سِفْر العَدَد
الدرس السادِس والثلاثين – الإصْحاحان خمسة وثلاثين وسِتّة وثلاثين (نهاية الكتاب)
نَخْتتِم هذا الأسبوع دراستنا لسِفْر العَدَد. آمل أن تكونوا قد فوجِئتم بالكَمّ التاريخي والسَّوابق القانونية وتأسيس مبادئ الله التي وَجدناها هنا، وأن هذا ليس سوى سِجل مُحاسَبي عادي كما قد يوحي به الإسم.
بدأنا الأسبوع الماضي بسِفْر العَدَد خمسة وثلاثين؛ ويُناقِش ذلك الإصْحاح تأسيس ما يرقى إلى ميراث قبيلة لاوي في أرض الميعاد؛ وكان من المُقَرَّر أن يكون ذلك بِتَخصيص ثمانية وأربعين مدينة للاويّين. وكانت هذه المُدُن ستتوزَّع في جميعِ أنحاء أراضي الأسباط الاثنتيْ عَشْرَة لبني إسرائيل وأن يتمَّ اختيار مواقِعها من قِبَل زعماء القبائل الاثنيْ عشَرَ. سِتّة من هذه المُدُن كانت ستُخصَّص كمُدُن مُقَدَّسة، ثلاثة منها تقع خارِج أرض الميعاد شرق نهر الأردن داخل أراضي رأوبين وجاد ونصف سِبْط منسّى.
دعونا نُعيد قراءة سِفْر العَدَد الإصْحاح خمسة وثلاثين على ثلاثة عشر حتى النهاية.
أعِد قراءة سِفْر العَدَد الإصْحاح خمسة وثلاثين على ثلاثة عشر حتى النِّهاية
هُناك مَفهوم هنا يَحتاج إلى بَعض المُناقشة، وهذاَ المَفْهوم هوَ المكان المُقَدَّس. كَلِمَة أُخرى يُمكن أن تَكونَ بَديلًا للمَلاذ هي المَلجَأُ. مِن أَيْنَ أَتَت فِكرةُ اللُجوء هَذه؛ فِكرةُ أَنَّ هُناك مَكانًا يُمكن للشَخصِ الخائِف مِن الحُكومة (سَواءً كانَتْ تِلكَ الحُكومَة في شَكل زَعيمِ قَبيلة أَو قاض أَو مَلِك أَو أَيًّا كان) أَن يَذهَب إليه ويَحميه مِن الاعتِقال والعِقاب؟ العُقوبة الَّتي يَهرُب منها طالِب اللُجوء عادَةً هيَ عُقوبة الإعدام.
أَوَّلاً (كَمَا يَجِب أَنْ تَكُونَ قَدْ خَمَّنْتَ الآن) لَمْ يَخْتَرِعِ اَلْعِبْرانِيُّون مَفْهُوم اللُجوء (أَوْ اَلْمَلَاذ الآمِن)، بَلْ كَانَ جزْءًا رَاسِخًا منذ فَتْرَة طَوِيلَة مِنْ أَنْظِمَة اَلْعَدَالَة فِي اَلعَدِيد مِنْ ثَقَافَات الشّرق اَلْأَوْسَط. وَمع ذَلك، فَإِنَّ اَلفَرْضِيَّة اَلاَسَاسِيَّة فِي أَنْقَى مَعَانِيها هِيَ فَرْضِيَّة إِلٰهِية.
ثَانِيًا، نَتِيجَة لِكَوْنِه اَلْقَاعِدَة السَّائِدَة فِي جَمِيعِ جَمَاعات الشّرق الْأَوْسَط اَلْمَعْرُوفَة فِي تلك اَلحَقَبَة، فقد كَانَ مَوْجودًا بين العِبرانيّين بِشكلٍ أَوْ بِآخَر. وَقَدْ طَبَّقَتها اَلثَقَافَات اَلمُخْتَلِفَة بِطُرُق مُخْتَلِفة. وعَادَةً مَا كَانَ اَلْأَمْر يَنْطَوِي عَلَى اَلفَرَار إِلَى الكّهَنة وَ/أَوْ اَلْوُقوف دَاخِل الهَيْكَل اَلَّذِي كَانَ مُكَرَّسًا لِأَيِّ إِلٰه كان مُهِمًّا أَوْ سَاميًّا فِي ذَلك الوَقْت بِالنِّسْبة لِتلْك اَلْأُمَّة. نَجِد أَقْدَم سِجِلّ لِمَا قَبِله اَلْعِبْرَانِيُّون كَمكان مُقَدَّس فِي سِفْر الخُروج. والمكان الَّذِي يَقَع فيه المكان المُقَدَّس هُوَ أَمْرٌ مُفَاجِئ بَعْض الشّيء.
سِفْر الخروج واحد وعشرين على إثني عشر: "مَنْ ضَرَب إِنْسَانًا فَمَات يُقْتَل قَتْلًا. ثلاثة عشر: وَلكن الَّذِي لَمْ يَتَعَمَّدْ، بَلْ أَوْقَع اللهُ فِي يَده، فَأَنَا أَجْعَل لَكَ مَكَانًا يَهْرُب إِلَيْه. أربعة عشر: " وَإِذا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صاحبه لِيَقْتُلَه بِغَدْر فَمن عند مَذْبَحي تَأْخُذُهُ للمَوْت.
وبعبارة أخرى، كما كان الحال في تلك الثَّقافات القديمة، كان مَذْبَح المِحرقة لإلَهِهِم هو المكان الأصلي لمَكانهم المُقَدَّس. لذلك قبل أن يُعطي الرَّب النَّاموس الكامِل لموسى، كان من المُعْتاد أن يَركض رَجُل من بني إسرائيل إلى المَذْبَح (كما نَكْتشف في الأسفار اللّاحقة من الكِتاب المُقَدَّس) وأن يمسك بقرون المَذْبَح كعلامة على أنه كان يَبْحَث عن ملجأ. وطالما بَقِي مُلْتصِقًا بذلك المَذْبَح فلا يُمكن أن يَمسّه أحد.
هنا في سِفْر العَدَد خمسة وثلاثين يَرسم يَهوَهْ الطريقة التي يريد أن يَتِمّ بها تنفيذ مبدأ المجأ، ممّا يعني أن الله يَقبل هذا المبدأ، وأنه لكي يكون هذا المبدأ صحيحًا يجب على شَعْبه أن يَتْبعوا إجراءات اللجوء الخاصة به.
والآن بما أنه لم تَكُن هناك مُدُن مُقَدَّسة حتى دُخولهم أرض الميعاد، فما الذي كان مُتَّبعًا قبل ذلك الوقت؟ حسنًا، من غير المعقول أنه لم يَكُن مَسموحًا لإسرائيلي عادي أن يَلْمُس المَذْبَح النحاسي داخل مَجمع خَيمَة الإجْتماع، وبالتأكيد لم يَكُن بإمكانه أن يَدخل إلى الخيمة المُقَدَّسة. من المُحتمل أن يكون مُخَيَّم اللاويّين نفسه قد خَدم هذا الغَرَض؛ ولكن بما أن التَوراة لا تُخبرنا بذلك، فهذا مُجَرَّد تخمين. ومع ذلك، كان هناك شيء ما كان بِمثابة مكان للملجأ، لأنه لم يَكُن من المُمْكِن في ظلّ الأعراف الثَّقافية في تلك الأيام ألّا يكون هناك مكان لِلُّجوء.
ومع ذلك، ومع مرور القرون نَجِد أن بني إسرائيل لم يؤسِّسوا أبدًا النِّظام الذي أعطاه الرَّب لهم بِشكلٍ كامل. كانت هناك مُدُن ملاذ، ولكن في بعض العُصور لم تَكُن مُستخدمة أو كانت هناك وسائل أخرى للملجأ بالإضافة إلى مُدُن ملجأ. نقرأ في عصر داود وسليمان أن فِكرة المجيء إلى المَذْبَح للالْتِجاء والتَّمسُّك بِقرون المذبح كان لا يزال موجودًا بين بني إسرائيل.
الكِتاب المُقَدَّس الأمْريكي القِياسي الجديد سِفْر الملوك الأول واحد على سبعة وأربعين: "وَأَيْضًا جَاء عَبِيد الْمَلِك لِيُبَارِكوا سَيِّدَنا الْمَلِك دَاوُدَ قَائِلِين: يَجْعَل إِلهُكَ اسْمَ سُلَيْمَان أَحْسَن مِنِ اسْمِك، وَكُرْسِيَّه أَعْظَم مِنْ كُرْسِيِّك. فَسَجد الْمَلِك عَلَى سَرِيرِه". ثمانية وأربعين: "وأَيْضًا هكَذا قَال الْمَلِك: مُبَارَك الرَّبّ إِله إِسْرَائِيل الَّذِي أَعْطَاني الْيَوْم مَنْ يَجْلِس عَلَى كُرْسِيِّ وَعَيْناي تُبْصِرَان". تسعة وأربعين: " فَارْتَعد وَقَام جَمِيعُ مَدْعُوّي أَدُونيَّا، وَذَهَبَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي طَريقه". خمسين: " وَخَاف أَدُونِيَّا من قبل سُلَيْمَانَ، وَقام وَانْطَلَق وَتَمَسَّك بِقُرُون الْمَذْبَحِ. واحد وخمسين: " فَأُخْبر سُلَيْمَان وَقِيل لَه: «هُوَذَا أَدُونِيَّا خَائِف مِنَ الْمَلك سُلَيْمَان، وَهُوَذا قَدْ تَمَسَّك بِقُرُون الْمَذْبَحِ قَائِلًا: لِيَحْلِف لِي الْيَوْم الْمَلِك سُلَيْمَان إِنَّهُ لاَ يَقْتُل عَبْدَه بِالسَّيْفِ".
دعوني أُشير أيضًا إلى كم كان الكَهْنوت في عهد داود وسليمان ضعيفًا؛ وكيف أنه على الرغم من أننا نَنْسب الى هذا الرَجُل داود بأنه كان قريبًا من قلب الله، وسليمان بأنه كان رَجُلا حكيمًا جدًا، إلا أنهما كانا بعيدَين عن الكمال. ما كان يَنْبَغي على أي كاهن أن يَسمح أبدًا لأي إسرائيلي عادي، ناهيك عن مُجرِم، أن يُدَنِّس المّذْبَح بِلَمْسِه؛ ولكن يبدو أن هذه الحادِثة في سِفْر الملوك تعني أن هذه المُمارسة كانت مَعروفة ومقبولة من قِبَل كل من داود والكَهْنوت على الأقل لفترة من الزمن.
يصبح السؤال إذَن، ما هو السَّبب في المَذْبَح الذي جعل الوَثنيّين يستخدمونه كمَذْبَح مُقَدَّس، ثم في بعض الأوقات في تاريخ بني إسرائيل جعل العِبرانيّين يفعلون نفس الشيء؟ السَّبب في ذلك هو أن كل ما يَلْمُس شيئًا مُقَدَّسًا يصبح مُقَدَّسًا في حد ذاته. هذا مبدأ تَوراتي إرشادي. لقد رأيناه مع آنية النار التي أحضرها قورح والمئتين وخمسين رَجُلاً أمام الرَّب (ولكن لأن هؤلاء الرجال وأواني النار التي أحضروها كانت غير مصرّح بها فقد دُمِّرت كلها)، وصارت مُقَدَّسة بقُرْبها من الله، ناهيك عن لمس أي شيءٍ مُقَدَّس. وهذا يَندرج ضمن القانون اللاوي أن القداسة كما النَّجاسة يمكن أن تَنْتَقِل من شخص إلى شخص ومن غرض إلى غرض، أو حتى من شخص إلى غرض ومن غرض إلى شخص. وهكذا، فإن أواني النار (التي اكتَسبت القداسة) كانت تُضْرَب لتحويلها الى غطاء للمّذْبَح. كان الفحم ورماد البخور الذي كان في تلك الأواني يؤخذ خارج المخيّم ويُتلف.
لا يَسمح تشريع الله بأن تَلمس يد الإنسان المَذْبَح أو أي أداة مُقَدَّسة؛ الاستِثناء الوحيد هو أن الكّهَنة، لأغراض مُعَيَّنة مَوصوفة جيدًا (مثل نقل الأشياء) يُمْكِنُهُم في بعض الأحيان عند الضرورة لَمْس هذه الأشياء. ولكن حتى في هذه الحالة، لأن الإنسان قد لَمسَها، يَنْتَقِل إليها قَدر من التدنيس. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسية ليوم كيبور، يوم التّكفير؛ أن رئيس الكّهَنة يستطيع أن يرشّ دم التكفير على الأشياء المادية في خَيمَة الإجْتماع، وبالتالي يُطَهِّرَها. وإلا فإن تراكم النَّجاسة بسبب القرب من البشر سيؤدّي في النهاية إلى تنجيس الحرَم وأغراضه الطَّقسيّة بحيث لا يمكن أن يَحُلَّ الله فيه بعد ذلك.
لذلك فإن استخدام المُدُن المُقَدَّسة لبني إسرائيل لم يَكُن ممكناً أن يَحدُث إلا عندما كانوا داخل أرض الميعاد؛ ولكن مثل الكثير من فرائض الله تمكَّنوا من تجاهُل وتعديل شرائع الله فيما يتعلَّق باللجوء، وهكذا تغيَّرَت بالضّبط كيفيّة تحقيق اللجوء ذِهاباً وإياباً على مرّ القرون.
والآن إلى جانب الأهمِّية الأساسية لفهْمِنا لكيفية عمل مبدأ الملجأ في إسرائيل، فقد شرحتُ هذا الأمر لأنه من المهم أن نفهم أنه لِمُجَرَّد أننا نقرأ عن أشياء مُعَيَّنة حدثت في الكِتاب المُقَدَّس (كحقيقة تاريخية) لا يجعل ما حدث أو ما ذَكرَته بعض الشخصيات التوراتية صحيحًا أو مستقيمًا تلقائيًا أمام الرَّب. لقد أعْطيتُكم مثالاً على سماح داود وسليمان بممارسة بني إسرائيل العاديين بالإمساك بقرون المَذْبَح المُقَدَّس (وبالتالي تدنيسه). لقد غطَّينا قبل أسبوعين مسألة النذور ومسألة يافث، الذي نَذر نذرًا متهورًا للرب وانتهى به الأمر إلى التَّضحية بابْنَته (لا يوجد أي جانب من تصرّفات يافث يمكن أن يُعتَبَر برًّا).
لذلك يجب أن نكون حَذرين جدًا عند قراءة الكِتاب المُقَدَّس للتّمييز بين الكمال المُطلق للشرائع والفرائض والمبادئ الإلهية التي وَضعها الله، مقابل الطريقة الناقصة التي غالبًا ما كان رجال ونساء الكِتاب المُقَدَّس العُظماء يُفكِّرون بها أو يُنفِّذونها. نحن نميل إلى الدخول في عقليّةٍ مفادُها أنه نظرًا لأن شخصًا مميزًا في الكِتاب المُقَدَّس (مثل إبراهيم أو داود أو بولُس) فعل شيئًا ما بطريقة مُعَيَّنة فهذا يعني تلقائيًا أنه كان تقِيًّا. إنه من واجِبِنا كأتباع لإله إسرائيل أن ندرس التَوراة وجميع الكتب المُقَدَّسة لنفهم شخصيّته ومبادئه بدقَّة لكي لا نُفسِّر ما نقرأه في الكِتاب المُقَدَّس، العهد القديم أو الجديد، بِشكلٍ خاطئ تمامًا.
بدايةً من سِفْر العَدَد خمسة وثلاثين على سِتّة عشر: نتلقّى الشرائع المُتعلِّقة بالقتل غير العمد، والقتل، وما إذا كان قتل الإنسان يُعتبر قتلًا أم قتلًا غير مُتعمّد أم شيئًا آخر تمامًا. كما تناولنا في سِفْر اللاويّين، النِّيّة هي المِفْتاح لاتِّخاذ هذا القرار تمامًا كما أن النِّية هي المِفتاح لتحديد خُطورة كل الخطايا. ولكي يتَّضِح لنا ما يَعتبره الرَّب القتل العَمْد مقابل القتل الخطأ مقابل إزهاق النفس البشرية المُبَرَّر، لدينا سِلْسِلة من الأمثلة على كلٍّ منهما.
المثال الأول يدور حول الأداة المُسْتَخدَمة التي تسبَّبت في الموت. والمبدأ هو أنه إذا كانت هذه الأداة مُصمَّمة لغرض إلحاق الأذى (رِمح، قوس وسهم، هراوة، إلخ)، فهي سلاح، وإذا استُخدمت في القتل، فيَنْبَغي أن يُنظر إلى الفعل عمومًا على أنه قتل. إذا كانت الأداة التي لم تُصمَّم كسلاح، ولكن إذا استُخدمت بِشكلٍ غير صحيح يمكن أن تكون سلاحًا بالتأكيد (شيء له مَقبض مثل الفأس) فهي لا تزال جريمة قتل (والرَّب يقول بِشكلٍ لا لُبس فيه وبدون اعتذار أن الشخص الذي يَرتكب جريمة قتل يجب أن يُقتل). عَلاوة على ذلك، لا يمكن لهذا الشخص أن يَفْتدي نفسه من الحكم الذي صَدر ضدَّه بالمال، ولا يُسمح له بنِعمة اللجوء والإقامة في مدينة الملجأ للحماية.
والسَّبب في هذا المَوقف من قتل القاتل هو مَوقفٍ تعرَّض للنقد في جميع أنحاء العالم. فالصَّرخة في كل مكان هي أنه بينما القتل خطأ، فإن قتل القاتل هو أيضًا قتل، أو أن هناك صرخة أخرى تقول: ما فائدة إزْهاق روح إنسان آخر بما أن ذلك لن يُعيد القتيل إلى الحياة؟ أو أن هذا ليس إعادة تأهيل، بل إنه قَصاص. من المؤكد أنه لن يعيد حياة المَقتول ولن يعيد تأهيل المُجرِم؛ لكن هذه ليست القضية في الكِتاب المُقَدَّس. من المؤسِف أن جِزءًا كبيرًا من الكنيسة هو الذي قاد هذا التَّمَرُّد على تعاليم الله بشأن القتل. والحقيقة هي أن الله يقول بوضوح أن القاتل يَفقد حياته في الحال. لماذا؟ لأن الحياة لا تُقدَّر بثمن، والتكفير الوحيد عن إزهاق الحياة غير المشروع والظالم هو إعدام الجاني. إن إعدام المُجرِم المُذنب بالقتل هو قتلٌ عادل وضروريّ لأن دم البريء يُدَنِّس الأرض، والطريقة الوحيدة لتَطهير الأرض من دَنَسِها هي التكفير الذي يُقدِّمه دم القاتل. هذا مبدأ من مبادئ التَوراة مذكور بوضوح في كتابنا المُقَدَّس، ولكنه أصبح في الآونة الأخيرة خُرافة قديمة أو هَمَجيَّة وشيء أبْطَلَهُ يسوع. بالإضافة الى ذلك فإن وجهة النَّظَر التَوراتية هي أن إزهاق روح المُجرِم هو (من مستوى أعلى) حِفظ للحياة. أي أن الشخص الذي يَرتكب جريمة قتل هو عُرضة لأن يفعلها مَرَّة أخرى؛ ولماذا يجب على الضَّحِيّة البريئة التالية أن تَدفع ثمن ما فَعله المُجرِم؟ أو كما نرى اليوم، لماذا يجب علينا أن نُودِع قاتلًا في السّجن بتكلفة على العامَّة تبلغ خمسون ألف دولارًا سنويًا لمُجَرَّد أن يكون موجودًا لمُهاجمة حرّاس السجن أو زُملائه من السُّجناء؟ للأسف، بينما يدير مُجتمعنا الأمريكي ظَهرَه بِشكلٍ مُتزايد لما أمَر به الله كعقوبة عادلة لجرائم العنف، نرى المُجرِم يُعاد إلى المجتمع فقط لكي يَجِد ضحيّة أخرى بسرعة لأن العنف هو طبيعته.
أرجو من الكنيسة أن تَسمعني في هذا الأمر: هناك طريقة واحدة فقط لتبرير عدم إعدام القاتل وهي أن نُقَرِّر أننا ضد كَلِمَة الله، والطريقة التي فعلْنا بها ذلك هي القول بأن الجزء من الكِتاب المُقَدَّس، التَوراة، الذي يتناول هذه الأمور بِصَراحة شديدة قد أُلْغِيَ، وأنه لم يعد يَنطبق.
دعْني أقول على الفور أنه إذا كنا سنُفكِّر حتى في فكرة أن التَوراة قد ماتت وانْدَثرَت، فإن الوصايا العشر قد ماتت وانْدَثرَت لأنها بِبَساطة هي أول عشرة من ستمئة وثلاثة عشر قانونًا من التَوراة. ومع ذلك، وبكل نِفاق، سيُعْلِن الكثير منا نحن المؤمنين أن العهد القديم ليس لنا، ومع ذلك كم منا سيذهب إلى كنيسة لا يوجد بها نسخة من تلك الوصايا العشر معلَّقة في مكان بارز داخل مُقَدَّسِها؟ إذا كانت الكنيسة تؤمن حقًا بما يقولون إنهم يؤمنون به عن الناموس، فكَم من العِظات التي يجب أن تُهمَل لأنها تَذْكُر عِصمة الوصايا العشر؟
الوصايا العشر، التي ما هي إلا النَّاموس في سِفْر الخُروج؟
نحن المؤمِنون مُرْتَبِكون جدًا في هذه الأمور لأننا طالبنا بأن يُعتبر العهد القديم باطلًا، مع أن يسوع نفسه قد خرج عن طريقه ليقول لنا بصراحة أنه لا يَنْبَغي أبدًا أن نَعتقد مثل هذا الأمر. وأننا إذا أرَدنا أن نَعرف ما إذا كان سيأتي وقت تُنسخ فيه التَوراة والشرائع والأنبياء، فلن يكون ذلك إلا بعد زوال السَّماوات والأرض.
لا أريد أن أسْتَطْرد طويلاً، ولكن قال لي قِسٌّ مَحلّي (منذ وقت ليس ببعيد) أنه عندما تكلّم يسوع بتلك الكَلِمات عن عدم إبطال النَّاموس والأنبياء، كان في ذلك الوقت يتحدّث فقط إلى الشَّعب اليهودي، ولذلك فإن هذا يَنطبق فقط على الشَّعب اليهودي. سألته عما إذا كان يَعرف بالضبط في أي مقاطع قيلت تلك الكَلِمات. فأجابني أنه لا يَعرف على وجه التحديد. ثم سألته ما هي الرِّسالة الأكثر أهمِّية في رأيه التي أعطاها يسوع للكنيسة؛ فقال إنها على الأرْجح الموعظة على الجبل (وبالمناسبة، أنا أوافِقه الرأي تمامًا). حسنًا لِدَهشته (وربما لدَهْشَتكم) كانت تلك الكَلِمات التي قالها يسوع بِثَبات وصراحة في الحفاظ على صِحَّة النَّاموس والأنبياء في متّى خمسة على سبعة عشر الى عشرين …… في مُنْتَصَف الموعظة على الجبل. نحن نَرمي أجزاء من الكِتاب المُقَدَّس التي لا نتَّفِق معها على مسؤوليّتنا الخاصة. لقد أَلْقَينا بقوانين الله المُتعلِّقة بنظام عدالته جانبًا، ونحن الآن في عالَم من الفَوضى. والكنيسة المَخْدوعة بِشكلٍ فظيع التي تُفضِّل صورتنا عن الله بدلًا من صورته الحقيقيّة، هي الملامة بِشكلٍ عام. ولهذا السَّبب تشكَّلَت جماعة التَوراة والعديد من الجماعات الأخرى حول العالم على أمل استِعادة قداسة وسلطة الكِتاب المُقَدَّس بأكمله كمُرْشِدُنا ومَصدر مكتوب لإرادة الله العامة.
في الآية التاسعة عشرة يقول الرَّب أن الشخص الذي يُعيَّن كمُنَفِّذ حكم الإعدام للقاتل هو مُنتقم الدم. المُصْطَلَح العبري هو غعال (أو غوئيل)، أو الأفضل، دام غعال. دام تعني دم، وعلى الرغم من أن كَلِمَة "غعال" تُترجم عادةً إلى "المُنْتَقِم"، إلا أنها تعني بِشكلٍ أصحّ "الفادي". إذًا فالفادي بالدَّم أو المُنْتَقِم بالدم هو المُكَلَّف بقتل القاتل.
المُراد في المُصْطَلَح العِبري "غعال" هو أن هذه الشخصية هي قريب، عضو في الأسرة أو القبيلة الُمباشرة للضَّحِيّة. ودام غعال هو من يجب أن يَتَّخِذ الإجراء ضدّ الجاني. دعونا نَفهم: هذا ليس تقليدًا، إنه شريعة الله. والآن، لا أريد أن يَخرج أحد من هنا ليقول إن توم برادفورد يقول إننا في أمريكا يجب أن نَقْتَصّ من شخص ارتكَب جريمة عُنف ضد أحد أفراد العائلة، أو أننا إذا لم نفعل ذلك فإننا نُعصي شريعة الله. بل إن المبدأ الكامِن وراء هذه الشريعة هو أن العدالة الحقيقية هي حياة مقابل حياة، وتحديدًا عندما تكون الحياة التي أُخِذت قد أُخِذت عَمْدًا وظلمًا. وبمُجَرَّد أن أصبح في بني إسرائيل مُلوك، سنَجِد أن هؤلاء المُلوك سعوا دائمًا إلى وقف ممارسة "دام غعال" الذي يُلاحق المُجرِم الذي أضرَّ بأحد أفراد أسرته. وكان هذا لأنه في مُجتمع مُنَظَّم ومُسْتَقِرّ مع حكومة بَشَريّة مُنَظَّمة تنظيمًا جيدًا، سيكون الأَمِرْ فَوْضى إذا قرَّر كل إنسان ذَنْبَ الآخر أو براءته لنفسه، ثم سعى بعد ذلك إلى أن يكون هو أيضًا من يُنَفِّذ الحِكِم.
لكن افْهَموا هذا أيضًا: يبقى المبدأ. فقط بسبب طبيعة الإنسان الخاطئة وأنظِمة العدالة الناقِصة لَدَينا، هذا لا يعني أن المَفْهوم الإلهي للمُنْتَقِم بالدم قد مات وانتهى. في الواقع، إن أحد الواجبات الأساسية للفادي القريب أن يكون مُنْتَقِمًا بالدم. هل سَمِعْتَ هذا؟ تماماً كما نميل نحن المؤمنين إلى نَبْذ صِفات الله غير المرغوب فيها مثل شِدَّته وغَضَبِه لصالح رَحْمته ومَحبَّته، فإننا نميل أيضًا إلى تصوُّر الفادي القريب كشخص لطيف رائع جدًا وظيفته هي أن يكون عمًّا غنيًا يَهْرَع لإنقاذ أقاربه الفقراء من البنك الذي جاء ليَحجز على أرضهم. من المؤكد أن إحدى وظائف المُخَلِّص القريب هي التّأكُّد من أن الأرض التي كانت في الأصل في عشيرته لا تخرج منها أبدًا؛ أو إذا كان أحد أفراد العائلة قد جُعل عبدًا لسداد دَين شخصي فيتم شراء ذلك الشخص مَرَّة أخرى من تلك العبودية. ولكن هناك دَور آخر لا يقل أهمِّية هو دَور المُنْتَقِم بالدم.
ألا يُدعى يسوع المسيح مُخلِّص القريب؟ إذًا اُدْرِك: إنه يَرْتدي عباءة كلا جانِبَي هذا اللَّقَب، وليس فقط الجانب الذي نُفَضِّله. عندما جاء في المَرَّة الأولى كان ذلك الجانب من المُخَلِّص القريب يَفْتَدي حياة شخص من العُبوديَّة بِتَضْحِيَة من دون أنانيّة. وقد افتَدى حياتنا مَرَّة أخرى بالطريقة الوحيدة التي يراها الله حَلاً دائمًا: بِحياته ودَمِه. عندما يأتي يسوع مَرَّة أخرى في المُسْتقبل القريب، سيَظلّ في دَوْر مخلِّص القريب؛ ولكن في هذه المَرَّة القادِمة سيأتي في دَور دام غعال، المُنْتَقِم بالدم. لقد افْتَدى بالفعل أرواح شعب الله، وقد فعل ذلك منذ حوالي أَلْفَيْ سنة مَضت؛ وفي المَرَّة القادِمة سيَنزِل غَضَب الله على أولئك الذين يَضْطهِدون شعبه ويَرفضون الخُضوع للآب. ونرى هذا بِشكلٍ صارِخ للغاية، حيث يُصبح هو المُحارِب الشَّرِس الذي يقود الهُجوم في معركة هَرمَجدون، المسيح الوديع المُعْتَدِل سابقًا الذي يَحْصُد الأرواح بِمُعَدَّل الآلاف في كل مَرَّة يُلوِّح بِسَيْفه. يملأ وادي يَزرَعيل بِعُمْق ثلاثة أقدام بِدِماء أولئك الذين يَنْتَقِم منهم بِعدالة الرَّب.
ولكن أي نَوع من العدالة سيكون إذا ما أُزهِقَت حياة ضحيَّة عن طريق الخطأ، حتى لو كان الأمْر يتعلَّق بدرجة قليلة من الإهْمال، وتم تعقُّب الجاني وقَتله بسبب ذلك؟ لذلك فإن الآية الثانية والعشرين تُعطي ظروفًا كأَمْثِلة على القتل الخطأ، مثل أن يَغْضب شخصٌ ما ويَدفَع شخصًا ما، ولكن من دون أن يَقْصُد قَتْلَهُ. أو ربما ألقى شخص ما شيئًا على المَجْني عليه ولكن ليس بِقَصد إصابة ذلك الشخص بِجُروح بالِغة، وبالتأكيد ليس بِقَصد القتْل. ثم إذا قرَّرَ المَجْلِس أنه لم تَكُن هناك نيَّة خبيثة، فإن الجاني يُعطى الأمان من وليّ الدم. هذا النّوع من القَتِلْ هو ما يُمكن أن نُسَمِّيه نحن المُعاصرين القتل بسبب الإهمال أو القتل غير المتعمَّد.
إذا كان القَتْل غير المُتَعَمَّد هو حِكم المَجْلِس، فإن الجاني يُقاد إلى إحدى المُدُن اللاويّة السِّتّ المُقَدَّسة حيث لا يجوز للمُنْتَقِم للدّم أن يُلاحقه. إلا أن هذا لا يَعفي الجاني من مسؤوليَّته عن مَوت ذلك المَجني عليه، بل ولا يَعفي الجاني من واجبات مَجْلس الحِكِم في قتل ذلك الشَّخص. كل ما في الأمْر أن هناك مكانًا مَحْظورًا على المُنْتَقِم للدَّم. إذن، كما جاء في الآية سِتة وعشرين، إذا بقي مُرتكِب جريمة القتل الخطأ في أمان داخل حُدود مدينة الحرم فهو مَحمي، أما إذا غامَر خارج حدود مدينة الحَرَم فإنه يُصبح صَيْداً حلالاً. وَإِنْ قَتَلَهُ وَلِيُّ الدَّمِ خَارِجَ حُدُودِ مَدِينَةِ الملجأ، فإن ذلك يُعتَبَرُ عدلًا.
ثم هناك هذه المُلاحظة المُثيرة للاهتِمام في الآية الثامنة والعشرين التي تُضيف تَنْبيهًا مُهِمّاً جداً لهذا الإجراء بِرِمَّته؛ فَمُرْتَكِب القتل الخطأ يبقى في ذَنْب دمه مهما كان الأمْر عَرَضيًّا وبالتالي يُنفى إلى مدينة الملجأ حتى يموت الكاهن الأعظم! عندما يموت الكاهِن الأعظم الحالي (سواء جاء ذلك بعد يوم أو بعد خمسين سنة من إرسال الجاني إلى الملجأ الوِقائي) عندئذٍ يَزول ذَنْب الدم ويُغفر، ولا يعود مَسموحًا للمُنْتَقِم أن يَقتل ذلك الشَّخص تحت أي ظرف من الظروف، ويُمكن للجاني أن يعود إلى بَيته ليس فقط مُتحرِّرًّا من الخَوف من المُنْتَقِم بل أيضًا مُبَرَّأً من ذَنب دمه.
يا له من شيء غريب. ما الذي حَدث هنا؟ إنه هذا: الطّريقة الوحيدة التي يُمكن أن يُكفَّر بها عن ذَنْب الجاني أمام الرَّب هي أن يَدفَع رئيس الكّهَنة ثَمَنه من حياته. فيُصْبِحْ مَوت رئيس الكَهَنة (المَوت الطبيعي المتصوَّر) هو الكفارة المقبولة من الله عن مُرتكِب القتل الخطأ.
لكن ذلك خَلَقَ مُشْكلة في النهاية. لأن الأمْرَ لم يَسْتَغرق وقتًا طويلاً حتى يرى القاتل غير المُتَعَمَّد الميزة الكبيرة التي يَتمتَّع بها رئيس الكَهَنة في أن يموت في أقرب وقت مُمْكن! فبدأت أمَّهات رؤساء الكَهَنة تَجْلُبْنَ الطعام والهدايا للجُناة في المَنْفى حتى لا يَنْفِد صَبْرهم في ملجأهم لِدَرَجة أنهن يبدأون بالفِعْل بالصَّلاة من أجل مَوت رئيس الكَهَنة حتى يَتَمكَّنوا من العودة إلى عائلاتهم واسْتِئْناف حياتهم الطبيعيّة. لدينا بالفعل سِجِل لهذا القَلَق في المِشناه.
تقول الآية ثلاثين أنه لا يُمكن إعلان الشَّخص قاتلًا إلا إذا كان هناك عدد كافٍ من الشهُّود على الفِعل. فالشَّهادة السَّمَعيَّة أو شاهِد واحد مُتاح فقط غير كافية، لأن الأمْر خطير للغاية.
الآن جَوهر المسألة مذكور في الآية ثلاثة وثلاثين (مع أنني تَطَرَّقت إليه سابقًا): هناك سَبَبٌ روحي لكل هذا التَّعْقيد المُتعلِّق بإزْهاق الأرواح. الدم المسفوك على أرض الله يُلَوِّث تلك الأرض ويُدَنِّسها. وبالطَّبع الدم الذي يُسفك يُفترض أنه دم يُسفك ظُلماً. عَلاوة على ذلك، كل مَوت يُلوِّث ويُنَجِّس، وهكذا تتراكم نجاسة الدم المَسفوك والمَوت المسفوك وتتراكم على الأرض (وهكذا تُصبح النَّجاسة الطَّقسيّة للأرض أكثر فأكثر) والمَفْهوم المُتأصِّل هو أن الرَّب، بكل قداسَته، لا يُمكنه أن يَسكن على أرض مُدَنَّسة تمامًا. والرَّب يَرغب بكل كيانه أن يَسكن مع شعبه لِدَرَجة أنه أعطى ابنه الوحيد لكي يَسكن أولئك الذين سيَثِقون في هذا الواقع مع الرَّب إلى الأبد. هذا هو بَيْت القصيد من خِطَّته للبشريّة.
لنَنْتَقِل إلى الإصْحاح ستة وثلاثين
اقرأ الإصْحاح سِتّة وثلاثين من سِفْر العَدَد بِأكمله
في إصْحاحٍ سابِق من سِفْر العَدَد حَكَم موسى بأن تَرِث بنات زلوفهد نصيب أبيهنّ من الأرض لأنه مات وليس له بَنون. ولكن هذا يَنْطوي على احتِمال وقوع كارثة: ماذا سيَحدث إذا تزوَّجَت إحدى بناتِه من شخص من خارج بني إسرائيل؟ بما أن الزَّوج هو الذي يملك ما ورثَته زوجته، فإن الأرض ستَضيع للأجانب (نَظريًّا) إلى الأبد.
ولكن المُشكِلة التي يتمّ تناولها في الإصْحاح سِتة وثلاثين ليست بهذه الشُّموليّة تمامًا، فالمُشكِلة التي يتم تناولها لا تتعلق بما يَحدث إذا تزوَّجَت ابنة عبرانية تَمْلُك أرضًا في كنعان من خارج بني إسرائيل بِقَدَر ما تتعلّق بما يَحدث إذا تزوَّجَت نفس الفتاة من خارج قبيلتها الإسرائيلية. أي أن فتاة من سِبْط سمعان مثلاً قد تتزوَّج رَجُلاً من سِبْط جاد. عندها سيكون هناك حالة يُمكن فيها أن تَنْفصِل الحِصّة الإقليميّة التي خصَّصَها الله إلى قبائل إسرائيلية أخرى مما يُخِلّ بالعدل والتوازُن، وكذلك بِمَشيئة الله في التَّخْصيصات الإقليميّة.
إذًا هنا في الآية السادسة هو حكم الله من خلال موسى على مِثْل هذا المَوقف: يُمكن للأنثى التي لها حقوق في الأرض أن تتزوَّج مَن تَختاره طالما كان من عشيرتها. لاحظ أن المُصْطَلَح المُسْتَخدَم هنا صراحةً هو العشيرة وليس القبيلة. لم يَكُن عليهُنَّ أن يتزوَّجْن من داخل عشيرتهُنَّ فقط بل من داخل عشيرتهن المُمْتَدَّة؛ وإذا فَعَلنَ غير ذلك كان عليهُنَّ أن تُحرَمْنَ من ميراث الأرض.
وهكذا، وكما توضِح نهاية هذا الإصْحاح، تزوَّجَت بنات زلوفهد من أبناء عمومِهن، مُطيعات حكم الرَّب.
من الواضِح (كما يُمكِن للمرء أن يتوقَّع) أن وِحدة العائلة التي كان شعب إسرائيل يَهتمّ بها أكثر من غيرها لم تَكُن عَشيرتهم بأكملها بل عَشيرتهم المباشرة. ولكي لا تَتمتَّع عشيرة واحدة مُهَيْمِنة داخل القبيلة بِسِلطة كبيرة جدًا (والتي كان يَتِمُّ التعبير عنها في العُصور القديمة عن طريق الأرض والماشية) يأمُر الله بأن البنات اللّاتي لهُنَّ حقوق الميراث يجب أن تَتزوَّجْنَ من داخل عائلاتهن المُمْتَدّة.
ليست هذه هي آخر التَّعْليمات التي سنَحْصل عليها فيما يتعلَّق باسْتِخدام الأرض ونَقْلها داخل كنعان؛ فسِفْر التَّثْنِية يحتوي على العديد من التَّعْليمات الأخرى التي تمَّ تأسيسها عن طريق السَّوابِق في هذا المَوضوع.
نحن اليوم مُتَحضِّرون جدًا لِدَرَجة أننا نَميل إلى نِسيان أهمِّية الأرض. ولكن، بالنسبة لله، الأرض مُهِمَّة، وأرض الميعاد هي عُنْصُر رئيسي في خِطَّته الشّاملة. وتلك الأرض التي يُسَمِّيها الكِتاب المُقَدَّس أرض كنعان مُخَصَّصة لبني إسرائيل على وجه التحديد؛ كانت دائمًا كذلك وهكذا ستظلّ . سيَبْذُل الرَّب جهدًا كبيرًا في التَوراة لضمان عدم خروج الأرض من حِيازة شَعبه أبدًا؛ ولكن حَدث ذلك على أي حال. كان السَّبب مُتَعّدِّد الجوانب، ولكن في المقام الأول كان ارْتِداد بني إسرائيل عن الرَّب. فمُنذ اللّحظة التي سُلِّمت فيها الأرض إلى بني إسرائيل، وهم يَتلاعبون بسرعة بِفَرائض الله المُتعلِّقة بالأرض؛ وما زالت العواقِب تتوالى كل مساء على شاشات التلفزيون.
ومن المُدْهِش، أليس كذلك؟ أن جميع الإدارات الحكوميّة الأخيرة في كل من أمريكا وإسرائيل عَمياء عن قوانين الله المُتعلِّقة بالأرض، لِدَرَجة أن حلَّهم لمُشْكِلَة العنف ضدّ إسرائيل هو الاسْتِمرار في إعطائها لأحفاد الشَّعب الذي أمَر الله أن تؤخذ منه.
بينما نُواصِل دِراستنا للتَوراة في سِفْر التَّثْنِية، يَنْبَغي أن تَتَّضِح حَماقة هذا القرار. سنَبْدأ في الأسبوع القادِم الإصْحاح الأخير من التَوراة، سِفْر التَّثْنِية.