25th of Kislev, 5785 | כ״ה בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس الثامن – الإصْحاحان الثامن والتاسع
سِفْر التكوين الدرس الثامن – الإصْحاحان الثامن والتاسع

سِفْر التكوين الدرس الثامن – الإصْحاحان الثامن والتاسع

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس الثامن – الإصْحاحان الثامن والتاسع

اقرأ سِفْر التكوين ثمانية بكامِله

مثلما بَدأ الإصْحاح السابع بالكَلِمات المُطَمْئنّة التي تقولُ أن الله دعا عائلة نوح البارّ إلى السَّفينة الآمِنة، يُخْبِرنا الفصل الثامن أن الله "تذكّر" نوحاً؛ ولكن الآية لا تَتَوَقَّف عند هذا الحدّ، بل تقول إنه تذَكّر أيضاً جميع الكائنات الحَيّة التي دَخَلَت الى السَّفينة مع نوح. لا يُمْكِنني أن أؤكِّد بما فيه الكِفاية على مدى أهَمِّيّة مًخْلوقات الله الحَيّة….. التي نُسَمِّيها عادةً الحَيوانات…… بالنِّسْبة لله. من المُؤكَّد أن الإنسان هو أعلى قليلاً من الحَيَوان، وقد وُضِع في موقع سُلْطَة على الحَيَوان، ومع ذلك فنحن مًخْلوقون من نفس المادة التي خُلقت منها الحَيوانات؛ تُراب الأرْض. لقد وَضَعَ الله نفْس النَّشيمه، روح الحَياة، في كل من الحَيَوان والإنسان. أنا لا أحاول أن أكون بِمَثابة إعلان لجَمْعية الرّفق بالحَيَوان، ما أقولُه هو أننا نَغْفل عن حقيقة أن الحَيوانات لم تَكُن مُهْمَلة. لا شكّ أنه في بداية سِفْر التَّكوين عندما جعَل الله آدم يَسْتعرِض الحَيوانات، كما سمّاها، يجب ألّا ننسى أن آدم أُعْطِي أيضاً فُرْصة اخْتِيار إحداها كرَفيقة. ليس بِمَعْنى زَوْجة، بل كصديقة، ولا شك أن هذا كان ليُظهر لنا المَكانة التي يَحْتلُّها الإنسان….. أعلى قليلاً من الحَيوانات…..ولكن أيضاً الأهَمِّيّة التي يوليها الله لمًخْلوقاته الحَيّة.

أشيرُ إلى ذلك فقط، لأنه إذا كان مَسْموحاً لي أن أعلِّق عاطفة إنسانية على الله، فقد كان أمْراً فظيعاً يوم اضطرَّ الله أن يَقْتُل حيواناً أو اثنين ليَصْنع ثياباً من جِلْد الحَيَوان ليُغطِّي آدم وحواء؛ فقد أحْزَنَه ذلك كثيراً. وقد أحْزَنَه أيضاً، لأسْبابه الخاصة، عندما أصبح من الضَّروري أن تُذبح الحَيوانات بِشَكْل مُنْتَظِم من أجل ذبيحة دمويَّة للتَّكْفير عن خطايا البَشَر؛ ولا بُدّ أنه قد حَزِن مَرَّة أخرى، لأسْباب لا أسْتطيع فَهْمها، عندما أمر أبْ كل شيء نوحاً وذُرِّيّيته أن يَقْتُلوا آلافاً لا حَصْر لها من مًخْلوقاتِه الحَيّة المَحْبوبة من أجل الطَّعام. كان هذا أمْراً عظيماً. عندما يُقال لنا أن الله يَعْلم عندما يَسْقُط عُصفور من الكِتاب المُقَدَّس، فذلك لأن هذا العُصْفور هو أحَدْ مًخْلوقاته الحَيّة التي لم تَعُد حَيّة. أن لا "يَعْرِف" العُصْفور بالمعنى الذي يكون فيه دولاراً واحداً مُهِمّاً لمُحاسبٍ يُنظِّم دفاتره، بل لأن الله وضع روحه الحَيّ في ذلك المًخْلوق والآن قد انْطفأ. غالباً ما نَنْظُر إلى هذه الآية فقط من وِجْهَة نَظَر مدى أهَمِّيّة الإنسان……لأنها تقول أيضاً أنه يُحْصي شعْر رؤوسِنا. لكن، ليس هذا هو بيْت القصيد كلّه، بل إنه حتى العُصْفور مُهِمّ بالنِّسْبة له. إذاً، قبل مجيء يسوع إلى العالم بِكثير، كان الله يُشاهد مًخْلوقاته الحَيّة تمَوْت بِسَبَب خطيئة البَشَر.

يستخْدِم النُّصْف الثاني من الآية الأولى كَلِمة مألوفة لنا. يقول أن الله جلَبَ "ريحاً عاصفة" عبر الأرْض، لدَفْع المياه إلى الوراء. الكَلِمة العبرية المُسْتَخْدمة هنا هي روخ. في العبرية، الرّوح القُدُس هو روخ هاكودش. تُسْتخدَم كَلِمة "روخ" عادةً في أسْفار التَّوْراة كَكَلِمة لوَصْف روح الله، أو أحياناً "الروح" بِشَكْل عام. إذاً، هذه الرِّيح العاصِفة كانت أكثر من مُجَرَّد حدَث خاص بالطَّقْس؛ كانت الرِّيح حقيقيَّة وفِعْليَّة، ولكنها تنْطوي أيضاً على فكرة أن هذه الرِّيح كانت تحْمل عُنْصُراً روحِيّاً لأنها كانت "من الله" وهذا مثال آخر على حقيقة الإزْدِواجيّة.

بعد مئة وخمسين يوماً من ارْتفاع المياه، انْحَسَرَت هذه المياه لمُدَّة مئة وخمسين يوماً التالية.

كانت السَّفينة الخَشَبِيَّة تتمايَل في مياه الفَيَضان، حتى اسْتَقرَّت على جبال أرارات…..وليس جبل أرارات، قِمَّة مُحدَّدة… بل في مكان ما على قمة أحد جبال سِلْسِلَة جبال أرارات الواسِعة التي تقَع في تركيا الحاليّة. لقد قيل لنا اليوْم المُحَدّد: الشهر السابع، اليوم السابع عشر من الشهر، لكن سيَمْضي بعض الوقت قبل أن يتَمَكَّنوا من النّزول. مَضَت أربعون يوماً أخرى وأرْسَل نوح غُراباً، وهو طائر قمّام، وهو حيوان غير طاهِر. لم يَعُد، ممّا يُشير إلى أنه وجَدَ طعاماً، وعلى الأرْجَح أشياء ميْتة ومكاناً يُعَشِّش فيه، على الأرْجَح في قِمَم الجبال المَكشوفة الآن. ثم أُرْسِلت حمامة، وهي حيوان طاهِر، لكنها عادَت، مما يُشير إلى أنها لم تجِدْ مَصْدَراً للطعام أو مكاناً لتُعَشِّشْ فيه. بعد أسْبوع أرْسَل نوح حمامة أخرى وعادت هذه المَرَّة وفي مِنْقارِها ورقة شَجَرة زيتون خضراء طازَجة، ومرَّ أسبوع آخر، ولم تعُدْ الحمامة مَرَّة أخرى، مما يُشير إلى أن المياه قد انْحَسَرَت إلى خطّ الشَجَرة أو تحْته. من اللافت للنَّظر أن مُزارِعي الزَّيْتون يَعْرفون جيِّداً أنهم لا يَخْشون أبداً من الفَيَضانات التي من شأْنها أن تُغْرِق الأشجار العادِيَّة …………….. لأن غُصْن الزَّيْتون يحمُل أوراقَه وهو تحت الماء.

من المُثير للإهْتمام أن نلاحِظ أنه لسَبَبٍ ما، يريدنا الله أن نَعرِف بالضَّبط الشهر الذي حدَثَت فيه مراحِل مُعَيَّنة من الفَيَضان وانْحِساره. على سبيل المثال، نرى أنه في الشهر الأول، اليوم الأول…… أي اليوم الأول من السَّنة الجديدة، كما يُسَمِّيه اليهود، روش هوشنه، كان من الآمِن إزالة الغطاء عن السَّفينة، ولم يبْقَ سوى أن تَجفَّ الأرْض بِشَكْل كافٍ ليَضَع سُكّان السَّفينة أقدامُهِمّ عليها مَرَّة أخرى. في الشهر الثاني، في اليوم السابع والعشرين، أوْحى الله إلى نوح أن بإمكانِه الآن اسْتِئناف الحَياة على تُراب الأرْض.

كم هو مُثير للإهْتمام أن نفس الطّوَفان الذي دمَّر ما هو قديم، طهَّر أيضاً وأفسَح الطَّريق للجَّديد. كان مَوْت ما كان فاسِداً ضرورياً من أجل الإسْتِعداد لحياة جديدة.

مَرَّة أخرى، لَدَيْنا نوع ولمْحة لما سيأتي. لأن المسيح، المُسَمّى الماء الحَيّ في العَهْد الجديد، هو ما يُشير إليه كل ذلك. تموت طبيعتنا القديمة ونتطهَّر من خلال هذا الماء الحَيّ وهذا يهيِّئ كل المعْنى الرَّمزي لمَعْمودِيَّة الماء. من خلال المَوْت، نأتي إلى حياة جديدة.

لقد فهِم نوح جيداً، الآن، تأثير ما حدَث للتَّو. وفي الآية عشرين، وفي ردّ فعل مُناسِب تماماً، بنى مَذْبحاً وذبَح للرَّب من كل نوع من الحَيوانات الطّاهِرة. كان أول عمَل للنِّظام الجديد للبشريَّة هو تكريم الله. لكن، كما سنرى قريباً، هذا العالم المُطَهَّر حديثاً، الذي بدأ في البرّ وفهِم الخطيئة وعَواقِبها الفظيعة والمُدمِّرة تماماً، لن يبقى طاهِراً لفترة طويلة.

لكن، ذبيحة نوح هذه تُظهر لنا أيضاً سبباً واحداً مُهِمّاً على الأقل أن الله أمر بأن أربعة عشر…… أي سبعة أزواج…. من الحَيوانات الطّاهِرة تَحْضر على متن السَّفينة. إذا كان نوح سيُضَحّي من كل نوع من الحَيوانات الطّاهِرة (وهو ما فَعَله)، فلَوْ كان هناك زَوْج واحد فقط من كل نوع طاهِر أُحْضِر على متن السَّفينة، لكانت هذه التَّضْحية الأولى إيذاناً بانْقِراض هذا النوع. أليس كذلك؟ بالإضافة الى ذلك، من خلال تقديم هذه السِّلْسِلَة من الذبائح، أكَّد نوح على أنه سيأخُذ عباءة سُلالة شيث: سُلالة الأتقياء. بالمُناسِبة: فيمَ استُخدِمَت الحَيوانات النَّجِسة؟ لماذا تم الاحْتِفاظ بها حتى، بدلاً من ترْكِها تموت في الطّوَفان؟ حسناً، وبدون الدُّخول في التَّفاصيل، سنَجِد لاحِقاً أن العديد من الحَيوانات النَّجِسة كانت تعيش على نِظام غذائي من الحَيوانات النَّجِسة. جُثَث المَوْتى والناس والحَيوانات الميْتة لا بُدّ أنها كانت مُتَناثِرة في كل مكان مع انْحِسار المياه. كانت هذه الحَيوانات تنمو على هذه الإمْدادات "الغذائية" الضَّخمة، ومن المُؤكَّد أنها كانت تخدُم غرضاً مُفيداً، حيث كانت تنظِّف المناظر الطبيعية، تماماً كما تفعَل النُّسور وغيرها من القمّامين اليوم.

لا يجب أن ننْسى مبْدأ الكَوْن الذي يقول أن كلّ شيء له نقيض. إذا كان هناك طاهِر فلا بد أن يكون هناك نجِس، ولكن، أريد أيضاً أن أوضِح جيِّداً أمراً بشأن ما حَكم الله بأنه نجِس، فليس كل الحَيوانات النَّجِسة قمّامة بأي حال من الأحوال. في الواقع، يبدو أنه لا يوجد نَمَط سُلوكي أو خاصيِّة جسديِّة أو نوع مُعَيَّن من الطَّعام يأكُلونه أو أي شيء آخر يُمْكِننا أن نضَعْ إصْبعنا عليه لنَفْهم لماذا عُيّن بعض الحَيوانات على أنها نجِسة. هناك العديد من النَّظريّات التي طُرِحَت، ولكن لا شيء منها صحيح على الإطلاق. علَيْنا بِبَساطة أن نُدْرِك أن الله هو صاحِب السِّيادة وأنه يتَّخِذ قرارات وخِيارات لا يَكْشُف عادةً عن السَّبَب وراءها. لذا، إذا غادَرْتم الّليلة بِفِهم واحد عن الطّاهِر والنَجِس، فلْيَكُن هذا: الحَيوانات النَّجِسة ليست فئة واسعة من الحَيوانات السَّيِّئة؛ الحَيوانات الطّاهِرة ليست أفضل بطبيعتها من الحَيوانات النَّجِسة؛ الحَيوانات النَّجِسة ليست حيوانات فاسِدة وليست حيوانات أقل أهَمِّيّة عند الله. إنها ليست أكثر أو أقل من مُجَرَّد اخْتيار قام به الخالِق لحِكْمةٍ خاصة به ولم يُطْلِع البَشَر على السَّبَب الكامِن وراء هذا الإخْتِيار.

تكشُف الآيَتان الأخيرَتان من الإصْحاح الثامن عن معلومَتَيْن مُهِمّتين: واحد) أن الله قبِل ذبائح نوح ووَجدَها مُرضية. إثنان) أن الله لم يكُنْ ليَفني كل المًخْلوقات التي تَسْكُن الأرْض بالطَّريقة التي انْتهى منها للتَّو: بِطوَفان من الماء. و ثلاثة) يُرجى مُلاحظة العِبارة الوارِدة في الآية واحد وعشرين التي تقول ….. : "لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْب الإِنْسَانِ شِرِّير مُنْذُ حَدَاثَتِهِ….."

قَلْب الإِنْسَانِ شِرِّير مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. ما الذي يُمْكِن أن يكون اعْترافاً مُباشراً من الله سُبْحانه وتعالى أكثر من ذلك، أن الإنسان لدَيْه مُشكلة؛ لدَيْه شرّ فيه. كما ناقشنا في الأسبوع الماضي، أين توجد أي الإشارة إلى الشَّيْطان؟ أين يُعلِّق الله مُشْكلة الشَّر في البَشَرية على الشَّيْطان؟ إنه لا يفعل ذلك. لا تَفْهَموني بِشَكْل خاطِىء: الشَّيْطان حقيقي وهو يُغْري البَشَر بِفِعل الشرّ، لكن، الشَّيْطان لم يَخلق الشرّ؛ الشَّيْطان كائن مًخْلوق مِثْلَه مِثْل أي شيء آخر، وقد اتَّخَذ خِياراً أخْلاقياً وأصبح شِرِّيراً مُتَجَسِّداً على أكْمَل وَجْه، بل هو بِبَساطة يَسْتَغِل المَيْل الشِرِّير الموْجود فينا، عن طريق الخِداع. حيث يقول أن قَلْب الإِنْسَانِ شِرِّير "مُنْذُ حَدَاثَتِهِ "، "منذ حداثَتِه" مكْتوبة بالعبرية ""مينيراو" (منذ صباه) وهذا يعني حَرْفياًّ "منذ صَحْوَته"، لذا، ربَّما تكون التَّرْجمة الأفضل لهذه العبارة هي "…..لأن قَلْب الإنسان شِرِّير منذ صَحْوَتِه". يشرَح الحاخام جودان (أحد الحُكماء اليهود القُدَماء الكبار) أن هذا يعني من وقت وعي الإنسان، وقد تجادَل الحُكماء فيما إذا كان الوَعي يحدُث في الرَّحم أو فوْر الوِلادة أو بعد ذلك بوقت قصير جداً ولكن، في كِلتا الحالتين، فإن النُّقطة المُهِمّة هي أن جميع الناس يولَدون بِقُلوب "تشكِّل" الشَّر".

هذا ما يُقال هنا في الآية واحد وعشرين. وهو لا يقول أن قَلْب الإنسان شِرِّير فقط….. لا، على الإطْلاق. إنه لا يقول أن الأطفال يولَدون تِلْقائياً بمَيْل شِرِّير مئة في المئة. نحن لا نولد أشْراراً بِنِسْبَة مئة في المئة. إذا كنتَ لا تَمَيِّز الله من الفول السّوداني، فأنت لست شِرِّيراً بِنِسْبَة مئة في المئة. لا، هذا البيان المُهِمّ من الله هو بِبَساطة اعْتِراف بأن الجميع يولدون بمَيْل شِرِّير؛ ولكن، بِسَبَب مبدأ التّضاد، يولد الجميع أيضاً بمَيْل خَيْر.

طُرِح عليّ سؤال الأسبوع الماضي، متى هجَر الله جنّة عدَن؟ حسناً، حتى الطّوَفان، يبدو أن الإنسان كان يتَطَلَّع إلى الجَنّة عند التّواصُل مع الله. من هنا فصاعِداً في الكِتاب المُقَدَّس، بعد الطّوَفان، سنرى أن الله ينظُر الآن إلى الأسفل إلى الإنسان والإنسان إلى الأعْلى إلى الله. لذا، نَعْلم أنه مِثْلَما دمَّر الطّوَفان كل ما تبقَّى من الجَنّة، فإن الله الآن يتواصَل مع الإنسان من عالَمِه السَّماوي وسَيَمُرّ وقت طويل قبل أن يُعيد إنشاء مكان يَسْكن فيه مع البَشَر…….وقد حدَث ذلك في أيام موسى مع بناء خَيْمَة الإجْتماع.

بعد الطّوَفان مُباشرةً، كانت الأرْض مكاناً مُخْتَلِفاً تماماً عمّا كانت عليه قبل بُضْعة أشهر فقط. كانت المُحيطات أكثر اتِّساعاً، وبالتالي كان سطح الأرْض أقل ممّا كان عليه قبل الطّوَفان. كانت الأرْض شِبه جَرْداء من النَّباتات وخالِيَة من الحَياة الحَيوانيَّة. اختفى الرَّذاذ الذي كان يلِفُّ الهواء ويَرْوي النَّباتات. أصبَحَ مناخ العالم المُعْتَدِل سابقاً أكثر تقَلُّبات جَذْريّة. أصبَحَت الفُصول أكثر وُضوحاً، ونتيجة لذلك أصبَحَت أكثر أهَمِّيّة لأن نمو النَّباتات من أجل الغِذاء كان يَعْتَمِد على درَجة الحرارة ووُجود كمِّيات مُعَيّنة من أشِعَّة الشَّمس؛ والأمْر الأكثر دْراماتيكية هو أنه لم يتَبَقَّ سوى ثمانِ أشخاص وحَفْنة من الحَيوانات ليسْكُنوا سطح الأرْض بأكملها، ومن ثم يُعيدوا تَعْميرِها.

لكن، أكثر من ذلك، نرى هذا: كان نوح هو آدم الجديد. منه سَيَنْبَثِق كل البَشَر. أنا وأنتم جميعاً نرْتَبِط بنوح ارْتِباطاً وثيقاً أكثر من ارْتِباطِنا بآدم ولكن نوح وآدم كانا يَعْمَلان من نموذَجَيْن مُخْتَلِفيْن جداً…………….. كانت أوْضاعَهُما على طرَفَيّ نَقيض تماماً. خُلق آدم على صورة الكمال، خُلق في عالم من الكَمال المُطْلق. لقد خُلق على صورة الله. أما نوح فقَدْ وُلد في عالم من عدَم الإكْتِمال، لأنه على الرَّغم من أن نوحاً أُعلن باراً في نظر الله، إلا أنه، مِثْلنا تماماً، وُلد بطبيعة ساقِطة في عالم ساقِط. لأن نوحاً وثِق بالله وأطاعَه، أعلَن الله بِبَساطة أن نوحاً بارّ. هذا المبدأ الأساسي في الخلاص……الثِقة بالله وكوَنه يُنسَب البرّ إليه (بدلاً من اكْتِسابِه)…… هو نفْس المَبْدأ بالضَّبط الذي نعْتمِد عليه جميعاً اليوم؛ وهو موجود هنا في سِفْر التكوين. كما خُلق آدم على صورة الله، هكذا "خُلق" نوح، إذا جاز التَّعبير، على صورة آدم. انتهى عهد وبدأ عهد جديد. هذه الحالة العالَمية الخاطئة للعالَم، التي كان نوح مؤسِّسها، كانت تمثِّل الأساس الجديد لكَيْفِيَّة تعامل الله مع عالم ما بعد الطّوَفان وكل جوانبه….. بِصَرف النَّظر تماماً عمّا كان عليه الحال بالنِّسْبة لآدم …….. وصَرْف النَّظر تماماً عما سيكون عليه الحال مع مجيء المسيح في نهاية المَطاف…… وبعيداً تماماً عمّا سيَكون عليه في يوم من الأيام في المُسْتقبل غير البعيد.

سنرى الإخْتِلافات الهائلة بين العالم القديم قبل الطّوَفان والعالم الجديد بعد الطّوَفان فوْر البِدء بقراءة سِفْر التكوين تسعة.

اقرأ سِفْر التكوين تسعة كلَّه

إن التَّغييرات الكبيرة في الَديناميكيات الحاكِمة لوجود الإنسان وفي علاقَتِه بِبيئَتِه وفي مَسْؤوليّاته أمام الله واضِحة على الفوْر في الآية الثانية: بيْنَما كانت الحَيوانات في السَّابق لا تخاف وتَثِق بالإنسان وتخْضَع له طواعيَّة قبل الطّوَفان، فإن الله يأمُر الآن أن تكون سِيادة الإنسان على الحَيوانات بالقوَّة. نفْس الحَيوانات التي ظهَرَت طيّعةً أمام آدم لتُعْطى إسْماً، ستَرْتَعِب الآن من الإنسان. تُخْبِرنا الآية ثلاثة أن الّلحم لم يَعُد طعاماً مًحْظوراً على الإنسان؛ فلَحْم الحَيَوان الآن هو مَصْدَر غِذاء مقبول. لقد سَمِعْتُ أناساً يتساءلون كيف أدْخَل نوح كل تلك "الحَيوانات البرِّية" الى السَّفينة؛ بِبَساطة: قبل الطّوَفان كانت علاقة الإنسان بالحَيوانات مُخْتَلِفة عن علاقتها بالحَيوانات بعد الطّوَفان.

تُعْطينا الآية الثانية أيضاً فُرْصة لإعادة بعض المَنْطِق السَّليم إلى قراءة الكِتاب المُقَدَّس. لا تظُنّ أبداً أن الكَلِمات المَكْتوبة لا تعني ما تقوله، لكنها تعني ما تعْنيه بالمعنى الشّائع في الثقافة العبرانية في ذلك اليوم. تقول هنا أن جميع الحَيوانات ستَخاف من الإنسان وترْهَبه. الآن، الحقيقة هي أننا نعْلَم جيداً أن جميع الحَيوانات لا تخاف من الإنسان بِنِسْبَة مئة في المئة….. لم تخَفْ منه أبداً. يرتاح الكثير من الحَيوانات تماماً مع الإنسان، لأنها دُجِّنت وتربَّت لهذا الغرض. تعلَّمت الأغنام صوْت الرّاعي الخاص بها. دون الخَوْض في الكثير من التَّفاصيل، فقط فكّر في الحَيوانات الأليفة الشائعة مثل الكلاب والقُطَط التي لا تخاف بالتأكيد من البَشَر. النُّقطة المُهِمّة هي هذه: عندما يقول الكِتاب المُقَدَّس كل شيء أو كل أو جميع، فهو يعني ذلك بالمعنى العام. كل أو كل شيء لا يعني مئة في المئة بل يعني "إنها القاعدة العامّة ولكن هناك على الأرْجَح مَجْموعة من الإسْتثناءات". قد نقول إنها تعني"الغالبية العُظمى". فكّر في الطَّريقة التي نتحدَّث بها عادةً؛ فنقول أشياء مثل "الجميع ضُدّي"؛ أو كل ما أفْعَلْه يكون سَيِّئاً؛ أو أنا دائماً أسلُك نفس الطَّريق إلى المنزل. إنه تعبير مَجازي. لذا، علينا أن نكون حريصين جداً على ألّا نقرأ في هذا النوع من العبارات بعض العبارات اللاهوتية المُطْلقة عندما لا يكون أي شيء مَقْصود.

الآن، على الرَّغم من أن كل مًخْلوق حيّ كان لا بأس به كغذاء، إلا أنه كان هناك تحْريم صارِم جداً على أكل اللّحم، وهو أن الإنسان لا يَسْتطيع أن يأكُل دَمْ حيوان والسَّبَب؟ لأن الدم هو مكان الحَياة. كان الدم يُسْتخدم فقط للتَّضْحية وليس للإسْتِهْلاك البَشَري، لأن الدم، الذي هو محلّ الحَياة، كان بِبَساطة أقدَس من أن يُسمح للإنسان أن يأكُل منه.

نرى أن أهَمِّيّة الدَّم تَنْتَقِل من الحَيَوان إلى الإنسان، لأن القتل وسَفْك دم الإنسان مًحْظور على وجه التَّحْديد. لاحِظوا في الآية الخامسة أن الله يُسلِّم واجِب إقامة العدل في قتل الإنسان إلى الإنسان. حتى الآن، كان الله يتَعامل مع الأمر بِنَفْسِه وقد تعامَل معه بِشَكْل مُخْتَلِف جداً لأننا نرى الآن أن الإنسان الذي يَقْتُل إنساناً آخر، يجب أن يُقتل هو نفْسه…… من قبل البَشَر الآخرين. هل تتذَكَّرون عُقوبة القتْل عندما قتَل قايين أخاه هابيل؟ كانت إبْعاداً من حُضرة الله. حتى أن الله ذَهَب إلى حدّ أن يضَع علامة على قايين حتى لا يَميل الآخَرون إلى أن يأخُذوا الأمور بأيْديهِم ويؤذوا قايين. كان مُجَرَّد الانْفِصال عن الله عِقاباً كافياً.

ما يُشير إليه الحاخامات القُدَماء بِبَراعة فيما يتعلَّق بهذه المقاطِع، هو أننا نَجِد هنا أن الله يؤسِّس مبدأ الحكومة الأرْضيّة. بذلك تم إنشاء القانون المَدَني، مع تفويض الله بعضاً من سُلْطته للإنسان. في وقت لاحِق، في سِفْر اللاويين، سيَذْهب الله إلى أبْعد الحُدود في تعريف شيء نُحاوِل باسْتِمْرار إعادة كِتابته، دون نجاح يُذْكر: ما هو العدْل. نحن نَميل إلى تَسْمِية تعْريف الله للعدالة، القانون.

هؤلاء الحاخامات والكَتَبَة أنْفُسَهم توَصَّلوا أيضاً إلى اسْتِنْتاج مَفادَه أنه إذا كان الله قد سلّم للإنسان الأمر الرَّهيب المُتَعَلِّق بِتَحديد عُقوبة الإعْدام، أي الحقّ في إزْهاق حياة الإنسان، فمِن المُؤكَّد أن الأمور الأقل أهَمِّيّة في الحَياة مثل السُلْطَة على الزَوْجات والأولاد والخدَم والمُمْتلكات والأرْض وما إلى ذلك أصْبَحَت الآن أيضاً في يَدْ الإنسان. من هنا جاء ما سُمِّي في النهاية بشرائع نوح السَّبْع. كانت شرائع نوح هي في الأساس المبادئ الأساسيَّة للعدالة المَدَنيّة كما أوْحى الله إلى نوح، والتي سَتَسْتَنِد إليها جميع القوانين المَدَنيّة الأخرى. لا نرى في الواقع هذه الشّرائع السَّبْع مذْكورة على وجه التَّحديد في هذه المرْحلة في الكِتاب المُقَدَّس. إلا أنه من المُثير للإهتمام، بعد آلاف السِّنين، بعد مَجيء المسيح وذهابه، أن شرائع نوح هذه ستلْعَب دَوْراً في تحديد مَجْمَع أورشليم للعام تسعة وأربعين ميلادي فيما يتعلَّق بالحدّ الأدنى من المُتَطلِّبات السُّلوكية للأمم التي تريد صداقة مع اليهود الذين آمنوا بأن يسوع هو مُسيحُهم والعِبادة معَهُم.

شرائع نوح هذه هي التالية: واحد) كان مَمْنوعاً على الإنسان عِبادة الأوْثان. إثنان) لا يجوز للإنسان أن يَرْتَكِب التَّجْديف (أي التَّجْديف على إسْم الله عبَثاً). ثلاثة) كان على الإنسان ألا يَقْتل. أربعة) كان يجب ألا يَرْتَكِب الزِّنا بالمَحارِم. خمسة) يجب أن لا يكون هناك سَرِقة ونَهْب. سِتّة) كان على الإنسان أن لا يأكُل دماً ولا يأكُل لحْم حيوان مَخْنوق (وبالتالي لم "ينْزف") و سبعة) كان على الإنسان أن يخْضَع لسُلْطَة الحكومة المدنية.

بعد ذلك، في الآية الثامِنة، يقْطَع الله عهْداً. عندما نلْتَقي بإبراهيم بعد أسبوعين، سنَتَحَدَّث أكثر قليلاً عن الطَّبيعة المُهِمّة للعُهود. لكن، في الوقت الرّاهن، فقط أدْرِكوا أن هذا العَهْد هو عقد، وعْد؛ في هذه الحالة هو بين الله ونوح…. لكن …. هو أيضاً وعْد من الله لجميع الأحْياء. هذا العَهْد أو العقد بالتَّحْديد، أُحادي الجانِب؛ لا يَعْتَمِد على اسْتِجابة الإنسان ولا على سُلوك الإنسان…… كلّ شيء على الله. العهود الأخرى التي سنُواجِهُها في نهاية المَطاف لها شرْط مُتَبادل…..لكل من الله والإنسان دوْر يلْعَبه وهذا هو العَهْد الأول بين الله والإنسان المذكور في التَّوْراة. هناك اعتقاد لاهوتي بأن هذا العَهْد مع نوح هو في الواقع العَهْد الثاني مع البَشَر وأن العَهْد الأول كان بين الله وآدم، وكان العَهْد الأول هو أنه إذا لم يأكُل آدم من شَجَرة مَعْرِفة الخَيْر والشَّر، يُمْكِن للإنسان أن يبْقى في الجنّة مع الله. حسناً، شخْصيّاً، أعْتَقِد أن هذا يُقلِّل من تأثير مفْهوم العَهْد. من المُؤكَّد أن الله أعْطى آدم تعليمات بأن لا يأكُل من تلك الشَجَرة، ولكن مُجَرَّد أن الفِكْرة كانت أنه إذا عَصى سيَكون هناك عِقاب لا يَجْعَل هذا الفرْض الوحيد يصِل إلى مُستوى العَهْد.

العَهْد هو ما يلي: لن يُهْلِك الله العالم وكل ما فيه مَرَّة أخرى……. بالطّوَفان. بالطبع، ترك الله الباب مفتوحاً لتدْمير العالم بأي وسيلة أخرى، ولكن هذا موْضوع آخر. على أي حال، علامة هذا العَهْد هو قَوْس قَزَح. والآن، بيْنما لا أريد أن أقْضي وقتاً طويلاً في هذا الأمْر، إلا أن السؤال الذي غالباً ما يأتي، هل كان قَوْس القَزَح هذا هو قَوْس القَزَح الأول؟ وجوابي القاطِع على ذلك هو……ربَّما!

إليكم الأمْر، لقد وَضَعَ الله العديد من الأشياء المادِّية في السَّماوات لاسْتِخْدامها كعلامات. لم يأتِ بالضَّرورة بِعلامة جديدة في كل مَرَّة شعَر فيها بضَرورة وُجود علامة. إن فيزياء الضَّوء وانْكِساره أثناء مُرورِه عبْرَ الرُّطوبة مفْهومة جيِّداً، ونحن نعْلَم أنه ليس من الضَّروري أن ينزِل المَطَر الفِعْلي من أجل الحُصول على قَوْس قَزَح …… نحن نحتاج فقط إلى كمِّية كافية من المُحتوى المائي في الغِلاف الجوي. مع ذلك……………..عالمياً تقريباً، بين عُلماء الكِتاب المُقَدَّس القُدامى والمُحدثين، فإن الاسْتِنْتاج هو أن هذا كان قَوْس القَزَح الأول…….. لذا، لا أرى أي سبَب لتوْضيح هذه النُّقطة ولا الإعْتراض عليها.

لكن، أودّ أن أشير إلى مسألة قوْل الله عندما نظَرَ إلى قَوْس القَزَح أنه سيتذَكَّر عهْدَه مع جميع الكائنات الحَيّة ألاّ يُنهي الأشياء مَرَّة أخرى بالطّوَفان. كما ناقَشْنا منذ أسبوعين، فإن عبارات من هذا النوع هي عبارات مَجازية. الله ليس إنساناً وليس له صِفات بَشَريَّة. الله ليس نوعاً من البَشَر الخارِقين …. إنه كائن مُنْفَصِل ومُخْتَلِف تماماً عن الإنسان؛ كما أن الإنسان ليس نوعاً من الآلهة الأقل شأناً. لا يَحْتاج الله إلى تنْشيط ذاكِرَته. لا يحتاج إلى مُفَكَّرة ضخْمة ليتذَكَّر ما وعَد به، ولكنَّني أتصَوّر أيضاً أنه لأجيال عديدة منذ نوح، بما أن الطّوَفان كان حديثاً نِسْبيّاً في أذْهان الناس، أنه في كل مَرَّة أمْطَرَت فيها في الكِتاب المُقَدَّس، كان هناك القليل من القلَق وهم ينْتَظِرون توقُّف المَطَر! وكم كان من المُطَمْئن أن ينْظُروا إلى الأعلى ويَروا قَوْس قَزَح في الكِتاب المُقَدَّس، ويتذَكَّروا الوعد الذي قَطَعَه الله. ربَّما يكون من الجيِّد لنا جميعاً أن نتذَكَّر أن قَوْس القَزَح الجَميل الذي نراه في الكِتاب المُقَدَّس، وبدون تفكير كثير، هو في الواقع علامَة من الله. لم يتغَيَّر ذلك لمُجَرَّد مرور بُضْعة آلاف من السِّنين من أيام نوح إلى يوْمِنا هذا.