سِفْر الخروج
الدرس الثاني والعشرون – الإصحاحان واحد وعشرون واثنان وعشرون
في الأسبوع الماضي، خَرَج الكثير منكم شاعِرين بصُداع وعلى وجوهكم نظرات حَائرة عندما بدأنا دراستنا لـ "الناموس" بعَرْض مُستفيض لسِفْر الخروج الإصحاح الواحد والعشرين الآية واحد. ستَشعرون بالارتياح عندما تَعلمون أن هذا الأسبوع لن يكون مُكثفًا. ومع ذلك، آمل أن تكونوا قد اكتسبتم بعض الفَهم للسبب الذي جَعَل العبرانيين منذ موسى يَسْعون بكل جدية لاتباع تعليمات الله؛ وأننا بحاجة إلى أن نكون حذرين للغاية في كيفية تَوصيفنا لقواعده في الحياة التي وَضَعها الله أمام الإنسان قبل مجيء المسيح. لقد رأينا في الأسبوع الماضي أنّ ما يُسمّيه العبرانيون والمسيحيون على حد سواء "الناموس"، يُشير الله إليه على أنّه "مِشبات" الخاص به؛ والمِشبات لا تعني بأي حال من الأحوال القانون، بل تَعني العدل. ورأينا كذلك أن مِشبات عند الإشارة إلى مِشبات الله تَتحدَّث عن نظام عدله الشامل. واليوم، نحن سنبدأ في النَظر في تفاصيل نظام عدالة الله…..مِعيار الله التفصيلي للحقّ…….القواعد والأنظمة الفردية التي تم وَضْعها في العهد الموسوي. ولتوضيح الأمر بشكل أدقّ، فإنّ ما نحن بصدد دراسته هو تَطوُّر الإنجيل: حرفيًا، الإنجيل، الفصل الأول.
دعونا نراجع بسرعة بعض الأشياء من الأسبوع الماضي:
واحد. بِرّ الإنسان وبِرّ الله، بِرّنا وبِرّ الله، بِرّنا "تسيدك" وبِرّه "تسيدك"، ليسا متماثلين. في الواقع، لا ينبغي أن يَكون من الصعب استيعاب ذلك، لأن الله ليس إنسانًا. لا يُمكن للإنسان أن يتطَوّر أو يَعمل لتحقيق نوع البِر الذي لدى الله. إنّ بِرّ الله، حتى لو لم نكُن قادرين حقًا على فهْم كل ما ينطوي عليه، يَتعلّق في المقام الأول بِخلاص البشرية. بِرّ الله (تسيدك) يُشير إلى إرادته الخلاصية، ومقاصده وأهدافه الخلاصية، وكل ما يَحدث بتوجيه منه لخلق شعب مُخصَّص له.
اثنان. وعليه، فإنّ الإنسان هو موضوع إرادة الله الخلاصية، بِر الله؛ ويتحقق بِر الإنسان عندما يَقبل الإنسان إرادة الله الخلاصية، خطّة يَهوَه الخلاصية، من أجل حياته الخاصة. منذ مجيء المسيح، الإنسان البارّ هو الإنسان المؤمن بالمسيح.
ثلاثة. يُعرَّف الإنجيل عمومًا بأنه "الكَلِمة الموحى بها لخطة الله الخلاصية للبشرية جمعاء". أي أنّ الإنجيل هو ببساطة الاسم أو العنوان الذي أعطيناه لمجموعة من المعلومات في الكتاب المقدس التي تُعلِن خطة الله الخلاصية الرائعة من أجلنا، وحاجتنا إليها.
أربعة. ومع ذلك، على مَرّ القرون، تم تَضييق نطاق مصطلح الإنجيل من قبل العديد من اللاهوتيين من المؤسسة الكنسية على مَرّ القرون، بحيث أصبح المصطلح يُشير ببساطة إلى قصة المسيح وهدفه… ميلاده وحياته وموته وقيامته، ولا شيء آخر. هذا خاطئ تمامًا وغير مَنصوص. المسيح بالتأكيد هو المَرَكز، والمحور، وحجر الزاوية في خطة الله للخلاص. ولكن كما رأينا الأسبوع الماضي أوّل توعية بخطّة الخلاص من قبل الإنسان قد أُعطيت لإبراهيم، وكان يجب أن يَحدث الكثير في عملية الخلاص قبل مجيء يسوع، ويجب أن يَحدث الكثير قبل مجيئه مرة أخرى. وكل ذلك، وليس فقط الجزء الخاص بالعهد الجديد، يشكل الإنجيل. في الواقع، العَهد القديم هو المكان الذي يوجد فيه الإنجيل. يُحدِّد الإنجيل الجديد ببساطة من هو مسيح إنجيل العهد القديم، ويُعطينا بعض التعاليم حول ما يعنيه هذا بالنسبة لنا الآن بعد أن جاء المسيح. علينا أن نَتذكّر أن يسوع وجميع الرسل علّموا الإنجيل مُستعينين فقط بالعهد القديم، لأنه لم يكن هناك شيء اسمه العهد الجديد حتى عقود من الزمن بعد موتهم.
خمسة. وأخيرًا عندما نبدأ بالنظر إلى الشرائع الواردة في عهد موسى، فلنَتذكر أنّ بني إسرائيل كانوا ينوون
بتَفانٍ شديد أن يكونوا مُطيعين لتعليمات الله ومبادئه. لم يكن لدى العبرانيين في تلك العصور القديمة إحساس واضح بالحياة الآخرة أو بالحياة الأبدية مع الله. في الواقع، كانوا يَعتقدون أنّ الحياة تَنتهي عند القبر، شيول، وأنّ الموت يَفصلُهم بشكل دائم عن الله سبحانه وتعالى. لذلك كانت حياتهم الجسدية في أذهانهم هي وقتهم الوحيد لإظهار امتنانهم ليَهوَه على نِعمته تجاههم بِجَعلهم عضوًا في الشعب المختار. قد لا يكون العبرانيون قد أدركوا تمامًا ما هو الخلاص الحقيقي، أو ما هو الغَرَض الكامل من الناموس؛ ولكن أن يَتَّهم المسيحيون اليوم العبرانيين بالناموسية لمجرّد أنهم فعلوا ما أمر الله به هو هراء. نحن، كمسيحيين، نَسينا أنه بالإضافة إلى علاقتنا الخلاصية مع يَهوَه، علينا أيضًا واجِب الطاعة. إذا كان لديك أي شك في هذه الحقيقة اقرأ سِفْر يعقوب، أخو يسوع. رغم أن الطاعة ليست شرطًا لنيل خلاصنا أو الحِفاظ عليه، ولا يجب أن تكون الطاعة هي مِحور علاقتنا مع الله، إلا أنها يجب أن تكون استجابتنا بالتأكيد. طاعة نظام عدالة الله ليست ناموسية، إلا إذا أسأنا استخدامها كنظام لتبرير الذات.
قراءة سِفْر الخروج الإصحاح واحد وعشرين كُلّه
ما قرأناه هنا هو ترتيب يَهوَه للمجتمع العبراني الجديد. ولكن علينا أن نُدرِك أيضًا (وسيَتّضِح لنا ذلك أثناء انتقالنا في سِفْر الخروج وسِفْر اللاويين) أنه على الرغم من وجود العديد من القواعد والفرائض الواردة في هذه المقاطع، إلا أنها ليست شريعة قانونية شاملة مثل شريعة حمورابي. وبعبارة أخرى، ليست كل مجالات الحياة مَشمولة بالتفصيل في هذه الفرائض. فالزواج، والتجارة، والميراث، وكيفية انتقال الملكية إمّا بالكاد يتم التَطرّق إليها أو لا يتم ذُكرها مباشرةً على الإطلاق. بل إنّ معظم هذه "الشرائع" المَزعومة كانت أمثلة تَميل إلى تعديل الممارسات السابقة للعبرانيين، أو كانت مفاهيم جديدة تمامًا. بغضّ النظر عن الغرض منها كانت دائمًا امتدادًا للشرائع العشر الأولى التي نُسمّيها الوصايا العشر. لذلك ابتَكَر قادة إسرائيل بالضرورة ممارسات وقواعد غَطَّت مجالات لم تُعالجها الشريعة أو ملأت الثغرات في مبادئ واسعة جدًا. سُميت هذه الممارسات والقواعد بالتقليد الشفهي، أو فيما بعد بالتقليد فقط.
وبينما يبدأ هذا الإصحاح بممارسة نَجدُها بغيضة في أمّتنا، إلا أنّه من الواضح أنه كان مسموحًا بها في الأيام القديمة: العبودية. والآن، امتلاك إنسان لإنسان آخر ليس هو المَثَل الأعلى لله. ومع ذلك، ولأسبابه الخاصة سَمَح يَهوَه بوجود العبودية وهنا يُحدِّد حدودها. بينما نَنتقل إلى الإصحاحات الثلاثة التالية سنَجِد العديد من الممارسات الكتابية التي تبدو بدائية أو قاسية أو بربرية أو غير عادلة في أذهاننا. وبينما قد تُتَاح لنا الفرصة لمناقشة بعض هذه الشرائع الفردية، فإنّ ما أنوي القيام به هو النَظَر إلى هذه القواعد والأحكام من وجهة نظر المبدأ الإلهي الذي تُجسّده لأنه ليس من واجبنا كمؤمنين أن نتبع بالضرورة التقاليد والطقوس الثقافية العبرية التي وَضَعها الحكماء والحاخامات على مَرّ القرون؛ ولكن من واجبنا أن نَتبع المبادئ الكامنة وراء تلك التقاليد والطقوس، وأن نُطيع أوامر التوراة المكتوبة بوضوح والتي لا زَمن لها.
دعونا نبدأ بملاحظة أنه باستخدام الكلمات العشر كأساس، فإن المجموعة الأولى من الشرائع التي أُعطيت لإسرائيل واردة في سِفْر الخروج واحد وعشرين واثنان وعشرين وثلاثة وعشرين. وهي مُقسَّمة إلى فئتين أساسيتين: أولاً، الموقِف المدني والاجتماعي لجميع بني إسرائيل من حيث علاقتهم ببعضهم البعض، أيّ التفاعل بين البشر؛ وثانيًا، مَوقِف إسرائيل من حيث علاقتهم بيَهوَه. إذًا الفئة الأولى، والتي تم تحَديدها في خروج واحد وعشرين الآية اثنان حتى خروج ثلاثة وعشرين الآية الثانية عشرة، تَتعلَّق بكيفية تعامُل بني إسرائيل بالعدل (عمل مِشبات) مع أخوتهم البشر. الفئة الثانية، في خروج ثلاثة وعشرين الآية ثلاثة عشرة إلى تسعة عشرة، تَتحدّث عن كيفية تعامُل بني إسرائيل بالعدل مع الله.
وما يجب أن نَنتبه إليه على الفور هو أنّ الله قد قَلَب السُّلم الاجتماعي العالمي العام رأسًا على عَقَب. فخلافًا لأي نظام مدني واجتماعي وضعه الإنسان على الإطلاق، فإنّ النظام الذي أعطاه يَهوَه لبني إسرائيل يبدأ باهتمامه بالتعامل بعدالة مع أولئك الذين هم في أدنى السلم الاجتماعي: العبيد. يَضَع الله حقوقًا لهؤلاء العبيد، ذكورًا وإناثًا؛ أناس يَعتمدون كُليًا على رحمة أسيادهم. كان العبيد في العالم القديم مُجرّد ممتلكات في العالم القديم، أدوات ودَواب للأثقال، كما هو الحال في أماكن كثيرة على هذه الأرض اليوم.
ولكن من خلال فَرْض حقوق شخصية مُقدَّسة على هذه الطبقة الاجتماعية الدنيا، غَيّر الله الديناميكية التي من خلالها يمكن أن توجد العبودية. لقد أُعطي العبيد العبرانيون مكانة الأشخاص….. وليس الحيوانات أو الممتلكات. ضعوا خطًا تحت كلمة عبراني، لأنها المفتاح. يجب أن نَفهم أن العبرانيين كانوا يحتفظون بفئتين من العبيد: العبرانيون والأجانب (الأمميين).
هذه القواعد موضوعة للعبيد العبرانيين. وهي لا تَنطبق على العبيد الأجانب الذين قد يَمتلكهم العبرانيون. ولكن في وقت لاحق في التوراة ستَصدُر تعليمات من يَهوَه بأنّ العبيد الأجانب الذين يرغبون في التخلّي عن هويتهم القَبَلية أو القومية الأممية ويصبحون إسرائيليين، يجب أن يُسمَح لهم بذلك. إنّ تغيير الولاء لم يَجعلهم أحرارًا، ولكنه بالتأكيد جعلهم عبيدًا عبرانيين وأعطاهم شرعة حقوق لم تكن لديهم من قبل باعتبارهم "أجانب". بل أكثر من ذلك يُوضِّح يَهوَه أن أي أجنبي ينضّم إلى إسرائيل ويصبح عبرانيًا باختياره لا يُعتبر مواطنًا من الدرجة الثانية. لذلك إذا أعلن عَبْد أجنبي مملوك لعبراني رغبته في الانضمام إلى إسرائيل وأصبح عبريًا… فإنه يُصبح أيضًا مساويًا في المكانة والحقوق للعبد العبري بالولادة. وبمجرد أن يُصبح هذا العبد المُتجنّس حُرًا يصبح عبرانيًا حرًا له حقوق ومكانة مساوية للأحرار العبرانيين المولودين بالفطرة.
بالمناسبة، لاحظوا خروج واحد وعشرين الآية ستة؛ هذا هو المكان الذي ثُقبت فيه أذُن العبد الذكر، وعلى الرغم من أنه لم يَذكُر ذلك، إلا أنه وَضَع له حلقة. هذه إشارة إلى أنّ هذا الرجل، بِصفَته رَب أسرة، قد ألزم نفسه وعائلته طواعية بالعبودية مدى الحياة لسيده الأرضي. سيّد أسرة العبيد هذه ليس مُلزَمًا بتحريرهم بعد ستّ سنوات، وهو ما كان القانون العبري. على الرغم من أنه كان بإمكان السيد، رأفةً به، أن يُحرّر العبد متى شاء.
تتحدّث الآيات سبعة إلى إحدى عشرة عن رَجُل باع ابنته كخادمة في البيت، ولكن على أساس أنها إذا أرْضَت سيّدها يتزوّجها، فلا تُعتبر من طبقة "العبيد" حتى خلال فترة عملها كجارية. أول ما يجب أن نُلاحظه هو أنّ هذا الأمر لا بد أن يكون أمرًا شائعًا حتى يُخاطبها الله بشكل مُباشر ومحدَّد. والآن، يمكن أن تُصبح الفتاة محظية لسيدها….. أي أنها ليست زوجة، ولكنها تَحتلّ مكانة مشابهة للزوجة. والفرق الرئيسي هو أنه لم يكن هناك شيثوبة، أي عقد زواج، وبالتالي لم تكن هناك خُطبة قانونية. لم يكن اليهودي يَبيع زوجته؛ لكنه كان يَبيع جارية وأحيانًا محظية. ولكن، يقول يَهوَه إنه لا يجوز للسيّد تحت أي ظرف من الظروف أن يَبيع هذه المرأة لأحد من خارج قبائل إسرائيل. وإذا ما اختار أن يجعلها محظية أو زوجة، بغضّ النظر عن حقيقة أنه قد حصل عليها بالشراء فعليًا، فلا يُمكنه أن يُعاملها معاملة سيئة إذا ما تزوَّج امرأة أخرى. بالطبع، نحن نَتحدَّث هنا عن تعدد الزوجات. جَزاؤه على ظُلمِه لهذه المرأة هو أنها تنال حريّتها. قد لا يبدو الأمر كذلك بالنسبة لنا في هذا الإطار الثقافي، ولكن ما يحدُث هنا حقًا هو أنّ يَهوَه يوضّح أنه في مجتمع إسرائيل الأبوي، الذي كان سائدًا في العالم القديم، فإنّ المرأة لها حقوق، ولها قيمة عند الله، ويجب أن تُعامل بعدالة ومراعاة بين شعبه الذي اختاره.
الأمر التالي الذي يجب مُعالجته، بعد العبيد وحقوق المرأة، هو قدسيّة الحياة. إنّ الحياة مهمّة جدًا بالنسبة لله لدرجة أنه يُعدِّد جرائم الإنسان ضد الإنسان التي يأمُر الله بإهلاك المُجرم بسببها، حتى لا يؤذي المجرم شخصًا بريئًا آخر أو يَحُط ّمن قدر المجتمع الإسرائيلي بشكل عام. قد نَتوقّع جزءًا من قائمة الجرائم الكبرى هذه، ولكن الأجزاء الأخرى هي مفاجأة. يَضَع يَهوَه على نفس المستوى من الخطورة أ) القتل العمد، ب) الاعتداء على الوالدين وإيذائهما (وليس بالضرورة قتلهما)، ج) الخَطْف، سواء كانت الضحية مُتضررةَ أم لا، د) وحتّى شَتْم الوالدين. أي أنّ كل هؤلاء الجُناة في نظره تعالى يَستحقون عقوبة الإعدام. إنّ الله لا يقدّم أي رحمة لهؤلاء الجناة، ولا يقدِّم أي إمكانية لإعادة التأهيل، فهذا عقاب مَحْض وسريع ولا تراجُع عنه.
الآن حتى نَفهم معنى أن "تشتُم" والديك: هناك عدة كلمات تُستخدم للعن أو الشتم في العبرية. وهي مُحدَّدة تمامًا في معناها وتتراوح بين معنى القَسَم ضد شخصٍ ما، وبين التهديد والوعيد. الكلمة المستخدمة لِلَعْن في مِثال خروج واحد وعشرين الآية سبعة عشرة هي "قلال"؛ وتُستخدَم بمعنى إهانة الابن أو كونه إحراجًا لوالديه لأن لا قيمة له. وهذا يَشمل عدم قيامه بواجب الابن في رعايتهما إذا احتاجا إلى ُمساعدته. إذًا فالابن الذي يُهين والديه بسلوكه أو يُسيء إلى والديه أو لا يحترمهما أو يكون عاقاً لوالديه، يقول يَهوَه: "اقتلوه". ومع ذلك، يَرى الله أن هذا في الأمْر حراسة للحياة، لأن الأشخاص الذين يفعلون هذه الأشياء يَسرقون الحياة من أولئك الذين يَراهم يَهوَه أبرياء ومُستقيمين.
ونرى أيضًا مبدأ النيّة الذي يُصادِق عليه الله. أي أنّ نِيّة قلب المرء تتعلّق بعواقب أفعاله في نَظَر الله. على سبيل المثال، إذا قَتَل شخص ما شخصًا آخر عن غير قصد، فإن الجاني يُعطى مكانًا يذهب إليه ولا يُسمَح لأحد بانتهاك هذا المكان للقبْض عليه. هذا هو مبدأ الحَرَم. ولكن القتل العَمْد، أي القصد إلى القتل، لا يوفّر مثل هذا الملاذ، وقد يُقبض على الجاني حتى في أقدس الأماكن، حتى لو كان في خِضَّم الذبح على مذبح الله.
هذه الآيات الأخيرة والآيتان التاليتان تُجيبان على السؤال الذي طُرح عند دراستنا للكلمة السادسة….. "لا تَقتل": وكان السؤال: ما هو القَتل العادل مقابل القتل غير العادل للإنسان؟
بعد ذلك، في الآيات ثمانية عشرة إلى سبعة وعشرين، وُضعت فرائض لحماية الحياة؛ التعامل أولاً مع الأذى الجسدي للإنسان، ثم التَعامُل مع إيذاء الحيوان. وهذا يُعزِّز محبة يَهوَه واهتمامه بجميع المخلوقات الحَيّة، ولذلك عندما يجب أن يُذبح أحد حيواناته، يجب أن يُضحَّى به للتكفير عن ذنب ارتكبه الإنسان في حقّ الله، يَحزن ربُّنا أن يموت هذا الحيوان. كل هذه الملايين والملايين من الذبائح الحيوانية التي ستأتي بعد ذلك، قرنًا بعد قرن، لم تكن شيئًا سهلاً بالنسبة ليَهوَه…فكل من تلك الأرواح المضحية كانت تَهمّه كثيرًا.
والآن ما آمل أن تكونوا قد لاحظتموه هو أنّ هناك مبدأ رئيسي آخر يُظهره الله لنا في هذه الآيات وهو "الجزاء". أي أنّ كل إثم يجب أن يكون له تَعويض مساوٍ وعادل كنتيجة. لاحظوا معي، يرى الله أنّ التعويض أفضل من سجن الجاني.
فالتعويض من الجاني يُحقِّق بعض التقدم نحو تعويض المجني عليه؛ بل إنه يَسمَح للجاني أن يستمرّ في حياته بينما يتعلّم درسًا قيمًا.
السَجْن ببساطة يُعاقِب الجاني، والرضا الوحيد للضحية هو معرفة أنّ الجاني يُعاقب. لاحظوا في الآية ثمانية عشرة أنه إذا تشاجر رجلان وأصاب أحدهما الآخر بجُرح خطير، فإنّ من قام بالإيذاء مُلزَم برعاية الآخر وتَحمُّل كل نفقاته وتَعويضه عن أي أجر مفقود…. ولكن لا يوجد التزام آخر لأنّ الشجار كان محاولة مُتبادَلة لإيذاء أحدهما الآخر في المقام الأول. في نظامنا القانوني الحديث نُسمّي هذا الأمر، مبدأ المسؤولية المشتركة.
لاحظوا أيضًا أنّ الآية عشرين تَتناول مسألة ضرب السيّد لعبدِه حتى الموت. مرّة أخرى، نظرًا لتقدير الله للحياة، يمكن أن يُعاقب سيّد العبد….. يمكن أن يُقتل مالك العبد المقتول….. هذا هو معنى مصطلح "الثأر" في هذه الحالة. أما إذا عاش العبد بِضعة أيام قبل أن يموت فلا قصاص، لأن مالك العبد يكون قد أهدَر مالَه بقَتْل هذا العبد المدفوع ثمنه. والمقصود هنا أنه إذا مات العَبد فورًا من العقوبة التي فَرَضها السيد، فلا شك أنّ السيّد تعمَّد القتل، وهذا قتل مُتعَمَّد. ولكن إذا عاقب السيد عبدًا وتَضرَّر العبد ضررًا بالغًا نتيجةً لذلك، ولكنه لم يَمُت في الحال (أي أنه عاش بضعة أيام)، ثم مات العبد بعد ذلك فهناك شك في نيّة السيد في القتل، بل هناك شك في أنّ العقوبة التي أنزلها السيد هي سبب الموت بالفعل. لذلك يُعتبر فقدان العبد القيّم عقوبة كافية في حد ذاتها ولا مزيد من التبِعات تنهال على السيد.
ويلي ذلك ما يحدُث إذا فَقدَت المرأة الحامل جنينها نتيجة إلحاق الأذى بها. وفي الآيات ثلاثة وعشرين إلى خمسة وعشرين نحصُل على العبارة التي يحب أن يَستشهِد بها كل إنسان متعلم، مؤمن أو وثني: العَين بالعين والسن بالسن، وغيرها. من المؤسف جدًا أن الناس لا يقرأون المقاطع العديدة التي تَسبِق هذه العبارة وتَليها لأنهم لو فعلوا ذلك لكانوا فهِموها بشكل أفضل.
إنّ المبدأ الإلهي وراء صيغة العَين بالعين المَنصوص عليها هو التالي: لا تزال عواقب الأفعال العَرضيّة أو غير المشَروعة تتطّلب الإنصاف والعدل. إذا قَلَع شخص ما سنّ شخص آخر، فيجب تقديم تعويض عادل. وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أنّ سنّ الجاني يجب أن تُقلع. أو إذا تَضرّرت عين، فلا يجب أن تتضرّر عين الجاني في المقابل، ولكن يجب أن يكون هناك تعويض مناسب. ما يحدث في الآيات ثلاثة وعشرين إلى خمسة وعشرين هو أنّ الله يقول في جوهره: "انظروا، سيكون قانونًا لا نهاية له إذا أخذتُ بالاعتبار كل طريقة وظروف ممكنة يمكن أن يؤذي بها شخص شخصًا آخر وأعطيتُ حكمًا مُحددًا يَحتوي على مقدار مُحدَّد من التعويض. لذلك هذا هو المبدأ الذي ستَستخدمه لتقرير التعويض." وبالطبع هذا المبدأ مُرتبط بسياق سِفْر الخروج واحد وعشرين بأكمَلِه، حيث يُعطي الله أسبابًا قليلة فقط لحُكم الإعدام، وتُغيِّب الأسباب حيث يتمّ تشويه الشخص كعقوبة (مثل قلْع عينه). مرّة أخرى، فكرة العين بالعين، والسن بالسن، والكَدمة بالكدمة هي تعويض عادل ومُنصِف…. يجب أن يَحصُل المرء على تعويض أكبر لفقدان السنّ، أكثر من مجرد الإصابة بكدمة. وينبغي دَفْع تعويض عن فقدان العين أكبر من التعويض عن فقدان السن لأن التأثير أكبر على الضحية. التعويضات الكثيرة جدًا خاطئة مِثلها مثل التعويضات القليلة جدًا. الحياة مقُابل الحياة لا تعني بالضرورة عقوبة الإعدام…. بل تعني ببساطة مبلغًا كبيرًا جدًا من التعويض، وربما يكون مَصحوبًا بعقوبة قاسية. يُعدِّد الله بوضوح شديد الجرائم التي يُعاقَب عليها بالإعدام، أما باقي العقوبات فَتدور حول التعويض العادل والمُنصِف. لاحظوا السياق المُهم جدًا لمبدأ العين بالعين: إنه يَتعلَّق بظرْف القتل الخطأ أو القتل غير المُتعمَد. إنه يَتحدّث عن رجُلين يتشاجران ثم ينتهي الأمر بسقوط مارّة بريئة، امرأة حامل، أرضًا.
أولاً، ما الذي قد يَحدُث إذا مات جنينها الذي لم يولد بعد؛ ولكن بعد ذلك تقول (الآية ثلاثة وعشرين): "ولكن إذا ترتَّب على ذلك ضرَر آخر" فيكون المبدأ "النفْس بالنفْس والعين بالعين إلخ". من المهم أن نَفهم أنّ عقوبة الإعدام على إزهاق روح إنسان هي (وفقًا للتوراة) لا تُفرض إلا عندما يكون القتل عمدًا. من الواضح أنّ السيناريو المعروض هنا هو قَتْل غير مقصود؛ لذلك فلا إشارة مطلقًا إلى عقوبة الإعدام عندما تقول "الحياة مقابل الحياة".
تعليق آخر: كما ذكرت، لم يكن التشويه عقوبة مَسموح بها؛ لم يكن جزءًا من نظام العدالة العبرية. الآن هذا لا يعني أنه لم يَحدُث على الإطلاق أن يُطبّق الملوك والأمراء العبرانيين المستبدّين عقوبة الإعدام من وقت لآخر. ولكن لم يَأذن بها الله، وكانت عامّة الناس تنظُر إليها عمومًا على أنها شريرة.
يُحبّ الإسلام أن يدّعي أنّ المسيحيين والعبرانيين والمُسلمين يتشاركون جميعًا نفس الإله، وبالتالي فإن ديانة الإسلام ببساطة تَتبع تعليمات الله عندما تُشوِّه المخالفين للشريعة الإسلامية؛ أي أنهم يقطعون الأيدي والأصابع والأرجل….. ويَقلعون العيون ويقلعون الألسنة، إلخ. تعاليم الكتاب المقدس تُنافي هذه الأشياء بينما القرآن الكريم، كِتاب المسلمين المقدس، يأمر بالتشويه. هذا مجرد دليل آخر على أنّ الله ليس بأي حال من الأحوال مجرد اسم ثقافة أخرى ليَهوَه.
تَتناول الآية ستة وعشرين مرة أخرى موضوع العبيد؛ وثمَن المُعاملة القاسية للعبد، حتى ولو كان مجرد خَلعْ سن العبد، يعني الحرية الفوريّة للعبد… ذكرًا كان أو أنثى.
تبدأ الآية ثمانية وعشرين في التعامل مع الأذى الذي قد تُسبِّبه الحيوانات. ونحصُل على نظرة الله للعدالة في هذا الصدد: الحيوان الذي يَقتل إنسانًا يجب أن يموت. يوضح الله، هنا، أنّ الإنسان أعلى من الحيوان في القيمة المُتأصلة فيه (وهو على ما يبدو أمر جديد بالنسبة للعديد من جماعات حقوق الحيوان). ولكن لا يجب لَوم مالِك الحيوان أو معاقبته إلا إذا كان هذا المالك يعلَم أنّ حيوانه لديه نزعة لإيذاء البشر. إذا قَتل حيوان المالك المُهمِل شخصًا ما، فيجب أن يُعاقب المالك على هذا الإهمال الجسيم بالإعدام، إلى جانب الحيوان نفسه بالطبع. فالفكرة هي أنّ المالك مُذنب بسبب إهماله الجسيم لحياة الآخرين وبالتالي فهو يدفَع العقوبة القصوى. ومع ذلك، هناك نصّ على أنه إذا دفَع مالك الحيوان المهمل (أو أقاربه) فِدية لأسرة القتيل، حسب الظروف، فيمكن أن يكون ذلك كافياً كعقوبة له. وليس المقصود فقط فيما يتعلّق بالظروف الدقيقة للحالة، بل إنّ الأمر يَرجِع إلى أهل القتيل في قبول المال كتعويض، أو قبول حياة الجاني كعقوبة له. فالقتل لا يمكن أبدًا أن يَمرّ من دون إعدام القاتل، ولكن بالمعنى الدقيق للكلمة فإنّ الإهمال المُتعمَّد لا يُماثل تمامًا القتل المُتعمد، لذا فقد أضيفت ثغرة مُكلفة … "مخرج"
وعلى العكس من ذلك إذا تَسبّب إهمال شخص ما في موت حيوان شخص آخر فإنّ المُتسبب في المشكلة يكون مسؤولاً عن دفْع تعويض. المثال المذكور هنا هو تَرْك غطاء بئر ماء مفتوح، وسقوط حيوان فيه وموته. ومن المثير للاهتمام أنه يحقّ للشخص المُهمِل الاحتفاظ بالحيوان المَيت إذا كان عليه دفْع تعويض.
تَتناول الآية الأخيرة ما يحدُث إذا سرَق شخص ما من شخص آخر: مرة أخرى، الفكرة هي التعويض….. ولكن ليس على مستوى المساواة، بل على مستوى العقوبة. هنا، مرة أخرى، هناك نيّة. السرِقة لا تحدُث بشكل عَرَضي… ربما باستثناء في أمريكا إذا استمعتم إلى بعض السياسيين والمحامين الأكثر ليبرالية لدينا. فالشخص الذي يتسبّب في خسارة أو ضرر أو وفاة شخص آخر ويَفعل ذلك عن قَصد يتم التعامل معه بقسوة أكبر بكثير مما لو كان ذلك غير مقصود أو حتى إهمال.
قراءة سِفْر الخروج الثاني والعشرين كُلّه
اعتمادًا على نسختكم، تكون الآية الأولى من سِفْر الخروج اثنان وعشرين أحيانًا هي الآية الأخيرة من سِفْر الخروج واحد وعشرين…. لذا لا تقلقوا بشأنها. في الواقع لم يكن ينبغي استخدام هذا الأمر أبدًا كتقسيم للفَصل. ما هو إلا نَفْس الفِكر والسياق والمشهَد المُستمرّ.
على أي حال، نواصل هنا النقاش بشأن جريمة السرقة. والفِكرة المحيطة بهذه التشريعات ضد السرقة هي حماية الممتلكات. شخصيًا، أتمنى حقًا أن تَتبنّى الولايات المتحدة طريقة العهد الموسوي في التعامل مع السارق. وعليه، إذا قَبضتم على السارق متلبسًا بالجُرم المشهود أثناء الظلام، يمكنكم قانونًا قَتله على الفور. أما إذا كان في ضوء النهار، فلا يمكنكم ذلك. والسبب العملي هو أنه في الظلام، لا يمكنك تقييم الوضْع العام جيدًا؛ سواء كان لصًّا واحدًا أو أكثر؛ ما إذا كان معه سلاح أم لا؛ ما إذا كان هذا الرجل قد يكون قاتلًا طليقًا معروفًا. ولكن، في وَضح النهار يمكنكم معرفة ذلك. لذا، إذا كان بإمكانكم الشعور بخَطَر فقدان الممتلكات فقط من دون التعرض للأذى، فإنّ القتل في هذه الحالة هو جريمة قتل.
لكن الجزء الذي يُعجبني أكثر من جوانب التعويض، أن يَستبدل السارق ما أخذه، وغالبًا ما يجب أن يكون عدّة أضعاف. وإذا رَفض أو لم يَفِ بوعده بالقيام بذلك، فيمكن أن يؤخذ إلى السجن ويُباع كعبد مع إعطاء المال للشخص الذي سُرق. أقول ذلك على سبيل التهكّم لأنني بالتأكيد لا أدعو إلى عودة العبودية؛ على الرغم من أنني أظنّ أنّ مِثل هذا النظام يُبطئ بشكل كبير من انتشار السرقات وعمليات السطو في جميع أنحاء العالم الغربي إذا كان الجاني عِرضة لقضاء بقية حياته، إذا لزم الأمر، في تعويض ضحاياه.
أليس من المثير للاهتمام أنّ السَجن لم يكن ببساطة جزءًا من نظام عدالة يَهوَه. بالتأكيد يمكن للمرء أن يفهم صعوبة توافر سجن في البرّية. لكن مفهوم الجزاء بدلاً من السجن استمرّ حتى زمن المسيح. كانت فكرة السَجن بغيضة بالنسبة لليهود، فقد كانت طريقة وثنية للتعامل مع الجريمة والعِقاب. لا يعني ذلك أنّ اليهود لم يَتبنّوا هذه الممارسة في نهاية المطاف إلى حدٍ ما، ولكن بما أنها لم تكن جزءًا من نظام العدالة الإلهية فلم تُستخدم على نطاق واسع. وأعتقد أنّ استخدام السجون لم يبدُ أنه أوقف الجريمة إلى أي درجة على الإطلاق.
في الواقع نُدرك جميعًا أنّ الأشخاص الذين كانوا بالفعل في السِجن اليوم يرتكبون معظم الجرائم. وحتى محاولتنا الضعيفة لإعادة تأهيل السُجناء عن طريق التعليم والمَعرفة خلال فترة سَجْنهم لم تُحقّق نجاحًا يُذكر. ذلك لأن هذه ليست الطريقة التي خَلَق الله الكون ليَعمل بها؛ فنظام العدالة الإلهية صُمم لإعادة تأهيل المجرم عن طريق تعويضه لضحيته.
من المهمّ دائمًا في قراءة الكتاب المقدس أن نرى ترتيب الأشياء، فهذا عادة ما يُساعدنا على معرفة أولويات الله. إذًا أولاً، فيما يَتعلّق بالسرقة بين الرعاة، نرى أولاً أحكامًا تَتعلّق بسرقة الحيوانات. ثم نرى بعد ذلك عدالة الله فيما يتعلّق بالضرر الذي يَلحَق بالحقول، ثم الصيغة التي تقول إنّ حياة الحيوان لها قيمة أعلى عند الله من حياة النبات. في الوقت الذي أُعطي فيه إسرائيل هذه الشرائع كانوا في البرية، ولذلك لم يكونوا مزارعين، بل كانوا رعاة. في الوقت المناسب سيَحتاجون إلى قوانين تتعلّق بالزراعة لأنهم بمجرد استقرارهم في أرض كنعان سيُصبح الكثيرون منهم مزارعين.
بعد ذلك، في الآية ستة، تأتي التعليمات المتعلّقة بما أُعطي للآخرين لحفظه وما يحدُث إذا سُرقت تلك الأشياء.
حتى هذه النقطة ربما لاحظتم أنّ كان هناك تَركيب مثير للاهتمام "إذا، إذًا" كما عَلَّم يَهوَه شريعته. "إذا" حَدَث هذا، "إذا فعل شخص ما هذا"، "إذًا" هذا ما يجِب عليك فعله. الفكرة هنا هي أنّ هذه الأمور سوف تنشأ بين شعب الله المُختار، ويجب التعامل معها كجزء من الحياة اليومية العادية والمجتمع. كما أنه يَضَع ديناميكية الفعل والنتائج: إذا فَعَلت هذا، فهذا ما سيَحدُث لك. النقطة المهمة هي أنّ الأمور التي يتمّ التعامل معها أمورٌ علمية؛ وليست احتمالات نظرية. علاوةً على ذلك، كانت شرائع القانون المجتمعي عادية بالنسبة لذلك الزمن.
لم تكُن شريعة موسى هي الأولى. كان من المتوقّع تمامًا أن يكون لبني إسرائيل نصوص شريعة. وكانت جميع هذه الشرائع مُتشابهة تمامًا حتى لو لم تَتّفق على كل نقطة. الأمْر يُشبه إلى حدٍّ ما المجتمع الغربي الحديث: تَشترِك أوروبا وأمريكا الشمالية في فلسفة العدالة، فلدينا محاكم قانونية، وخبراء قانونيون كمُمثلين عن المُتّهمين، والرأي القائل بأنه لا يمكن بشكل عام إيذاء الشخص جسديًا بسبب جريمة تتعلّق بالممتلكات فقط.
لا يُسمح بالتشويه الجسدي للمجرمين. يتمّ حَجْب عقوبة الإعدام إلا في أبشع الظروف عندما يتعلّق الأمر بالقَتل. كان وَصْف الجريمة هو نفسه بشكل عام في إسرائيل وجميع مجتمعات الشرق الأوسط القديمة الأخرى؛ وفي أغلب الأحيان كانت العقوبات مُتشابهة. إلا أنّ شريعة إسرائيل كانت تنطوي على قدر أكبر بكثير من الرحمة والشَفقة، وبينما كان من المُعتاد في المجتمعات الأخرى إلحاق الأذى الجسدي باللص العادي، كان ذلك ممنوعًا في إسرائيل. لقد أصَرّت شريعة إسرائيل على التأكيد أنّ حياة الإنسان أهمّ من الحيوان، وأنّ الحيوان أهم من الممتلكات الأخرى.
نبدأ الآن في مواجهة بعض القوانين التي لها طابع مختلف تمامًا. تبدأ إما في الآية سبعة عشرة أو ثمانية عشرة (حَسَب نسخة الكتاب المقدس التي تحملونها)، تَبدأ سلسلة من اللوائح التي تَنصّ على ما يجب ألا يَحدُث أبدًا في عائلة الله. يعني ذلك أنّ هذه الأفعال خارجة عن طبيعة الشخص الذي يُفترض أن يكون جزءًا من شعب الله المختار، لدرجة أنّ معظم هذه القوانين تنطوي على الهلاك الفوري لذلك الشخص. هذه أمور تتعلّق بالأخلاق والضمير أكثر من كونها جرائم تُرتكب ضد إنسان آخر.
لاحظوا أنّ القوانين السابقة أخذَت الظروف والنية في الاعتبار عند تحديد العواقب التي يجب أن تَترتّب على مخالفة هذه الأوامر، إنْ وُجِدت. في تلك المذكورة من خروج اثنان وعشرين الآيات سبعة عشرة، ثمانية عشرة إلى ثلاثين (ربما باستثناء الآيات المُتعلِّقة بإقراض المال)، لا تَلعَب النيّة والظروف أي دور تقريبًا.
إذًا، في الآية سبعة عشرة، يتمّ تناوُل مسألة السِحر، فلا سِحر من أي نوع كان بين شعب الله. لذلك يجب إبادة المشعوذة (الساحرة) بإجراءات مُوجزة عند اكتشافها. فالسِحر، بحُكم تعريفه، هو استدعاء أسماء الآلهة والشياطين للقيام بأوامركم؛ وبما أنّ التوحيد لا يَعترف إلا بإله واحد، ويرفُض أي تقرُّب إلى الأرواح الشريرة، فقد كان هذا إهانة بالغة الخطورة في حقّ الرَب. كما أنه كان خطيرًا أيضًا لأن السِحر كان عالميًا تقريبًا في العصور القديمة، ولذلك كان من السهل على الناس أن يَنجذبوا إلى الساحر ويَخدعهم هذا الأخير. كان هذا السِحر محظورًا في إسرائيل وكان معروفًا على نطاق واسع في المنطقة وكان يُعتقد أنه أمر غريب للغاية. في الواقع في حادثة بلعام والملك بلعام الشهيرة التي سنَتناولها في سِفْر العدَد بعد بضعة أشهر سنجِد تصريحًا لبلعام عندما اكتشف هذا الحَظر الغريب ضدّ الممارسات السحرية بين العبرانيين: "لا بشارة في يعقوب، ولا تكهّن في إسرائيل….."
أما التحريم التالي فهو ضدّ ممارسة البهيمية؛ هذا الشذوذ الفظيع المُتمثِل في ممارسة الإنسان للجنس مع حيوان ليس نِتاج خيال….. فهو كان منتشرًا بين سكان كنعان. حتى الحيثيين وجدوا هذه الممارسة
رجسًا ولدينا سجلات شرائعهم التي تُطالب بموت كل من يَفعل مِثل هذا الشيء.
في الآية التاسعة عشرة، تَتجلّى التعليمات بأنّ إسرائيل لا يجب أن يَعبد آلهة أخرى ولا يجب أن يَذبح لإله آخر. كانت الذبيحة في جوهر عبادة الأوثان. لذا، فإنّ التضحية على مذبح إله وثني يُعرَّف هنا على أنه يَستحِقّ الإبادة الكاملة لمن يَرتكِب مثل هذه الزندقة. ما هو مُفيد (على الأقل بالنسبة لي) هو حاجة الرَب (وموسى) للدعوة لعدم التضحية لإله وثَني بعد أن تمّ التوضيح أنه لا ينبغي للمرء أن يَعبُد أو حتى يَعترِف بهذه الآلهة الأخرى. ما الفَرق بين عبادة آلهة أخرى والتضحية لآلهة أخرى؟ لا شيء إلا إذا كنت تبحَث عن سبب لفِعل ما تريد. إنّ السبب في مناقشة المسألة بهذه الطريقة بسيط للغاية: كان بنو إسرائيل يبحثون دائمًا عن ثغرات واستثناءات من القاعدة ضد عبادة الأوثان. كان بعض بني إسرائيل يَذبحون لإله وثني ويقولون: "حسنًا، أنا لا أعبُد إلهًا آخر، أنا فقط أقدِّم ذبيحة حيوانية وهذا ليس نفس الشيء تمامًا…". لقد أعجبتهم وثنيتهم؛ أرادوا أن يُحافظوا على وثنيتهم ويَتصرّفوا مثل بقية العالم. الكتاب المقدس مليء بالأمثلة على سقوط بني إسرائيل باستمرار في عبادة الأوثان، وعمليًا في كل مرة كان أحد أنبياء الله يوبّخهم على فعل ذلك، كانوا يُنكرون أنّ ما كانوا يفعلونه هو في الواقع عبادة أوثان حتى بعد أن حلَّ عليهم غَضَبه. ظَنّ هؤلاء العبرانيون أنّ ما كانوا يفعلونه ربما كان قريبًا من عبادة الأصنام…ربما حتى إلى حدٍ ما كذلك …… لكن قلوبهم كانت في المكان الصحيح (وفقًا لطريقة تفكيرهم). حسنًا، لقد وَصَف الله ذلك بعبادة الأوثان وقَتَل في النهاية الآلاف من بني إسرائيل بسببها ونَفى البقية من الأراضي المقدسة.
سنَتوقف هنا لنُنهي الإصحاح الثاني والعشرين الأسبوع القادم.