَل الجَدّ، فإن الفَصْل بين التَّقاليد العِبْريّة والأحكام الحاخامِيّة، وكذلك العقيدة المَسيحِيَّة، وبين كَلِمات يَهوَهْ الأصْلِيَّة، لَيْسَت مُهِمّة سَهْلة أو مُريحة. إلا أنَّه لا داعي لِجَعْل العِبادة والتَّعَلُّم عقيمَيْن ومُبْتذلَيْن؛ ما يَجِب الاحْتِفاظ به كطُقوس وتعاليم مُفيدة وذات مغزى وما يَجِب اسْتِبْعاده، أمْر صَعْب ولَكِنَّه لَيْسَ مُسْتحيلًا. إن العديد من التَّقاليد جميلة ومُؤثِّرة ومليئة بالحَقيقة والمعنى؛ لكن هناك تقاليد أُخْرى يُمْكِن أن تُرْسِلنا إلى المَسار الخاطئ حتى لو بَدَت ظاهريًّا جيِّدة جِدًّا.

نُواجِه هذا التَّحَدّي بالضَّبْط في التّعامُل مع سِفْر اللّاوِيِّين السادس عشر، الذي يدور في المقام الأوَّل حَوْل الإحْتِفال الطَّقْسي المُهِمّ الذي أمَر الله به والمُسَمّى "يَوْم كيبور"……. يَوْم التَّكْفير (الآتي قريبًا). عندما شَرعتُ في قِراءة العَدَد الهائل من التَّفسيرات العِبْريّة حَوْل هذا الإصْحاح، أَصْبَح من الواضِح أن القليل منها تَناوَل بالفِعْل بِشَكْل مُباشَر سِفْر اللّاوِيِّين السادس عشر؛ مُعْظَمها بِبَساطة شرْح التَّقاليد القديمة والأحْكام الحاخامِيّة الواسِعة التي تَطوّرت على مرّ القُرون فيما يَتَعلَّق بالإحْتِفال بِيَوْم التَّكْفير. حَدَث التَّحوُّل الأكثر دْراماتيكيّة في كَيْفيَّة الإحْتِفال بِيَوْم كيبور بعد العام سبعين بعد الميلاد عندما دَمَّرت الإمْبراطوريّة الرّومانيّة مدينة القُدْس والهَيْكَل المُقَدَّس. أُعيد بِناء المدينة بِسُرعة ولكن حتى يَوْمنا هذا لم يَعُد الهَيْكَل قائمًا من جديد. لذلك فإن جميع الطُقوس التي كنّا نَدْرسها في سِفْر اللّاوِيِّين ، بما في ذلك تلك التي نحن بِصَدَدِها، كانت تتطلَّب وجود الهَيْكَل ومَذابحه وكَهْنوته لِكَيْ تتِمّ. لذلك من السَّهْل أن نَتَخيَّل لماذا، إذا كان اليَهود سَيَسْتمِرّون في مُمارسة هذه الأعياد المُقَدَّسة والإحْتِفالات بالأيام المُقَدَّسة كما كانوا يَفْعلون منذ أكثر من ألف سنة…. والقيام بذلك بعد أن لم يَعُد هناك الهَيْكَل الذي كان دائمًا المَرْكَز الضَّروري للإحْتِفالات….. كان عليهم أن يُعيدوا اخْتِراع وتعديل الطَّريقة التي كانوا يُفَسِّرون من خلالها التَعليمات اللاويَّة.

لكن هذا لا يعني أنَّه كان عَليهم أن يَفْعَلوا ذلك. ما كان يَنْبَغي عَليهم فِعْلَه هو قبول يسوع ربًّا ومُخَلّصًا لهم. ما كان يَجِب أن يقوموا به هو أن يَفْعَلوا ما كان يُمْكِن فِعْلَه بدون هَيْكَل ويَتْركوا الباقي حتى يُعاد بِناء الهَيْكَل (حسب حِزقيال ورؤيا يوحنّا).

يَجِب علينا في جميع الأوْقات أن نَفْصل قوانين الله في العَهْد القديم من الكِتاب المُقَدَّس عما قاله الرِّجال، عادةً الرِّجال العِبْريّون، عن تلك القوانين في التَوْراة الشَّفَويّة. غالبًا ما يكون لِلْكثير من الطُقوس المُنَظَّمة بِعِناية والتي يَتْبعها اليَهود المُتَدَيِّنون اليَوْم ارْتِباطًا مَحْدودًا بالكِتاب المُقَدَّس. لذا، إلى جانب الاتِّجاه الذي دام ما يُقارب ألفَيّ عاماً من المُؤمِنين غير اليَهود لإزالة أي بقايا يَهوديّة من نَفْس هذه المقاطِع، نَجِد أنْفُسنا في العَصْر الحديث مُحاصَرين بين أمْرَيْن صَعْبَيْن؛ التَّقاليد اليَهوديّة والتَّفسيرات الرَّمْزية المَسيحِيَّة وإنكار الوجود المُسْتَمِرّ للتَّوْراة. أنا بالتأكيد لا أُهين أو أنْتَقِد بأي شَكْل من الأشكال بعض المُمارسات اليَهوديّة الجميلة والهادِفة واالطُّرُق للإحْتِفال بالأيام المُقَدَّسة التي أعْلَنَها الله والتي سيكون من الجَيِّد للكَنيسة أن تُوليها الإهْتمام وتُفَكِّر في تبنّيها في شَكْل أو آخر؛ لكن دَعونا لا نَنْشغِل بِرَغْبتنا الجادّة في إعادة اكْتِشاف جُذورِِنا العِبْريّة لِدَرَجة أننا ننْسى التَّمْييز بين الأمور المُكَرّسة لله والأمور التي تَسْتَحِقّ الثَّناء من البَشَر.

دَعونا نرى ما قالَه الله عن يَوْم التَّكْفير، يَوْم كيبور.

اقرأ سِفْر اللّاوِيِّين السادس عشر بأكْمَله

في التَّفْكير العِبْريّ، وربما كان محقًا في ذلك، لا يوَجَدَ حَدَث أكثر أهَمَّيَّة وضرورة من يَوْم كيبور…….يَوْم التَّكْفير.

باختصار، إن الغَرَض المُعْلَن في التَوْراة من يَوْم التَّكْفير هو باخْتِصار ذو شِقَّيْن: الأوّل) تَطْهير خَيْمَة الإجْتِماع (ولاحقًا الهَيْكَل) من النَّجاسة التي جَلَبَها الكَهَنَة والعامّة على حدٍّ سِواء. والثاني) تَطْهير الشَعْب والكَهَنَة ورئيس الكَهَنَة. لذلك كان الهَدَف هو الحِفاظ على حَرَم طاهِر طَقْسيًا. ذلك لأنَّه لو كان مَسْكَن يَهوَهْ الأرْضيّ قد تَنَجّس لَما حافَظ على حُضوره هناك؛ فمن المُسْتحيل أن تَتعايش قداسَتُه اللّامُتناهِية مع نَجاسة دُنْيَويّة. هذا لَيْسَ افْتِراضًا لأن الكِتاب المُقَدَّس ينصّ بِوُضوح على هذه الفَرَضيَّة.

الآن وجْهَة النَظَر الأصْلِيَّة والتوْراتيَّة هذه التي تقول إن مِحْوَر الإحْتِفال بِيَوْم التَّكْفير هو تَطْهير الهَيْكَل، أفْسَحَت المجال في النِّهاية بعد خَراب الهَيْكَل لوِجْهَة نَظَر جديدة مَفادها أن يَوْم كيبور كان في المقام الأوَّل للدَيْنونة والتَّكْفير عن خطايا شَعْب إسرائيل. لَيْسَ مَرَّة واحدة، بل مَرّتيْن، دُمِّر الهَيْكَل؛ في المَرَّة الأوَّلى أدّى ذلك إلى نَفْيِهِم إلى بابل، وفي المَرَّة الثانية إلى تَشَتُّتِهم في الإمْبراطوريّة الرومانيّة. في المّرَّتيْن وَجَدَ الناس أَنْفُسَهم في مَوْقف عَدَم القُدْرة على التَّطَهُّر من نَجاستهم وعَدَم القِدْرة على الحصول على ذبائح دّمَوِيَّة تُكَفِّر عن خطاياهم. لم يَرْضوا بهذا الوَضْع، ولم يَقْبَلوا دَيْنونة الله عَلَيْهم وتَدْبيره لهم في نِهاية المَطاف، فبَدأوا يَسْتخدمون فِكْرَهم البَشَري لابْتِكار طُرُق للإلْتِفاف حَوْل المشَكْلة. وكانت النَّتيجة في كثير من الحالات هي التَّقاليد.

إذًا كَيْف، بالضَّبْط، يُمْكِن أن تُصْبِح خَيْمَة الإجْتِماع نَجِسة؛ تنجس إلى دَرَجة أنَّها كانت تحتاج إلى تَطْهير، في حين أنَّه كان يَتِمّ إيلاء هذا الإهتمام الدَّقيق للتأكُّد من عَدَم اقْتِراب أي نَجاسة من أي مكان من الحَرَم المُقَدَّس؟ يُمْكِن أن يحَدُث ذلك بعَدَد من االطُّرُق في الواقع مثل عَدَم قيام الكاهِن بِواجباته بِشَكْل صحيح مع جَهْلِه بِخِطَئِه؛ أو أن يجِد الطَّعام النَّجِس طريقه إلى ساحة الخَيْمَة عن طريق الخَطأ؛ أو أن يمَوْت شَخْص ما في أرض خَيْمَة الإجْتِماع أو أن يَلْمس شَخْص ما شَخْصا مات وهو يَدْخل إلى أرض خَيْمَة الإجْتِماع. أعطى سِفْر اللّاوِيِّين في الإصْحاحات إحدى عشر الى خمسة عشر تفاصيلاً مُسْتَفيضة حَوْل ما يشَكْل النَّجاسة، والحَقيقة هي أن النَّجاسة بِدَرَجة أو بأُخْرى، في وقت أو آخر، كانت حَتْمِيّة لكل بني إسرائيل. أعْتَقِد أن أحد الأسباب التي تَجعل أنَّه يَجِب علينا كمُؤمِنين مُعاصِرين أن نَتعلَّم ونَعرف هذه الطُقوس والقواعد حتى بعد أن حَوْلها يسوع، هو مُساعَدَتنا على فهم الخطورة الأبَديَّة للنَّجاسة وأنَّه في حالَتنا الطَّبيعيّة، بِدون الله، لا يوَجَدَ مَفَرّ من قَبْضَتها المُميتة علينا. النَّجاسة مَوجودة في كل مكان نَلْتَفِت إليه؛ أنَّها حالة يُمْكِن أن يَدخل فيها الناس (غير المُؤمِنين) حتى بدون خطأ أخْلاقي شَخْصي (تذكَّروا الحالة النَّجِسة التي تُصْبِح فيها المرأة التي تَلِد، بِبَساطة)، ويُمْكِن أن تُصاب بها حتى من الإتِّصال العَرَضي مع الناس والأشياء النَجِسة. لم تَكُن هناك، ولا تزال، عِلاقة مُحْكمة بين تَجَنّب الخطيئة وتَجَنّب النَّجاسة.

عندما نقرأ سِفْر اللّاوِيِّين السادس عشر، يُمْكِننا أن نرى بِسُهولة مدى انْخِراط وتَعْقيد هذه الطُقوس الخاصة بِيَوْم كيبور. يوضِح الله في الآية الأوَّلى مدى خُطورة وَظيفة رئيس الكَهَنَة وتُعيدنا الآية الأوَّلى إلى الإصْحاح العاشر عندما شوى يَهوَهْ ابْنَي هارون نداف وأفيهو في عَرْض علني لِغَضبه وفُجائية دَيْنونته على أولئك الّذين يَتعدّون على قَداسته، بل وأكثر من ذلك بالنِّسْبَة لأولئك الّذين تم تَعيينهم لهذه المُهِمّة. إذًا في هذه النُّقطة في سِفْر اللّاوِيِّين كان المَوْت الشنيع لهذين الكاهِنين اللذَيْن رُسما حديثًا، حديثًا جِدًّا؛ وفي بعض النواحي لَدَيْنا يَهوَهْ يَشرح لموسى ما أخطأ به ابنا هارون وكَيْف أن الكَهَنَة الآخرين….. خاصة هارون رئيس الكَهَنَة…..كان يُمْكِن أن يتَجَنّبوا مصيراً مُماثل. يقول الله لِموسى بِصيغة مُشابِهة، أنَّه لا يُمْكِن لأي كاهِن أن يَدْخل قُدْس الأقْداس، إلى حُجْرة حَضرة الله، إلا عندما يَدعوه الله إلى ذلك. إن عُقوبة عُصيان هذا الأمْر هي المَوْت…….كما لو لم يَكُن موسى وعِدّة آلاف من الشُّهود المَذْعورين قد اكْتَشفوا ذلك من تِلْقاء أَنْفُسَهم.

دَعونا نَتوقَّف لِلَحْظة لِنَنْتَقِد عِبارة تُغنّى في العديد من التَّرانيم المَسيحِيَّة الجميلة: أننا كمُؤمِنين نَدْخل الآن إلى قُدْس الأقْداس. هذا لَيْسَ صحيحًا وهو يأتي نَتيجة إصْرار الكَنيسة على أن العَهْد القديم يُستخدم كباب ولا يُدرس بعد الآن على أنَّه كَلِمَة الله! نحن كمُؤمِنين لا نَدْخل بِشَكْل مَجازي أو بطريقة أُخْرى إلى قُدْس أقْداس الله عندما نُخَلَّص. الكَهَنَة العاديّون (وهم من يُساوونَنا نحن في العَهْد الجديد) يُمْكِنهم الدُخول فقط إلى الغُرفة الخارجيَّة للحَرَم المُقَدَّس، وهي غُرفة تُسَمّى المكان المُقَدَّس. قُدْس الأقْداس مَحْجوز للآب وَوَسيطه، رئيس الكَهَنَة، وبما أن الوسيط الدائم والكاهِن الأعْظَم هو يسوع فهو وَحده الذي يُمْكِنه أن يكون في حُضْرة يَهوَهْ المُباشَرة في قُدْس الأقْداس. نحن، كَكهنة عاديّين لِمَنْصب الكاهِن الأعْظم لدى يسوع، يُسمح لنا أن نَدْخل إلى حَرَم الله؛ ولكن إلى أن تُسلم هذه الأجساد الفاسدة لأُخْرى مُتَغيِّرة في المُسْتقبل، أو عند مَوْتنا عندما تكون أرواحُنا المُطَهَّرة والمُقَدَّسة فقط في السَّماء، لا يُمْكِننا أن نَقْتَرِب من الله أكثر من المكان المُقَدَّس.

الآية الثالثة تقول أنَّه عندما يُسمح لهارون وجميع خُلفائه من رؤساء الكَهَنَة في السَّنوات التالية ويُطلب منهم دُخول قُدْس الأقْداس في ذلك اليَوْم الواحد من كل عام، فإنّه سيكون مَطلوبًا ثَوْر صغير لِذَييحَة حتآت، ذَييحَة التَطْهير، وكذلك كِبْش لـ "أولاه"، ذَييحَة المَحْرَقة.

ثم نَجِد أن الملابس البَهِيَّة المُعْتادة التي كان يرْتديها رئيس الكَهَنَة أثناء واجِباته اليَوْمية… رِداء أزْرَق وصُدْريَّة مُرَصَّعَة بالجَّواهِر وأقْمِشة جميلة وباهِظة الثَمَن… كان من المُقَرّر أن تُنزع عنه، وكان عليه أن يَرْتدي بدلاً منها ملابِس من الكِتّان الأبْيَض بَسيطة لِلْغاية. أمام الناس، حيث كان رئيس الكَهَنَة يؤدّي واجِباته المعتادة، كانت الملابِس الرّائعة والباهِظة الثَمَن التي كان يَرْتديها توضِح أن رئيس الكَهَنَة هو أقْدَس رَجُل في إسرائيل؛ وأنَّه بِصِفَته وسيطًا لدى الله كان يَقِف بين بني إسرائيل والله القَدير. ولكن عندما كان يقِف في حُضرة يَهوَهْ، كانت الملابس البَيْضاء البسيطة المَصنَوْعة من الكِتّان الناعِم التي كان يَرْتديها رئيس الكَهَنَة الآن تَرْمز إلى المكانة المُتواضِعة التي كان حتى أقْدَس رَجُل على وَجْه الأرْض يَلْبسها بالمُقارنة بالقداسة التي لا تُضاهى لإله الكَوْن.

بالطَّبْع كما أَصْبَحنا نَتَوَقَّع الآن (وفي الحَقيقة كَطُلّاب وَصَلْنا إلى هذا الحدّ في التَوْراة، يَجِب علينا أن نَفهم أن هذا أمْر مَفْروغ منه) أنَّه قَبِل أن يَلْبس هارون ثياب العَبيد هذه، يَجِب عليه أن يَتَطَهَّر بالماء……عليه أن يَغْطُس في الماء الحيّ لإزالة النَّجاسة.

لَيْسَ من قبيل المُصادفة أن كلاً من دانيال وحزقيال يَصِفان الملائكة الّذين يَقِفون أمام الربّ بأنَّهم يَرْتَدون ثيابًا بَيْضاء عاديّة ولا يَنْبَغي لنا أن نَغْفل عن كَلِمات رؤيا تسعة عشرة على ثمانية فيما يَتَعلَّق بما سَنَرْتديه نحن المُؤمِنين يَوْما ما ونحن واقِفون أمام رَبِّنا:

الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القياسي الجديد رؤيا تسعة عشرة على ثمانية " وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ".

تُظهر لنا الآيتان الخامسة والسادسة هذه الطَّبيعة المُزْدَوِجة لطُقوس يَوْم كيبور: على شَعْب إسرائيل كَكُلّ….. كأُمَّة أو جماعة….. أن يُقَدِّموا تَيْسَيْن من الماعِز الذُّكور كَتَقْدِمة "حتآت" (تَطْهير) وطنيّة؛ وعلى رئيس الكَهَنَة، في هذه الحالة هارون، أن يُقَدِّم ثورًا صغيرًا كَتَقْدِمة حتآت شَخْصيّة له، عن نَفْسِه.

نبدأ الآن في التَّعَرُّف على القواعد والأحْكام لما أَصْبَح يُسَمّى بطُقوس كِبْش الفِداء … وهي طُقوس رائعة، غَنِيَّة بالمعنى، سَحَرَت الشَعْب اليَهوديّ لعِدّة قرون.

على هارون أن يأخُذ التَيْسَيْن ويوقِفهما خارج قُدْس الأقْداس، ثم يقوم بِقُرْعة على التَيْسَيْن وسَتُحدّد نتيجة القُرْعة أيَّهُما سَيُصبح ذَييحَة حتآت لتَطْهير شَعْب إسرائيل؛ أما التَّيْس الآخر فسَيُصْبِح كِبْش الفِداء الذي سيُطلَق سَراحه.

هنا في الآية الثامنة تَرِد واحدة من أكثر العِبارات إثارَةً للجَّدَل في الكِتاب المُقَدَّس كلّه؛ وهي تقول عن إجْراء اخْتِيار مَصير التَيْسَيْن "….. قُرعَة واحِدة ليَهوَهْ، وقُرْعة واحدة لعِزْازيل". ماذا، أو من هو عِزْازيل؟ لا نِهاية للنِّقاش حَوْل هذا الأمْر، لَيْسَ فقط بين العُلَماء المَسيحيِّين، بل بين اليَهود أيضًا. ربما لا يوَجَدَ في مُعْظَم الأناجيل التي لدَيْكم كَلِمَة "عزازيل"، بل يَتِمّ اسْتِبْدالها بكَلِمَة "كِبْش الفِداء"؛ ولكن عِزْازيل هي الكَلِمَة الأصْلِيَّة بالعِبْريّة وسَيْظَهر لك التَّطابق الجَيِّد مع هذه الحَقيقة.

جِزْء من المشَكْلة في هذه الآية هو أنَّه إذا أُخِذَت بأكثر االطُّرُق حَرْفيَّة، بِناء على عادات الزَّمَن الذي كُتِبَت فيه، فإن مَعْناها لَيْسَ مُريحًا جِدًّا بالنِّسْبَة لنا. فالتَّفْسيران الأكثر راحَة هما بِشَكْلٍ عام: الأوَّل هو أن عِزْازيل إسْم عِبْري نادِر يَعْني "الهَلاك الكامِل"، والثاني هو أن الحَكيم العِبْريّ العَظيم راشي يَقول أن عِزْازيل تَعْني "مُنْحَدَر صَخْري"؛ إذ أنَّه في زَمَن المَسيح كان جِزْء من الطَّريقة التَّقْليدية للتَّعامُل مع كِبْش الفِداء هو دَفَعه إلى الوَراء من فَوْق مُنْحَدَر حتى المَوْت.

لكن هذَيْن التَّفْسيرَيْن لا يَجْتازان حقًا اخْتِبار الرّائحة. أولاً لا يوَجَدَ شَرْط "الدفع من على مُنْحَدَر صَخْري" في الكِتاب المُقَدَّس (تمّ إضافَتْه بعد سَنوات عَديدة)، وثانيًا الإشارَة الوَحيدة الأُخْرى لهذه الكَلِمَة النَّادرة بالفِعْل "عِزْازيل" في الأدَب العِبْريّ هي في سِفْر أخْنوخ، وهو بالطَّبْع لَيْسَ مُوحى به بل يشَكْل جِزءًا مِمّا يُسَمّيه العُلَماء الأدَب الكاذِب. وفي أخْنوخ، عِزْازيل هو إِسْم شَيْطان مُعَيَّن.

الرأي الأكثر انتشاراً والذي تم تأييده مؤخراً هو أن عزازيل كان بالفِعْل اسماً منسوباً لشيطان أو نَوْع آخر من الأرواح الشريرة التي كانت تعيش في البَرِّيّة. الفكرة التي نراها تتطور في هذه الآيات هي أنَّه من بين التيسين سيكون أحدهما ذَييحَة مقدسة ليَهوَهْ، والآخر سيُرسل إلى البَرِّيّة إلى مجال عزازيل غير المُقَدَّس، وهو شيطان يمثل، أو ربما يكون هو الشيطان، في البَرِّيّة. سنستكشف ذلك أكثر قليلاً بعد دقائق قليلة.

توضح الآية العاشرة شيئًا ما، وهو أنَّه عندما نعود إلى مسألة عزازيل بعد قليل، فإن هناك عنصرًا مهمًا؛ وهو أن التيس الذي سيُرسل إلى عزازيل سيُترك حيًا؛ بعبارة أُخْرى، لن يُذبح هذا التيس ولا يَنْبَغي اعتباره بأي حال من الأحوال ذَييحَة. يُفترض أنَّه سيمَوْت في البَرِّيّة، لكن لا يَنْبَغي ذبحه طُقوسيًا. أما التيس الذي يعود "ليَهوَهْ"، فهو في الواقع ذَييحَة وسوف يُذبح.

تخبرنا الآية الحادية عشرة أنَّه بِمُجَرَّد إجْراء القُرْعة وتَحْديد مَصير كل تَيْس، يَجِب ذبح ثَوْر الذَييحَة (ذَييحَة التَطْهير) نِيابَة عن هارون وأهْل بَيْته؛ ثم يأخذ هارون من جَمْر مَذْبح المَحْرَقة (حيث يُحرَق الثّوْر) إناءً مليئاً من هذه الجَمْر، ويُضيف بعض البَخّور الخاص، ثم يَدْخُل إلى الحَرَم. الآن يَبْدأ الخَطَر حقًا عندما يكون هارون (رئيس الكَهَنَة) على وَشَك دُخول حُضْرة الله، الذي لن يَتَسامح مع ذُرَّة واحدة من النَّجاسة في حُضْرَته.

يأخُذ هارون مَجْمَرَته المُدَخّنة، أو المَبْخَرَة، ويَرْفع السِّتار (الباروخيت) الذي يَْفُصل المكان المُقَدَّس عن قُدْس الأقْداس، ويَدْخُل إلى مَسْكَن يَهوَهْ الأرْضيّ. وبَيْنَما تَرْتَفِع الغَصَّة في حَلْقِه، يَقْتَرِب هارون من الكابوريت، أو عَرْش الرَّحْمة، ويَضَع المَبْخَرة بِجانبه. يُحيط الدُّخان، الذي يوصَف بأنَّه سَحابة، الآن بالمِنْطقة الواقِعة بين أجْنِحَة الكَروبيم ) أعْلى الملائكة بالقُرْب من الله (التي تَرْتَفع من عَرْش الرَّحْمة؛ هذا هو المكان حيث يَلْتقي فيه حُضور الله بالإنسان على الأرْض.

ما أهَمَّيَّة الدُّخان المُحيط بِعَرْش الرَّحْمة؟ حسنًا، هناك نُقْطَتان تَتبادَران إلى ذِهْني؛ أولاً، قيلَ أنَّه لا يُمْكِن للإنْسان أن يَنْظُر إلى الله ويَعيش. كان الدُّخان بِمَثابة حِجاب سَمَح لِهارون بِمُواجهة "الكابوريت" (الغَطاء الذَّهَبي الذي كان يوضَع على تابوت العَهْد) … لِيكون حاضِرًا في نفس الغُرْفة مع الله؛ ومع ذلك، حَجَبَت سَحابة الدُّخان الله حتى لا يَتِمّكَّن هارون من النَظَر إليه مُباشَرة. ثانيًا، الدُّخان، كسَحابة، له نَوْع من الارْتِباط الواضِح بالإشارة المُسْتَمَرَّة إلى أن الله سافَر مع بني إسرائيل في شَكْل سَحابة. خُلاصة القوْل: سَحابة الدُّخان لم تَكُن من أجْل مَصْلَحة الله… بل كانت بِمَثابة حِماية لِرئيس الكَهَنَة… "لئلّا يَمَوْت".

يغمس هارون إصبعه في وعاء دم الثيران ويرش بعضًا من الدم على مقدمة الكابوريت….. عرش الرحمة….. الغطاء الذي يوضع فوق تابوت العَهْد. نحن نعلم أن الجانب الأمامي من عرش الرحمة هو الذي يُرش الدم عليه لأنَّه يُسَمّى "الجانب الشرقي" وقُدْس الأقْداس يواجه الشرق. بعد ذلك يفعل هارون نفس الشيء….. يستخدم 7 رشات بالضَّبْط….. من دم التيس المذبوح وهكذا يَتِمّ تقديم الدم من كلتا الذبيحتين….أولاً دم الذبيحتين (الثّوْر) من أجل هارون شَخْصياً (الثّوْر) وثانياً دم شَعْب إسرائيل ككل (التيس)… وهكذا يَتِمّ التَّكْفير عن هارون وعن كل جماعة إسرائيل.

تُذَكَّرْنا الآية السادِسة عشرة أن الغَرَض النِّهائي من هذا الإجْراء هو تَطْهير المَكان المُقَدَّس من " التومَوْت"؛ أي النَّجاسة التي جَلَبَها بنو إسرائيل، حتى تلك التي جَلَبَتْها خَطاياهم. تَذْكر أن بعض النَّجاسات لَيْسَت ناجِمة عن الخَطيئة، وبَعْضُها الآخر ناجِم عن الخَطيئة. هذه الطُقوس تُطَهِّر خَيْمَة الإجْتِماع من جميع أنواع النَّجاسة.

أعْتَقِد أن الكَلِمات القليلة الأخيرة في النُّصْف الأخير من الآية السادِسة عشرة مُؤثرة بِشَكْل خاص؛ فهي تقول أن الله يَسْكُن مع بني إسرائيل "… فِي وَسَط "تومأوتهم"…. في وَسَطِ جَمِيعِ نَجاساتِهِمْ"".يا لهُ من إلَه عَظيم! يا لَهُ من إلَه رَحيم! على الرَّغْم من نَجاسة بني إسرائيل المُتأصِّلة فيهم، اخْتار الله أن يَعيش في وَسَطهم، لِمَصلحتهم، لأنَّه كان يُحِبّهم…..فقط طلب أن يُطَهَّر مَسْكَنه المُقَدَّس مَرَّة في السَّنة من كل هذه النَّجاسة التي دَنَّسَها الإنسان.

الآن وقد طُهِّرَ المكان المُقَدَّس يَجِب تَطْهير الأشْياء المُقَدَّسة الأُخْرى أيضًا. إذًا في الآية الثامنة عشرة، يَتِمّ تَطْهير مَذْبح الذَييحَة المَحْروقة ببعضٌ من دَم الثّوْر والتَيْس.

بعد ذلك، وبِدْءاً من الآية عِشرين، نَحْصَل على واحِدة من أرْوَع التّوضيحات المَرْئيّة لِلْغاية عن كَيْفيَّة أخْذ خَطايانا منا، ونَقْلُها إلى بديل، (يَجِب أن يكون مَخْلوقاً حَيّاً بَريئاً) ومن ثم تُزال الخَطيئة عنا. لَيْسَ فقط تُغطَّى، بل نَتَخَلَّص منها. في الأساس إذًا، كان اسْتِخْدام بني إسرائيل لِكِبْش الفِداء مِثالاً لما سَيَفْعله يسوع المسيح من أجْلِنا بِشَكْل دائم. حتى طَقْس كِبْش الفِداء الذي كان كلّ ما كان يُمْكِن لِبَني إسرائيل أن يَفْعلوه هو أن يَقِفوا عاجِزين في رَهْبَة وذُهول ويُشاهِدوا الله يَفْعَل كل ما هو مَطْلوب لتَطْهيرهم من خَطاياهُم، هو مثال لِمَوْقفنا اليَوْم.

يَضَع هارون كِلْتا يدَيْه على رأس كِبْش الفِداء….. التَّيْس المُختار لعِزازيل وعلى هذا التَّيْس يَعْتَرِف بِخطايا بني إسرائيل……كل خطايا بني إسرائيل في السَّنة الماضية منذ يَوْم التَّكْفير في السَّنة السابقة. ويوضَع ثِقْل آثام بني إسرائيل على التَّيْس الذَّكَر، ويُرْسَل التَّيْس إلى البَرِّيّة….. الصَّحْراء القاحِلة…. ولا يعود أبدًا.

لنَسْتَكْمِل حَديثنا عن عِزازيل هذا.

يُعتَقَد أن عِزازيل هو الحاكِم الشَّيْطاني للبَراري الصَّحْراويّة. إذا كان هذا يَنُمّ عن سِحْر وشَعْوَذة، فأخْشى أن يكون كذلك. لكن مُجَرَّد كَوْن السِّحْر والشَّعْوَذة يَسْتَخْدِمان العالَم الرّوحي الذي خَلَقَه الله بِشَكْل مُنْحَرِف، لا يعني أن العالَم الرّوحي غير موْجود. نحن نَعْلم أن البَرِّيّة غالبًا ما تُعْتَبَر، في الكِتاب المُقَدَّس، مَكانًا للشَّرّ والمَوْت، تمامًا كما يُعْتَبَر الظَّلام (التْشوشيك) سِمَة شِرّيرة. نَقرأ عن طَرْد الشَّياطين وإرْسالهم إلى البَرِّيّة، وهو مكان جاف ومكان رَمْزي لا حياة فيه. الآنَّ السؤال الذي يَجِب أن نُقاوِمه هو هذا: هل يُقْصَد من عِزازيل أن يكون رَمْزًا للشَرّ، أم أنَّه حَرْفِيًّا إسْم قُوَّة شرّيرة حَقيقيّة، حاكِم شَيْطاني مُعَيَّن؟

قبل أن أعْرُض رَأيي في هذا الأمْر، دَعونا نُلْقي نَظْرة عامة على ما يَحَدُث هنا. يَتِمّ اخْتِيار تَيْسَيْن؛ واحد لله، والآخر لِشَيء معادٍ لله بِشَكْل واضِح، الذي يُقرِّر بالقُرْعة أنَّه لله… أي الذي يَتِمّ تخْصيصَه لِلَقداسة… سيُسْتَخْدَم كَذَييحَة ليَهوَهْ. بِدَمِه سيَتِمّ التَّكْفير عن خطايا بني إسرائيل. أما التَّيس الآخر الذي تمّ تَعيينه للشَّيْء الذي هو ضُدّ الله، هذا الشَّيْء المُسَمّى عِزازيل، فَسَيُستخدَم كَمُسْتَوْدع ونأقَلّ لِخَطيئة بني إسرائيل ونَجاستها. يَنْقُل رئيس الكَهَنَة، بِصِفَته وَسيطًا لشَعْب إسرائيل، كلّ خَطيئة ونَجاسة لبني إسرائيل بِشَكْل طَقْسيّ إلى أو على كِبْش الفِداء… التَّيْس الذي تم تَعيينه كمَخْزَن للخطيئة لِعِزازيل. ثم يُقاد كِبْش الفِداءإلى البَرِّيّة، وتُرسَل خطيئة ونَجاسة بني إسرائيل بَعيدًا، إلى مَجال القوَّة الشِّرّيرة.

كان عِزازيل في سِفْر أخْنوخ كائنًا إلهيًا ساقِطًا (بني ألوهيم، ويُسَمّى أيضًا ابْن الله) وكان له عِلاقات مع نِساء من البَشَر. كان له سُلْطة على السِّحْر والشَّعْوَذة. كان مَكَانه هو الصَّخْرة المَسْنونة في البَرِّيّة، وقد نُفِيَ لِيَبْقى هناك تحت العَيْن السّاهرة لمَلاك سَماوي قوي جِدًّا. الآن دَعوني أُصَرِّح بِشَكْل قاطِع أن مُعْظَم ذلك هو أسْطورة عِبْرية قديمة. مع ذلك فهي قيِّمة لمُساعدتنا على الأقَلّ على فَهْم النَظَرة اليَهوديّة لِعِزازيل قبل ميلاد المسيح بِحَوالي مئة عام.

يبْدو لي أن ما يَجري الحَديث عنه هنا في سِفْر اللّاوِيِّين السادِس عشر عن كِبْش الفِداء هو أن مَصْدر كل الشُّرور، الشَّيْطان، إبلَيْسَ، يَرْمُز إليه عِزْازيل؛ وعِزْازيل مُجْبَر على أن يَسْتَعيد ما أرْسَلَه إلى العالَم: الخَطيئة والنَّجاسة. تَخيّلوا هذا التَّيْس، الذي يُحْمُل معه بِشَكْل خارِق للطَّبيعة كل آثام بني إسرائيل التي أزالَها الله عَنْهُم، يَتَّجِه إلى مَكان إبلَيْسَ؛ هذا التَّيْس المُحَمَّل بكلّ ما اسْتَخْدمه الشِّرير ذات يَوْم لمُحاولة هَزيمة الله عن طريق هَزيمة شَعْبه. إنه مِثْل العَدوّ الذي يَرْمي بِقُنْبُلة يَدَوِيّة من فوق السِّياج؛ فقط لِتَلْتقِطْها أنت وتُلْقيها في حُضْنِه. ولا يَسْتَطيع هو، أي الشَّيْطان، أن يَفْعَل شيئًا.

في بَعْض النَّواحي، هذا الكِبْش هو عَرْض لِمَناعة الله وحَتْمِيّة خُطَّة الله لِلْفِداء…… إثْبات للجَّميع لِيَرى الجَميع أن الشَّيْطان بِبَساطة لا يَسْتَطيع أن يَهْزم خُطَط يَهوَهْ. الله، من وِجْهَة نَظَري، في أحَد جوانِب طُقوس كِبْش الفِداء يَسْخَر من الشَّيْطان.

والآن بعض التَّفاصيل الأُخْرى، ثم أوَدّ أن أُشير إلى كَيْفيَّة تَغيير الإحْتِفال بِيَوْم "كيبور" (التَّكْفير)، خاصَّة بعد تدْمير الهَيْكَل في عام سبعين ميلادي.

تَصِف الآيات من خمسة وعشرين الى ثَمانية وعشرين كَيْف أن أجْزاء مُعَيَّنة فقط من ذَييحَة الحتآت تُحْرَق على المَذْبح، وأجزاء أُخْرى تُؤخَذ خارج المُخَيّم وتُحْرق. فقط الشُّحوم وقِطَع مُعَيّنة من اللّحم، وبعض الأحْشاء كانت تُحرَق على مَذْبح المَحْرَقة، أما الجُّلود ومُحْتويات أمْعاء الثّوْر والماعِز والأجْزاء المُتَبَقِّيَة من اللّحم فكان يَجِب أن تُنقَل خارج حَرَم بني إسرائيل. الفِكْرة هنا هي التالي: تِلْك الأجْزاء التي قُدِّمت لله كانت ذَييحَة مَفْروضة؛ كانت مُقَدّسة. إن إحْراق تلك الأجْزاء يُرْسِل طعمًا حلوًا ليَهوَهْ، إنه أمْر إيجابيّ وطاعَة كبيرَيْن. أما الأجْزاء المُتَبَقّية من تلك الحيوانات التي تؤخَذ خارج المُخَيّم إلى مكان نَجِس وتُحْرَق على نار حَطَب عادِيّة، فلَيْسَت جِزءاً آخر من الذَييحَة، بل الغَرَض هو أن هذه الأجْزاء تُتْلَف بالنار. إنه تُخَلَّص من الأجْزاء التي لَيْسَت لله، الأجْزاء التي لَيْسَت مُقَدّسة، وبالتالي لا قيمة لها. إن ذلك يُشْبِه إلى حدٍّ كبير من حيث المَبْدأ إرْسال كِبْش الفِداء إلى البَرِّيّة حيث يَتِمّ إرْسال الأشياء التي لَيْسَت من الله أو لله …..أي الخَطيئة والنَّجاسة…. تُرْسَل إلى الخَصْم.

بعد ذلك يَتِمّ تحديد مَوْعد يَوْم التَّكْفير: في اليَوْم العاشِر من الشَّهْر السّابع من السنة. في هذا اليَوْم يَجِب أن يكون سبتًا خاصًا…..نَوْعاً من سَبْت مُهِمّ. دعوني أكون واضحًا…..هذا لَيْسَ سَبْت اليَوْم السّابع. إنه سَبْت مُخْتَلِف لِغَرَض مُخْتَلِف. على عَكْس سَبْت اليَوْم السّابع، الذي يَجِب أن يكون يَوْم فَرَح وأكْل طّيِّب، فإن سَبْت يَوْم التَّكْفير هو يَوْم، كما يقول الكِتاب المُقَدَّس، "لتُعَذِّبوا أنْفُسكم". لا يتحَدَّث ذلك عن إيذاء، بل يتحَدَّث عن حُرْمان النَّفْس، ويَبْدأ الحُرْمان بالصَّوْم…..وهو خُروج أكيد عن سَبْت اليَوْم السّابع حيث تُقدَّم فيه وَجْبة كبيرة ومُفْرِحة. إذا كنتُ سأسْتَخْدِم كَلِمَة مألوفة لِشِعار يَوْم التَّكْفير، فَسَوْف تكون "الإمْتِناع". امْتَنِعوا عن الطَّعام والعَمَل والشَّراب والاسْتِحْمام والجِّنْس….. وإذا كان ذلك مُمْتِعًا شَخْصيًّا فلا تَفْعلوه.

كذلك بالنِّسْبَة لأولئك الّذين لا يَزالون يُريدون أن يَقولوا، "أوه، نعم ولكن هذا كان فقط لبني إسرائيل"؛ انْظُروا ماذا تَقول الآية تِسْعة وعشرين: "…….هَذَا للأصْليّين وَالْمُقيمينَ فِي وَسَطِكهمْ"، أي أن الأشْخاص غير الأصْليّين الّذين انْضَمّوا إلى بني إسرائيل، حتى العبيد الّذين لم يَنْضَمّوا إلى بني إسرائيل ولَكِنَّهم يَعيشون بين بني إسرائيل، عَليهم أن يُراعوا ويَسْتَفيدوا من هذا السَّبْت الخاص بِيَوْم التَّكْفير لأنَّهم في نَظَر الله جِزْء من جَماعة بني إسرائيل، لذلك يَجِب أن يَكونوا هم أيضًا قد طُهِّروا من نَجاسَتهم وكُفِّر عن خَطاياهم في هذا اليَوْم الرّائع.

أخيرًا يَتَّضِح أن يَوْم كيبور لَيْسَ فَريضة مُؤَقَّتة؛ كما جاء في الآية الرابعة والثلاثين، هذه شَريعة إلى الأبَد. إنها فَريضة دائمة.

والآن دَعونا نرى بإيجاز شَديد كَيْف تطوّر الإحْتِفال بِيَوْم كيبور منذ التَّعْليمات الخاصَّة به في سِفْر اللّاوِيِّين السادِس عشر. لا يزال اليَهود المُتَدَيِّنون المُعاصرون يَحْتفلون بِيَوْم كيبور باعِتباره أقْدَس وأهَمّ أيام العيد. لكن في مكان ما على طول الخّطّ منذ بِداَيته قرّر الحاخامات الّذين سَيْطَروا في النِّهاية على دِيانة العِبْرانيِّين أنَّه في يَوْم التَّكْفير من المُفْتَرَض أن الله يَحْكم على الشَخْص عن السَّنَة السَّابِقة، ويُحَدّد ما إذا كان إسْم هذا الشَخْص سيُكتَب في كتاب الحياة للسَّنة القادِمة، ويَتِمّ خَتْم هذا الحُكم. تبدأ عَمَليَّة الحُكم قبل عشرة أيام في "روش هاشاناه"، رأس السنة اليَهوديّة الجديدة. في فترة العَشرة أيام بين روش هاشانا ويَوْم كيبور، من المُفْتَرَض أن يَقْضي الشَخْص وقتًا طويلاً في التأمُّل الدّاخلي والتَّوْبَة الصّادقة اسِتِعْدادًا ليَوْم الدَيْنونة.

لأن يَوْم كيبور هو يَوْم جَدّي ورَصين لِلْغاية ولا يُمْكِن إقامة حَفْلات الزَّفاف خلال تلك الأيام العشرة للتَّوْبة، تُعطى صَدَقة خاصة للفُقَراء في يَوْم التَّكْفير ويَرْتَدي أعْضاء بعض الطَّوائف الأرْثوذكسيَّة مَلابس بيْضاء بالكامِل في هذا اليَوْم (في إشارة واضحة إلى مَلابس يَوْم التَّكْفير الخاصة بالكاهِن الأكْبر في إسرائيل). وعلى عَكْس أي يَوْم آخر من السَّنة سَيَرْتَدي الرِّجال اليَهود "الطاليت"، شالات الصَّلاة، في قُدّاس الكَنيس في المَساء (في جميع الظُّروف الأُخْرى جَرَت العادة على ارْتِداء الطاليت في قُدّاس الصَّباح فقط).

لقد تغيّر الكثير فيما يَتَعلَّق بِيَوْم التَّكْفير. فَبَعد أن كان يَنْظُر إليه في الماضي على أنَّه يَوْم وَطَني للتَطْهير والتَّوْبَة، أَصْبَح اليَوْم فَرْديًا لِلْغاية في تَوَجُّه. ولأن الهَيْكَل لم يَكُن مَوجودًا بعد عام سبعين ميلادي، فقد وَجَدَ اليَهود أَنْفُسَهم في مَأزق: كَيْف يَتَطَهَّرون من نَجاسَتهم ويُكَفِّروا عن خَطاياهم إذا لم يَكُن هناك هَيْكَل يُقَدِّمون فيه الذَّبائح ولا رئيس كَهَنة يُكَفِّر عنهم؟ في وقتٍ ما حوالي عام ثمانمئة ميلادي، ظَهَرَتْ طُقوس بين بعض اليَهود، ولا تزال العديد من الجَماعات الأرْثوذكسيَّة تُمارسها حتى يَوْمنا هذا، وتُسَمّى "الكاباروت". في هذه الطُقوس يَخْتار الذَّكَر ديكًا وتَخْتار الأُنْثى دَجاجة، ويَتِمّ تأرْجُح الدَّجاج فِعْلِيّاً على رؤوس المُصَلّين اليَهود ثلاث مَرّات أثناء الصَّلاة بِصَوْت عالٍ: "هذا بديلي، قُرْباني، كَفارتي؛ هذه الدَّجاجة سَتَلْقى المَوْت، لَكِنَّني سأجِد حياة طويلة ومُمْتِعة من السَّلام". لا أعْتَقِد أن هناك حاجة لِمَزيد من التَّعْليقات على هذه المُمارسة.

إن وِجْهَة نَظَر حَديثة أُخْرى هي أن ما كان يَتِمّ إنْجاَزه في طُقوس يَوْم التَّكْفير، يَتِمّ اليَوْم عن طريق الصَّلاة والتَّوْبَة والأعْمال الصَّالِحة. في الواقع، حتى مَفْهوم الخطيئة الأصْلِيَّة… حيث يولَد جميع البَشَر، بما في ذلك بني إسرائيل، بِطَبيعة خاطِئة… قد أفْسَحَ المجال للإعْتِقاد بأن كل شَخْص يَبْدأ حَياته على أنَّها صالِحة ونقِيَّة، وأنَّه من المُمْكن تمامًا الحِفاظ عليها على هذا النحو. بالطَّبْع، من خلال تأكيد ذلك بَدلاً من الحَقيقة، فإن هذا يعني أن الخَلاص (كما يَعْتَقِد المؤمِنون) لَيْسَ ضَرورِيًّا حتى، بِشَرْط أن يَتِمّكَّن الإنْسان من الحِفاظ على الحالة النَّظيفة والمُقَدَّسة التي وُلِد فيها؛ وأن الإنْسان يَسْتَطيع بالفِعْل أن يَجِد البرّ بِمُفْرَده وأن يَتَبَرّر ذاتياً إذا اتَّبع التَوْراة بِدِقَّة.

مع الإعْتِراف بأن بعض الخَطايا تُعْتَبَر أخْطَر بِكَثير من غَيْرها، تقول اليَهوديّة أن الخَطايا الخَطيرة مثل تدْنيس إسْم الله لا يُمْكِن التَّكْفير عنها بِمُجَرَّد التَّوْبَة أو الصَّلاة أو مُراعاة التَّقاليد الحَديثة ليَوْم التَّكْفير. بل إن مَوْت المَرْء نَفْسه هو الذي يُكَفِّر عن تلك الخَطايا الجَسيمة. إذًا بالمَوْت تكون قد دَفَعْت ثَمَن نَجاسَتك وخَطيئَتك، ومنذ ذَلك الحين تُصْبِح طاهِرا وقادِرًا على الحياة في العالَم الآتي.

ألَيْسَ من المُدْهِش والمُحْزِن، أي مدى سَيَذْهَب إليه النّاس….. بني إسرائيل واليَهود والأُمَمِيّون ….. تَجَنّب قبول يسوع المسيح ؟

دَعونا نَخْتَتِم بِقراءة مَقْطَع من العَهْد الجديد يَشْرح بِشَكْلٍ جَميل ما هو يَوْم التَّكْفير، وكَيْف أن يسوع المسيح سَيُكْمِله (وقد أكْمَلَ بالفِعْل بَعْض جوانِبَه).

دَعونا نُنْهي هذا المقال بِقِراءة مقطع من العَهْد الجديد يَشْرح بِشَكْلٍ جَميل ما هو يَوْم التَّكْفير، وكَيْف سَيُحَقِّقه يسوع المسيح (وقد حَقَّقَ بالفِعْل بَعْض جوانِبَه).

الآن بعد أن أَصْبَح لَدَيْنا فِكْرة أفْضَل بِكَثير عن ماهِيَّة هذه الذَّبائح والطُقوس اللّاويَّة، أعْتَقِد أنّك سَتَجِد عبرانيين تِسعة أكثر قابِلِيَّة للفَهْم وأكثر مَعْنى.

اقرأوا سِفْر العبرانيين تِسعة بأكمله

كما قُلْت سابقًا في هذا الدَّرْس، فإن يسوع المسيح هو الذي دَخَل قُدْس الأقْداس ولَيْسَ نَحْن. فحتّى مَوْت يسوع، كانت كل طُقوس التَّضْحِية بِمَثابة مَثَلاً للأُمور القادِمة. لقد خَدَمَت بالفِعْل غَرَضَها المُباشَر، وقد كَفَّرَت بالفِعْل عن الخطايا قبل مَجيء يسوع، لكن يسوع سيَأخُذ كل ذلك إلى مُسْتوى آخَر وأعْلى من خلال دَمِه.

في الأسْبوع القادِم سَنَتَحَدَّث أكْثَر قليلاً عن يَوْم التَّكْفير ثم نَنْتَقِل إلى سِفْر اللّاوِيِّين السابِع عشر الذي يَبْدأ سِلْسِلة من الفُصول التي تتحَدَّث عن المَبادئ الأساسيَّة لجانِبَيْن مُهِمَّيْن من جوانب وُجود بني إسرائيل مُتَراِبطين بِشَكْل وَثيق: الطَّعام والذَييحَة.