25th of Kislev, 5785 | כ״ה בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التكوين الدرس الخامس عشر – الإصحاحان الرابع عشر والخامس عشر
سِفْر التكوين الدرس الخامس عشر – الإصحاحان الرابع عشر والخامس عشر

سِفْر التكوين الدرس الخامس عشر – الإصحاحان الرابع عشر والخامس عشر

Download Transcript


سِفْر التكوين

الدرس الخامس عشر – الإصحاحان الرابع عشر والخامس عشر

مدهشٌ هو ما يُصبح أكثر وضوحًا عندما نعيد اليهودية التي أُزيلت مِثل مُلحق مُلتهِب من الكتاب المقدس، إلى الكتاب المقدس…. وخَير مِثالٍ على ذلك قصة إبراهيم وملشيتسيدك. لقد كانت إجابة الكنيسة الرومانية والغربية التقليدية على سؤال "مَن هو ملشيتسيدك" أنّه يسوع؛ مِثل الطريقة التي تَقترح بها الكنيسة أيضًا أنه عندما تُنسَب صِفة بشرية إلى الله، مِثلما عندما كان الله يَتمشَّى في جنة عدن في زمن آدم، يجب أن يكون يسوع. لا أريد أن أتعمَّق في هذا الأمر، ولا أريد أن أبدو دوغمائيًا على الإطلاق في آرائي لأنّ هذا الجانب من السَماء، هذا الأمْر، غامِض بالتأكيد. ولكن يجب أن أعترف بأنني لست مُقتنِعاً بالتقليد الكَنَسي في هذه المسألة.

منذ زمنٍ بعيد، ذَكَر العالِم العبري العظيم ميمونيديس ما هو واضح إذا ما قرأ المَرء ببساطة الكتب المقدسة: إنّ كل الأوصاف البشرية الشبيهة بأفكار الرَب وأفعاله هي أوصاف مَجازية وليست حَرفية. الرَب لا يقفِز فَرحًا. إنه لا يلوح بسَيف لامع فوق رأسه. إنه لا "ينزِل" إلى الأرض ليرى ما يحدُث، ثم يعود إلى السماء ليَتأمله. الله ليس لديه مشاعر بالطريقة التي نَتصوَّرها: إنه لا يغضَب، ثم يحزَن؛ إنه لا يغضب ثم يحزَن؛ إنه لا يفرَح في لحظة ما، ثم يتوقَّف عن ذلك في اللحظة التالية. إنه لا يَسعى للسرور. لا يَحتاج إلى من يذكِّره بأي شيء. الرَب روح. إنه ليس إنسانًا حتى يَتغيَّر. والسبب في استخدام هذه الكَلِمات المَجازية، هو ببساطة غياب طريقة أخرى للتواصل عنه. فالكَلِمات كما نُفكر فيها، والتواصُل كما نُفكّر فيه، هي نِتاج العالم المادي والجسدي فقط. لا توجد "كَلمات روحية" موجودة ليتحدَّث بها الإنسان أو يتواصلَ بها مع إنسان آخر. كل ما نَستخدمه لوَصف صِفات الله غير كافٍ بشكل مُهين. لكن، يجب أن نَستخدم شيئًا ما.

ويَنطبق الأمر نفسه على نِسبة العبارات المَجازية عن الله ويشوع لمجرَّد أنه في وقتٍ بالغ الأهمية في تاريخ العالم، فإنّ بعضَ جوهر الروح الأعلى الذي يُدعى الرَب قد تَحوَّل إلى لَحم ودم ووُضِع على كوكب الأرض. إذا كان يشوع هو الشَكل البشري المُناسب لغَرضٍ ما في كل عَصر، فإنّ حقيقة أنّ المسيح، يسوع، كان يجب أن يأتي من سلالة داوود، وكان يجب أن يولد من عذراء، قد خَفَّ معناها بشكل فظيع. أما فيما يتعَّلق بالاعتقاد الخاطئ بأنّ يشوع كان ملشيتسيدك، فإنّ ملشيتسيدك لا تَنطبِق عليه أي من هذه المعايير. ولو كان يسوع وملشيتسيدك واحدًا في الواقع، لكانت العِظة المُطوَّلة في سِفْر العبرانيين مكانًا مثاليًا لتوضيح أنّ التشابهات المَرسومة بين الاثنين تمَّت لأنهما نفْس الشخص! ولكن لمْ يُذكَر شيء من هذا القبيل.

تأمّلوا ما يلي: لقد كانت السكينة مظهرًا ماديًا من نوع ما؛ لأنها كانت أحيانًا على شَكل سحابة مرئية أو لُهْب نار. هل نفترض أنّ السكينة كانت أيضًا يسوع لأن كان لها بعض الخصائص المادّية؟ ماذا عن تلك المظاهر المرئية الأخرى التي يُسمّيها الكتاب المقدس ملاك الرَب؟ ومع ذلك، عندما يُستخدَم هذا المصطلح، فإنّ "ملاك الرَب" لا يكون أبدًا رسولاً أو وسيطًا (وهي المِهنة النموذجية لملاك الرَب).

بل يبدو بالأحرى أنّه حضور الله ذاته بقوة كاملة وسلطة إلهية ويُشير إلى نفسه على أنه الله. إذًا، هل ملاك الرَب هو أيضًا يسوع؟ ماذا عن إصبع الله المَنظور الذي كَتَب الألواح الحجرية لموسى وقال إنّ اسمه يَهوَه؟ ألمْ يكُن ذلك هو الحقيقة تمامًا…هل كان في الواقع إصبع يشوع؟ ماذا عن العلَّيقة المُحترِقة نفسها، على جَبَل سيناء؛ كان ذلك مَلموسًا ومرئيًا، فهل كان ذلك يشوع أيضًا؟ لقد فَهمُتم قصدي.

لا ينبغي لنا، في رأيي، أن نَنسُب اسم وشخص يشوع إلى كل مَظهر إلهي له خصائص بشريّة، أو حتى مُجرّد خصائص مادّية. يسوع، يشوع، هو الاسم الذي أُطلِق على رَجُل مُحدَّد، وُلِد في وقت مُحدّد في التاريخ، في مجموعة ظروف مُحدَّدة، لغَرَض مُحدَّد…… ليكون المُخلِّص. إنّ كَوْن هذا الرَجُل، يسوع الناصري، هو أيضًا ابن الله، وهو الله، وهو المسيح هو حقيقة كتابية ثابتة.

ومع ذلك لا توجد كَلِمات أو أفكار كتابية تُفيد أنّ يسوع جاء في عدَد من الأزمنة السابقة في أشكال أخرى…… يبدو لي أنّ هذا مجرد دفاع مُؤلِم إلى حدٍ ما عن تقليد كَنَسي قديم للكنيسة الأممية يَميل إلى تبسيط الحقائق الروحية المُعَّقدة واللانهائية التي تَتجاوز قُدرات البشر على الفَهم؛ ويتم ذلك بطريقة تُغلِّف هذه الأشياء بشكل أنيق بحيث لا يمكن أن تكون هناك مناطق رمادية. في الواقع، إنّ الكتُب المقدسة التي تَنصّ بشكل قاطع على أنّ يسوع سيأتي في المُستقبل لمرّة ثانية، تَدحَض في حدِّ ذاتها تمامًا فكرة ظهوره عدّة مرات أخرى في الماضي. لكي يأتي مرة ثانية، فقد جاء مرة واحدة فقط من قبْل.

لذا، من دون أن نؤيد بالضرورة أن يكون شام هو ملشيتسيدك، فمن المؤكد أنّ هذا سيكون منطقيًا جدًا وهو تَخمين أفضل بكثير من يسوع. أولاً، كان شام لا يزال على قيد الحياة. ثانيًا، كانت أرض كنعان، المكان الذي كانت تَقع فيه شاليم، مكانًا وثنيًا للغاية. ومع ذلك، وفي وَسط كل هذا، ها هو هذا الرَجُل الذي يتحدّث عن الله العَلي…… الإله الذي كان إبراهيم قد بدأ للتو في التَعرُّف عليه. ويبدو أنه يَتحدّث بفَهم عميق عن الإله الواحد الحَقّ، ومع ذلك لم يَجعل نفسَه إلهًا أبدًا. ثالثًا، يبدو أنّ إبراهيم كان يعرف من هو هذا الرَجُل، وكان يُكِنّ له أعمق تقديس. في الواقع، يبدو أنّ حضور ملشيتسيدك كان أمرًا واقعيًا ومُتوقعًا. وبدون أي تفسير على الإطلاق، يعُطي إبراهيم عُشر جميع الممتلكات المستردة لهذا الرَجُل. وبالمناسبة، انتبهوا ألا نربط تَسمية العُشر كما نفكِّر بها في الكنيسة اليوم. هذا العُشر الذي أُعطي كان دُفعة قياسية مُستحقّة للمَلِك عن غنائم الحَرب. هذا سداد لمرة واحدة، وليس التزامًا مُستمرًا.

دعونا نَستحضر بعض الإشارات الكتابية الأخرى لملشيتسيدك ونَتبع هذا الخطّ من الاستفسار. الذِكْر التالي لملشيتسيدك بعد سِفْر التكوين هو في مزمور مئة وعَشرة، الذي يقبلُه اليهود والمسيحيون على حد سواء كمزمور نَبوي مسيحاني.

قراءة مزمور الإصحاح مئة وعشرة الآية واحد إلى أربعة.

هنا، في الكتاب المقدس في سِفْر التكوين، نرى الإشارة إلى المسيح المستقبلي في الآية أربعة على أنه من "رِتبة"، أو في نسخ أخرى "مُقارَنًا"، بملشيتسيدك. ماذا يعني ذلك؟ حسنًا، الكَلِمة المترجَمة "رِتبة" هي بالعبرية "دبراه". ولها معنى "على شاكلة"، أو "مُشابه في النيّة". إذًا، كَون المسيح على "شاكلة" ملشيتسيدك، يعني أنّ المسيح سيكون رئيس كهنة ومَلِكا في آن واحد، تمامًا كما كان ملشيتسيدك……. وهو أمرٌ كان نادرًا، ولكن لم يكن نادرًا في زمن الكتاب المقدس. ولكن، كان يعني أيضًا على الأرجح وجود صِلة نَسَب ما.

إذًا، لدينا القصة الأصلية لملشيتسيدك في سِفْر التكوين الرابع عَشر، ولدينا مُتابَعة في المزامير، بعد حوالى تسعمئة سنة، ثم في العهد الجديد في عبرانيين سبعة، بعد حوالى ألف وتسعمئة سنة تَظهَر المزيد من صِفات ملشيتسيدك. وكلّها مترابطة.

إليكم الأمر: رتبة أو على شاكلة ملشيتسيدك تتعلق بنظام كهنوتي خاص جدًا سيكون أعلى من الكهنوت اللاوي؛ لأنّ هذا الكاهن سيكون مَلِكا أيضًا.

والآن، في وقت هذه القصة، لم يكُن هناك كهنوت لاوي….. لأنه لم يكن هناك لاويون بعد. لن تأتي عَشيرة اللاويين قبل مئتي سنة أخرى على الأقل. ثم، بعد ذلك بـأربعمئة سنة على الأقل، سيبدأ الكهنوت اللاوي مع أهارون، هارون أخو موسى، الذي سيكون أوَّل رئيس كَهنة لإسرائيل. لم يكُن هناك كاهن أرضي أعلى من رئيس كهنة إسرائيل. كان رئيس الكهنة وَحده هو الذي يَستطيع أن يدخُل قدس الأقداس في الهيكل، ومرّة واحدة فقط في السنة لمُقابَلة الله. ولكن، الكهنوت الذي كان يُمثِّله ملشيتسيدك كان من نوع أعلى من الكهنوت اللاوي الأعلى. كان يُمثِّل نوع الكهنوت الذي سيكون للمسيح نفسُه أمام الله……. دائم ويشمَل المُلوكية.

إذًا، ماذا يمكننا أن نقول في الخِتام عن ملشيتسيدك؟ لقد كان رَجلُاً حقيقيًا، رئيس الكهنة ومَلِك مدينة شاليم التي ربما أصبحت تُسمّى في النهاية أورشليم. كان نوعًا ما مِثْل المسيح، لكنه لمْ يكُن المسيح. كان ظلًاّ للمسيح الذي كان سيأتي. وعلى الأرجح أنه كان شام بن نوح.

والآن، دعونا ننظُر إلى الجزء الأخير من الإصحاح الرابع عَشر.

إعادة قراءة سِفْر التكوين الإصحاح الرابع عَشر الآية السابعة عشرة- حتّى النهاية

ملشيتسيدك، إما أن يكون واهمًا، أو أنه يحمِل سُلطة وفَهمًا عظيمَين عن الله. لأنه يُعلن أنّ إبراهيم مُبارَك من إل إليون، وأنّ إل إليون هو الذي يجب أن يكون مباركًا. وإبراهيم لا يقدِّم أي رَدّ مكتوب على الإطلاق، إذ يبدو أنه يعرف لمن يَخضع. ويُعطي إبراهيم لملشيتسيدك عُشر كل شيء.

المَلِك، حاكم سدوم يقول لإبراهيم: أعطِني الشعب واحتفظ أنت بالغنائم. لماذا يقول مثل هذا الكلام؟ أولاً، كان لمَلِك سدوم سُلطة على الغنائم المستردة. كان له أن يَحتفظ بها أو يَهِبها. ومع ذلك، فمن الواضح أنّ ملشيتسيدك كان له بطريقة أو بأخرى سُلطة أكبر من سُلطة المَلِك، لأن جزءًا من تلك العشرة بالمائة التي أعطاها إبراهيم إلى ملشيتسيدك كان موجودًا بين أشياء تَخصّ مَلِك سدوم…… ولمْ يعتَرض المَلِك قيد أنمُلة.

افهموا أنّ مَلِك سدوم كان مَلِكا على أكثر المُدن شرًا في كنعان كلها، إن لم يكن في العالم. كان هذا الرَجُل شريرًا وتحت سيطرة الشر. إنّ مَلِك سدوم هو نوع من الشياطين أو المُعادي للمسيح، كما كان ملشيتسيدك بارًا، وتحت سيطرة البِر، وهو نوع من المسيح. يُذكّرنا هذا المشهد بمواجهة يسوع مع الشيطان عندما قال الشيطان اسجدوا لي فقط، ولي سلطان أن أعطيكم ثروة مادية لا تُضاهى. فكما أنّ إبراهيم لم يتحدَ سُلطة مَلِك سدوم وامتلاكه للثروة المُستردّة، كذلك لم يَتحدَّ يشوع سُلطة الشيطان على الثروة المادية للعالم؛ لمْ يقُل إبراهيم ولا يسوع:"ليست لك لتُعطيها "…لأنها في الواقع كانت مُعطاة من أمير الشر. لاحظوا أيضًا أنّ الشيطان كان حريصًا على أن يَهب أكبر قدْر ممكن من الثروة ليمنَع يشوع من فداء البشر، وبدلاً من ذلك، يَسمح للشيطان بأن يمتلكها. هذا موازٍ لقَول مَلِك سدوم لإبراهيم، احتفظ بكل الثروة التي استرددتها، فقط أعطني الناس الذين خلَّصتهم.

لقد تحدّثنا كثيرًا عن مبدأ الله؛ حسنًا، إليكم مبدأ الشيطان: هل يريد الشيطان ثروتك أم يُريدك أنت؟ الشيطان لا يَهتمّ بالممتلكات المادية: إنه يريد أن يمتلِك روحك. في النهاية، المعركة بين الشيطان والرَب هي على الناس.

على أي حال، يَرفُض إبراهيم المَلِك، مُدركًا مع من يتعامل، ويقول له: "لا شكرًا". بالإضافة إلى ذلك، يقول إبراهيم، لا أريدك (كمُمثل لإبليس) أن تقول أبدًا أن وَفْرة ما لديّ كانت لها علاقة بك. كل ما أمَلِكه، سواء كان قليلاً أو كثيرًا، يأتي من الله، ولا أريد كل ما يمكن أن تقدِّمه لي. إنه دَرسٌ حكيم لنا جميعًا: أهمّ ما يميِّز أي شيء ليس ما هو، بل المَصدر الذي جاء منه.

قراءة الإصحاح الخامس عشر من سِفْر التكوين كلِّه

كم هو صحيح أنه بعد أن نصل إلى قمة الجبل المنتصر، يمكن أن ننزلق بسهولة إلى وادي اليأس في الأسفل. كان إبراهيم، بعد هذا الانتصار العظيم على كَدورلاَومر، يسمح لمخاوفه بالظهور. فها هو ذا، في كنعان الشريرة، وقدْ فَاقه عدَد أفراد أسرته آلافًا إلى واحد، مُدركًا أنه على الرغم من أنّ لديه عائلة كبيرة ومُتنامية، إلا أنها كانت في المقام الأول نتيجة لولادة خادماته؛ بالإضافة إلى أن قوَّته على هذه الأرض كانت ضعيفة في أحسن الأحوال.

بالإضافة إلى ذلك، كيف كان لإبراهيم أن يكون له كل هذا النَسْل ليَرِث الأرض التي وَعَده الله بها، إذا لم يكُن لديه حتى الآن أولاد؟ يتساءل إبراهيم في الآية عمّا إذا كان خادمه الذي اشتراه، إليعازر (الذي قيل لنا أنه من دمشق)، سيَنتهي به المطاف كوريث وحيد عندما يموت إبراهيم.

تبدأ الآية واحد بالكَلِمات، "بَعْدَ حِينٍ"؛ لذلك نحن لا نعرِف كَم من الوقت مضى بعد المعركة مع ملوك بلاد ما بين النهرين، وإنقاذ لوط، لنصِل إلى الإصحاح الخامس عَشر. ومع ذلك، يبدو أنها لمْ تكُن فترة طويلة على الإطلاق. "لا تَخَف"، يقول الله لأفرام. الخوف؟ ما هو بالضبط الخوف الذي كان يشعُر به أفرام؟ ألَمْ يكن قد استعرَض عضلاته وهَزَم تلك الجيوش الشمالية؟ لقد كان الخوف من أن يعود أولئك الملوك ليَنتقموا منه بسبب ضَرْب أفرام لهم. على كل حال، لم تكن فقط هزيمة مُذلّة لهؤلاء الملوك الأقوياء في الشمال، بل إنّ الرَجُل الذي هَزَمهم لم يَتضرّر حتّى بما فعلوه. إنهم لم يأتوا لبدء حَرب مع إبراهيم، ولمْ يفعلوا شيئًا لأفرام سوى أنهم أَسروا قريبًا له كان يعيش بعيدًا عن عمّه من دون أن يدري.

ويُواصل الله الذي يعرِف مخاوف إبراهيم ليوضِح أنه سيَحميه، بل ويكافئ أفرام. مكافأة؟ مكافأة أفرام علامَ؟ لرفْضِه أن يغتني من مَلِك سدوم الشرير؛ لأنه اختار أن يضَع إيمانه في إله ملشيتسيدك. يبدو أنّ أفرام كان يُعيد التفكير في رفضِه المثالي والمبدئي لقبول كل ما حرَّره من كدورلاومر وأعاده إلى مَلِك سدوم…… باستثناء تلك العشرة بالمائة التي أُعطيت لملشيتسيدك. كان من الممكن أن يُصبح أفرام على الفور رجُلاً أكثر ثراءً لو أنه قَبِل ببساطة عَرْض حاكم سدوم الأكثر سخاءً.

ولكن، يَستمرّ هذا الرَجِل القَلِق في لوي يديه، وفي حوار كاشف وغير مبهج حقًا، يبدأ إبراهيم في سكْب مخاوفه وشكوكه وقلقِه على الرَب؛ فهو لا يقبَل بسهولة وعود الله له. والآن، نحن… أنا وأنتم…. لن نفعل ذلك أبدًا، أليس كذلك؟ يقول الله إنني سأفعل كذا وكذا من أجلك……ولكن كم مرّة نَردُّ عليه "نعم يا الله، ولكن كيف؟ كيف ستَفعل ذلك، ومتى ستفعل ذلك؟ من المؤكد أنه لا يبدو أنه سيَحدُث أوهناك أي دليل على أنه سيحدُث. نعم، ربما كان أفرام رَجُل الله، لكنه كان لا يزال مجرد إنسان.

إذًا، بعد أن اطمأن إلى أنّ الله سيَحميه من الأشرار القادمين من الشمال، ثم اطمأنّ أيضًا إلى أنّ رخاءه سيَزداد، وَعَد الله إبراهيم بأكثر ما يقلِقُه: ابنًا وريثًا……. بكل إنصاف، نحن في العالم الغربي الحديث لا يمكننا أن نُدرك أهمية الابن كوريث للرَجُل في ذلك العَصر. لمْ يكن الأمر مجرد مسألة توريث للثروة وممتلكات الأرض؛ بالنسبة لأفرام ولجميع البشر تقريبًا في الحضارات المَعروفة في ذلك الوقت؛ كان الاعتقاد السائد هو أنّ الإنسان يَعيش من خلال وريثه. لمْ يكُن تناسخًا بقدْر ما كان تناسُخًا للمادة الأثيرية غير المرئية وغير المَعروفة…… التي تجعَل كل شخص فردًا فريدًا…. قوّة الحياة التي كانت تحتوي على سلالات تلك العائلة، كانت تَنتقِل من خلال التكاثر البشري. بطريقة غامضة وغير مُحدَّدة، عاشت الطبيعة الأساسية للأب في ابنه. أن يموت الرَجُل بدون وريث كان يعني نهاية لسُلالة عائلته، وبالتالي نهاية لجَوهره البشري. أن تكون المرأة غير قادرة على إنجاب ابن لزوجها كان أكثر شيء مُخزٍ بالنسبة لها؛ فسبب وجودها الأساسي كأنثى بشرية هو إنجاب وريث لزوجها. أن تفشَل في ذلك كان بمثابة أن تكون عديمة الفائدة. بالنسبة للناس في عَصر إبراهيم، لمْ يكُن هناك مفهوم الموت والصعود إلى السماء والعيش مع الله إلى الأبد. كان الابن هو الأمَل الوحيد لإبراهيم في رؤية كل وعود الله تتَحقق، وكان يُدرِك ذلك جيدًا.

يُخبِر الرَب إبراهيم أنه سيكون أبًا، لذلك لن يكون إليعازر وارثًا لثروة العائلة. ويَتشجَّع إبراهيم عندما يُخبره الله أن ينظُر إلى السماء ليلاً ويَعُدَّ النجوم، لأن هذا هو عَدد نسلِه الذي سيكون كثيرًا، فيُشجِّعه الله. ثم، في الآية السادسة، يُقال لنا شيئًا يَظنّ الكثير من المؤمنين المعاصرين أنه كان مجرد وَعْد من العهد الجديد، وَعْد جاء به يسوع: "فَآمَنَ (إبراهيم) بالله، فَحَسَبَهُ اللهُ لَهُ بِرًّا". هنا كان جوهر خطّة الله للخَلاص: صَدِّق الله، والله سيُعطيك البِرّ. هذا هو معنى النِعمة بالذات. كانت النعمة رجاء آدم، وكانت رجاء نوح، وكانت رجاء إبراهيم. كانت النِعمة أساس التوراة التي أُعطيت لموسى وهي أساس العهد الجديد في يشوع؛ إنها بالضبط رجاءُنا اليوم. لم تَتغيَّر أبدًا.

الآن وقد عولجت مسألة وَرِيث إبراهيم……أو على الأقل يَعتقد إبراهيم أنها قد عولجت…يَذكُر الله مسألة أرض الميعاد في الآية سبعة. ويقول: "انظر يا أفرام، لقد جئتُ بك من أور إلى هذا المكان لأعطيك إياها". بعبارة أخرى، ألم تَفهَم بَعْد؟ ما رأيك في كل هذا؟ أنت ستَحصل على الأرض… لا شيء يمكن أن يمنَع ذلك….. لأنني قرَّرت ذلك.

بعد ذلك، يسأل إبراهيم في الآية ثمانية سؤالاً غريبًا يَنُمّ عن أعلى درجات الشَك إن لم يكُن عن عدم الثقة الصريحة: "كيف لي أن أعرف أنني سأمَلِك الأرض"؟ إنّي فضولي، لأن الله كان قد وَعَد إبراهيم بالأرض في وقت سابق؛ فهل لم يُصدِّق إبراهيم الرَب؟ هل لم يحصل عليها؟ الحقيقة أنّ إيمان إبراهيم كان مُترددًا بعض الشيء. كم مرّة عرَفْنا في داخلنا أنّ الله قد تَحدَّث إلينا، ولكن يَمرّ الوقت، ولا نَجِد تأكيدًا آخر مرئيًا ومَلموسًا لموضوع هذا الحديث؟ لذا، نبدأ في التساؤل، هل مُخيِّلتي تعمَل فقط لوقت إضافي، أم أنّ الله تحدَّث معي حقًا؟ لقد مَرَرنا جميعًا بهذا الموقِف، وسنَمرّ به مرة أخرى.

الآن، دعونا نكون عَمَليّين. الحقيقة هي أنه حَسَب كل عادات وتقاليد البَشر في عَصر إبراهيم، فإنّ الوعود التي كانت حقيقية كان لها هيكلية. لا يَنبغي أن يكون ذلك مُفاجِئًا لنا؛ فوعودنا اليوم أيضًا لها هيكلية….. تُسمَّى عَقدًا. في مجتمعنا لا يوجد الكثير مما يمكن أن نقبَله على أنه شرعي أو جدير بالثقة من شخص آخر، ما لمْ يتم وَضْعُه على الورق، ويتم إعداده ليَتناسب مع قوانين قانوننا المدني، ثم يتم التوقيع عليه من قبل جميع الأطراف المَعنيّة؛ هكذا نُتمُّ الأمر.

لا أحد يتساءل عن السبب. لقد كان الأمر نفسه في أيام أفرام؛ كان هناك إجراء عندما يتمّ الوَعد، وهذا الإجراء لم يكن قد تمّ تنفيذه بعد في وَعْد الله لأفرام.

قد لا نُدرك ذلك، ولكننا نتوقَّع تمامًا أن نتعامل مع الله بشروط ثقافتنا. ما الفائدة من أن يُعطينا نحن الأمريكيين برهانًا أو كَلِمة بصيغة لا يُدرِكها إلا اليابانيون على حقيقتها؛ فهي لن تعني لنا شيئًا. وينطبِق الشيء نفسه بالعكس؛ فالشخص الذي يعيش في السودان سيَحتاج إلى بُرهان أو كَلمِة من الله يَفهمُها…شيء عادي ومُعتاد في مجتمعه السوداني….. ليس شيئًا عاديًا بالنسبة لنا نحن الأمريكيين. كان أفرام يَنتظر أن يوضع وَعْد الله في هيكلية تَعترِف بصحّته.

الله رحيم. لذا، ما يحدُث بعد ذلك هو أنّ شكلاً مرئيًا من إجراءات صُنْع العهد…يوضَع في إطار المعايير الثقافية في ذلك الوقت….. لإبراهيم. أقول مرئيًا، لأن إبراهيم كان بإمكانه أن يراه بعيْنيه بالفعل، وكان واضحًا. وأقول مرئي أيضًا، لأنه عندما يتكَلّم الله ويقطَع وعدًا، فهو بالفعل عَهد أسمى بكثير من أي شيء يمكن كتابته أو ختمه عبر طقوس. يَتغيَّر نسيج المكان والزمان عندما يقطَع الله عهدًا؛ الكَون بأكمله يُعاد تشكيله وتركيزه حول هذا العَهد. هذه ليست قصة رمزية أو قصيدة؛ إنها الحقيقة المُطلَقة للموقِف. ليس من الضروري أن يكون هناك إجراء بشري حتى يُصبح وعده عهدًا قانونيًا، لقد فَعَل الرَب ذلك ليَمنَح إبراهيم السلام.

لذا، فإنّ الله في كَرَمه تنازل وأجرى طقوس العهد البشري المُعتادة كعلامة لإبراهيم على صحة تلك الوعود بالأرض والبَرَكة، بالولد والنَسل.

في الآيتين تسعة وعشرة، نرى طقسًا نموذجيًا للعهد، ويدور حول استخدام الحيوانات كوكلاء للوَعد؛ هذه الحيوانات……حيوانات طاهرة…… تُقتَل وتُقطَع، وتُقسَم إلى مجموعتين (تذكَّروا أنّ كَلِمة "عهد" بالعبرية "بريت" تعني القَطْع أو التقسيم).

الآن، أريد أن أكون حريصًا في مُصطلحاتي هنا؛ وأود أن تلاحظوا أنّ احتفال العَهد هذا لمْ يكُن ذبيحة. لمْ تكُن الحيوانات "ذبيحة" بالمعنى الدقيق للكَلِمة. لم يكُن هناك مذبح؛ لمْ يكُن هناك إحراق للحيوانات. لمْ يكُن هذا تقديم عطية، أو طلبًا للقبول به، أو التماسًا للتكفير عن ذنوب إبراهيم. بل كانت هذه هِبة الله للإنسان. ها هو الله يرفَع يده اليمنى ويُقسِم على نفسه أن يكون صادقًا في قَسَمه. هذا عَمَل إلهي مئة بالمئة، كان إبراهيم ببساطة مُتلقّي الوعد. لقد وَعَد الله بهوية قومية لشَعب لمْ يكُن موجودًا بَعد….. شعب سيُسمَّى في البداية عبرانيًا، ثم إسرائيل في النهاية. إنّ السجلاّت القديمة لشعوب الشرق الأوسط والشرق الأقصى المختلفة مليئة باحتفالات العَهد التي تُشبِه بشكل أساسي تلك التي نشهدُها في هذه المقاطع؛ ولكن، لا يوجد في أي مكان، على الإطلاق، سِجلّ أو حتى تقليد لإله يَعِد بأرض، وبِحق لا رَجعة فيه ما دام الزمن موجودًا.

فجأة، في الآية الحادية عشرة، تظهر طيور جارحة وتُحاول الهرب بجُثَث الحيوانات المَيتة. يطرُدها إبراهيم. ما معنى هذه الكَلِمات القليلة عن هذه الطيور؟ الطيور الجارحة… حقًا، نحن نتحدث عن النسور، والطيور الجارحة…… هي رَمز للموت والشَر: كان هذا هو الشيطان الذي يُحاول أن يُعرقِل ويوقِف العهد لأنه يعرف جيدًا ما الذي سيؤدي إليه. كم من مرّة يتمّ تحذيرنا في الكتاب المقدس أنه عندما يَعِدنا الله بأشياء جيدة، يأتي الشيطان ويحاول أن يَسرِقها. سواء كان ذلك لسرقة الشيء نفسه، أو لسرقة إيماننا وثِقَتنا في وَعد الله، أو لسرقة شالومنا فقط، فالشيطان يريد أن يُعطيك ما يقدِّمه هو لك، وليس ما أعطاك الله أصلاً. بينما كانت تلك الطيور تَنقَضّ، كان يمكن لإبراهيم أن يجلس هناك ببساطة ويُفكِّر: "حسنًا، تعالوا بهدوء، اذهبوا بهدوء"، ولا تحاربوا الشر. أو كان بإمكانه أن يكون أكثر انسجامًا مع موقِف الكنيسة الحديثة، كان بإمكانه أن يكون سلبيًا تمامًا، ويُقرِّر: حسنًا، إذا أراد الله أن يَمضي بالوَعْد، فعليه أن يخوض مَعركة مع ذلك النِسر، الشيطان. خطأ. نحن محاربو الرَب على الأرض.

علينا أن نلوِّث أيدينا ونعرِّض أنفسنا للخطر. الصلاة لا تَحلّ مَحلّ العَمَل؛ الصلاة تُهيّئنا للعمل. طَرْد أفرام لتلك الطيور هو المُعادل في التوراة لقَول يعقوب الشهير في التوراة "قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبُ مِنْكُمْ".

يَتلو الله الآن قَسَمًا، وهو دائمًا أساسيّ في بروتوكول قَطْع العهد. ولكن، قبل أن يفعَل ذلك، يذهَب إبراهيم في سَبات عميق. هذا لا يعني أنّ إبراهيم قد نام لأنه تَعِب؛ إننا نرى العديد من المُعادلات لهذا الأمْر في التوراة والكتاب المقدس عندما تتحدّث عن "رؤى في الأحلام"، أو حتى عن "مأخوذ بالروح". بل أكثر من ذلك، يقول الكتاب المقدس إنّ إحساساً عظيماً من الرَهْبة غَلَب إبراهيم في نومه؛ لقد كان "رُعباً مُظلمًا" كما يقول الكتاب المقدس. دعونا نَنتقِل إلى العبرية لدقيقة: الكَلِمة المُستخدَمة هنا بالعبرية للتعبير عن "الرُعب المظلِم" هي "تشاشكاه". يجب أن تبدو هذه الكلمة مألوفة لنا، لأن جَذر الكلمة هو كلمة تشوشك و"تشوشك" تعني ببساطة الظَلام؛ ولكن كما تعلَّمنا في سِفْر التكوين واحد، لا تَعني الليل. إنها لفظة روحية….. إنها تعني الفَزَع، الشر، الموت، العَمى…. إذًا تشوشك مصطلح سَلبي ويشير إلى أنّ مَصدره من عالم الأرواح.

وما يلي سيُساعدنا على فَهم الطبيعة المُزعجة لما رآه إبراهيم.

ما يقوله الرَب، في الآية الثالثة عشرة، يُخيف إبراهيم: يخبره الله أنّ نَسْل إبراهيم سيُصبحون عبيدًا في أرْض غريبة، وسيَبقون في تلك الأرض الغريبة لمدة أربعة قرون. أنهم سيكونون مُضطهَدين؛ مُضطهَدين ليست كَلِمة عابرة. العبيد بالنسبة لإبراهيم كانوا ببساطة أفراد عائلة تمّ شِراؤهم. لمْ يظلمِ عبيده. ولكن، ذريّة أفرام كانوا سيَخضعون لمعاملة سيئة. ولن يكون ذلك، هنا، في أرض كنعان حيث سيُستعبَدون……لأن الرَب يقول إنهم سيكونون في "أرض ليست لهم".

ثم يقول الله إنه سيُعاقب تلك الأرض الغريبة، وسيُطلِق سراح نَسْل إبراهيم. حتى أنهم سيَرحلون ومعهم ثروة كبيرة. بالطبع، مع الاستِفادة من الإدراك المُتأخِّر، نَعلَم الآن أنّ مصر ستكون تلك الأرض الغريبة، وأنّ الفراعنة سيكونون الظالمين؛ بل ونعلَم أيضًا أنّ بني إسرائيل قد غادروا بالفعل ومعهم الكثير من ثروة مصر. يُخبِر الرَب أيضًا إبراهيم أنه سيَعيش حتّى سنّ الشيخوخة، وأنّ عشيرتَه ستُغادِر هذا المكان قريبًا، ولنْ تَعود حتى الجيل الرابع من إبراهيم.