26th of Kislev, 5785 | כ״ו בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس ثمانية وثلاثون – الإصحاحان أربعة وأربعون وخمسة وأربعون
سِفْر التكوين الدرس ثمانية وثلاثون – الإصحاحان أربعة وأربعون وخمسة وأربعون

سِفْر التكوين الدرس ثمانية وثلاثون – الإصحاحان أربعة وأربعون وخمسة وأربعون

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس ثمانية وثلاثونالإصحاحان أربعة وأربعون وخمسة وأربعون

دعونا نُكمِل قصة يوسف بينما نَمضي في رحلتنا في سِفْر التكوين. ولكن، بينما نقرأ سِفْر التكوين أربعة وأربعين، أريدكم أن تَفعلوا شيئًا: في كل مرّة نرى يوسف يتعامَل مع إخوته، فلنَتخيَّل يسوع يَتعامَل معنا. كما سنرى، يوسف هو نموذَج من يسوع بشكل غَير مباشر في نسُخة العهد القديم. لا، أنا لا أعني بأي شكل من الأشكال أنّ يوسف كان تَجسيدًا سابقًا للكَلِمة؛ بل أعني أنه "نموذج". يُستخدَم يوسف، جزئيًا، لخلْق نمط سيتبَعُه المسيح.

بطبيعة الحال، يوسف ما هو إلا مجرد إنسان، ولا يمكنه أن يُضاهي جَوهر يسوع المسيح وطبيعته ومركَزه وقداسَته، ولكن يمكننا أن نتعلَّم بعض المبادئ القيّمَة عن يسوع مما نَقرأه عن يوسف. تكمُن الحيلة في التعرف على الأنماط وتجنُّب الرَمزية.

قراءة تكوين أربعة وأربعين بكاملِه

على الرُغم من التساؤلات المَطروحة بسبب الظروف التي أحاطت بالوليمة التي قُدِّمت للإخوة الذين يبلُغ عددهم أحد عشرة….. وكونهم مدعوّون لتناوُل الطعام في بيت ثاني أقوى رَجُل في مصر كلِّهاوالمُصادفة المذهلة لجلوسهم وِفق ترتيب ولادتهم….، والتقديم الغريب للقسمة الملكية (خمسة أضعاف) من الطعام لبنيامين….. فقد حَصلوا على الحبوب التي جاءوا يَبحثون عنها، وجَمَعوا حميرهم وغادَروا مع شروق شمس صباح اليوم التالي. من المُحتمل أنهم ظنّوا أنّ مِحنتهم قد انتهَت أخيرًا.

لم يكُن ذلك صحيحًا، فكما حدَثَ من قَبل، أعاد يوسف مال كل أخ إلى كيس الحبوب الخاص به؛ ولكن أضاف لَمسة جديدة، فقد وُضَع كوب يوسف الفضّي في فوهة كيس بنيامين.

كان الإخوة في بداية رِحلتهم إلى البيت حين لَحِق بهم خادم بيت يوسف، الذي أرَسَله يوسف، لَحِق بهؤلاء الإسرائيليين واتَّهمهم مرّة أخرى بالسرقة من سيِّده. يُصاب الإخوة بالذهول. يقول خادم البيت للحادي عشر ما أوصاه يوسف أن يقوله بالضبط، أي لماذا رَددتُم لي الشر بالخير، ولماذا أخذتُم قدحي أو كأسي الذي أصنَع منه عرافاتي؟

أولاً، دعونا نتحدَّث عن الكأس. في الواقع، كان قدحًا…… قدحًا من الفضة. كان لرَبّ البيت في مصر في تلك الأيام، إذا اعتُبِر حكيمًا، عرّافًا، قدح خاص يشرَب منه هو وحدُه. ولكن، كان يُستخدَم أيضًا لغرَض التكَهّن بالرسائل من الآلهة. يُمكن للمرء أن يَتخيّل فقط كيف حَصَل يوسف على "قدح العرّاف" ….. على الأرجح أنه كان هديّة من فرعون، لأن يوسف كان بلا شك، بعد أن فَسَّر أحلام فرعون بدقّة، قد حُدِّد بمرتبة أعلى وأفضل حكيم، عرّاف، في كل الأرض. عادةً، كان الكأس يُملأ بالماء، ثم توضع في الماء أشياء ذهبية أو فضية، أو تمائم مَكتوب عليها أحيانًا نقوش سِحرية، ومن انعكاساتها يُحاول الرائي أن يرى المستقبل.

لا أظنّ أنّ يوسف استخدَم الوعاء لأي شيء باستثناء الشُرب منه……ولكن للحفاظ على العُرف المصري، فقد استَخدَم الوعاء كأداة للعرافة لمواصلة اختبار إخوته.

بالمناسبة: لاحظوا أننا لم نَسمَع كَلِمة واحدة عن تساؤل الإخوة عما إذا كان يوسف مَصريًا……وهو لم يكُن كذلك. لمَ لا؟ لماذا لا نَسمَع الإخوة يتساءلون لماذا لا يبدو يوسف مثل المَصريين الآخرين؟ المصريون، في النهاية، ليسوا ساميين. إنهم من سلالة حام. وملامِحهُم الجسدية مُختلفة تمامًا عن الساميين، وأكثرها وضوحًا هو لَون بشرتِهم الداكن، وليس الزيتوني. مرة أخرى، لدينا تلميح خَفي آخر لحُكم الهكسوس على مصر في هذا الوقت. كان الشرق الأوسط كلّه على دراية تامّة بهذا الوَضْع السياسي في مصر، حيث غزا البدو مصر وحَكموها. لذا، لم يكُن مُفاجِئًا على الإطلاق لهؤلاء الإسرائيليين القادمين من كنعان…….هؤلاء الساميين…….أنّ وزير مصر كان يُشبههم جسديًا إلى حدٍ كبير، رغم أنه كان يرتدي ملابس مصرية تقليدية ويتبنّى العادات والتقاليد المصريّة. كان الإخوة يَعلمون جيدًا أنّ الساميين، في هذا الوقت، كانوا يَحكُمون مصر…. كان هذا أمرًا معروفًا.

وردًا على اتهامهم بسَرقِة كأس العرافة الخاصة بالوزير، يُعلِن الإخوة بكل جرأة أنهم متأكّدون أنّ الكأس ليست معهم، وأنه إذا ما فتَّش خادم البيت أكياس الحبوب وَوَجدها، فإنهم لن يقدِّموا أنفسهم عبيدًا للسيد فحسب، بل إنّ حامل الكأس يجب أن يَموت! من المُثير للاهتمام أنه في كلّ مرة يريد أن يُثبِت أحد هؤلاء الإخوة الإسرائيليين أو جميعهم نيَّته أو صُدْقَه في أمرٍ ما، أو يحتاج إلى حَلّ موقفٍ صَعْب، يكون الموت هو الحلّ. لقد قَتلوا ذكور شكيم لاغتصابِهم أختهم. لقد قرَّروا قَتْل يوسف، ولكنهم باعوه فقط في العبودية ظنًا منهم أنه لن يعيش طويلاً في تلك الظروف على أي حال. أَمَر يهوذا بأن تُحرَق كِنّته تامار حيّة بسبب زِناها المُفترَض وإهانتها لعائلة يهوذا بِحَملِها خارج إطار الزواج، وروبن يقدِّم حياة أولاده ليعقوب كعقاب إذا ما حدَثَ أي شيء لبنيامينوما إلى ذلك. يَدلّ ذلك أنّ حتى هذه المرحلة، عشرة من أصْل اثنا عشرة قبيلة اسرائيلية لم يكُن لديها حتى احترام كبير للحياة، ولم يكُن لديها أي فَهْم لمبادئ الله الأخلاقية!

رَفَض مدبِّر البيت هذا العَرْض، ولكنه أمَر بأن يتحمِّل المُذنب وحدَه العقاب……وكان هذا العقاب هو الاستِعباد وليس الموت. وبالطبع، ولإضافة دراما إلى الموقِف، فإن مُدبّر البيت، الذي كان يعرِف مُسبقًا مكان الكأس لأنه وَضَعه هناك، يبدأ تفتيشه الدرامي لأكياس الحبوب بتفتيش أكياس الحبوب الوَلَد الأكبر بين الإخوة أولاً، ثم يُكمل بالتدرُّج وصولاً إلى الأصغر. وأخيرًا، عندما يَفتح فوهة كيس بنيامين، يترُك بريق الوعاء الفضي المصقول الإخوة في حالة صدمة وارتباك، ويمزِّقون ملابسهم في حزنٍ شديد، لأنهم يعرفون ما يَعنيه هذا؛ فربّما يَموت بنيامين المفضَّل لدى أبيهم. ومن المُحتمَل أن يَقتُل ذلك يعقوب.

الآية الرابعة عشرة تُمثّل نقطة تحوُّل في شخصية بعض قبائل بني إسرائيل. لاحظوا أنّ جميع الإخوة عادوا مع بنيامين إلى بيت يوسف. بمجرّد العثور على الكأس، أصبَح جميع الإخوة، باستثناء بنيامين، أحرارًا للذهاب في طريقِهم والعودة إلى عائلاتهم في كنعان. لكنهم لم يَفعلوا ذلك. فبدلاً من أن يَحلّوا مُشكلتِهم كما فَعلوا منذ زمن بعيد مع يوسف بالتخلّي عنه، قرروا أن يَبقوا مع بنيامين ويَتحملوا معًا المصير الذي يَنتظرُهم. وكان يهوذا هو الذي تَحدّث باسم الإخوة. يهوذا الذي اعترَف بأنه هو الذي أخطأ، وليس زوجة ابنه الحامِل تامار.

يَعترِف يهوذا الذي قدَّم نفسه كفالة على حياة بنيامين لأبيه يعقوب، إسرائيل، الآن بكلّ شيء ليوسف الوزير، ويُخبِره أنهم وإن كانوا أبرياء ولم يَسرِقوا كأسه أو ماله، إلا أنهّم في الواقع مُذنبون أمام الله، مُذنبون بسبب أفعالهم الخاطئة الكثيرة، مُذنبون لبَيعهم أخاهم الصغير في العبودية، ومُذنبون لخداعهم وحزنِهم على أبيهم إلى حدّ الموت. وهكذا، فإنّ يهوذا، الأكثر تواضعاً في الحياة على ما يبدو، من بين الإخوة الأحد عشر، يقوم بشيء بسيط ممّا سيفعله نَسلُه الأعظم، يسوع، يسوع الناصري، على نحو لا نهائي في المُستقبل: أن يقدِّم نفسه ليَدفَع ثمن خطايا إخوته.

أريد أن أتوقَّف لحظة لأعرُض لكم بعض خصائص يوسف وكيف كان ردّ فعله وحتى علاقته بفرعون التي قد تُساعِدنا على فَهم يسوع ودَوره، لأنه من المفهوم منذ زمن طويل أنّ يوسف كان نموذجًا عن المسيح.

في الآيتين تسعة وعشرة، عندما اتَّهم خادم بيت يوسف الإخوة بِسَرقة كأس يوسف الفضي، قال الإخوة أن من وُجِد معه الوعاء سيموت وسيُصبح جميع الإخوة الآخرين عبيدًا ليوسف. الرَد ّعلى هذا العَرض كان: لا، من قام بالفِعل هو المسؤول وحده، أمّا الباقون فليَذهبوا بسلام.

لدينا هنا ربما أعظم مَبدأ للخلاص بالمسيح: أنتَ مسؤول عن خطاياك فقط، وليس عن خطايا أي شخص آخر. علاوةً على ذلك، لا يُمكن لأي شخص آخر أن يدفَع ثَمن خطاياك، فخطاياك مسؤوليّتك. هل كان والدُك مُسيئًا؟ أنت لست مسؤولاً عن خطاياه. هل كانت أمّك لئيمة وأنانية؟ أنت لست مسؤولاً عن خطاياها. هل أخوك مُجرم؟ هذه خطاياه، وليست خطاياك. هل أنت مُتمرّد؟ لا أحد غيرك مسؤول عن خطاياك. ولكن هذا أمرٌ جيدٌ وسيئ؛ لأنه على الرغم من أنك لست مسؤولاً عن خطايا الآخرين، إلا أنّ الآخرين ليسوا مسؤولين عن خَطاياك. يجب أن تتَحمَّل أنت ذنبَك. وبما أنّ أُجرة الخطيئة أمام الله هي الموتموتُك الأبديما الذي يجب فِعله للهروب من هذا المصير الذي يبدو أنّ لا رجاء منه؟

بعد ذلك بقليل، في الآية السادسة عشرة، نَسمَع هذا الخطاب العميق من يهوذا، ويَبرُز مبدأ آخر عظيم للخلاص. يَعترِف يهوذا ليوسف أنه لا فائدة من التذرُّع بالبراءة أمامه فحتّى إن لم يَرتكبوا الجريمة التي اتُّهِموا بها (سرقة كأس الفضةهم في الواقع مُذنبون بجرائم أخرى؛ جرائم ظنّوا أنها كانت خفيّة وغير مَعروفة؛ جرائم مَضَت عليها فترة طويلة وكادت أن تُنسى؛ جرائم القلْب والروح. كانوا موبوئين بالخطيّة ونتيجةً لذلك عاشوا حياة آثمة. وعلى الرغم من مَظهرهم الخارجي المُتمثِّل بالأمانة والنزاهة، وتذرُّعِهم الجاد بالبراءة، إلا أنّ كل ما كانوا عليه، وكل ما فَعَلوه، قد فَضَحه الله.

هذا هو بالضبط موقِفنا أمام يسوع. يقول يوسف ليهوذا: "كيف تظنُّ أنك تستطيع أن تُخفي عني شيئًا، ألا تعلَم أنني أمارس العرافةما هي العرافة؟ إنها القوة المُفترضة للآلهة التي تُستخدَم لمساعدة العرّاف البشري على تمييز الأشياء الخفية. العرافة هي محاولة الإنسان أن يكون مِثل الآلهة. في معظم الأحيان كانت خدعة يَستخدِمها الإنسان مع غيره من البشر. وفي أحيان أخرى سَلَّم البشر حياتهم للشيطان الذي أعطاهم بعض البصيرة مقابِل أرواحهم. في بعض الأحيان، أعطى الله القُدرة على التمييز الإلهي لأنبيائه.

يقول يسوع لا شيء يُخفى عنه. كل الشرّ والخِداع الذي فينا مَكشوفٌ له. وكيف يعرِف يسوع هذا؟ العرافة. يسوع، كونه إلهيًا، يعرِف كل شيء عنا. أشياء لا نعرِفها حتى عن أنفسنا. من أين حَصَل يسوع على قوة العرافة هذه؟ ببساطة. إنه إله.

ثمّ في الآية الثامنة عشرة، يُقدَّم لنا مبدأ يجب أن نُركِّز عليه: يهوذا، في تكريم يوسف، يقول ما يلي: "…أنتَ يا من أنتَ مساوٍ لفرعون…"

كَم هذا رائع. انظروا إلى مَركز يوسف في مصر. لقد تمّ تعيينه في مركز السُلطة من قِبل فرعون. أُعطي يوسف سُلطة ممارسة كل سُلطة فرعون، من قِبَل فرعون. يوسف مُتّصِل بفرعون لدرجة أنه مُساوٍ لفرعون. ولكن، هل يوسف هو فرعون؟ كلا، ففرعون ما زال موجودًا وهو الأعلى من حيث المَراكز. يوسف هو الوزير، ولكن فرعون هو فرعون.

بالإضافة إلى مَعرِفة هذا الجزء المهمّ من التاريخ، وُضِع هذا السياق هنا لكي نفهَم العلاقة بين يسوع ويهوذا ولكي نفهَم العلاقة بين يسوع الابن والله الآب. هناك في آن واحد مساواةوحدانيةالوحدةاتّحادبين يسوع والآب، وفي الوقت نفسِه خضوع الابن للآب. كان يوسف يتمتَّع بكامل قوة فرعون وسُلطته لكنه لم يكُن فرعون. يمارِس يسوع قوّة الآب وسُلطته الكاملة.

ولكن يسوع ليس الآب. كان يوسف حاكمًا على مصر، وكذلك كان فرعون حاكمًا على مصر، ولكن يوسف لم يكُن فرعون. يسوع هو الله، لكنه ليس الله الآب…….هو الله الابن. والابن هو في النهاية خاضِع للآب، تمامًا كما كان يوسف خاضِعًا لفرعون. هل ترون؟ إنّ العلاقة بين يوسف والفرعون هي تَجسيد دنيوي للعلاقة الروحية السَماوية بين الكَلِمة الذي صار جسدًا، يسوع، وآب كل شيء، يَهوَه. بالطبع، الصورة الظاهرة في يوسف وفرعون ليست خالية من العيوب ولا كامِلة، لأن المادّي لا يُمكن أبدًا أن يُمثِّل أو يُفسِّر الروحي بشكل كامل، لكنها صورة صحيحة فعلاً.

لذا، هنا في سِفْر التكوين أربعة وأربعين، كما في كلّ الأسفار الخمسة الأولى من التوراة، نرى هذه البشارة المسيحانية الصارخة التي تُعيد إلى الأذهان ما قاله يسوع كما وَرَد في متى الإصحاح خمسة الآية سبعة عشرة وثمانية عشرة: "لا تظنّوا أني جئت لأُلغي التوراة أو الأنبياء. مَا جِئْتُ لأَنْ أُبْطِلَ بَلْ لأُكَمِّلَ. الحقّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ أي مِنَ التَّوْرَاةِ…لاَ، حَتَّى يَحْدُثَ كُلُّ مَا يَجِبُ أَنْ يَحْدُثَ".

عندما يَقول يسوع: "ما جِئت لأن أُبطل، بل لأكمِليمكن أن يُترجَم قولُه بمعناه الحَرفي على هذا النحو:"ما جئت لألغي، بل لأحقِّق (المعنى)".

لا يدرُس اليهود حتى اليوم إلا العهد القديم، التاناخ، وهو جزء من كَلِمة الله التي دَرَسها يسوع نفسه. وجميع القادة الدينيّين والعلماء والحاخامات اليهود الكبار، القدماء والجدد، الذين لا بد أنهم قرأوا هذه المَقاطع في سِفْر التكوين عن يوسف في مصر، ويهوذا الذي ضَحّى بحياته من أجل إخوته، آلاف المرات، فاتتْهم هذه المقاطع في نهاية المطاف. في الواقع، كل التوراة والأنبياء حقيقة؛ لكن العبريين القدماء ظنّوا أنّ الأمْر يتعلّق بتاريخ إسرائيل وشرائع الله وأوامِره، أكثر مما يتعلَّق بإيصال الله لرِسالته وشرحِه الحاجة إلى المسيح الآتي وخصائصِه، وإلى علاقة شخصية مع الله. وكان يسوع هو الذي سيُعطي التوراة والأنبياء مَعنى، ليس فقط عن طريق شرحِها، بل بعيشِها وإتمامها. كان يسوع هو الذي أشارت إليه التوراة والأنبياء بدءًا من سِفْر البداية، سِفْر التكوين. لم يَأتِ يسوع لإلغاء التوراة والأنبياء، كما يَعتقد الكثيرون. لم يأتِ ليحُلّ مِحلّ القديم بالجديد. لقد جاء ليحقِّق معاني العهد القديم وغايتَه التي أرادها الله، من خلال الجديد. وبالطبع، يسوع هو العهد الجديد.

إنّ الصلاة الربّانية، كما أمَرَنا بها يسوع في إنجيل متّى ستّة، (وهي بالمناسبة ليست سوى جزء من الخُطاب الطويل الذي نُسميّه اليوم الموعظة على الجَبَلقد أُعطيت لنا كأفضل وأعظم نموذج لكيفية الصلاة إلى أب الكون. ولكن، تَذكّروا: نحن لا نُصلّي إلى يسوع، بل نُصلّي إلى الآب باسم يسوع. نحن نُصلّي إلى الآب بواسطة يسوع. لدينا قُدرة الصلاة إلى الآب لأننا في اتّحاد مع يسوع. يسوع لم يُصلّي إلى نفسه، بل إلى الآب. حتى الصلاة تبدأ ب"أبانا…..". ولكن، إذا كان هناك مِثال ثانٍ أفضل بشأن ما يجب أن يكون عليه مَوقِفنا في الصلاة، فلا بد أن يكون تَوسُّل يهوذا، هنا في سِفْر التكوين أربعة وأربعين، وهو ساجِد أمام يوسف. إنه يعترِف بكل شيء؛ يعترِف بقصور فَهمِه، وعجزِه أمام عَظمة سيده، وذنبِه….. ربما ليس بما اتُّهِم به، ولكن ذنبه المُطَلق ويعترِف أنه حاول أن يُخفي خطيئته وأفعاله الشريرة، لكن السيد كان قادرًا على أن يعرِف كل شيء، لذلك كانت مُحاولة عقيمة. إنه يَتشفَّع من أجل الآخرين، إخوته، بنيامين، ووالده يعقوب، الذي يُحبُّه ويقدِّره جدًا. إنه يَتشفّع بأمانة روحية كاملة، ويقدِّم نفسه بديلاً تكفيرًا عن ذنْب آخرين.

والسؤال الآن هو كيف سيتلقّى "السيد" يوسف هذه المُرافعات؟ هل سُينصِفُه بحقّ بشأن الذنب العظيم الذي اقترَفه أولئك المُنحَنين أمامَه في يأس؟ احبسوا أنفاسكم، لأن ما سنَراه في بداية الإصحاح التالي يعُطينا الجواب. وقد وُضِع هناك ليبيّن لنا الطريقة التي سيَستجيب بها الرَب الخالق إله إسرائيل لتوسُّلاتكم وتوسّلاتي وتوسّلاتنا إليه، من موقِعنا المليء بالذنب المُطلق الذي لا يمكن إنكاره.

قراءة سِفْر التكوين. خمسة وأربعين بكامِله

رأينا يهوذا في الإصحاح الماضي يتضرَّع أمام يوسف طالِبًا الرَحمة مُعترِفًا بذنبِه أمام الله عن أفعاله وطالبًا أن يكون هو الذي يدفَع ثمن الذنب الذي اقترَفه بِحقّ السيد يوسف مُقدِماً نفسه بديلاً عن أخيه بنيامين حتى لا يحزَن أبوه يعقوب إلى حدّ الموت.

ولأن كل ما درَسناه منذ الإصحاح أربعين المُتعلِّق بيوسف هو تنبؤ بالمسيح، فإننا نقترِب إلى تلك اللحظة المحورية في الكتاب المقدس التي ستُخبرنا كيف يَسمَع رَب الكون توسّلاتنا ويتفاعَل معها من أجل الرحمة. ويُظهر لنا ذلك من خلال ردَّ فعل يوسف على توسلات أخيه الأكبر، يهوذا.

يبدأ الفَصل خمسة وأربعون بإخبارنا أنّ يوسف ببساطة لم يَعُد يستطيع أن يَتمالك نفسَه. فَصَرف كل من كان حولِه، لكي يَنفرِد مع إخوته الأحد عشر. ثم انهار وبكى. بكى بكاءً عنيفًا جدًا، بِجسدٍ يَضُجّ من شدّة البكاء والمشاعر التي كانت تنهمِر منه مِثل انفجار السَدّ، وكان صراخُه مسموعًا بوضوح خارج بيته. ما شَعر به ربما يمكننا جميعًا، إلى حدٍ ما، أن نفهَمه. لقد كانت دموع الألم العميق المُحرِرة؛ دموع الراحة من مِحنة وصَلت إلى خاتمة مؤلِمة بعد سنوات عديدة؛ دموع الامتنان لِلمّ الشَمل مع عائلته؛ دموع الحُزن لرؤية إخوته وقد أكلَهم الذَنب، ولكن في الوقت نفسه، دموع الفرح، بعد طَلبِهم التوبة؛ وبالطبع، أعطى ذلك يوسف الفرصة ليَغفِر. ولكن، بكى يوسف أيضًا لأنه كان يعلمَ أنّ أكثر ما كان يتوق إليه كان في متناول اليد؛ وسيعود قريبًا إلى حضرة أبيه الحبيب.

يا له من طَيف مُماثل من المشاعر التي لا بد أن يكون يسوع قد شعَر بها وهو مُعلَّق على ذلك الصليب، وحياته تُستنزَف بينما كان يَشعر بالعبء الكامل للثِقل الذي لا يُقاس المُلقى على أكتافه من أجل خطايا كل إنسان عاش أو سيَعيش؛ بينما كان يمتصّ الغضب الإلهي من أبيه، في دينونة بارة، من أجل الخطايا التي حَمَلها، والتي لم يكُن له ذنب في أيٍ منها. وكم ظَلّ صامتًا لفترة طويلة، واختار أن يتحمَّل من أجلي ومن أجلكم، إلى أن شَعَر أنّ الخاتمة لم تكُن سوى لحظات. ثم لم يعُدْ قادرًا على احتواء نفسه في حالة من العذاب والانتصار، فصَرخ بصوت عالٍ وقوي ومليء بالألم "إيلوي، إيلوي، لمَ شفَقتني؟ … إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ أخفى هؤلاء الناس المُجتمعون حوله وجوههم في رَهبة وخوف، وانشقَّ حجاب الهيكل الذي يبلُغ سِمْكُه ستة إنشات من أعلى إلى أسفل.

لكن يسوع عَرَف، كما عرَف يوسف، أنه سيعود قريبًا إلى حضرة أبيه. لقد أتمّ مُهمته. تمَّت مشيئة الله. ما فعَله إخوته به لأغراض الشرّ، استخدمَه الآب للخَير. أنقذَ يوسف حياة إسرائيل الجسدي: يسوع خلَّصَ حياة إسرائيل الأبدية…. إسرائيل، وجميع عائلات الأرض التي ستَنضمّ إلى عهود إسرائيل.

بَقي شيءٌ واحد يجب القيام به: أمَرَ يوسف الآن أن يؤتى بأبيه وبكل عشيرة إسرائيل إلى مصر لكي يعتني بهم. اعتبارًا من هذا الوقت، كانت قد مَضت سنتان فقط من المَجاعة التي استمرَّت سبع سنوات، وستكون السنوات الخمَس التالية أسوأ.

عندما مات يسوع، أوصى تلاميذه قائلاً: "اطْعِمُوا خِرَافِي". بالرغم من أنّ يوسف غَفر لإخوته، استمرَّت "المَجاعة. عندما رحَل يسوع، كانت ستحدُث مشاكل في العالَم؛ وكانت حالة الشر والحِقد ستَستمرّ. وكانت الأمور ستزداد سوءًا تدريجيًا.

عندما سَمِع فرعون بمجيء إخوة يوسف، سُرَّ من أجل يوسف، وكافأ سنوات إخلاص يوسف وخِدمته بالأمْر بإرسال عَرَبات إلى كنعان لإعادة عشيرة إسرائيل وأمتِعتهم إلى مصر، وأن يُعطوا "أفضل" الأراضي ليعيشوا فيها. وبالطبع، كان يوسف قد قرَّر مُسبقًا أنّ أرض جوشن ستكون المكان المناسب، ولا شك أنه اقترَح ذلك على مَلِك مصر.

لقَد أعدَّ الآب مكانًا لإخوة يسوعجميع الذين قَبِلوا الإيمان بيسوع وحافظوا عليه. إنه مُستعدّ لاستقبال كل من سيأتي، وسيُرسِل لنا في الوقت المناسب. لحظة أعتقد أنها قريبة جدًا.

لم تكُن أرض جوشن كمَكان لإسرائيل اختيارًا اعتباطيًا. لقد كانت ممتازة في الواقع، كانت أرْض مراعي جيدة ومثالية لرعي الغنم. ولكن، وبنفْس القَدْر من الأهمية، كانت بعيدة عن معظم السكان المصريين الذين كانوا يَحتقرون الغنم والرُعاة لأنّ اللحوم المُفضَّلة للمصريين كانت من الماشية وليس من الأغنام، وكانوا يَعتبرون الرُعاة من أدنى طبقات الشَعب. وهذه الصِفة ستكون نعمة لبني إسرائيل، فخلال المائة عام التالية أو نحو ذلك، سيُترَكون ليزدهروا ويتكاثروا أكثر بكثير من مُضيفيهم المصريين.

ولكن فيما بعد، ستؤدي غيرة المصريّين من مُعاملة بني إسرائيل التَفضيلية وازدهارِهم إلى اضطهادِهم واستعبادِهم.

وفي تقليد شرقي فِعلي، أرسَل يوسف هدايا ثمينة إلى كنعان من أجْل أبيه، وأغنى كل من إخوته، وحَصَل بنيامين مرة أخرى على نصيب مَلَكي يبلُغ خمسة أضعاف نصيب الآخرين. يمكن للمرء أن يتصوَّر أنّ هذه المعاملة المَلَكية من يوسف لبنيامين استمرَّت على الأرجح طوال حياتهم. أدّى ذلك إلى توتُّر علاقة بنيامين بإخوته. في الواقع، أظنّ أنّ تعليمات يوسف لإخوته في الآية أربعة وعشرين "لا تتشاجروا خلال الرِحلةتُشير جزئيًا إلى أنّ السبب هو المعاملة الحَسنة للغاية التي تَلقّاها بنيامين، وما قد يفكِّر الإخوة في فِعله حيال ذلك. ففي نهاية المطاف، هؤلاء هم نفْس الرجال الذين رَموا يوسف المراهِق قبْل عشرين سنة في بئر جافّة بسبب تفضيل أبيهم ليوسف.

أعتقد أنّ عبارة "لا تتشاجروا" هذه هي نوع من التَضمين الغريب في القصّة. ولكن، قِصّة يوسف هي نموذج لما كان قادم من خلال يسوع، لذا فإنّ القصة كانت لتكون ناقِصة بدون نُصْح إخوة يوسف بعدَم التَشاجر. هذا مُتوقَّع من إخوة (وأخوات) يسوع، أي نحن، في رِحلتنا مع الله. كما يفعَل مع جميع الرُسل، يَرجونا ألاّ نتخاصم، ويدعونا أن نَتَّحد، لأن نكون مليون جسَد وقلْب واحد، أن نكون مُتّحدين لا بالإجماع، بل باتّحادنا في المسيح. يا للعَجب. هل خَذلناه.

عند وصولهِم إلى ديارهم في كنعان أبلَغوا يعقوب أنّ يوسف كان حيًا، بل كان حاكمًا على مصر. هل تتعجَّبون إذا ما قُلت إنّ يعقوب لم يُصدِّق في البداية هؤلاء الأبناء الذين أثبتوا أنّ شخصيتَهم مَشكوك فيها؟ أظنّ أنّ أوّل ما قالَه لنفسه: "أي نوع من الِحيَل هي هذه الحيلة، ولأي مَكسَب؟

ولكن، مع ظهور العَرَبات والهدايا، اقتنَع بحقيقة الأمر، ويَرِد في الآية سبعة وعشرين: "فانتعَشَت روحُه". لم يكُن يعقوب، بعد كل هذه السنوات، قد تَعافى من فِقدان يوسف، وكان ذلك قد أثَّر عليه. ولكن، الآن، بعد معرِفة الخَبر المشير إلى أنّ يوسف على قَيد الحياة وبصحّة جيدة، شَعَر بالسلام، ونَسي الماضي المؤلم، وعادَت حياته كامِلةً مرةً أخرى.