سِفْر اللاويين
الدرس اثنان وأربعون – الإصحاح سبعة وعشرون (نهاية الكتاب)
ندرُس اليوم الإصحاح الأخير من سِفْر اللاويين، ونَختتِم سِفْر اللاويين. قد نَستغرق وقتاً طويلاً بعض الشيء لكي نَنتهي.
من المُثير للاهتمام أنّ الأمور القليلة الأخيرة التي تمّ الحديث عنها في سِفْر اللاويين تدور حول تمويل الحَرَم المقدّس. من مَنظور الكتاب المقدس، فإنّ تشغيل الحَرَم……. الذي كان في هذه المَرحلة من تاريخ إسرائيل خيمة مُتنقِّلة، خيمة البريّة….. ولكن فيما بعد سيكون مبنى ثابتًا، الهيكل… يمكن تَمويله من عدد من المَصادر. ويَتناول هذا الإصحاح عدّة فئات رئيسية لتمويل الهيكل: رَهْن الفضّة والحيوانات، وتكريس الممتلكات العقارية مِثل المنازل والأراضي، وإعطاء أبكار الحيوانات وبواكير المحاصيل، والتَبرُع بالممتلكات والعُشر.
ما نَجِده ونحن نقرأ هذا الأصحاح هو أنّ الكهنوت الذي كان يُدير الحَرمَ المُقدَّس كان هدَفُه (في أغلب الأحيان) الحصول على الفضّة لشراء كل ما هو مطلوب للصيانة والتشغيل. ولذلك، سنَرى جدولاً للقِيم التي تم وَضْعُها، حيث يمكن استبدال مختلف التعهّدات من الأراضي والحيوانات….حتى الأشخاص….. بالفضَّة. أي أنّ الفكرة كانت تقوم على أن يَنذُر شخص ما أن يعطي كذا وكذا للمقدَّس، ثم يعود هذا الشخص ويسترِدّ… ويشتري ما كان قد أعطاه. كم كانت تَكلفة استرداد هذه الأشياء؟ هذه إحدى المسائل التي يتناولها هذا الإصحاح.
علينا أيضًا أن نُدرِك أنّ هذا يُشير إلى الوقت الذي كانت فيه إسرائيل مُستقرّة في الأرض وتَعيش حياةً مُختلفة تمامًا عن الحياة البدوية التي تعيشها حاليًا. إنّ المنطِق السليم يَفرِض علينا أن نرى انّ ظروف إسرائيل ستَختلف جَذريًا عندما يغزون كنعان ويكون لهم وَطَن دائم؛ وهذا مِثال جيِّد لنا لنُلاحظ أنّ مبادئ الناموس هي التي نَحتاج الى ادراكِها بعُمق اكثر من بعض التفاصيل الدقيقة التي تَتعامل مع الأمور الثقافية والجغرافية ، كما كانت موجودة في تلك اللحظة، والتي سَتتغيَّر مع مرور الوقت.
لذا، دعوني أكون واضحًا: إنّ القواعد واللوائح الوارِدة في الاِصحاح سبعة وعشرون مُبنيَّة بطريقة تَجعَل القاعدة السائدة هي أنّ معظم ما كان يحصُل عليه الحرم هو الفضّة، والنقود، وهو ما يَسهُل تبادُله مقارنةً بالحيوانات ومحاصيل الحقل مُقابِل الإمدادات اللازمة.
قَبل أن نقرأ الإصحاح السابع والعشرون، اسمحوا لي أن أشير إلى أمرَين: أولاً، ألا يبدو كل هذا مَألوفاً لنا؟ أنّ المكان الذي نَتعبَّد فيه……الكنيسة أو المَعبَد….. يتمُّ تمويلُه عادةً بنفس الطريقة. تَميل الكنائس والمعابد اليهودية إلى جَمْع كل العطاء للمؤسسة معًا وتَسميته العُشور أو التقدمات؛ لكن سِفْر اللاويين يُقسِّم طريقة تمويل المؤسسة إلى فئات أكثر تفصيلاً، من بينها العشور.
ثانيًا…. بينما نقرأ، فَكِّر في الأمر……: إنّ موضوع العُشور في حدّ ذاته لم يُناقَش في العهد الجديد. يتمّ التلميح إليه بشكل خفيف فقط ، ويمكن عَدّ عدد المرات التي تُستخدَم فيها كَلِمة ”العشر“ في العهد الجديد على أصابع اليد الواحدة. بل أكثر من ذلك، عندما تُستخدَم (باستثناء مرّة واحدة)، يكون ذلك في سياق توضيح مَبدأ من مبادئ التوراة أو الحديث عن فضْل أحد الآباء.
النقطة المهمّة هي: لمْ يَرِد في العهد الجديد أي أمْر يُطالِب على الإطلاق بالعُشر….أي شيء! لذا، فإنّ العديد من المؤمنين اعتبروا عدم وجود أمْر مباشَر في العهد الجديد يعني أنّ المسيحيين ليسوا مُلزَمين بالعُشر وبالتالي دعم المؤسسة. بالطبع، لا أستطيع التفكير في أي كنيسةٍ أو مَجَمعٍ يُؤَيّد هذه الفِكرة. الآن لا أريد أن ألتَفّ وأناقش مسألة العشور بعُمق، لكن دعوني أطرَح عليكم بعض الأفكار لتتأمَّلوها. سأبدأ بإعطائكم خلاصة القول: العُشر والعطاء لدعم المؤسسة كان مُفترضًا في العهد الجديد. بمعنى آخر، لم يكُن من المُفترَض أبدًا أن يؤخذ من العهد الجديد (كما يَفعل البعض) أنه إذا لم يأمُر به يسوع مُباشرةً، فلا يجب علينا أن نَفعل ذلك.
لِسبب واحد لا تظنوا أبدًا أنّ كلّ كَلِمات يسوع قد سُجِّلت. يا إلهي، ليس لدينا سوى صَفحات قليلة في كتُبنا المقدسة مُخصَّصة لاقتباسات من المسيح، وقد عاش حوالي ثلاثة وثلاثون عامًا وخَدَم تحت قوة الروح القدس لمدة ثلاث سنوات على الأقل من تلك السنوات. لمْ يتم تسجيل الغالبية العُظمى مما قاله. كما أوضحتُ مرارًا وتكرارًا، عندما كان يسوع يُعلِّم لا بد أنه كان لديه إحساس بأنّ شخصًا ما سيَظنّ أنه إذا لم يُكرِّر كل تفاصيل الناموس فهذا يعني أنه يُلغيه؛ لذلك في إنجيل متى خمسة : سبعة عشر، وفي خِضمّ أشهر خطاباته التي تُدعى العِظة على الجَبَل، ذَكَّر الناس بأنه لم يأتِ فقط لإلغاء الناموس، بل إن أدنى تفصيلٍ منه لن يزول حتى تَزول السماء والأرض. كانت التوراة قد وُضِعت بالفِعل لتعليم مبدأ العشور والعديد من المبادئ الأخرى، ولم يكُن يسوع ليقضي وقتَه على الأرض في تكرار ما كان قد وَضَعه الآب منذ زمن طويل.
إنّ العَهد الجديد ليس جزءًا من الكتاب المقدس حيث كان من المُفترَض أن يتكرَّر فيه كل شيء من الجزء السابق (الناموس والأنبياء) من أجل إثبات صحَّته. إنه أحد التقاليد الأكثر غرابة وكشفًا للكنيسة هو تعليم مُتطلّبات العُشر من ذلك الجزء من الكتاب المقدس الذي تَعتبره الكنيسة قديمًا وغير صَالح تمامًا. بينما كنت أتذكَّر العِظات التي سمعتُها حول موضوع العطاء، لم يتمّ اقتباس مَقطع من الإنجيل إلا في حالات نادرة وكان دائمًا من سِفْر لوقا، الإصحاح الحادي عشر، الآية الثانية والأربعون، التي تقول: " وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ تُؤَدُّونَ عُشْرَ النَّعْنَعِ وَالنَّعْنَاعِ وَكُلِّ نَبْتٍ مِنْ أَعْشَابِ الْبَسَاتِينِ وَتَتْرُكُونَ الْعُشْرَ وَمَحَبَّةَ اللهِ، وَهَذِهِ هِيَ الأَشْيَاءُ الَّتِي كَانَ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَفْعَلُوهَا دُونَ إِهْمَالِ الأُخْرَى. "
وَالْفِكْرَةُ هِيَ أنه بينما يَظلّ العُشر ساريًا بِالطَّبْعِ ، يجب أن يكون العَدل ومحبة الله هما المعيار للعُشْرِ….، أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ حَسَبَ الأَوَامِرِ وَالْقَوَانِينِ….. ”بشكل قانوني“. أليس كذلك؟
حسنًا، دعونا نُلقي نظرة على الإنجيل الآخر الذي يَستخدِم نفْس الاقتباس، في سِفْر متّى… لأن هذه الآية عادةً ما يتمّ تَجنّبُها: إنجيل متى ثلاثة وعشرون: ثلاثة وعشرون "وَيْلٌ لَكُمْ، أَيُّهَا الكُتَّابُ وَالفَرِّيسِيُّونَ، المُرَاؤُونَ! فَإِنَّكُمْ تُقَدِّمُونَ عُشْرَ النَّعْنَاعِ وَالشَّبِيثِ وَالْكَمُّونِ، وَقَدْ تَرَكْتُمْ أَثْقَلَ النَّصَائِحِ فِي النَّامُوسِ: الْعَدْلَ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ؛ وَلَكِنَّ هَـٰذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا دُونَ إِهْمَالِ الأُخْرَى.
آه. هنا لدينا هنا يسوع يُصرِّح مباشرة أنّ العُشر ليس فقط حُكمًا من أحكام الناموس التي فَرَضها الله صراحة، بل أيضًا العَدل والرَحمة والأمانة هي ”أحكام الناموسالأثقل“. علاوةً على ذلك ” هَـٰذِهِ هِيَ الأُمُورُ الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلُوهَا، وَلَكِنْ لَا تَتْرُكُونَ الأُخْرَى". وبعبارة أخرى هذا بيان للتحقُّق الكامل للناموس….. يجب أن تَفعلوا هذه الأشياء (الأشياء المنصوص عليها في الناموس) ويجب أن تفعلوا أيضاً الأشياء الأخرى (أيضاً الأشياء المنصوص عليها في الناموس). لذلك نرى الآن لماذا لا تَحظى هذه الآية بشعبية خاصة في المسيحية الحديثة.
ومن ثم من هنا فصاعداً في مُعظم العظات فإنّ كل التعاليم المُتعلِّقة بالعُشر عادةً ما تكون من العهد القديم المُخيف والمفترض أنه مُلغى. اذهب واستنتِج.
هذا ليس سوى مِثال واحد جيِّد على ما كنت أعلّمُكُم إياه على مدى هذه السنوات: أنه من المفترض أنّ قارئ العهد الجديد لديه بالفِعل خلفيّة جيدة عن هذه الأمور الأساسية التي يَتناولها الناموس. بَعد كل شيء، كان عمُر التوراة ألفًا وثلاثمائة سنة في الوقت الذي وَصَل فيه يسوع إلى الساحة. كانت لا تَزال أساس الوجود والسلوك والنِظام الديني للشعب اليهودي. لا يَشرَح يسوع العشور لأنّ لا حاجة لشَرْح ذلك. كما أنه لمْ يأمُر بالعُشر لأنه لم تكُن هناك حاجة إلى ذلك؛ فالعُشر بأشكاله المُتعدِّدة كان راسخًا بالفِعل منذ زمن طويل. كان كل يهودي يَعرِف معنى العُشر، وأنواع العطاء العديدة المُتوقَّعة منهم، وكيف يَعمل النظام، وما هو الغرَض منه. بالمناسبة، لمْ يَشرَح يسوع أيضًا أنه من الضروري أن تَتنفَّس شهيقًا وزفيرًا لتَستمِرّ الحياة؛ ولا أنه إذا جُرحْتَ ستنزِف دمًا؛ ولم يَشرَح معنى مصطلح ”الناموس“ لأن كل من كان يُخاطبهم كانوا يعرفون ما يَعنيه ذلك؛ كان يعني التوراة. عندما أتحدّثُ إليكم وأستخدِمُ مصطلح ”الكتاب المقدس“ لا أتوقَّف أولاً وأشرَح كل أسبوع ما هو الكتاب المقدس لأنني أفترِضُ بما أنّكم هنا فأنتم بالفِعل تعَرفونه. كما أنني لا أكرِّر كل ما قُمنا بتأسيسه بالفِعل في درس التوراة كل أسبوع، وإلا لم نكُن لنَصِل إلى أي مكان.
لذا، مع هذا كخلفية، دعونا نقرأ سِفْر اللاويين الإصحاح سبعة وعشرون.
لنقرأ سِفْر اللاويين الإصحاح سبعة وعشرون
تبدأ هذه الرواية بالحديث عن ”نذور للرَب“. ويَستمرّ باقي الإصحاح في مناقشَة النذور وكيفيّة التعامل مع كل ما تم نذْرُه. قد يبدو كل هذا صَعبًا بعض الشيء، لكن ما يَهمّ في النهاية هو هذ: لقد قَدَّم الرجال تاريخيًا نذورًا مُتسرِّعة للرَب عندما يشعرون بالتهديد أو الخَطر أو عندما يريدون شيئًا ما بشدّة. كما كان يقول والدي، وهو جندي بيطري في الحَرب العالمية الثانية….. ”لا يوجد مُلحِدون في جحور الثعالب“. لذا فإنّ الناس الذين لم يُفكِّروا حتى في الله أو أوامِره من قبل، عندما يكونون في خَطَر مُميت، أو يواجِهون صعوبة شديدة ، يَجِدون فجأة الدين، ويبدأون في تقديم النذور (الوعود) للرَب إذا كان سيُخرِجهم من أي مَوقِف ميؤوس منه يَجدون أنفسهم فيه.
منذ سنوات، أذكُر أنني شاهدتُ فيلمًا كوميديًا رائعًا يُسمَّى "النهاية" الذي كان من بُطولة دوم ديلويز وبيرت رينولدز . كان يدور حول مَصحَّة عقلية ومجموعة من الأشخاص الغريبين الذين يَتناوبون على العيش هناك. وقرب نهاية الفيلم، يُقرِّر بيرت رينولدز أنه سيقتُل نفسه بالخوض في أمواج المحيط ثم السباحة في البحر حتّى يَصِل إلى ما بعد نقطة اللاعودة، وعندها لن يتمكَّن من إنقاذ نفسه وسيَغرَق. حسنًا، تَتبعُه الكاميرا وهو يمشي في المياه المالحة ويُصارع الأمواج القادمة حتّى يَصِل إلى المياه الهادئة. عند هذه النقطة يبدأ في السباحة نحو الأفُق، وطوال الوقت يتحدّثُ مع نفسه عن مشاكِله. ولحُسْن حظِّه أنه بحلول الوقت الذي يَتعبْ فيه ولا يستطيع السباحة مرة أخرى (وهو ما كان هدَفُه في المقام الأول) يُدرِك فجأة أنّ مَشاكِله ليست بهذا السوء بعد كل شيء، وأنه لا يريد أن يموت. لذا يَستدير إلى الوراء وينظُر إلى الشاطئ البعيد، فيَنتابه الذُعر، لأنه مُتأكِّد من أنه لن ينجو أبدًا. وأول شيء يَفعله كنوع من رَدّ الفِعل غير المحسوب هو أن ينظُر إلى الأعلى ويصرُخ إلى السماء ”يا رَب، سأعطيك كلّ ما لديّ…..كل شيء…. إذا ما أعدتني سالِماً إلى الشاطئ“. وبينما هو يواصِل السباحة، يتغلَّب عليه بصيص من الأمَل ويَصرُخ مرة أخرى إلى السماء: ”يا رَب، سأعطيك تسعين بالمئة من كل ما أملِك إذا سمحتَ لي بالعيش!“.
دفَعة سريعة من الطاقة تدفَعُه إلى الاقتراب أكثر من الأمان ، وفي ثِقة متزايدة بأنه سينجو ، يَصرُخ: "يا رَب… سأقتسمُها معك. سأعطيك نصف كل ما أملِكُه إذا كنت ساعدتني في الوصول إلى الشاطئ". تَستمرّ السباحة والمُساومة حتى يَصِل إلى اليابسة. مُتعَب ولكنه على قيد الحياة، يترنَّح خارج الماء ويَتدحرج على ظَهرِه، ينظر إلى السماء ويقول: "شكرًا لله. إذا كنت بحاجة إلى أي شيء في أي وقت، دعني أعرِف وسأرى ما يمكنني فِعلُه.
هذا أفضَل توضيح يمكنني التفكير فيه لشَرْح ما يجري في سِفْر اللاويين الإصحاح سبعة وعشرون. كان العبرانيون يُقدِّمون النذور لله طوال الوقت ، خاصةً عندما كانوا قلِقين أو خائفين. كان ذلك جزءًا من ثقافتِهم. وفي أوقاتٍ أخرى، عندما كانوا في مَزاجٍ مُتدِّين بشكل خاص (كما يحدُث أحيانًا بعد أن نُغنّي أغنية عاطفية حقًا) قد يَعِدون الله بشيء ما بشكل مُتهوِّر. وغالبًا ما كانت هذه العهود غير مدروسة جيدًا، وسرعان ما يَندمون على قَطْعِها. لم تكُن النذور في تلك الأيام علَنيّة فحسْب، بل كانت تُعلَن للكهنة وتُرافِقها طقوس حتى يَعرفَها الجميع.
فهَل كان هؤلاء الأشخاص مُلزَمين بنذورِهم التي قدَّموها بشكل مُتهوِّر؟ بالتأكيد. ومع ذلك، كان بإمكانهم قانونيًا أن يَتراجعوا عن نُذرِهم… مُقابل ثَمن إذا كان النِذر يَتضمَّن تقديم مُمتلكات ذات قيمة للرَب. لاحِظ أنّ النِذر يَتضمَّن دائمًا إعطاء الرَب شيئًا ذا قيمة. الوَعد بأن تكون مُطيعًا من الآن فصاعدًا لا بأس به طالما أنك تَضْمن هدية ذات قيمة مناسبة. عادةً، إذا كان النِذر يَتضمَّن عنصرًا يُمكِن تَحديد قيمته بشكل معقول، فإنّ ثمَن الاسترداد كان مئة وعشرون بالمئة من القيمة السوقية لذلك العُنصر.
في الآية واحد نَجِد أنّ السِلعة ذات القيمة (كجزء من النِذر) كانت إنسانًا. والآن، لا تَتصوَّروا أنّ الإنسان قد قَدَّم عبداً يَملِكه، بل هذه حالة يُقدِّم فيها الإنسان نفسَه أو نفسَها. وما يَتمّ تقديمه في الواقع هو ِخدمة ذلك الشخص للمُقدَّس…..للمَعبَد.
الآن في الواقع لم يكُن تقديم الخِدمة للهيكل ممكنًا إلا نادرًا. كان هذا لأنّ الله قد أمَرَ بأنّ اللاويين والكهنة فقط هم الذين يَستطيعون الخِدمة في الهيكل، أمّا اليهودي العادي فلا يَستطيع ذلك. هذا لا يعني أنّ اليهودي العادي الذي نَذَر مِثل هذا النِذر لم يكُن بإمكانِه أن يعمَل ككاهن خارج واجِبات الهيكَل. ولكن ليس هذا ما حدَث بشكل عام ولا ما كان يَجري التفكير فيه.
هل كانت هناك وسائل أخرى للدخول في خِدمة الله دون الارتباط بالهَيكل؟ نَعم. لدينا أمثِلة مِثل شمشون وصموئيل. كلاهما نَذرا لخِدمة الله في شَكل نِذر ناصري؛ ومع ذلك فإنّ شكل خدمتِهم لم يكُن يتضمَّن خدمة الهيكل، بل الخِدمة بطرُق مُختلِفة (في حالتِهما، كقضاة وانبياء) من خلال تكريسِهما لله.
وبما أنّ هذا الشَخص الذي نَذر ”نفسَه“ لخدمة الهيكل لم يكُن في معظم الحالات قادرًا على تنفيذ النِذر لأنّه كان مُقيَدًا بموجب اللوائح من القيام بذلك، فما كان مُتبقيًا هو أن يَفدي النِذر. والآيات ثلاثة إلى ثمانية تشرَح كيف كان على الكاهن أن يَتوصَّل إلى تقييم مُناسب للمَبلغ المالي الذي كان على ذلك الشخص الذي نَذَر أن يأتي به ليَفدي نفسه..
باختصار: كان على الرجال من سنّ عشرين إلى ستون سنة أن يدفعوا خمسين شيكلًا ، والنساء من نفْس العُمر ثلاثين شيكلًا. أمّا الأولاد الذكور من سنّ خمس سنوات إلى عشرين سنة فكان عليهم أن يَدفعوا عشرين شيكلًا ، والبنات من نفس الفئة العُمرية، عشرة شيكلات. الرُضَّع والأطفال الصغار، من عُمر شهر واحد إلى خمس سنوات، خمسة شواقل للولد ، أمّا بالنسبة للبنت ثلاث شواقل. الشخص المُسِنّ، فوق ستين سنة، خمسة عشر شيكلاً للذكر، وعشرة شيكلات للأنثى.
قد لا يبدو هذا كثيرًا، لكنه كان مبلغًا كبيرًا. في تلك الَفترة، كانت أُجرة العَمل لمدَّة شهر واحد حوالي شيكل واحد. لذلك كان يُكلِّف الذَكَر الناضج أكثر من اربع سنوات كاملة من الأجور ليَفدي نفسه من نِذره لخِدمة الله. فَكّر في الشيكل الواحد كشهر واحد وستَفهم الفكرة.
يُسمّي الحاخامات هذا الرَسم البياني للقيَم المَنصوص عليها في سِفْر اللاويين الاصحاح ستة وعشرون، بمبدأ المعادَلات.
في الواقع لقد رأينا مَفهوم المُعادلات هذا من قَبل. لقد رأيناه في تقديم أنواع مُعيَّنة من القرابين للتكفير عن أنواع مُعيَّنة من الخطايا. لقد رأينا حيثُ يجِب على الشخص أن يُقدِّم، على سبيل المثال، مئة وعشرين بالمئة من قيمة الكبش كقُربان ذَنب بشيكل فضَّة.
قد يَشعُر بعضكن أيتها السيدات بالانزعاج لرؤية أنّ "معادلكن" من حيث المال يكون عمومًا من نصف إلى ثلثين ما هو عليه الذَكَر في هذه الآيات. من ناحية أخرى، ما يمكننا أن نَستنتِجه من هذا هو أنّ النساء كنّ يقُمنَ بنذور لله بأنفسِهنّ. وأّن الأطفال، سواء كانوا أولادًا أو بنات، كانوا يُكرِّسون لخدمة الله بواسطة آبائهم. لذا يجب علينا ألا نُفكِّر أبدًا في أنَّ المجتمع العِبري، أو قوانين التوراة ، كانت تَجعَل النساء أو البنات عديمات القيمة. نعم كان هذا مُجتمَعًا ذكوريًا جدًا، ولكن النساء كان لَهنّ حقوق وقيمة ، وكان للرِجال واجبات تجاهَهُنّ . وعلاوةً على ذلك، عندما يَتعلَّق الأمر بعلاقة المرأة مع الله، كان بإمكانها أن تكون لها علاقة شخصية كما هو واضح من قُدرتِها على النِذر الشخصي.
ابتداءً من الآية التاسعة نَنتقِل من فداء الناس المَنذورين إلى فداء الحيوانات المنذورة. كانت الفِكرة هي أنّه يمكن للشخص أن ينذُر حيوانًا كجزء من ذبيحة نِذرِه، ثم يَعود ويَفدي ذلك الحيوان؛ ولكن تَكلِفة القيام بذلك كانت مئة وعشرين بالمئة من قيمتِه. وبعبارة أخرى، أُضيفت تَكلِفة إضافية بنسبة عشرين بالمئة على الشخص لاسترداد الحيوان الذي نَذَره.
السؤال المنطقي الذي يُمكِن طرحُه هو: ”إذًا من الذي يحدِّد قيمة الحيوانات المختلفة؟ الجواب: الكهنوت. يُمثِّل هذا من نَواح عديدة سُلطة هائلة مُخوَّلة للكهنوت. بعد كل ما يُقرره الكهنة هو القيمة المناسبة للحيوان يجب أن يكون قد انتَقَل بالتأكيد إلى السوق. لم يكُن من المُمكن أن تكون هناك قيمة واحدة للحيوان المَعروض، وقيمة أخرى لنفس الحيوان الذي يُباع ويُشترى ببساطة في صَفقة يومية. إذًا كان الكهنة يُقيِّمون العَدل وكان لهم يَد في تحديد سعر السوق للحيوانات، إلى جانب واجباتهم في الهيكل.
إنّ الفكرة وراء الآية التاسعة حيث تقول أنْ أي حيوان يُقدَّم كتقدِمة للرَب لا يجوز استردادهُ، تُعيدنا ببساطة إلى مبدأ تعلَّمناه منذ عدّة أشهر: مبدأ المُلكية المقدسة.
عندما يُقال هنا أنّ هذا الحيوان ”مُقدَّس“، فهذا يعني أنه يصبح مُلكًا مقدسًا لله. لذا فإن السَبب في أنّ هذا الحيوان لا يمكن استردادُه هو أنه قد انتَقَل بالفِعل إلى الله. وبمجرد أن يُصبِح مُلكًا لله لا يمكن استعادتُه. الشخص الذي يحاول القيام بذلك يكون قد انتهَك مُلكية الله المقدّسة وعقوبة ذلك هي الموت.
علاوةً على ذلك، لا يمكِن للشخص الذي يُعيِّن حيوانًا للتضحية به كجزء من نِذر أن يَستبدِلَه لاحقًا بحيوان آخر؛ ولا حتى حيوانًا ذا قيمة أكبر. جزء آخر من مبدأ المُلكية المقدَّسة هو أنه في مرحلةٍ ما من عمليّة تحديد المَالك للحيوان الذي سيُقدِّمه كجزء من النِذر، يكون الأمْر قد تمّ. ويمكن أن يكون ذلك قَبل أن يُجلَب ذلك الحيوان إلى الهيكل. وبعبارة أخرى، يمكن أن يكون اختيار الحيوان الذي سيُقدِّمه مجرد قرار ذهني لم يُتّخَذ عليه أي إجراء بعد؛ ولكن عند هذه النقطة من القرار يُصبح الحيوان مُلكًا مقدسًا لله. فإذا حاول شخص ما أن يَستبدِل حيوانًا آخر فإنّ الكاهن مأمور بالاحتفاظ بالحيوانين. لماذا؟ لأنه الآن كلاهُما قد كُرِّسا لله ولذا فكلاهما مُلكية مقدَّسة.
الحيوان الأول الذي تمّ الحديث عنه (بما أنه كان مناسباً للذبيحة على المذبح) كان، بحُكم التعريف، حيواناً طاهراً طقوسياً. تتحدَّث الآية الحادية عشرة عن حيوان غير طاهر طقسيًا يُستخدَم لذبيحة النِذر؛ ونرى أنّ هذا مقبول تمامًا. ومع ذلك، فهذا يعني تَلقائيًا أنّ هذا الحيوان سيُستبَدل بالمال لأن الحيوان النجِس لا يمكن استخدامُه للذبيحة ولا يأكلُه الكهنة. وكما هو مُتعارَف عليه، يُضاف إلى ثمن فداء الحيوان عشرون بالمئة من قيمته.
تَنتقِل الآية الرابعة عشر من فداء حياة الإنسان والحيوان إلى الجمادات. وتَتغيَّر الكَلِمة المستخدمة حتى الآن لتَسمية هؤلاء البشر والحيوانات ذبائح نِذر. يَتغيَّر المصطلح إلى التكريس. وبعبارة أخرى فإنّ هذه الأشياء تُقدَّم لله ليس بالضرورة كجزء من نِذر، بل ربما كهدّية مَجانية.
وهكذا إذا كرَّس شخص ما بيتَه وأراد أن يَستعيده، فإنّ تَكلِفة استعادتِه ستكون مئة وعشرين بالمئة من قيمته السوقية. التالي هو ما يحدُث إذا أُهدى شخص ما أرضًا. يتم تحديد قيمة الأرض بناءً على قيمة المحاصيل المُحتمَلة كما تعلَّمنا في الدروس السابقة. بالطبع رأينا هذا في الإصحاح الخامس والعشرين الذي تَناول سنة اليوبيل. علاوةً على ذلك، على الرغم من أنّ الحَرَم المقدَّس، الذي يُديره الكهنة، هو الذي يحصُل على منفعَة الأرض إلا أنّ قوانين اليوبيل لا تزال سارية. إنّ ثمن استرداد الأرض من قِبل مالِكها يَستنِد إلى عدد السنوات التي ستُنتِج فيها محاصيل قَبل اليوبيل التالي؛ وعند سنة اليوبيل، يستعيد مالك الأرض الأصلي على أرضه مرة أخرى.
ثم نَحصُل على حاشية سفلية مثيرة للاهتمام في الآية الخامسة والعشرين: أنّ معيار دَفْع مال الفداء سيكون الشيكل المقدس. وهذا يعني أمرَين: واحد) أن يكون محتوى عُملة الشيكل من الفضّة، اثنان) أنّ الوَزن الدقيق يجب أن يكون عشرون جرامًا. كان هذا هو الوَضْع: كان بإمكان أي شخص صكّ عُملاته الخاصة في تلك الأيام، وكان بإمكانه تَحديد محتوى العُملة وَوزنِها. في البداية، كانت العمُلات تَستخدِم كميات كبيرة من الفضة، وكانت مجرد كُتل من الفضّة، وعندما كان المَعدن لا يزال ساخنًا وقابلًا للتشكيل، كان يتمّ ضَغط خاتم الخَتم عليها لتحديد مالِك العُملة. في النهاية، صَنَع معظم الملوك والأمراء عملاتهم الخاصة لاستخدامِها في ممالكِهم. لكن، على عكس اليوم حيث لا يكون لمحتوى المَعدن في العُملة علاقة كبيرة بقيمتها الحقيقية، كانت العملات القديمة مجرد كميات مُسبقَة التحديد من الفضّة والذَهب. لذا، كانت عُملة شيكل واحدة تحتوي نظريًا على قيمة شيكل واحد من الفضة. وعُملة عَشر شيكل تحتوي على قيمة عشرة شيكل من الفضة، وهكذا دواليك.
لذا فقد وَرَد هنا في سِفْر اللاويين الإصحاح السابع والعشرون، أنّ الشيكل الواحد يتكوَّن من عشرين قرشًا… عشرين حبَّة (مقياس الوَزن)… من الفضّة. كان يمكن لشخص آخر أن يُحدِّد أنّ الشيكل الخاص به كان خمس عشرة حبة أو ثماني عشرة أو عشر حباّت أو أي عدد آخر من الفضة. لذلك كان يأتي شخص ما إلى خيمة الاجتماع ليدفَع ثمن الفداء بحُفنة من العُملات المعدنية أو شذرات الفضة. وكان الكاهن يزِنُها. واستنادًا إلى معيار عشرين حَبّة من الفضة تساوي شيكلًا واحدًا، كان الإسرائيلي يدفَع العدد المناسب من الشواقل لفداء ما كان يَفدي به. وبعد سنوات عديدة خلال فترة الهيكل الأول (هيكل سليمان) كان الكهنة يَسكّون بالفعل عملات الهيكل.
وبحلول أواخر فترة الهيكل الثاني في أيام يسوع، عندما أصبحَت مؤسسة الكهَنة والهيكل بأكملها فاسِدة، كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يدفَع بها شخص ما ثَمن الفداء أو شِراء ذبيحة حيوانية، هي عمُلات معدنية مَسكوكة من قبل الهيكل. لذلك كان اليهود يأتون من جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية ومَعهم عُملات صالِحة تمامًا من أي مكان كانوا يأتون منه؛ لكنهم كانوا مُجبَرين على استبدالِها في الهيكل بعُملات مَسكوكة في الهيكل. كان الصرَّافون الذين غَضِب عليهم يسوع غضبًا شديدًا هم أولئك التجّار الذين كانوا يَشترون تلك العملات الأجنبية من الحجّاج اليهود بسعر زهيد ويَستبدِلونها بعُملات الهيكل بسِعر أعلى من قيمتها. وبالطبع كان يَتقاضى أيضًا عمولة ضخمة مُدمَجة في العمولة، وكان رئيس الكهنة متواطئًا في هذا العَمَل السيئ حتى يتمكَّن من تحقيق بعض الرِبح لنفسه أيضًا.
النوع التالي من التقدِمة التي تمَّت مناقشتُها تُسمّى الأبكار، أي بمعنى باكورة الثمار أو البِكر. والقاعدة هي أنه بما أنّ كل البواكير أو الأبكار (من الحيوانات أو الناس) تَنتمي افتراضيًا إلى الرَب، فلا يمكن أن تُقدَّم للرَب. وبعبارة أخرى، لا يمكن لأحد أن يهِب للرَب شيئًا مُكرَّسًا بالفِعل. لا يمكنك أن تعطي شيئًا يَخصُّ الله بالفِعل، كما لو كان تقدمة إضافية. هذا يَنطبِق فقط على الأشياء الطاهرة: الأشياء التي أُعْلَن أنها طاهرة طقسيًا ومناسبة للتضحية أمام يَهوَه. أما الأشياء غير الطاهرة (الحيوانات غير الطاهرة في هذه الحالة) فيُمكِن بالفِعل أن تُقدَّم للرَب ولكن يجب أن تُسترَدّ ثم تُقدَّم بدلاً منها.
كمِثال، يمكن للشخص أن يُقدَّس حيوانًا نجسًا (مِثل جَمَل على سبيل المثال) لكن يجب على ذلك الشخص أن يفديه، وإلا فإنّ الكاهن يَبيع الحيوان لشخص آخر مُقابِل المال. ومع ذلك، فإنّ السعر الذي يجب أن يُفرَض على هذا الحيوان هو عشرون في المئة أكثر من قيمته السوقية المُعتادة.
أفترض أنّ السؤال المنطقي قد يكون: ”لماذا يقوم شخص بعَملية غريبة كهذه، فيُعطي حيوانًا وهو يعلَم أنه يجب عليه أن يَعود ويَفتديه“؟
تَذكَّر أننا نَتعامل مع ثقافة قديمة مليئة بالعادات والتقاليد، وأنّ هذا المُجتمع كان مُجتمعًا قائمًا على الزراعة والرعي. قد يكون الشخص يُعطي الحيوان لأنه لا يَملِك مالاً في الوقت الحالي. من المُتَّفق عليه أن الحيوان يُحتجَز لفترة من الوقت حتى يتمكَّن ذلك الشخص من تدبير المال لاستردادِه.
تَصِف الآية الثامنة والعشرون نوعًا آخر من التخصيص لله؛ وتَستخدِم الأناجيل المختلفة كَلِمات مُختلفة لهذا النوع من العطاء، فبعضها يقول ”يُكرِّس“ والبعض الآخر يقول ”يُحظِّر“. يقول الكتاب المقدس لدينا ”مُكرَّس بلا شروط“. ليس لدي مشكلة مع أي من هذه الكَلِمات. ما يُفهَم من هذا هو أنه في هذا النوع الخاص من التكريس لله لا يمكن أن يكون هناك فداء. إنه تكريس دائم.
أهم شيء يجب أن نُدرِكه هو أنّ الاختيار العشوائي إلى حدٍ ما للكَلِمة أو المصطلح لكل نوع من أنواع التقدمات، مِثل النذور، ثم التخصيصات، ثم التخصيص أو التحريميات، وما إلى ذلك، ليس هو الأساس. ما هو مهمّ هو أنّ هناك عددًا من الأنواع أو الفئات من تقديم الأشياء إلى الله أو تخصيصها لله، كل منها له قواعده وتنظيماتِه وأغراضِه الخاصة. الفِكرة التي تِفترِض أننا نُقدِّم عشرة بالمئة من دخلِنا ونكون قد أنجزَنا واجبَنا، أو أننا يمكن أن نرى شخصًا في حاجة ونتجاهَله لأننا "قد قَدَّمنا بالفِعل"، ليست موجودة في الكتاب المقدس. كما أنّ عشرة بالمئة ليست الرقم النهائي والصَلب. العُشر يُمثِّل نوعًا مُعينًا من العطاء، وليس مجموع كل العطاء.
لاحظوا هذه الفكرة التي تبدو في غير مَحلِّها في الآية تسعة وعشرون التي تتحدَّث عن أنه ” لا يُفْدَى إنسانٌ قد نذر نذراً أو قُدِّمَ لله، بل يُقْتَل “. ما يحدُث هنا هو أنّ هذه العبارة هي ببساطة طريقة عبرية للدلالة على أنه لا يمكن فداء شخص قد حُكِم عليه بالإعدام بسبب جريمة كُبرى (مُقابل المال)؛ بل يجب أن يُعدَم. من المثير للاهتمام كيف أنّ هذا الموضوع يأتي في دائرة كاملة. نحن نتحدَّث عن تخصيص أو تقديم أشياء لله… هدايا، قرابين، أشياء جيدة، أشياء إيجابية… ثم تقوم الكتابات فجأة بإدخال شخص ارتكَب جريمة كبرى… شيء سيء، شيء سلبي… في نفْس الفئة.
ما يتمّ إثباتُه هنا هو أنّ هناك علاقة بين شخص يَنتهِك قانونًا خطيرًا جدًا من قوانين الله وبالتالي يحصُل على عقوبة الإعدام، وبين وَضْع الأشياء جانبًا لله. والآن أرجوكم تابعوا هذا لأننا سنرى كيف يَنظُر الله (والنظام القانوني العبري) إلى العدالة.
كما رأينا في الفَصل السادس والعشرين عندما يضَع الله شريعة، أي نظامًا، فإنه يَضَع أيضًا بَرَكة لمَن يُطيعُها ولعنة لمَن يَعصيها. اللعنة لمُخالفة بعض شرائع الله هي الموت الجسدي. هذا ليس تحديدًا بشريًا؛ هذه ليست مجموعة من المُشرِّعين الذين يجلِسون ويُحدِّدون من مُنطلَق إحساسهم الشخصي بالأخلاق، من يجب أن يَعيش ومن يجب أن يموت. هذا هو تحديد الله كما أُعطي لموسى ونُصَّ عليه في التوراة. عندما يُطالِب الله بحياة المُخالف، تصبح تلك الحياة مُكرَّسَة لله. الأمْر كلّه مُرتبِط بالمبدأ نفسه الذي عندما يُخصَّص خروف أو ثور كذبيحة، فإنّ حياة ذلك الحيوان مُكرَّسة لله. عندما يُدان الشخص الذي يُزعَم أنه انتهَك شريعة الله في إقامة العدل، فمِن واجِب القاضي أن يوقِع العقوبة التي أمَر الله بها على الطرَف المذنِب. لا يحق للقاضي أن يفعل أي شيء آخر بغض النظَر عن مشاعِره الشخصية أو إحساسه الشخصي بالأخلاق. عدم القيام بذلك يجعَل القاضي مذنِبًا بعدم طاعة الله. إذًا، ليس الإنسان هو الذي يقول ”يجب أن تموت لارتكابِك جريمة قَتْل“ …. بل الله. الإنسان ببساطة هو ببساطة مُطيع لقوانين الله عندما نُعدِم القاتل.
إنّ الشخص الذي يُقتَل لمخالفتِه شريعة الله هو، في نظَر الله، يُستعاد من أجلِه بمعنى أّن الله يَستعيد الحياة التي أعطاها لذلك الشخص. كل الحياة هي للرَب؛ لهذا السبب لدينا فكرة عبرية مَفادها أنّ الرَجُل الذي يَنتهِك جريمة عقوبتها الإعدام وبالتالي يَنال عقوبة الإعدام يُكفِّر عن ذنبِه عن طريق حياته. في معظم الجرائم ضد الله (الجرائم التي لا يُعاقَب عليها بالإعدام) يمكن تقديم بديل حيواني. خطايا ذلك الرَجُل المذنب، ثم يتم نَقْل خطايا ذلك الحيوان إلى الحيوان، وفي المقابل يَقبَل الله حياة ذلك الحيوان بدلاً من حياة الإنسان المذنِب. لذلك، وبطريقة ما، يصبح ذلك الإنسان المُدان مُلكًا مقدّسًا لله تمامًا كما يصبح الحيوان الذبيح مُلكًا مقدسًا لله. المبدأ هو أنّ كل ما هو مُخصَّص لله (سواء كان نتيجة لشيء إيجابي أو سلبي) هو لله. وكل ما هو لله هو ملكُه المقدس. وأنت لا تعبَث بمُلكية الله المقدسة.
القاعدة الأخيرة التي نُناقِشها كطريقة للتقدِمة أو التَخصيص لله هي العُشر. وتتحدَّث هذه الآيات عن نوعَين من العشور: عُشر محَاصيل الأرض وعُشر زيادة الحيوانات.
افهَموا: كلّ هذه الأنواع المختلفة من العطاء تَنطبشق على حياة الإسرائيلي في آنٍ واحد. إنه لا يَختار من قائمة أو قائمة خيارات للعطاء؛ بل كلّ نوع من العطاء يَنطبِق حَسب الظرف. إذن، فالعُشر هنا هو مجرد عطاء تلقائي لعُشر الزيادة (أيًا كان شَكل هذه الزيادة) بالإضافة إلى جميع الانواع الأخرى من العطاء والتكريس للأشياء لله التي تَناولناها.
وبما أنّ العشور كانت في البداية تُعطى عادةً في شَكل حيوانات أو مُنتجات (ولكن في وقتٍ لاحق في كثير من الأحيان في شَكل نقود)، فقد كان بإمكان الشخص أن يَسترِدّ ما يعشره من حيوانات أو مُنتجات بِدفْع ما يُعادِلها من النقود بالإضافة إلى عشرين في المئة من الزيادة. وما يتم وَصفُه أيضًا هو أن يكون العُشر عَيِّنة عشوائية من مَحاصيله وغَنَمِه وقُطعانه. أي أنه ليس مُلزَمًا باختيار أفضل جزء، ولا يجوز له أن يَختار أسوأ جزء ليؤسس عليه العُشر، فالعُشر هو مجرد تمثيل صادق لكل ما يَملِكه ذلك الشخص، الجيّد مع الرديء. هذا يَختلِف تمامًا عن تقديم باكورة الثمار أو الذبائح الطقسية، حيث يُعطى فقط الأفضل لله. علاوةً على ذلك، كما ذكرتُ، العشور هي بالإضافة إلى تقديمات باكورة الثمار وجميع أنواع العطاءات الأخرى أيضًا.
اسمحوا لي أن أختَتِم بالإشارة إلى أنّ الفَصل السابع والعشرين (في معظَمِه) يدور حول النذور والالتزامات التي قَطَعها شخص ما ليَهوَه. بشكلٍ عام الله لا يَطُلب نذورنا. وعندما يكون كذلك، فإنّ استجابتَنا تؤخذ على مَحْمل الجد؛ فتغيير المرء لرأيه مُكلِف جدًا….عمومًا عقوبة عشرين في المئة. لا يجب الاستخفاف بالنذور.
وبطبيعة الحال يتم نَقْل هذا المبدأ نفسه بالضبط إلى العهد الجديد. وكما هو طبيعي فإنّ العهد الجديد لا يُعيد شَرْح ما سَبق شرْحُه من قَبل، بل يأخُذ يسوع المعنى إلى مستوى آخر. على سبيل المثال يقول إنه من الأفضل من الحَلَف بالنِذر (الذي يتضمَّن كل الأشياء التي دَرسناها للتو)، أنّ مجرد ”لتكُن نعم نعم ولا لا“. يُشير يسوع إلى ما نراه نحن بالتأكيد: هناك جانب سلبي كبير في تقديم النذور لله، خاصةً إذا لم تكُن جيدًا في الوفاء بالنِذر.
بهذا يَنتهي سِفْر اللاويين، سِفْر الكهنوت. نبدأ في الأسبوع القادم سِفْر العدد الرائع حقًا.