سِفْر اللاويين
الدرس السادس – الفصل الرابع
لنُراجِع قليلاً. لقد نَظَرْنا حتى الآن إلى ثلاث ذَبائح مُخْتَلِفة، تُسَمّى أيضاً "قرابين": "أولاه"…… المَحْرَقة؛ و"منخاه"…… ذبيحة التّقدِمة (أي الحبوب)؛ و"زيفه"….. ذبيحة السّلامة. كان لكل منها أغراض ومُناسبات مُخْتَلِفة لاسْتخدامها.
تَشترِك جميعها في أنه يجب أن تُحرَق التّقدِمة، سواء كان حيواناً أو حُبوباً، على المذبح النُحاسيّ، ولكن، من المُهِمّ أيضاً أن نفهَم أنه لم يَكُن لأي من هذه التقديمات علاقة بارْتكاب الخطايا…… لم يتم التعامُل مع أي منها على أنها تكفير عن خطايا ضدّ الله في حدّ ذاتها، بل تمّ التعامل معها بِعِدّة جوانب من طبيعة الإنسان الفاسِدة أمام الله. فإذا كان الإنسان قادِراً على عدَم انْتِهاك حتى قانون واحد من قوانين الله، فلن يتمكّن هذا الإنسان أبداً من الهُروب من حقيقة أن غِياب السُلوك السَّيئ لم يُغيّر طبيعته؛ وطبيعته هي العامل الحاسِم في قبولِه من الله. لم يَكُن قبولنا لدى يَهوَة، ولا يزال، يَعْتَمِد على سُلوكنا بِقدر ما يَعْتَمِد على طبيعتنا؛ وطبيعة الإنسان، كما هي الحال دائماً، كانت مُحَدَّدة مسبقاً؛ فمُنْذ آدم وحواء، كانت طبيعة كل البشر شرّيرة في نظر الله. نُقطة على السّطر. ولا يستطيع الله أن يَقبل الطبيعة الخاطِئَة (كما هي) أكثر مِمّا يُمْكِنه أن يَقبل الأفعال الخاطِئَة دون أن تكون هناك عواقِب في نِظام عدالته.
مع ذلك فقد وفّر الله وسيلة قانونية للإنسان للتكفير عن طبيعته الشِّريرة بطبيعتها. عندما أقول قانونية، فأنا أعْنيها في سياق أنها تمّت وِفقاً لـ "الشرائع" و"الأنظِمة" التي أصدَرَها الله كجِزء من نِظامه القانوني….."المشباة" الخاص به، وكانت "أولاه" أول هذه العِلاجات. لقد لفتَتْ "أولاه" انتباه الله أولاً، ثم وفّرت وسيلة ليَنْظُر الله إلى المُتَعَبِّد نظرة إيجابية….أي أن المُتَعَبِّد أصبح مقبولاً لدى الله عن طريق "الأولاه". إن المعنى العبري لِلْكَلِمَة هو أن المُتَعَبِّد قد سُمح له بأن "يأتي قرب" الرب…. بالاقتراب من الرب.
لقد أُنشِئَت المنخاه على ما تمّ إنجازه بواسطة "الأولاه". بعد أن جعلَت "أولاه" المُتَعَبِّد قابلاً للإقتِراب من الله ومَقبولاً عند الله (لا يُمْكِن لأحَد أن يقترِب من الله حتى يكون أولاً مقبولاً عند الله)، عِندئذٍ يُمْكِن للعابِد أن يُقدّم هديّة لله. هذه الهديّة هي أكثر بشكل جِزية…..أي أنها هديّة مَطلوبة…..فِدية؛ ومن خلال القيام بما هو مطلوب، يُعبّر المُتَعَبِّد (بِدَفعِه الثمن المفروض) عن تكريسه ليَهوَة ورغبَتِه في أن يكون مُطيعاً.
أنشِئت ذبيحة السّلامة بعد ذلك على عَمل الأولاه والمنخاه. إن ذبيحة السّلامة تؤسِّس شراكة، سلام، بين المُتَعَبِّد والله سبحانه وتعالى، ولا يُمْكِن أن تحدُث حتى (أ) يَجِد الله المُتَعَبِّد مقبولاً لَدَيْه، و (ب) يتمّ دفع الجِزية…. التي يُمْكِن اعتبارها أيضاً فِدية…… . لقد أُنشأت الذَبائح الثلاثة معاً، المَحْرَقة والتّقدِمة (الحبوب) والسّلامة، سلاماً وشراكة مع يَهوَة وحافظَت عليها رغم طبيعة الإنسان الخاطِئَة المتأصِّلة فيه.
الآن دعونا نُلقي نظرة على النَّمَط والمبادئ التي تَظهر هنا؛ لأنه في المُستقبَل سيحدث تَحوَّل في نظام الذَبائح، وسيُصبح يسوع "النوع" الثابت الذي يُقدَّم في سِفْر اللاويين.
نجِد أن هناك طريقة مُحَدَّدة يجب أن نتعامل بها مع إله مُقدّس، وهناك تَسَلْسُل مُحدَّد يجب أن نتعامل به مع يَهوَة، وأن الخطيئة موجودة في عدد من الطُّرق داخل الأفراد والجماعات، وأن الخطيئة موجودة ليس فقط في سُلوكنا بل في نسيج كَياننا ولا أحد يَستطيع أن يتقرَّب إلى الله بطريقة مُخْتَلِفة أو بتَسَلْسُل مُخْتَلِف، ولا أحد مُعفى من حالة الشرّ التي وُلد بها بالفطرة ولا من المسؤولية عن شرط طاعة شرائع الله وأحْكامه.
إن ما نَجِده عند قراءة العَهْد الجديد والمقاطِع التي تتحدّث عن حياة المسيح وعَمَله من أجلنا هو أن أوّل ما فَعَله مَوْته وقيامَته لأولئك الذين وَضعوا إيمانهم فيه، هو أنه جَعَلنا نحن المؤمنين مقبولين عند الله. كل شيء يبدأ من هناك. الله ليس له مصلحة في عطايانا له إذا لم نَكُن أولاً مقبولين لَدَيْه…….إذا لم نَكُن مقبولين، فإن عطايانا أو بالأحرى فِدْيَتنا، غير مقبولة له؛ وإذا لم نَكُن مقبولين لَدَيْه، ولم تكُن عطايانا أو بالأحْرى فِدْيتنا غير مقبولة لَدَيْه، فلا يُمْكِن أن يكون هناك سلام بَيْنه وبيْننا.
لاحِظوا مَرّة أخرى أن المسألة المُتَعلَّقة بقُبول البشر من يَهوَة، بواسطة المسيح، لا تتعلّق بأفعالنا وسلوكياتنا الخاطِئَة…… بل بِطبائعنا الخاطِئَة. غالباً ما يَسْتَخدم القديس بولس تعبير "قوّة الخطيئة" عندما يُشير إلى مُشكِلة أن يكون لدينا هذه الطبيعة الفاسدة. أعتَقِد أننا نَخلُط أحياناً بعض الشيء بين ما قاله بولس، لأننا نعتقد أن تعبير "قوّة الخطيئة" يُشير إلى القوّة كما في مُصْطَلَح "القوّة الكهربائية" أو "القدرة بالحصان" أو "يا له من رجُل قوي". بدلاً من ذلك، أرى هذا أكثر بِمعنى الرّوحانية….. في الرئاسات والقِوى أو قِوى العالم السُّفلي أو قِوى الشرّ، أي أن بولس يُشير إلى الكيان المُسَيْطِر غير المنظور، مجال الشرّ، تلك الطبيعة الروحية المُظلِمة التي تعيش في داخلنا جميعاً، إلى أن يتمّ اسْتِبدالها بالروح القدس. لذلك عندما يقول بولس، "قوّة الخطيئة"، فهو يُشير إلى حالة الإنسان الخاطِئَة الطبيعية التي تؤثّر على كل جانب من جوانب حياتنا. كما ترون تماماً كما هو الحال مع الذَبائح التي فُرِضَت في سِفْر اللاويين، هناك الكثير مِمّا يجب أن يحدُث قبل أن يَهتمّ الله حتى بالتّعامل مع سُلوكيّاتنا الخاطِئَة. يجب أولاً التّعامل مع طبيعتنا؛ ثم يُمْكِن مُعالجة سُلوكنا. هذا هو الترتيب الذي قدّره الله للأمور.
كمؤمِنين لا نُصبح مقبولين لدى الله لأننا نتوقّف عن التعدّي على الله. لا يقوم الله بِتنْظيفنا قليلاً، أولاً، وعندما نَصِل إلى مستوى مُعيّن من السُّلوك الـ"جيِّد بما فيه الكفاية"، عندها يقول الله: وجَدْتُها! أنت الآن مقبول عندي"! لا، بل إن المسيح هو "أولاه"، المَحْرَقة والتّقدِمة التي تَسْمَح لنا بالاقتراب من الله. مَوْت يسوع وكَونَه ذبيحتنا، يَجعلني أنا وأنت مَقبولان لدى الآب……إذا كنّا سَنَسْتحِق ما فعلَه يسوع بِبَساطة عن طريق الإيمان به والثقة به. فقط بعد أن نُصبح مَقبولين لَدَيْه…….المَعْمدانيون يُسمّونه الخلاص والإنجيليون يُسمّونه الوِلادة الثانية…….يبدأ في التّعامل مع خَطايانا تِجاهَه. أولاً يجب أن تكون طبيعتنا مَقبولة لدى الآب وهذا يتحقّق بِتَضحية المسيح والتبديل المتزامن للطبيعة فينا: في اللّحظة التي نَقبل فيها المسيح، تُسْتَبدَل طبيعتنا القديمة بِطبيعة جديدة طاهرة مُقَدَّسة وذلك في صورة الروح القدس الذي يأتي ليُسْكن فينا.
الآن أنا متأكِّد من أن الكثير منكم يقول: فماذا عن دَفع المسيح ثمن خطايانا (خطايانا، بالجمع)، آثامنا، سلوكياتنا السيّئة"؟ نعم، إنه يَفعل ذلك أيضاً ولكن بِطريقة حقيقية جداً. الخُطوة الأولى المَطلوبة هي أنه يَدفع ثمناً ليُعطينا القُدرة على الاقتراب من الآب، لنكون مَقبولين لدى الآب. الآن لا أريد أن أترُك انطباعاً كما لو أنني أصِف برنامجاً من ثلاث خطوات للسّلام مع الله؛ فالأمر لا يَسير هكذا. في الجسَد نقوم بالأشياء بطريقة متَسَلْسُلة؛ خُطوة بعد الأخرى. كان نظام الذَبائح اللاوية يعمل بهذه الطريقة؛ كانت هناك مذابح مادّية وذَبائح مادّية وما إلى ذلك. لذلك كان هناك ترتيب تَسَلْسُلي للطّقوس وكان كل طَقس يتناول جانِباً معيَّناً من العملية. كان الله يُفصّل لنا خُطّته ويوضِحها لنا في أجزاء بطريقة مُبسّطة يُمْكِن للإنسان أن يَفهمها؛ يُرينا المبادئ والنَّمط والأوْجُه المُتعدَّدة للخطيئة والتكفير والغُفران، وفي ذلك كان يُرينا قداسَته وعدْله.
بعد أن تعامَل مع طِبائعنا الخاطِئَة في الإصْحاحات الثلاثة الأولى من سِفْر اللاويين، سيَبْدأ الآن في الإصْحاح الرابع في التعامُل مع سُلوكياتنا الخاطِئَة.
اقرأ الإصْحاح الرابع من سِفْر اللاويين بأكمله
على الرغم من أننا لن نَصِل إلى الإصْحاح الخامس اليوم، ولن ننتهي على الأرْجح من الإصْحاح الرابع، إلا أنه يجب أن نَعرِف أن الإصْحاحين الرابع والخامس مُرتبطان معاً، من حيث أنّهما معاً يُحَدِّدان نوعاً جديداً من الذَبائح. لقد أطلَق العلماء، الذين يُحبّون الكَلِمات الكبيرة، على الذَّبيحتَيْن في لاويين أربعة وخمسة، عندما تؤخَذان معاً كَفِئة أو نوع مُعيّن، إسم ذبيحة تَكْفيرية، أي أنها مُصمّمة للتكفير عن أعمال الخطيئة. في الواقع إن العنوان المُعتاد لتقدِمة الذبيحة في الإصْحاح الرابع، وغالباً ما يكون أيضاً في الإصْحاح الخامس، هو "ذبيحة الخطيئة"؛ ولكننا لن نَستخدِم هذا العنوان لأنه يُسيء حقاً إلى ما هو مقصود.
تُسَمّى ذبيحة الإصْحاح الرابع من سِفْر اللاويين بالعبرية "حتآت" (ذبيحة الخطيئة) وهي تَحْمُل في طيّاتها معنى كوْنها ذبيحة لغرَض تطهير الخاطئ من أجل تَخْليصه من ذَنْبِه أمام يَهوَة، لأن هذا الإنسان ارْتكب مُعْصية ضدّ يَهوَة. بِعبارة أخرى، ليس الفعل هو الذي يتم التعامُل معه، بل الحالة المُلوّثة للعابِد التي نَتجَت عن فِعل المُعصية الذي ارْتكبها هي التي يتم التعامل معها. يُفترض أن المُتَعَبِّد كان في حالة طاهرة أو نظيفة طقسياً؛ وأنه لم يَكُن مُلوثاً بِذنب الخطايا ولكنه الآن قام بشيء يتعارَض مع قداسة الله وكان لا بدّ من فِعل شيء حِيال ذلك. الآن بعد أن ارْتكب هذه المَعصية لم يَعُد طاهراً أمام الله … وبالتالي، كان بِحاجة إلى التطهير. لذلك في صفّ التوراة سَنُسمّي هذه الذبيحة في سِفْر اللاويين أربعة "ذبيحة التطهير". فقط حتى لا تظنّوا أنني أُعيد تعريف الكَلِمات وأطرَح لاهوتي الجديد، افهموا أن الترجمة الإنجليزية النموذجية لكَلِمَة "ذبيحة الخطيئة" عند ترجمة المُصْطَلَح العبري "حتآت" ليست ترجمة مباشرة لِلْكَلِمَة، بل تُسَمّى ترجمة عملّية، وهذا يعني أنه لا يوجد شيء إسمه "ترجمة" لكَلِمَة "حتآت"؛ فليس لهذه الكَلِمَة كَلِمَة مُطابقة في لغة أخرى، بل كل ما يُمْكِن فعله هو إعادة صِياغة الغرَض من كَلِمَة حتآت؛ أي وظيفتها، باللغة الإنجليزية (أو أي لغة أخرى). بما أن "حتآت" ليست من الناحية التِّقنية ذبيحة للتكفير عن سُلوك غير مقبول تم ارْتكابه، فإن تَسْمِيتها "ذبيحة الخطيئة" تُعطينا انطباعاً خاطئاً عن الغرَض منها. من الناحية العمَلية، تُصلح الذبيحة حالة المُتَعَبِّد الذي ارْتكب خطيئة… إنها تطهِّر هذا المُتَعَبِّد.
لذلك فإن الترجمة الأفضل لوظيفة "الحتآت" هي أنها ذبيحة تطهير.
تبدأ الآية الاولى بإيضاح أن ما كان على وَشَك أن يتمّ هو أمر يَهوَة لموسى؛ لم يَكُن هذا إعلاناً من قبل أشخاص ذوي سلطة بل كان الله يتكلم؛ والآية الثانية تُخبرنا أن الحتآت تهتمّ بتطهير المُتَعَبِّد من الخطيئة غير المَقصودة وسَنُناقش هذا الجانب "غير المُتعمّد"، الذي يميل أكثر نحو فِكرة أن الخطيئة غير مقصودة (عرضية)، أكثر قليلاً عندما نَصل إلى الفصل الخامس.
لقد تحدّثت الآن قبل بُضع دقائق عن المبادئ والنَّمط الذي تم تأسيسه في الذَبائح الثلاث الأولى من سِفْر اللاويين، وكيف أنها سَتَنْتقِل إلى بقيّة الكتاب المُقَدَّس، حتى إلى خِدمة المسيح وهدَفه. أما الذبيحة الرابعة، فتقدِّم جانباً آخر لطبيعة الخطيئة وآثارها والاعْتداء التي تسبِّبه لقداسة الله. ما نفعَله عندما نَدرُس سِفْر اللاويين هو ما أُسمّيه "المشي حول الصَّخْرة" لأولئك منكم الذين لم يَنعموا بهذه الحكمة الشعبية الصغيرة من قبل، دعوني أشرح لكم: إذا واجهْتَ صخرة كبيرة جداً، صخرة عمْلاقة، وأردت أن تتفحّصها وتَصِفها، عليك أن تبدأ من نقطة واحدة وتمشي حول مُحيطها بالكامل. أثناء سَيْرك حول تلك الصَّخْرة، إذا توقّفت ودوَّنت ملاحظات حول شَكلها بالضبط (لونها، سطحها، مَلْمسها، ما إذا كانت لها حواف حادّة أم أنها أكثر انحناءً) فإن ما سَتَكتبه سيَعْتَمِد على المكان الذي تقف فيه في أي لحظة مُعيّنة؛ فكلما تحرّكت ونظرْت إلى الصَّخْرة من موضع مُخْتَلِف قليلاً سَيتغيَّر مَظهرها. للحصول على فهم صحيح وكامل لجميع الجوانب الفيزيائية لتلك الصَّخْرة عليك أن تنظر إليها من عِدّة مواضع وزوايا؛ وهذا لأن الصَّخْرة عشوائية الشكل. فهي تبدو مُخْتَلِفة إلى حدّ ما حسب المكان الذي تتوقّف فيه وتنظر إليها. وإذا قرَّرْت أن تقِف في بقعة واحدة فقط وتصِف الصَّخْرة من زاوية واحدة فقط، فسَتَحصل على رؤية مُشَوَّهَة وغير مُكْتملة للصورة العامة وطبيعة تلك الصَّخْرة……. حتى لو كنت بالتأكيد تَنقل بِدِقّة ما تراقب من النقطة المُحَدَّدة التي تقف فيها.
مناقشة الخطيئة والتكفير هي على هذا الشكل. في عَصْرنا هذا، نميل إلى الإعتقاد بأننا نستطيع أن نَخْتزِل كل مبدأ من مبادىء الكتاب المُقَدَّس تقريباً في حفْنة من الكليشيهات المسيحية والأقوال الذَّكية. قد لا تكون هذه الأقوال خاطِئَة؛ لكنها غالباً ما تكون مُبَسّطة جداً لدرجة أنها غير مُجْدية. لذلك يأخذنا سِفْر اللاويين في طريق طويل حول صخرة الخطيئة والتكفير، متوقِّفاً لِفَحص جوانبها العديدة في عدد من المواضع وسنجِد أن الخطيئة مُشكلة مُعقدة وربما تكون أكثر خطورة، وحاضرة بأشكال أكثر في حياتنا أكثر مِمّا فكَّرنا فيه من قبل.
كما ترى، فإن المشكلة الرئيسية في الخطيئة هي أنها يُمْكِن أن تدمّر العلاقة بين الإنسان والله. الخطيئة تمثِّل أكبر خَطر على علاقة العَهْد التي خلقَها الله لكي يعيش الإنسان في سلام، في "شالوم"، معه؛ والخطيئة تجلب معها عواقب غالباً ما تكون غير مقصودة وغير مُتوقَّعة وأحياناً لا حلّ لها. واحدة من أكثر العواقب الكارثية على الإنسان هي أن الخطيئة يُمْكِن أن تُعجّل بغضب الله. سأُخبركم بِصراحة أنني واجَهْت العديد من المسيحيين الذين قالوا شيئاً مثل "أنا لا أؤمن بِغضب الله" أو، في كثير من الأحيان، "لا أريد أن أسْمع عن غضب الله". إذا كنت لا تؤمن بأن الله يَصُب غضَبه في الدَيْنونة أو أنه ليس إله مَحبة ودَيْنونة، فأنا أخشى عليك لأنك لا تفهم الطبيعة الخطيرة للخطيئة وعواقبها. بحلول الوقت الذي ننتهي فيه من سِفْر اللاويين سترى مدى الجدّية التي يأخذ بها الله الخطيئة……وهي ليست صورة جميلة.
هذا الصُّنف الرابع من الذبيحة في سِفْر اللاويين (الحتآت) يتعامَل بعد ذلك مع الحالة غير المستقِرَّة التي يجد الشخص الذي أخطأ نفسه فيها. يبدو الأمر كما لو أن الشخص الذي أخطأ قد سُمّم بِسَم قوي لِدرجة أنه مُعرَّض لعدم النجاة. الحتآت، ذبيحة التطهير، هي التِرياق لإبطال مفعول ذلك السمّ. كيفية تسمّم الشخص وطبيعة السم بالتحديد، أمر ثانوي…..بشرط أن يكون قد حدث عن غير قصد. ما هو مُهمّ هو إعادة الشخص إلى صحة جيدة……إزالة الآثار المُنْكِة لذلك السمّ على الشخص …..إعادة ذلك الشخص إلى حالة من الصحة الروحية الجيدة حتى لا تتدمَّر علاقته مع يَهوَة. هل هذا منطقي بالنسبة لك؟ إن ذبيحة الحتآت هو الرب الله سبحانه وتعالى في مُهمَّة إنقاذ لإنقاذ الشخص من حالته الخطيرة أمام الله التي يُمْكِن أن تكون قاتلة روحياً.
ونَجِد أن مسألة الخطيئة خطيرة بما فيه الكفاية (بحسب من يقع في هذه الحالة الآثمة بِسَبَب خطاياه وموقع المتعدي داخل جماعة إسرائيل)، فهناك إجراءات طقسِيّة مُخْتَلِفة مقرّرة. فرئيس الكَهَنَة له إجراء واحد إذا أخطأ، ورئيس القبيلة له إجراء آخر وعامة الشعب لها إجراء آخر، وحتى عندما تُخطئ الأمة كَكُل ضدّ يَهوَة، فهناك إجراء مُخْتَلِف.
دعونا ننظر بإيجاز إلى كل مستوى من مستويات المجتمع الإسرائيلي المذكورة في الإصْحاح الرابع ونُناقش إجراءات التطهير المُخْتَلِفة المناسبة لكل منها. إن ترتيب أهمّية المَنْصِب والمَكانة داخل المُجتمع العبراني مُحدّد في هذا الإصْحاح؛ رئيس الكَهَنَة، ثم كل إسرائيل (الجماعة كلها)، ثم زعيم القبيلة وأخيراً الشّخص العادي. لذلك خوطِب رئيس الكَهَنَة أولاً، باعتبارِه الأهمّ بين هؤلاء.
سَتَستَخدِم بعض نسخ الكتاب المُقَدَّس، في الآية الثالثة، مُصْطَلَح "الكاهن المَمْسوح"…… وهذا يُشير إلى رئيس الكَهَنَة، لأن رئيس الكَهَنَة هو الكاهن الوحيد المَمْسوح بِزيْت المَسْحة. بما أن رئيس الكَهَنَة هو الوسيط بين الله والإنسان، فإن خطيئته أمرٌ فظيع ولا يُعرِّض نفسه فقط للخطر، بل يُعرّض أمة إسرائيل بأكملِها أيضاً. عندما يُخطئ رئيس الكَهَنَة في حق الله، فالأصْل الثابت هنا هو أن هذا الأمر يؤدي إلى تلويث كل بني إسرائيل. الآن دَعونا نكون واضِحين أنه في سياق سِفْر اللاويين أربعة، لم تَكُن خطايا رئيس الكَهَنَة هذه بالضرورة خطايا شخصيّة ذات سلوك سيئ….. بشكل عام كانت أخطاءً ارْكُبت في تنفيذ واجباته كرئيس كهنة. كانت هناك ذَبائح أخرى تتناول خطاياه الشخصيّة. بما أن واجبات رئيس الكَهَنَة كانت في المقام الأول تنفيذ الطقوس المُخْتَلِفة التي فرَضها الله والتي كانت نِيابة عن الشعب، فعندما كان يُخطىء رئيس الكَهَنَة كان يُخطئ نيابة عن الشعب ولذلك كانوا يتَحْمَّلون نفس القَدَر من الذَّنب الذي يتَحَمَّله هو.
نتيجة لذلك كان على الكاهن أن يَستخدم الذبيحة التي كانت على رأس التَسَلْسُل الهرَمي للذبيحة، وهي ثَوْر ناضج. بينما في الأُولى، أي ذبيحة المَحْرَقة، كان اختيار الحيوان الذي سَيُستخدم في الذبيحة يتنوَّع….. من ثَوْر وصولاً إلى عصْفور…. لم يَكُن له علاقة بِمَدى طبيعة الشخص الخاطِئَة…. بل كان له علاقة بما يُمْكِن للشخص تَحْمُله بشكل معقول…..الثَوْر هو الأغلى والأكثر إسْرافاً، والعصفور هو الأقل. هنا في الحتآت الأمر مُخْتَلِف إلى حدَ ما. في قرابين التطهير، كلما كانت مَكانة الشخص المُخطئ في المجتمع الإسرائيلي أعلى كلما كان الحيوان أغلى وأكبر حَجْماً، لذلك كان رئيس الكَهَنَة مسؤولاً عن أكبر وأغلى ذبيحة حيوان، ثور عمره ثلاث سنوات.
كما هو الحال في ذبيحة المَحْرَقة، كان يجب أن يؤتى بالحيوان إلى ساحة خَيْمَة الإجْتِماع، وهناك يقوم المُتَعَبِّد….. في هذه الحالة رئيس الكَهَنَة….. بأداء "السيميخا" (وضْع الأيدي). وتذكَّر أن وضْع اليدين هذا عادة ما كان يَحمل في طيّاته فِكرة نقل الذنب من المُتَعَبِّد إلى الحيوان….ولكنه كان يَحمل أيضاً في كثير من الأحيان فِكرة التحديد الرسمي لهذا الحيوان المعيّن على أنه ذبيحة هذا المُتَعَبِّد المعيّن، ثم يَقتل رئيس الكَهَنَة الحيوان ويَجمَع دمَه في إناء طقسي.
كان الدم يؤخذ إلى داخل المكان المُقَدَّس، خَيْمَة الإجْتِماع، وكان رئيس الكَهَنَة يُغمس إصبعه في دم الثَوْر ويَرشَّه، سبع مرات، على "الباروخيت"، وهو السِّتار أو الحِجاب الذي يَفصل قُدْس الأقداس عن المكان المُقَدَّس. لنَكُن واضحين: كان رئيس الكَهَنَة واقفاً في المكان المُقَدَّس، وليس قُدْس الأقداس عندما فعل ذلك. الآن هذه "الطقوس الدمويّة" بالذات كانت غير عادية. المَرّة الوحيدة الأخرى التي حَدَث فيها ذلك في الواقع كانت في يوم "كيبور"، يوم التكفير؛ ولكن في يوم كيبور دخل رئيس الكَهَنَة بالفعل إلى قُدْس الأقداس. بعد ذلك، كان رئيس الكَهَنَة يَمْسح قليلًا من الدم على قمَّة مذبح البَخور الذي كان قائماً بِجوار الباروخيت في المكان المُقَدَّس. سَكب الدم المتبقي عند سَفح المَذبح النُحاسيّ بدلاً مِمّا كان مقرَّراً حتى الآن، وهو أن يُرش دم الحيوان على جوانب المذبَح الأربعة.
بعد ذلك كان الثَوْر يُقطَّع؛ ويُزال الشحم من بعض أعْضائه الداخلية ويُحرَق على المذبح النُحاسيّ. وهنا، في الآية الإثنتي عشرة نَجِد خروجاً جذرياً إلى حدّ ما عن طُقوس الذبيحة التقليدية؛ فكل ما تبقى من الثَوْر لا يؤكل، ولا يُعطى للكَهَنة لاستخدامه كطعام، ولا يُحرَق على المذبح النُحاسيّ، بل يؤخذ إلى مكان مُخصّص خارج المخيّم، وهناك يُحرَق على نار حطَب عادية، ويوضع الرّماد على كوْمة رماد خاصة تقع أيضاً خارج المخيّم.
الآن إذا كنا لا نَنْتَبِه، قد تفلُت منا بعض التفاصيل المُهِمّة بِسَبَب مشاكل ترجمة العبرية الأصلية إلى اليونانية، ثم من اليونانية إلى اللاتينية، ثم من اللاتينية إلى الإنجليزية، (وهي الطريقة التي ورَدت بها مُعظم تَرْجمات أناجيلنا). في الآية عشرة يُقال لنا أن أجزاء مُعَيّنة من الثَوْر، وبشكل رئيسي الشَّحم، "تُحرق" على المذبح النُحاسيّ. الكَلِمَة العبرية المُسْتخدمة لكَلِمَة "يُحْرَق" هي" قطر" وهي كَلِمَة تشير إلى فعل الحَرْق الذي يُحوِّل القُربان إلى دُخان……دُخان يُرضي الله وهي أيضاً كَلِمَة تُستخدم عند الإشارة إلى حَرْق البخور على مذبح البخور في المكان المُقَدَّس. الفِكرة هي أن هذا النوع من الإحْراق هو أمْر إيجابي، إجْراء مقدّس.
لكن في الآية إثني عشرة حيث تُنقل بقايا الثَوْر إلى مكان خارج المخيّم وتُحرَق على نار الحطَب العادية، فإن الكَلِمَة العبرية المُسْتَخدَمة لكَلِمَة "إحراق" مُخْتَلِفة؛ والكَلِمَة تَحْمُل معنى مُعاكساً تقريباً لِلْكَلِمَة في الآية عشرة للإحراق. الكَلِمَة التي تَصِف الإحتراق في هذه الحالة هي "ساراف" وساراف تعني التَّدمير بالنار…..التّدمير بالإحْراق. الفِكرة هي أنك تتخلّص من شيء غير مَرغوب فيه وغير نظيف. يُمْكِن استخدام سراف لوَصْف حرْق القمامة، على سبيل المثال. إذاً قطر تتعامل مع الحَرق المُقَدَّس، وسراف مع التّدمير بالإحراق؛ قطر بناء وسراف تدْمير. فما يُحرَق على المذبح النُحاسيّ مُقدَّس وبنّاء، وما يُحرَق خارج المخيّم على نار الحَطب العادية فهو فاسِد ومدمِّر.
وإذا كانت كَلِمَة ساراف… سا-را-ف….. تبدو مألوفة لأذُنَيْك، فيجب أن تكون كذلك، لأنها هي الكَلِمَة الجذْرية لذلك المخلوق الذي رَفَعه موسى على العمود في البرية…… ساراف… سا-را-ف….. وعادةً ما يُطلق عليه التِّنين الناري أو الحيَّة النارية… ناري كما في الحَرق. سنَجِد أيضاً أن السيراف يوصَف في الكتاب المُقَدَّس بأنه في خِدمة الله. لكن لاحظ أن جذْر كَلِمَة ساراف وسيراف يدور حول الدَّمار. ربما يكون هذا هو المفتاح لفَهم أحد أغراض الروح، وهو ما يُسمّيه الكتاب المُقَدَّس بالسيرافيم (نُتَرجمها نحن بالسيرافيم) الذي يحرُس غرفة عَرْش الله. وظيفة السيرافيم هي أن يَنْزل الدَّمار المُطلق على كل مَن ليس طاهراً ونقياًّ ويتجرّأ على دخول حضرة الرب.
اسمَحوا لي أيضاً أن أذكُر أننا سَنُصادف فرعاً من هذا الإحْراق للثور خارج المُخيّم، في ذبيحة العِجل الأحمر. الآن، مُعظم الناس قد سَمِعوا بهذا المُصْطَلَح، العِجل الأحمر، بل إن البعض يَعرف أن اليهود يَبْحثون الآن عن عِجلة حمراء مثالية، لأنه سيكون مطلوباً عند بناء الهَيْكل الجديد في أورشليم. لن أخوض في الأمر الآن ولكن لاحظ أن الفرْق الأساسي بين ذبيحة الحتآت والعِجل الأحمر هو أن رئيس الكَهَنَة يجب أن يًسْتخدم ذَكراً (ثوراً) في ذبيحة التطهير، بينما ذبيحة العِجلة الحمراء (كما يُمْكِنك أن تعرِف من الإسم) تتضمَّن ذبيحة أنثى (بقرة، عِجلة).
لكن في كِلتا الحالتَيْن يجب أن يكون إحراق بقايا الحيوان خارج المُخيّم، لذلك فهو نوع من الحَرق السرافي ….أي أنه حرق مُدمِّر. فماذا يعني بالضبط أن يكون خارج المُخيّم؟
في الواقع، إنه حَرْفياً تماماً. لقد أمَر الله موسى أن يُخيّم بنو إسرائيل حول خَيْمَة الإجْتِماع في البرّية، ومنطقة المخيّم هذه تُسَمّى "مخيّم بني إسرائيل". هذه المنطقة تُعتبر نظيفة، أي نظيفة بمعنى طاهرة، وليست نظيفة بمعنى نظافة صحّية (مع أن النظافة كانت جِزءاً ضرورياً من الطهارة). الآن لا نَعْرف بالضّبط أين كانت الحُدود الخارجية لمُخيّم بني إسرائيل في عَصْر موسى وخَيْمَة الإجْتِماع، ولكن لا بدّ أنها كانت في مكان ما وراء المكان الذي نُصِبت فيه خِيام أسباط إسرائيل الإثني عشر. بعد ذلك بمئات السِّنين عندما أفْسَحَت الخَيْمة المُتَنقِّلة التي كانت خَيْمَة الإجْتِماع في البرِّية الطريق إلى مبنى دائم من الخشب والحَجَر يُسمّى الهَيْكل، تم وضع قياس فعلي لتحديد ما يقع داخل المخيّم، وبالتالي ما هو خارجه، وكان القياس الفعلي هو ما كان داخل المُخيّم. كان القياس دائماً دائرياً، وكان مَرْكز الدائرة هو قُدْس الأقداس. لذلك في زمن يسوع، كانت مساحة "مُخيّم بني إسرائيل" مُحَدَّدة بنُصف قُطر يبلغ ألْفَيْ ذِراعاً، حول قُدْس الأقداس….. حوالي ثلاثة آلاف قدماً. أي أن دائرة وهْميَّة كانت مَرسومة حول قُدْس الأقداس في جبل الهيكل، نصف قطْرها ثلاثة آلاف قدماً. كل ما كان داخل تلك الدائرة كان داخل المُخيّم، وكل ما هو خارجها (بشكل عام) كان "خارج المُخيّم".
الآن ما قُلْتَه لك للتوْ موثَّق جيداً في "المِشناه" (وثيقة تصف حياة التقديس)، والجزء الوحيد المُخْتَلَف عليه هو التعريف الدقيق للذِراع، والذي يَخْتلِف من ثقافة إلى أخرى…..ولكنه كان بشكل عام حوالي ثمانية عشرة بوصة.
ما هو مثير للإهتمام بالنسبة لي هو تعليق لكاتب العبرانيين (الذي يَفترض عموماً أنه القديس بولس ولكن هذا ليس مؤكداً على الإطلاق) يتعلّق بالمكان الدَّقيق الذي صُلب فيه المسيح. اقلُبوا صفحات أناجيلكم إلى عبرانيين ثلاثة عشرة على عشرة الى ثلاثة عشرة.
اقرأ العبرانيين ثلاثة عشرة على عشرة الى ثلاثة عشرة
لاحِظوا أن بولس (أو أياً كان كاتب العبرانيين) يُجري تشبيهاً: يقول أنه كما أن رئيس الكَهَنَة يقدِّم ذبيحة من الدم إلى المذبح كذبيحة لخَطيئة (حتآت، الذبيحة التي كنا نَدْرسها في سِفْر اللاويين أربعة) ولكن جَسَد الثَوْر يُحرَق خارج المحلَّة، هكذا أيضاً يسوع قد أُهلِك خارج المحلّة، ولذلك يجب أن نلتَحِق به هناك.
الآن بعض الأناجيل، بما في ذلك الكتاب المُقَدَّس اليهودي الكامل، تقول في الآية إثني عشرة "خارج البوّابة"؛ ربما كانت البوابة المشار إليها هي البوابة الشرقية. في أيام يسوع، كان هناك جِسر ذو طابقين خارج الباب الشرقي مباشرةً وكان يمتدّ الى الوادي في الأسفل ويَرْبط جبل الهيكل بِجبَل الزيتون. كان هذا الجِسر هو الجِسر الذي كان تُنقل فوقَه العِجلة الحمراء وكِبش الفداء للطقوس المُرتبطة به، والذي كانت تُنقل فوقَه بقايا ثوْر ذبيحة التطهير، الحتآت. كما ترون بينما حَدّدنا حتى الآن في دِراستنا للتوراة مَذبِحَيْن استُخدِما كجزء من النظام القرباني العام….. مذبح البخور الذهبي الذي كان داخل المكان المُقَدَّس، والمذبح النُحاسيّ الذي كان خارج باب الهَيْكل، كان هناك في الواقع مَذبح ثالث، اسْمه مذبح "ميفكاد". كان مَذبح الميفكاد هذا يقع بالقرب من قمة جبل الزيتون، خارج حدود مُخيّم بني إسرائيل، وهنا أُحرِقت العِجلة الحمراء وتحوَّلت بقايا الثَوْر إلى رَماد، ولذلك فَبِحسب كاتِب العبرانيين ربما كان المكان الذي صُلب فيه المسيح قريباً جداً من مَذْبح الميفكاد.
تقول الرسالة إلى العبرانيين ثلاثة عشرة على ثلاثة عشرة أن المسيح لقيَ نهايَته خارج المُخيّم. الآن، إذا رَسم المرْء دائرة طولها ثلاثة آلاف قدماً حول قُدْس الأقداس، فهذا يعني أن المسيح لا يُمْكِن أن يكون قد مات في أي مكان داخل تلك الدائرة وإلا لكان داخل المُخيّم والموْقع التقليدي الذي صُلب فيه المسيح يقع داخل المُخيّم.
هذه هي النّقطة، وهناك نُقطتان: أولاً، من المُحْتَمل أن يكون المسيح قد صُلب على جبل الزيتون، لأن "مخيّم بني إسرائيل" كان ينتهي في جزء من مُنْحَدَر جبل الزيتون، وبالتالي كان "خارِج المخيّم" وقد قيل لنا في الأناجيل أن أولئك الذين شاهدوا مَوْت المسيح، عندما اخْتَبَروا زِلزالاً في الّلحظة التي أسْلَم فيها روحه، الْتَفَتوا ونَظروا فَرأوا الحِجاب في الهيكل "مُنْشقّاً" أو مُمَزّقاً، من أعلى إلى أسفل. حسناً، بما أن ذلك الحِجاب الخارجي كان مُواجِهاً للشرق، باتِجاه جبل الزيتون، فإن المكان الوحيد الذي كان من المُمْكِن أن يكون هؤلاء الناس فيه لكي يروا بالفعل تمزُّق الحِجاب كان على جبل الزيتون.
في أي مكان آخر تقريباً، كان من المُمْكِن أن يكون بعيداً عن أنظارهم. النقطة الثانية هي أن هناك أهميّة كبيرة في مَوْت يسوع خارج المخيّم لأنه يُخبرنا أن مَوْت المسيح كان أقرب ما يكون إلى ذبيحة التطهير لرئيس الكَهَنَة….وقد قيل لنا عدة مرّات أن المسيح هو رئيس كَهَنتنا. إن هذا الإجراء الخاص بإتلاف الذبيحة خارج المخيّم كان يُستخدم فقط عندما يُفسَد رئيس الكَهَنَة بالخطيئة (وهذا لا يَنْطَبِق على رئيس القبيلة أو عامة الشعب). كان يجِب إتلاف هذه الذبيحة بالذات. ماذا قال يسوع؟ …..إلهي، إلهي، لماذا تخلّيْت عني (ترَكْتَني)؟ ابْتَعد الآب لِلَحظة عن يسوع ووقَع غضب الله، الذي هو الفناء المُطلق والدَّمار الكامل، على المسيح ليَحِمله بدلاً منا.
الآن، أنا لسْتُ جازماً على الإطلاق بشأن مكان مَوْت المسيح؛ يُقدِّم كاتب العبرانيين قَرائن، وليس أدِلَّة مُطْلقة. لكن هذا يوضِح مدى أهمية أن نَدْرس ونفهَم التوراة ونِظام الذَبائح اللاوي. إن القَوْل بِبَساطة إن المسيح كان "الذبيحة" من أجلنا هو قول صحيح. لكن أي نوع من الذبيحة؟ أي من أنواع الذَبائح العديدة؟ عندما تقول العبرية أن المسيح قُدِّم كذبيحة خطيئة، فهذا نوع خاص من الذبيحة… حتَآت… والحتَآت لها غَرَض مُحدّد للغاية. إنها ليست نوعاً عاماً أو عالمياً من الذبيحة. تذكّر أن أولئك الذين كَتبوا العَهْد الجديد في الأصل ورواية مَوْت المسيح كانوا يهوداً. لقد فهِموا جيِّداً تعقيدات نِظام الذَبائح لأنه كان معروفاً لَدَيْهم. فهل ذَكَر بولس المعلومات حول مَوْت المسيح "خارج المحلّة" فقط لأنها كانت دْراميَّة أم أنه لم يُفكِّر في ما تعنيه؟ لا، هذه المعلومة كانت ذات معنى كبير لأي يهودي. على أية حال، لا أريد أن أُعْطي انْطباعاً بأن ذبيحة التَّطهير كانت العُنْصر الوحيد في نظام التضْحِية الذي حقَّقَه يسوع، لكن، من المؤكَّد أن جِزء ذبيحة التّطهير كان في المُقدِّمة وفي مركز رسالة العبرانيين، وعلينا أن نَنْتَبِه إلى ذلك.
سنُنهي الفصل الرابع في الأسبوع المُقبل.