سِفِر الخروج
الدرس سبعة وعشرون – الإصحاحات ستة وعشرون وسبعة وعشرون وثمانية وعشرون
في الإصحاح الخامس والعشرون، أعطى يَهْوَه تعليمات بشأن قِطع الأثاث الثلاثة الأساسية التي ستوضع داخل خَيْمَة الاجتماع المقدس: تابوت العهد، ومائدة الأرغفة، والشمعدان (حامل المصباح الذهبي). ابتداءً من الإصحاح ستة وعشرين، نحصُل على التعليمات الخاصة ببناء خَيْمَة الاجتماع نفسها.
سنكون سريعين الليلة وسوف نَمرّ بكل إصحاحات سِفِر الخروج الإصحاحين ستة وعشرين وسبعة وعشرين والجزء الأول من الإصحاح ثمانية وعشرين بالإضافة إلى بعض كتابات العهد الجديد ذات الصلة بموضوعنا؛ لذا اتركوا كتُبكم المقدسة مفتوحة وفي مُتناول أيديكم.
اقرأوا الإصحاح السادس والعشرون كله
لقد سبق أن ناقشنا أنّ خَيْمَة الاجتماع كانت مقسمة إلى ثلاثة مناطق متفاوتة من حيث درجات القداسة: قُدس الأقداس هي الأعظم، والمكان المقدّس الأقل قداسة بقليل، والساحة الخارجية الأقل قداسة بعد. تذكروا أيضًا أنّ محيط خَيْمَة الاجتماع كان في الأساس سياجًا مصنوعًا من القُماش يُحيط بفناء مفتوح. كان جزء الخَيْمَة، الذي كان يتألف فقط من قُدس الأقداس والمكان المقدس، هو الجزء الوحيد من خَيْمَة الاجتماع الذي كان له سقف.
مع العِلم أنّ هناك بعض الخلاف حول طول الذراع التوراتي بالضبط، وِفق القياس الحديث، إلا أنّ الإجماع العام هو أنّ محيط الساحة الخارجية كان طوله حوالى 150 قدمًا وعرضه 75 قدمًا. كانت خَيْمَة الاجتماع تُنصب دائمًا في اتجاه الشرق -الغربي، حيث كان الجزء الخاص بالخَيْمَة في الطَرف الغربي. وكانت هناك بوّابة كبيرة بِعرض ثلاثين قدمًا في الطرف الشرقي من الساحة، وكان مدخل الخَيْمَة مواجهًا للشرق أيضًا.
وبما أنّه كان من المفترض أن تَنتقل خَيْمَة الاجتماع إلى أي مكان يُوجّه الله إسرائيل للانتقال إليه، كان يجب أن تكون مُتحركةً. وقد كان تصميمها مَصنوع ببراعة لتحقيق ذلك؛ من الواضح أن المواصفات التي أُعطيت لنا هنا كانت تعني أنه يتم تجميعها وتفكيكها ثم نقلها عدّة مرات. صُنعت بالطبع لتَتحمل الظروف الصحراوية القاسية، بجفافها الشبيه بالفرن والرياح العاتية المُحمّلة بالرمال الناعمة التي كانت مصدر إزعاج دائم. ومع ذلك، لم تكن مَصنوعةً من مواد خفيفة الوزن؛ كان يجب أن تكون متينةً. لذا، لا بد أنّها كانت ثقيلة أيضًا. لن نتكلم عن هذا الموضوع اليوم، لكن سِفِر الأعداد يُخبرنا أنّ المعادن الثمينة وحدها كانت تزن ثمانية أطنان، والخشب المُستخدم في البناء كان يزن عدة أطنان أيضًا. حتى القماش وجلود الكباش كان يمكن أن تكون مرتفع الوزن.
يخبرنا سِفِر الأعداد أيضًا أن عدّة عربات مغطّاة تَجرّها فرق من الثيران كانت تُستخدم لنقل خَيْمَة الاجتماع. ومع ذلك، تُشير جميع الدلائل إلى أنّ أثاث خَيْمَة الاجتماع والتابوت والشمعدان وموائد الخبز والبخور كانت تُحمل باليد. أُعطيت مختلف العشائر التي كانت تُشكل قبيلة لاوي أغراضًا محددة ليَحملها أفرادها، وكان حمل أي شيء آخر يُعدّ تعديًا على إله إسرائيل.
كانت السِتارة التي كانت تحيط بالساحة الخارجية مصنوعة من ملاءات كتانية منسوجة بشكل ناعم، وكانت تُثبَّت في مكانها بواسطة أعمدة من خشب السنط مغطاة بالبرونز. كانت توضع قاعدات برونزية في أسفل كل عمود، وكانت الحِبال مَربوطة من أعلى كل عمود إلى الأرض، ومُثبتة في مكانها بأوتاد برونزية. لاحظوا استخدام البرونز هنا. بما أنّ هذه الساحة الخارجية كانت المكان الذي يُمكن للبشر دخوله، فقد استُخدم هذا المعدن غير الثمين في بنائه. ومن الناحية العملية، كان البرونز أكثر صلابة وفائدة من البناء بواسطة الذهب أو الفضة. ومع ذلك، كان يوجد في أعلى كل عمود غطاء من الفضة وبعض القضبان أو الخطاطيف الفِضية التي كانت تُعلَّق فيها الستائر.
جَعلت ألوان الخيوط التي اختيرت لصنع الستائر، الأزرق والأرجواني والقرمزي، هذا المسعى أكثر تكلفة…لأن هذه الألوان بالذات كانت صعبة الصنع. وقد قيل لنا أنّ بعض أو كل هذه الأغطية الكتانية كانت تحتوي على صور شيروبيم منسوجة فيها. لا يمكنني حقًا أن أشرح أهمية الشيروبيم الغامضة بقَدر ما أتمنى أن أتمكن من ذلك، باستثناء القول بأنّها كانت عنصرًا مهمًا. بما أن يَهْوه هو الذي يُقدّم هذا السَرد عن تفاصيل خَيْمَة الاجتماع، وبما أنّه تم التوضيح مرّات عديدة أن خَيْمَة الاجتماع البرية هي تَمثيل مادي أرضي للخَيْمَة السماوية الروحية، فلا بد أن يَستخدم الله العديد من الشيروبيم في خدمته، وبشكل عام كحرّاس لقداسته. وعلاوةً على ذلك فإنّ الشيروبيم يَتمتعون بامتياز غير عادي من حيث القرب من الله، ويتفاعلون مع الله، في غرفة عرشه.
كان طول الخَيْمَة، أي المكان المقدس، حوالى خمسة وأربعين قدمًا بالطول وخمسة عشرة قدمًا بالعرض وخمسة عشرة قدمًا بالارتفاع. وكان مقسماً إلى غرفتين: كان المكان المقدس أكبر الغرفتين، حوالى ثلاثين قدمًا بخمسة عشرة قدمًا، وكان قدس الأقداس مكعبًا مساحته خمسة عشرة قدمًا بخمسة عشرة قدم. كما قد نتوقع، كان خشب السنط (أكاسيا) المُستخدم في المكان المقدس مُغطى بالذهب، بدلاً من البرونز الأكثر شيوعًا الذي كان يُستخدم في منطقة بلاط الشعب. كان الإله سيَعكس الضوء بطريقة مفيدة ورائعة للغاية. هل يُمكنك أن تَتخيل لون الكهرمان الدافئ الذي كانت ستكتسبه الغرفة مع انعكاس الضوء من الجدران الذهبية؟
استُخدمت ألواح خشب السنط (الأكاسيا) للمساعدة في تشكيل هيكل الحرم، وكانت هذه الألواح مُغطاة بالكامل بالذهب.
كان الهيكل الذهبي والخشبي للخَيْمَة بأكمله مُغطّى ومحميًا بغطاء يَتكون من 4 طبقات. كان الغطاء الداخلي من الكَتان الناعم، وبجانبه كان شعر الماعز المنسوج. كان شعر الماعز هو المادة الأكثر شيوعًا في صنع الخيم، وكان مُعظم بني إسرائيل يَستخدمون خيامًا منسوجة من شعر الماعز لأنفسهم، حيث كانت وفيرة ومتينة وقوية ومقاومة للماء إلى حدٍ ما حسب إحكام النسج (على الرغم من أنّ المطر لم يكن مشكلة حيث كانوا يَتجولون). كانت تغطي شعر الماعز طبقة من جلود الكباش المصبوغة باللون الأحمر، وأخيرًا الطبقة الخارجية التي كان عليها أن تُواجه الطقس الصحراوي القاسي. هذه الطبقة الخارجية غامضة بعض الشيء، لأن الكلمة العبرية التي كانت تشير إليها هي "تاشاش". وكانت تشير إلى نوع من جلد الحيوان. العديد من المترجمين يترجمون كلمة "تاشاش" على أنها جلد ذات جودة عالية، ولكن هذا الأمر يَتحدى المنطق لأنّ الجلد المدبوغ، من الماشية، كان شائعًا واستُخدمت كلمة مفهومة بشكل شائع لوصفه. إن كلمة "تاشاش" هي كلمة غير مألوفة وغير شائعة، وتُستخدم فقط في سياق خَيْمَة الاجتماع في البرية؛ وقد ادّعى علماء اليهود لقرون أنّ الغطاء الخارجي كان إما من جلد الفقمة أو جلد خنزير البحر...
من الواضح أنه كان مُحكم الإغلاق، ومقاومًا للماء، ويوفر الحماية من الغبار الذي كان جزءًا من الحياة الصحراوية. ليس من المستغرب أن يكون قد تم استخدام جلد الفقمة أو خنزير البحر، وربما كلاهما، لأنّ بني إسرائيل كانوا قريبين جدًا من البحر الأحمر، وكان هذان المخلوقان متوفرَين بكثرة هناك. أتصور أنهم حصلوا عليه بالمقايضة من سكان شاطئ البحر المحليين، أو ربما أحضر بعض بني إسرائيل الأكثر رفاهية بعضًا منهما معهم من مصر، لكنني أشك في ذلك، حيث إنها لم تكن مادة شائعة الاستخدام في مصر."
كان المدخل الرئيسي إلى الخَيْمَة، الذي يُدخل المرء إلى المكان المقدس، يسمى "الباب" (بالعبرية، مسخ). كان على المرء أن يسير عبر المكان المقدس ليدخل إلى قدس الأقداس. كان هناك حجاب، ستارة (تسمى بالعبرية باروخيت) تفصل المكان المقدس عن قدس الأقداس. في العبرية اسم المكان المقدس هو "كودش" ……قدس الأقداس يسمى "كودش ها كودشيم".
قراءة سِفِر الخروج الإصحاح سبعة وعشرون كلّه
كما كان تابوت العهد هو العنصر الأكثر قداسة وأهمية داخل حرم الخَيْمَة، ومذبح النحاس العنصر الأكثر قداسة وأهمية خارجه. لذلك فإنّ تصميم مذبح الذبيحة العظيم وموضعه مهم للغاية. هذا هو المكان الذي ستُزهق فيه أرواح ملايين لا تُحصى من الحيوانات البريئة…. دماؤهم التي تُراق، وأجسادهم التي تُحرق حتى تصبح رمادًا…كل ذلك ضروري للتكفير عن خطايا البشر من أجل أن يكونوا في سلام مع الله.
غالبًا ما يُطلق على هذا المذبح اسم "المذبح النحاسي" (في العبرية كان يُسمى بالعبرية "مِزْبَحْ هَا-أُولَهْ"). النحاسي يعني ببساطة أنّه كان مصنوعًا من أقسى معدن كان لديهم في تلك العصور، وهو البرونز (خليط من الحديد والنحاس). إذًا، المذبح، مذبح الذبيحة، مذبح القرابين المحروقة، مذبح النحاس، كلها تشير إلى نفس الشيء. من الناحية العملية، كان المذبح عبارة عن حفرة خاصة للنار، وهو عبارة عن صندوق مصنوع من خشب الأكاسيا كإطار مُغطى بالبرونز حتى لا تَشتعل فيه النار. كان طوله حوالى سبعة أقدام ونصف من كل جانب وارتفاعه أقل بقليل من خمسة أقدام. كانت هناك أربعة "قرون" مصبوبة فيه، واحد في كل زاوية. كانت هذه القرون تُستخدم لربط الحيوانات بها أثناء تقديم القرابين. وسواء كانت هناك أهمية روحية للقرون، أو ما إذا كانت موجودة لأسباب عملية بحتة، فهذا سؤال مفتوح. وقد عُثر على مذابح الكنعانيين وكان للعديد منها قرون أيضًا.
كانت هناك حاجة إلى العديد من الأدوات لاستخدامها مع المذبح، وكان يجب أن تكون مصنوعة أيضًا من البرونز…مجارف لجرف الرماد المستعمل، ودلاء لحمل دم الحيوانات، ومباخر (تسمى أحيانًا أواني النار) لحَمل الفحم الساخن، ومجرفة/أواني خاصة لنقل الرماد خارج المخيم للتخلص منه. كما هو الحال مع تابوت العهد، كانت الحلقات مثبّتة على جوانب المذبح لإدخال أعمدة خشبية من خلال الحلقات كوسيلة لنقل المذبح عندما يحين وقت نقل خَيْمَة الاجتماع بناءً على تعليمات يَهْوه. لم يكن المذبح يُنقل عن طريق وضعه على عربة، بل كان يُنقل يدويًا من مكان إلى آخر، ومن هنا بدأ استخدام الأعمدة.
كان المَذبح يوضع داخل بوابة الساحة الخارجية. الآن كما أشرت في الأسبوع الماضي، عندما طُلب من موسى أن يبني مذبحًا ليذبح عليه حيوانات ليختم العهد بين إسرائيل ويَهْوه، أي عهد موسى، أمره الله أن يضعه خارج المنطقة المقدسة، جبل سيناء؛ بل كان عليه أن يَذهب إلى قاع الوادي، وراء السور الحجري الذي كان بمثابة حاجز؛ منطقة يمكن للشعب الوصول إليها ليلاً ونهارًا. لذا، فقد وُضع المذبح النحاسي خارج المنطقة المقدسة في خَيْمَة الاجتماع، أي الحرم، في الساحة الخارجية حيث كان الشعب يستطيع الوصول إليه باستمرار. بالمناسبة هذا يعني بشكل شبه مؤكد أن المذبح الحجري الذي كانت تُقدَّم فيه ذبيحة ختم العهد كان يجب إيقاف تشغيله بمجرد بناء المذبح النحاسي وتشغيله.
كان مَوضع المذبح في غاية الأهمية. فقد كان بين بوابة البلاط الخارجي ومدخل المكان المقدس. كان على المرء أنّ يمرّ بالمذبح للوصول إلى الحرم. في الواقع، كان على الكاهن أن يُقدّم ذبيحة في كل مرة قبل أن يتمكّن من دخول المكان المقدس. هذا تعليم نبوي ورمزي لغَرض يشوع. علينا أن نمرّ عبر ذبيحة المسيح، لكي ندخل إلى قدس أقداس الله.
ربما أفضل رَمز يُمكن أن نَستخدمه لمساعدتنا على فهم العلاقة بين المذبح النحاسي ويسوع هو الصليب. أي أن الصليب كان بالنسبة للمسيح كما كان مذبح النحاس بالنسبة لتلك الذبائح. كان لا بدّ من رفع الحيوانات إلى المذبح، ورَبطها بقرون المذبح، وإراقة دمها للتكفير عن خطايا إسرائيل. كان لا بد أن يُرفع المسيح على ذلك الصليب، الذي كان مربوطًا به، وإراقة دمه للتكفير عن خطايا إسرائيل. من المؤكد أن الخطة قد نَصّت أيضًا على أن الأمميين، غير الإسرائيليين، قد انضموا سرًا إلى إسرائيل لمشاركتهم في عهودهم مع الله. ولكن، هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يحدث بها ذلك….. كان يجب أن يُطعَّم المرء بإسرائيل وعهودهم مع يَهْوه لكي يستفيد مما فعله المسيح. حتى لا يفهم الجُدد منكم بهذا الفصل بشكل خاطئ، لا أعني أن على المرء أن يصبح يهوديًا ماديًا ليصبح مؤمنًا… ولا يحتاج المرء أن يَتحول لليهودية ويبدأ في ممارسة اليهودية. إنّ مصطلح "التطعيم" هو استعارة، ويُستخدم من وجهة نظر روحية….. ليست جسدية؛ ويحدث ذلك عندما تثق بالإيمان بيسوع مخلصًا وربًا لنا.
استمعوا إلى ما يقوله بولس في رومية الإصحاح اثنان وثلاثة.
قراءة في رومية الإصحاح اثنان الآية سبعة عشرة إلى رومية الإصحاح ثلاثة الآية واحد إلى أربعة
نَميل أحيانًا نحن المسيحيين إلى التعميم المفرط واتخاذ نظرة عقلانية علمية للكتاب المقدس حيث يجب أن تكون كل الأشياء إما / أو. حسنًا، هذه ليست الطريقة التي يَعمل بها الله. هنا في رومية يُشرح لنا أن عدم اتباع الكثير من اليهود لخطة الله الخلاصية حتى نهايتها المنطقية، لا يُلغي خطة الله أو وفاءه تجاههم!
علاوةً على ذلك، علينا أن نبدأ في الفهم أنّه قبل وقت طويل من خلق إسرائيل على الأرض، كان المَثل الأعلى السماوي لإسرائيل (الذي كان مبادئ الله التي كانت تُعاش بين البشر) موجودًا. لقد خُلقت إسرائيل على الأرض لخدمة الله من خلال تسجيل هذه الشرائع والمبادئ وإظهارها حتى تشهد البشرية جمعاء على المثل الأعلى السماوي وتستفيد منه في ظروف معينة. نَجحت إسرائيل بدرجة ما وفَشلت في مكان آخر. واليهود الذين حافظوا على هذا المثل الأعلى السماوي، وفقًا لبولس، هم الذين قبلوا المسيح الذي أرسله لهم يَهْوه، أي يسوع. ويوضح بولس كذلك أن اليهود الذين حافظوا على هذا المثل الأعلى السماوي اسمهم "اليهود الحقيقيون" من المنظور السماوي. وعلى العكس من ذلك، فإنّ اليهودي الذي قام ببساطة بالطقوس والشعائر بعيدًا عن المحبة الحقيقية والثقة بالله ورفض مسيح الله يبقى يهوديًا بالجسد، ولكنه يفشل في الوصول إلى هدفه.
ولكن، هنا، يُقدَّم هنا أيضًا مفهوم آخر: مفهوم الأممي الذي يثق بمسيح إسرائيل يشوع وبالتالي يَسعى إلى المثل الأعلى السماوي. هذا الأممي (ما يمكن أن نسميه اليوم شخصًا مخلَصًا أو مؤمنًا) يُجمع في الفئة التي يُسميها بولس "اليهودي الحقيقي". مرة أخرى: لا يعني ذلك أن الأممي حصل فجأة على جينات عبرية، بل أنّ الله يَنظر إليه كعضو من أولئك الذين يعكسون صورة المثل الأعلى السماوي لإسرائيل.
لا ينبغي أن يكون هذا المفهوم أصعب بالنسبة لنا من المبدأ المسيحي الراسخ (والصحيح) الذي يقول إنه عندما نخلص بدم ذبيحة يشوع، لا يعود الله يرانا رجالاً ونساءً خطأة بل يرانا رجالاً ونساءً أنقياء وأطهارًا. الحقيقة هي أننا ما زلنا نَحمل الشر فينا، وسنستمر في ارتكاب الخطيئة رغم أننا لا نريد ذلك، وسنُحارب حتى الموت الرغبة في ارتكاب الخطيئة ضد الله. إنّ حمضنا النووي لم يتغير؛ ما زلنا بشرًا بالكامل، وما زالت طُرق تفكيرنا القديمة موجودة فينا مع معرفة الله، ومع ذلك يختار الآب أن يرانا أحرارًا من الخطية؛ إنّه يرانا مبررين بغض النظر عن الواقع المادي. هناك طريقة أخرى يختار الله أن يرى بها المؤمنين الأمميين وهي كأولئك الذين يمتلكون صفات الشعب الذي كان من المفترض أن يجُسد المثل الأعلى السماوي: إسرائيل. نحن لسنا يهودًا، لكنه اختار أن يرانا على هذا النحو بمعنى معين.
لقد تم تذكيرنا مرارًا وتكرارًا في الكتاب المقدس بدين الامتنان الذي ندين به نحن المؤمنين الأمميين لإسرائيل. ليس فقط الشعور بالامتنان، ولكن أيضًا فعل التعبير عن هذا الامتنان بطرق ملموسة. خذوا الليلة نصف ساعة واقرأوا في رومية الإصحاحات تسعة وعشرة واحدى عشرة. اقرأوا هذه الإصحاحات واحدًا تلو الآخر…. تَجاهلوا تمامًا علامات الإصحاحات، لأن رومية هي مجرد رسالة واحدة طويلة. ضعوا جانبًا كل التعاليم المجازية التي من المحتمل أن تكونوا قد تَلقيتموها عن هذه الإصحاحات؛ بدلاً من ذلك خذوها كلها كما هي في ظاهرها، تمامًا كما كان من المفترض أن تؤخذ. ستجعل عملية التطعيم الروحي للأمميين في إسرائيل واضحة تمامًا ولا لبس فيها بالنسبة لكم.
اسمحوا لي أن أَذكر شيئاً آخر، هنا: يُصبح رئيس إلهي أبدي مرئياً وواضحاً عن طريق المذبح النحاسي ليراه الجميع وهو كما يلي: بدون ذبيحة دموية لا توجد كفارة عن الخطيئة. كانت الذبيحة المستمرة يومًا بعد يوم على المذبح تذكيرًا مرئيًا ومروعًا لشعب إسرائيل بهذا المبدأ. ومع ذلك، أظنّ أنه مثلما يمكن للبعض منا أن يَتحدث عن تضحية يسوع لنفسه بنظرة معينة، وبطريقة غير واقعية، ربما كذلك، لم يكن بعض بني إسرائيل يبكون بسبب النَحر المثير للشفقة لتلك البقر والغنم والماعز البريئة الكثيرة وغير المؤذية التي ذُبحت نيابة عنهم. أو تلك الملايين من الطيور التي كانت تُعصر أعناقها، وتلك الثيران الضخمة التي كان يجب أن تُصارع وتُربط وهي تقاوم ذبحها وإنهاء حياتها. ولكن بالنسبة للإسرائيليين العاديين الذين شهدوا بانتظام عملية تقديم الذبائح، لا بد أن ذلك كان يؤدي إلى فهم مرارة حقيقة الأمر كله…لا يوجد تكفير عن الخطية بدون ذبيحة دموية. كانت المرارة في حقيقة سيل الدماء الذي لا نهاية له، وتدفقه من ذلك المذبح؛ وكانت الحلاوة في معرفة ترتيب إله رحيم لكل ذلك حتى يُصبح إنقاذ حياتهم ممكنًا، وحتى يتمكنوا من إقامة علاقة مستمرة مع إله الكون القدوس…ولكن يا له من ثمن باهظ.
ربما كان فيلم ميل غيبسون، الآلام، هو العنصر المرئي الحديث الذي كنا بحاجة إليه لمساعدتنا على فهم رعب الساعات الأخيرة من حياة يشوع. أعلَم أنني تألمت وغالبًا ما أدرت وجهي بعيدًا، وحاولت ألا أرى دمه، دمه الذي ضحّى به، متناثرًا وملطخًا على الرصيف. ولكن، يا قوم، هذه هي الحقيقة المرعبة عن الذبيحة؛ الذبيحة ليست جميلة. إنّ موت تلك الحيوانات على المذبح لم يكن هادئًا وسهلًا وعقيمًا، ولم يكن يتم في الخفاء. لقد كان صاخبًا، وفوضويًا، وذات رائحة كريهة وغالبًا ما كان يؤلم الأمعاء. كان على أولئك الذين أحضروا حيواناتهم للتضحية إما أن يقوموا بهذا الفعل بأنفسهم، أو بالاشتراك مع الكاهن. لم يكن هناك انكماش جراء ذلك، ولا انفصال عن أنفسهم، ولا اختباء من واجبهم. خطيئتهم، خطيئتنا نحن، تَجلب معها ثمناً باهظًا. الحمد لله أنّ لا حاجة بعدُ إلى مذبح نحاسيّ.
ابتداءً من الآية عشرين، نناقش وقود شمعدان خَيْمَة الاجتماع. يجب أن يكون من زيت الزيتون النقي المكرر ليكون الأفضل. هنا التعليمات هي أن أنوار هذا الشمعدان يجب أن تُضيء ليلاً ونهاراً. وأعيد التأكيد على أن الشمعدان يوضع خارج الستار، الحجاب، "الباروخة" التي تَفصل قدس الأقداس عن المكان المقدس… بمعنى آخر، يجب أن يوضع في المكان المقدس، وأن هارون وأبناؤه هم الذين يرعونه. اسمحوا لي أن أذكر فقط أن هارون لا يمثل كل قبيلة اللاويين. يَنتمي إلى واحدة من عدة عشائر ضمن قبيلة لاوي. سيتمّ اختيار عشائر لاوية أخرى لأنواع معينة من الخدمة والواجبات لخَيْمَة الاجتماع. على سبيل المثال، لا يمكن أن يأتي رئيس الكهنة إلا من نسل هارون المباشر. وبالمثل، أولئك الذين يَهتمون بالشمعدان يجب أن يأتوا أيضًا من سلالة هارون. سيتم تحديد عشائر أخرى من اللاويين كمسؤولين عن واجبات محددة أخرى.
لاحظوا في الآية الأخيرة من الإصحاح سبعة وعشرين أن استخدام "المنورا" الشمعدان، وتلك العشيرة المُحددة من اللاويين التي عُينت لاستخدامها، هي على شكل نظام دائم. ومع ذلك، من الواضح أنه في تاريخ إسرائيل ولمرتين لم يكن النظام قابل للتطبيق: الأولى كانت أثناء النفي إلى بابل، والثانية بدأت مع تدمير الهيكل عام سبعين ميلادي، وتستمر حتى اليوم. لقد اقترب الوقت الذي سيُعاد فيه بناء الهيكل من جديد، في اورشليم، في جَبل الهيكل الذي يَحتله اليوم مسجد للمسلمين، وسيحترق الشمعدان مرة أخرى. ولكن، السبب الوحيد الذي يجعل المؤمنين يأملون في حدوث هذا الحدث المذهل يَدل حرفيًا على عودة المسيح التي قد تكون بعد أسابيع وشهور، كما ستكون نهاية العالم كما نعرفه. سيحدث هذا الهيكل بسبب كفر الشعب اليهودي. عدم الإيمان بأن المسيح قد كفّر عن خطايانا، مرة واحدة وإلى الأبد، منذ ما يقرب من ألفي عام. عدم الإيمان بأن روح الله الحي، يَعيش فينا…وليس في مبنى فاخر. عدم الإيمان بأن الهيكل، وقَبله خَيْمَة الاجتماع، لم يكونا سوى نُسخ، ظلال للشيء الحقيقي… ويسوع المسيح هو الأمر الحقيقي.
قراءة الإصحاح ثمانية وعشرون الآية واحد إلى خمسة
بعد الكثير من التحضيرات، يُعلن يَهْوه إعلانًا غير مفاجئ إلى حدٍ ما أن هارون وأبناءه نداف وأفيحاو وأليعازار وإيتامار قد تم اختيارهم وتعيينهم ليكونوا "كوهانيم"، أي كهنة.
وفي الوقت نفسه، يأمر الله موسى بأن تُصنع ثياب خاصة لهؤلاء الكهنة، مما يميزهم أيضًا عن الآخرين. قيل لنا في الآية اثنين أن ثياب هارون، في ضوء مكانته السامية كرئيس الكهنة الأول، يجب أن تكون أكثر من مميزة؛ يجب أن تَعكس بقدر الإمكان مجد الله وكرامته وبَهاءه.
لم يكن اللِباس الخاص المستخدَم للطائفة الكهنوتية جديدًا على مختلف ثقافات الشرق الأوسط. ولكنها كانت جديدة بالنسبة لإسرائيل، لأنه حتى هذه اللحظة من تاريخهم….، كان عمر سلالة إسرائيل، يعقوب، حوالى ستة قرون…ولم يكن لديهم كهنة رسميون. ومهما كانت عبادتهم حتى الخروج وجبل سيناء، فلا بد أنها كانت بسيطة جدًا وشخصية وغير مركّزة بصراحة. لقد كان العبرانيون خاضعين لآلهة مصر ونظامها الديني لمعظم تاريخهم كشعب، وبالتالي فقد تبنوا، لا شعوريًا إلى حدٍ ما على ما أفترض، الفهم العام لكيفية عمل الآلهة والدين. أي أن النظام الديني المصري أصبح العدسة التي نظر من خلالها إسرائيل إلى عالم الأرواح. لذلك ليس من العجيب أن يَهْوه كان دقيقًا ومحددًا ولا هوادة في تعليماته لإسرائيل حول ما يجب أن تتكون منه العبادة الحقيقية، وما لا يجب أن تتكون منه. ما هو العدل الحقيقي وما ليس كذلك. ومن هو الله، وأنه واحد، وأن لا إله حقيقي وفعليّ خاص بشعب أو أمة، يكون مكرّس لها فقط. لقد استغرق الأمر سنوات عديدة بعد جبل سيناء حتى يفهم إسرائيل كل هذا الموضوع. ومع ذلك، طوال تاريخهم وصولاً إلى المسيح، كانت لهم هفوات خطيرة في عبادة الأوثان.
والآن بعد أن خصّص يَهْوه ذلك الجزء من إسرائيل، قبيلة لاوي، أي كهنته، لخِدمته، ترك تفاصيل صغيرة عن العبادة والخدمة ليُقررها البشر؛ حتى ما كان الكهنة يرتدونه. الآن، دعوني أكون واضحًا: كان يجب ارتداء هذه الملابس فقط خلال وقت خدمة اللاويين في خَيْمَة الاجتماع. عندما لا يكونون في الخدمة، كانوا يرتدون ما يرتديه الآخرون.
سنُلقي نظرة في المقام الأول على ما كان يرتديه رئيس الكهنة، لأن ثيابه كانت مليئة بالتعليم والرمزية؛ ولأننا سنَسمع في جميع أنحاء العهدين القديم والجديد عن قطع معينة من زيه الرسمي كل منها يحمل معاني محددة للغاية. دعوني أخبركم مسبقًا أن ثياب رئيس الكهنة كانت تحمل معاني نبوية أيضًا.
لكن قبل أن نفعل ذلك، دعونا نَفهم بشكل عام ما كان يلبسه الكهنة اللاويون العاديون: كان زيًا بسيطًا جدًا من الكتاّن الأبيض. كان يَتألف من سترة، وقبعة عمامة تُسمى الترترة، وإكسسوار يُشبه الحزام يسمى الحزام، وسروال (سروال كان غالبًا ما يكون بمثابة ملابس داخلية). كان الأبيض يرمز إلى البِرّ والنقاء.
سنلقي نَظرة في الأسبوع القادم على ما كان رئيس الكهنة مكلفًا بارتدائه.