26th of Nisan, 5785 | כ״ו בְּנִיסָן תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفر التثنية الدرس الثالث – الإصحاحان واحد واثنين
سِفر التثنية الدرس الثالث – الإصحاحان واحد واثنين

سِفر التثنية الدرس الثالث – الإصحاحان واحد واثنين

Download Transcript

سِفر التثنية

الدرس الثالثالإصحاحان واحد واثنين

في آخر مَرَّة التَقَينا فيها وَضَعتُ مبدأً للسِّياق العام لسِفر التثنية سأُذكِّركم به من وقت لآخر، وهو أنه ينبغي النَّظَر إلى سِفر التثنية على أنه عِظة من موسى أكثر من كَونه خطبة من فَم الرَّب مباشرة.

إن عِظة موسى تُشبه إلى حدّ كبير الجزء الأكبر من الكِتاب المُقَدَّس (وتُشبه إلى حدّ كبير العهد الجديد) حيث أن ما يتكلّم به موسى هو إلْهام إلهي ولكن الإلْهام الإلَهي هو عَمَل تَعاوُني بين الإنسان والله، بينما مَوعظة الله هي اتِّصالات مُباشرة (عادة في شَكْل تعليمات) من الله إلى الإنسان.

لذلك بينما الكَلِمات التي قالَها موسى مَوثوقة تمامًا وصَحيحة، يجب أن نَنظُر إليها أيضًا من زاوِيةٍ مُخْتَلِفةٍ قليلاً عن الأسفار الأربعة الأولى من التوراة حيث كان لدينا الكثير من الكلام في شكْل "وقال الرب" كذا وكذا. أعتقِد أنه سيكون من العَدْل أن نقول أن أحد المبادئ الهامّة عند النَّظَر في كَلِمة الله هو أن الوزن الذي تَحمله تعاليم الله المُباشرة (أي التعليمات التي تَلَت "وقال الرَّب") أكبر من الكَلِمات أو الأفكار الشَّخصية لأي إنسان (سواء كان هذا الإنسان موسى أو المَلِك داوود، أو بولُس الرَّسول) الذي، إن لم يَكُن يُكَرِّر كلام الله، فهو في الأساس "يَعِظ".

لقد اسْتمعنا إلى هذه النِّقْطة في الإصحاح الأوَّل من سِفر التثنية عندما بدأ موسى في سَرْد تاريخ رِحلة بني إسرائيل في البرِّية، ونَعْلَم أن تاريخ هذه الخُطبة هو تسعة وثلاثين سنة وإحدى عشر شهرًا منذ اليوم الذي أَطلق فيه فرعون بني إسرائيل من قَبْضَته.

وتبدأ الآية التاسعة عشرة بتَذكير موسى لِشَعب إسرائيل (هذا هو الجيل الثاني من حَشْد الخروج) بالسَّبب الذي جَعلهم يُهيمون كَبَدو في المناطق الصَّحراوية في شبه جزيرة العرب وسيناء بدلاً من أن يَستقروا بِشَكْلٍ دائم. ويوضِح أنه منذ حوالي ثمانية وثلاثين سنة عند وُصول بني إسرائيل إلى قادِش – بارنيا (على الطرف الجنوبي من أرض كنعان)، أَمَر موسى أن يَخرج الشَّعْب ويبدأ في غزو الكنعانيّين ولكن، امْتَنع القادة وطلبوا من موسى أن يُرسل بعض الكَشّافة إلى الأمام لتقييم الأرض والعَودة وتقديم تقرير. يُرجى ملاحظة أن هذه معلومات جَديدة. في رواية سِفر العدد ثلاثة عشر عن غزو كنعان لا يوجد أي ذِكْر عن قَول موسى للشعب أن يبدأوا الحرب المُقَدَّسة على كنعان. في الواقع، من نَواحٍ كثيرة، تَجعل رواية سِفر العدد موسى مُتوافقًا إن لم يكن مُتواطئًا في قرار عدم الذّهاب إلى أرض الميعاد وأخْذها.

لذلك نَجد هنا أن السَّبب في إرسال الكَشّافة هو أن الشَّعْب (أي القادة والشُّيوخ الذين كانوا يُمثِّلون الشَّعْب) طَلبوا بدلاً من مُجَرَّد المَضي قُدُمًا دون تَحفُّظ (كما كان ينبغي أن يفعلوا) إرسال اثني عشر رَجُلاً من القادة لِيَتفقَّدوا الأمور أولاً.

الآن سأُخْبِرك أنني قَرأت بعض التَّعليقات التي تَجعل الأَمْر يَبْدو كما لو أن موسى كان نَوعًا ما يُجَمِّل قِصّة الكَشّافة (ربما يُعيد كِتابة التاريخ قليلاً) ليَضع تَصرُّفاته الخاصة في صورة أكثر مُلاءمة. وأن موسى كان يقول بِشَكْلٍ أساسي "ليس خَطَأي وحاولْت أن أفعل الشيء الصّحيح"، لكنه اسْتَسْلَم لإرادة الشَّعْب بِتَردُّدِه. أظنّ أن هناك بعض الحقيقة في ذلك لأن موسى لم يكن سوى رَجُل مُعْتَدِل، مُتَرَدِّد في دَوره الحالي، ولم يكن قائدًا قويًا. ولا أعتقد أنه كان هناك أي عدم دِقَّة فيما يقوله موسى هنا؛ كل ما في الأمْر أننا كَبَشر نَميل إلى تَذَكُّر أجزاء الأحداث الأكثر مُلاءمة لنا، ونَميل إلى إخضاع ما كنا نُفكر فيه في ذلك الوقت لما حَدث بالفعل.

ليس لديّ شكّ في أن موسى حَثّ الشَّعْب على عدم الخَوف والسَّير إلى كنعان؛ لكنه وَجد نفسه أيضًا في مأزَق عندما أَصرّ القادة الذين اعْتَمَد عليهم على الحَذَر. فالقيادة أمْر صَعب، إذ يجب على الناس أن يَقْتَنِعوا بما تَفعله من ناحية، ولكن من ناحية أخرى ما فائدة القيادة إذا كان المَرء لا يَقف على رأس المجموعة إلا وهو يقودها بِبَساطة إلى أي شيء وإلى أي مكان تريد أن تذهب إليه؟ كانت هذه مُعْضِلة موسى ومُعْضِلةً يُمكن للكثيرين منا أن يتعرَّفوا عليها.

أُريدُكم أن تُلاحظوا شيئًا في الآية عشرين ليس فريدًا من نَوعه في التوراة، بل هو مثال مُمْتاز لمبدأ عادة ما يَغيب عن أذْهاننا. تقول هناك: "جِئْتُمْ إِلَى بِلاَدِ الأَمورِيّين الَتي يُعْطيها الرَّبُّ الإِلَه لنا". يَتلخَّص المبدأ في زَمَن كَلِمة "العطاء".

اللُّغَة العِبريّة التَوراتيّة لا تَسْتخْدِم أزْمِنة الماضي والحاضِر والمُسْتَقْبَل كما هو الحال في اللُّغَة الإنجليزية (على الرغم من أن العِبريّة المَحْكِيَّة الحديثة اعْتَمَدَت اسْتخدام هذه الأزْمِنة). أي أنه في اللُّغة الإنجليزية حَدَثَ شيء ما من قَبْل (ماضٍ)، أو يَحدُث الآن (حاضِر)، أو سيَحْدُث لاحِقًا (مُسْتَقْبل). بدلاً من ذلك، تَسْتَخْدِم اللُّغة العبرية التَوراتيّة ما يُسَمّى بالأفعال الماضية والمضارعة. فالماضي يُعادل تقريبًا الماضي والحاضر، والمُضارع يُعادل تقريبًا المُسْتَقْبَل؛ ولكن هذا التَّشابُه تَقْريبي للغاية بل وغير دقيق. إليك المُشكلة وسأسْتَغْرِق فقط لَحْظة للتَّعْميم؛ فالأفعال الماضية والحاضِرة والمُسْتَقْبَلة في عَصْرنا الحديث تتعلّق بِوَقت حُدوث الفِعل. فهي تَجْعَل سياق العِبارة مُحدَّدًا في الزَّمَن (هل حَدَثَ في الماضي، هل يَحْدُث الآن، هل سَيَحْدُث في وقت لاحِق؟) هذا ليس ما يَحْدُث في العِبرية التَوراتيّة. وأنا أؤكد على مُصْطَلَح العِبرية التَوراتيّة لأن (مَرَّة أخرى) العبريّة الحديثة تَسْتَخْدِم أفعال الماضي والحاضر والمُسْتَقْبَل.

في العبرية التَوراتيّة تُشير أزْمِنَة الكُتب المُقَدَّسة إلى حالة الفِعل. هل الفِعل مُكْتَمِل أم مُسْتَمِرّ؟ إن فكرة متى يَحدث الفعل في الوقت الذي يَحْدُث فيه يُستَدَل عليها من خلال سياق البيان العام، وليس مُباشرةُ من خلال أزْمِنة الأفعال.

إذًا في عبارة الآية عشرين التي تقول أن الرَّب "يُعطي" بلاد الأَمورِيّين لبني إسرائيل، الفِكْرة هي أن هذه عَملية مُسْتَمِرَّة. لقد بدأ "إعطاء" الأرض بالفعل ولكنَّه لم يَكْتَمِل بعد. بعض تَرْجمات الكِتاب المُقَدَّس تقول، "سيُعْطينا"، وبَعْضها الآخر تَقول، " يُعْطينا"؛ وبَعْضها الآخر تقول، "على وَشَك أن يُعْطينا". تَكْمُن المُشْكِلة في أن هذه التَّرجمات تُحَدِّدْ حَدَث إعطاء أرض كنعان للعِبرانيّين في الزَّمَن؛ وتريد هذه النسخ أن تقول إما أنه يَحْدُث الآن (حاضِر) أو سَيَحْدُث لاحِقًا، ولكن قريبًا (مُسْتَقْبَل). هذا غير صحيح ونرى هذه المسألة نَفْسها تَتَكَرَّر في جميع أنحاء الكِتاب المُقَدَّس. ما يُعبَّر عنه هنا في سِفر التثنية هو أن العِبْرانيّين بِبَساطة في مكانٍ ما ضُمْن عَمَلِيَّة طويلة لإمْتِلاك أرض كنعان وليس هناك أي إشارة الى هذه العَمَلِيّة ضمن الجَدْوَل الزَّمَني. هذه المُشْكِلة في سوء فَهْم الأفْعال العِبْرانيَّة خَلَقَت كل أنواع المَشاكل في مُحاولة فهم النُّبوءات (النُّبوءات، حَسَب تَعْريفنا، دائمًا ما تكون مُسْتَقْبَليّة بالنِّسْبة لطريقة تَفْكيرنا).

ولأنّ الماضي والحاضِر والمُسْتَقْبَل مُتَرَسِّخين في لُغاتنا الغَرْبيَّة، أُحاول عادةً أن أشْرَح نُبوءات الكِتاب المُقَدَّس بالقَوْل إنها حَدَثَت في الماضي (مثل عَوْدة العِبْرانيّين من المَنْفى) ولكن العديد من هذه النُّبوءات نَفْسها ستَحْدُث أيضًا في المُسْتَقْبَل. ولكن من الناحيةِ التِّقَنيّة ليْسَت المَسْألة مَسألة ماضِيَة أو مُسْتَقْبَلِيّة: بل إن هناك عَمَلِيَّةً نَبَوِيّةً وهي مُسْتَمِرَّة وستَصِل يومًا ما إلى اكْتِمالها بالكامِل.

يَروي موسى أن الكَشّافة الإثْنَي عشر عادوا بِبَعْض عَيِّنات من ثِمار أرض كنعان مع تَقْرير مَفادُه "إنها أرض طَيِّبة….". ولَكِن، رَفَض الشَّعْب الصُّعود والإسْتيلاء على الأرض كما أمَرَهُم الرَّب الإله لأن جزءًا آخر من التَّقرير كان أن المُهِمَّة ستكون صَعْبة وخَطيرة. فالسُّكّان كانوا كِبارًا وكانوا كثيرين، وكانت هناك مُدُن كثيرة مُسَوَّرَة. فأجاب الشَّعْب: "لا بُدّ أنَّ يَهْوَهْ يَكْرَهنا"، ولذلك رَفَضوا الذَّهاب وأَخْذ الأرض.

اسْمَحوا لي أن أُذَكِّركم أن مُصْطَلَح "الشَّعب" يُشير دائمًا تقريبًا إلى القِيادة. لقد كان هذا مُجتمَعًا قَبَلِيًّا، ولم يكن الشَّعب يُصَوِّت؛ ومع ذلك كان يُنظَر إلى القيادة على أنها مُمَثِّلة للشعب. إذا قرَّرَت قيادة سِبْط يَهُوَّذا أمْرًا ما، كان الكِتاب المُقَدَّس يقول "شعب يَهُوَّذا" قَرَّرَ كذا وكذا. من المُهِمّ أن نَفْهَم ذلكَ لأن ما يَحْدُث هنا هو أن موسى يَلوم مَجْلِس القيادة على هذا العَمَل من التَّمَرُّد الذي كان مُكْلِفًا للغاية من حيث الحياة والوَقْت.

يقول موسى إنه بَذَل قصارى جُهْدِه لإقناع مَجْلِس القيادة بأن يَضَعوا مَخاوِفهم جانِبًا، وبَدَلاً من ذلك أن يَثِقوا بالله ويُطيعوه، وذَكّرَهم بأن السَّحابة الناريَّة التي كانوا يَتْبَعونَها لَيلًا ونَهارًا كانت دَليلًا على أن يَهْوَهْ مَعَهم وأنه سَبَقَهم بالفِعْل وضَمَنَ لهم النَّصْر. ولكن على الرَّغم من الدَّليل القوي للغاية على مَحَبَّة الله لِشَعْبِه وقِدْرَته على فِعْل كل ما يقول إنه سَيَفْعله، إلا أن القيادة قد تَمَسَّكَت بِمَواقِفها. ونتيجة لذلك أعْلَنَ الرَّب أنه لن يُدْخِل أحد من هذا الجيل الشِّرّير إلى الأرض التي خَصَّصَها لِشَعْبِه. تم تَعْريف الجيل الشِرّير في وقت سابِق على أنه الرِّجال الذين يَبْلغون من العُمْر عشرين عامًا فأكثر، وَقْت وُقوع هذه الحادِثة.

في كل مَرَّة أتذكر فيها حادثة الكَشّافة الاثني عشر هذه، لا يَسَعُني إلا أن أشْعُر بِبَعض الخَوْف والفَزَع يَهِزّ جَسَدي. كان هنا مُجْتَمَع يُقَرِّر فيه (خاصَّة في هذه المَرْحَلة من الرِّحلة) زُعَماء القبائل، بِشَكْلٍ اسْتِبْدادي، ما سَيَحْدُث. لم يَكُن لدى عامَّة السُّكان خِيار سوى اتْباعهم أو حَزْم أمْتِعَتهم والرَّحيل؛ لكن القادة كانوا يَعْلَمون أيضًا أن قَراراتهم يجب أن تكون شَعْبِيَّة ومَقبولة بِشَكْلٍ عام وإلا فلن يَبقوا كقادة لِفَتْرة طويلة جدًا. ومع ذلك فقد حمَّل الرَّب عامة الشَّعْب المَسؤوليّة عن أفْعال وقَرارات وتَمَرُّد قيادَتهم (على الرَّغم من أنه خَصَّصَ للقيادة قَدَرًا أكبر من المُساءلة). كم يجب أن يُحاسِب الرَّب كل واحد مِنّا عن قرارات قيادَتنا في أُمّة ديمقراطيّة نَخْتار فيها مُباشرةً من يَقودنا، ولدينا إجْراء لإزالة من يَقودنا بِشَكْلٍ سَيِّئ. بِقَدَر ما نَرْغَب في ذلك، لا يُمْكِنُنا أن نَفْصُل أنْفُسَنا تمامًا عن قِيادَتنا الحُكوميّة العِلْمانيَّة أو عن قِيادة كَنيسَتْنا أو كَنيسِنا. ولا يُمكن للقِيادة أن تَفْصِل نَفْسَها عن تَصَرُّفات أولئك الذين يَحْكُمونهم. فموسى لم يَدْخُل أرض الميعاد؛ وقد ذُكِر في مُناسبات عديدة أن ذلك كان بِسَبَب الشَّعْب الذي مُنع من دُخولها. وبِعِبارة أخرى، كقائد، كان مَسؤولاً في النِّهاية عن تَصَرُّفات الشَّعْب.

إن خلاصَنا في يسوع هو بالتَّأكيد على أساس كل فَرْدٍ على حِدَة؛ ولكن غالِبًا ما يَكون مَصيرُنا الأرْضي مُرْتَبِطًا بِبَعضِهِ البَعْض كَمَجْموعة. والمَبْدأ الذي نَراه في الكِتاب المُقَدَّس هو أنه بعد التَّقْسيم الرَّئيسي الأوَّل للبَشَر إلى عِبرانيّين وأُمَمِيِّين كان التَّقْسيم التالي للناس في نَظَر الله كأُمَم من الناس. تَتَحَمَّل الأُمَم مَسؤوليّة مُشْتَرَكة أمام يَهْوَهْ. ستُدان أُمَم بأكْمَلِها معًا كمَجْموعة واحِدة بناءً على قرارات قِيادَتها وتَصَرُّفات الشَّعْب بِشَكْلٍ عام. كَوْن عِدَّة أفراد يُعارِضون بعض الأعمال المُتَمَرِّدَة أو الفاجِرة لا يَعْفيهم من المُعاناة من الدَّيْنونة الوَطَنيَّة التي قد يُوقعها الرَّب (ويُشير سِفر الرؤيا إلى أنه سَيوقِعها). لذلك يَتَوَجَّب علينا أن نُحارِب بلا كَلَل في عائلاتنا ومُجْتمعاتِنا من أجل الحِفاظ على إسْم الرَّب وأوامِره من أجل أُمَّتنا.

يُخْبِر موسى بعد ذلك هذا الجيل الجَديد من العِبْرانيّين بما حَدَث في النِّهاية بعد رَفْضِهم الذَّهاب إلى أرْض الميعاد؛ اعْتَرَفَت القيادة بأنَّهم كانوا مُخْطِئين. قالت القيادة إنَّنا بالتأكيد لا نريد أن نَرْتَدّ إلى البرِّية، وبالتَّأكيد لا نُريد أن نُمنع بِشَكْلٍ دائم من دُخول أرْض الميعاد أبَدًا. وفي الظاهِّر يَبْدو هذا بالتَّأكيد مثلَ قُلوبٍ نادِمة مَليئة بالتَّوبَة عن تَمَرُّدهم، عندما يقولون "الآنَ نَصْعَد وَنُقَاتِل كَمَا أَمَرَنا يَهْوَهْ". ثم يقول الرَّب شيئًا يَجِب أن يَهزّنا جميعًا: "لاَ تَصْعَدوا وَلاَ تُحَارِبوا لأَنِّي لَسْتُ فِي وَسَطِكُمْ….".

ولكن حِرْصًا منهم على اسْتِعادة الجَدارة في عَيْنَي الرَّب، وحِرْصًا منهم على تَجَنُّب إعْلان دَيْنونَة الله عَلَيهم، تَجاهَل الشَّعْب مَرَّة أخرى الرَّب وحاوَلوا أخْذ أرْض الميعاد من تِلْقاء أنْفُسِهم من دون قِيادَته أو إذْنه. كانت النَّتائج مُتَوَقَّعة وكارِثيَّة. عَدَم أَخْذ الأرض عندما تمَ أمْرَهُم بذلك كان تَمَرُّدًا؛ ولكن أخْذ الأرض نَفْسها (بعد ساعات وأيام فقط) عندما أُمِروا بِعَدَم أخْذها كان تَمَرُّدًا أيْضًا. التَّوْقِيت يَعود إلى الرَّب تمامًا مثل الفِعْل.

اتبَع هذا التَّسَلْسُل لأن هذا النَّمَط لا يَخْتَلِف في العهد الجديد، وبالتَّأكيد لا يَخْتَلِف في عَصْرِنا الحديث: أوَلًا) يأمُر الرَّب بني إسرائيل بأخْذ أرض الميعاد. ثانيًا) يُصْبِح الشَّعْب خائفًا ومُتَرَدِّدًا. ثالثًا) يُقَرِّر الشَّعْب أنهم سيَتَوَقَّفون ويُقَيِّمون ما إذا كانوا يَتَّفقون مع الله في هذا الأمْر أم لا. رابِعًا) يَخْتاروا أن يَخْتَلِفوا. خامِسًا) يُسَمِّي الله هذا الخِلاف تَمَرُّدًا ويُعْلِن الدَّيْنونة. سادِسًا) يَتوب الشَّعْب عند سَماع الدَّيْنونة ويَقولون: "حَسَنًا، لقد غَيَّرْنا رَأيَنا؛ سَنَفْعَل ما تَقول". سابِعًا) يَقول الله: "لا، لقد انْقَضى الوَقْت وعَرْضي مُلْغى. حُكْمي قائم والباب مُغْلَق أمامَكم للدُّخول.

هل يُمْكِنُك أن ترى ما الهَدَف الذي أسْعى إليه هنا؟ ثَبِّتوا هذا المَبْدأ الإلَهي في أذْهانِكم وقُلوبِكم لأن حَياتَنا تَعْتَمد عليه: ليس من المُمْكِن دائمًا تَعويض فُرْصة ضاعَت بِسَبب ضُعْف الإيمان. نحن المَسيحيّين نُحِبّ أن نقول "حَسَناً، إذا أغْلَق الله باباً فسَيَفْتَح نافِذة". بينما يبدو ذلك لَطيفًا بالتأكيد، أقول: ليس بالضَّرورة. إن فَلْسَفَة إغلاق الباب وفَتْح النَّافِذة هي ما كان بنو إسرائيل يَعْتَمِدون عليه فقال الرَّب: "لا". يأتي وَقْتٌ في حياة غير المؤمِن يُلغى فيه عَرْض الخَلاص. لا أعْرِف متى يكون ذلك بالضَّبْط؛ بالتَّأكيد عند المَوت، ولكن في أي مَرْحَلةٍ قبل المَوت لا أحَدَ يَعْرِف.

لكن بالنِّسْبة للمؤمِن يُمْكِننا أن نَجْلُس على الهامِش لِفَتْرة طويلة، ونَتْبَع طُرُقنا الخاصَّة لِفَتْرة طويلة، حتى عندما تَتَّضِح لنا عواقِب تَمَرُّدنا أخيرًا نُقَرِّر العَوْدة ومُحاوَلة تَعويض تلك الأشياء التي يُسَبِّب لنا نَقْص إيماننا في رَفْضِها. وفي كثير من الأحْيان تَضيع تلك الفُرَص المُحَدَّدة بِشَكْلٍ دائم ولا يُمْكِن اسْتِعادتها أبدًا (على الأقل ليس من قِبَلنا). ربما كُتِبَت على مَرّ القُرون آلآف القَصائد والمَراثي التي تَصِف كيف أن الماضي لا يُمْكِن اسْتِعادَته. أنا لا أقول أن الله لن يَعْتَرِف بِتَوْبَتنا ويَسْمَح لنا بالفَرَح وربما حَسَب وَقْتِهِ هو تُعْطى فُرْصَة أُخرى لِخِدْمته. لكن مَن مِنّا بَلَغ سِنًّا مُتَقَدِّمة لا يَنْظُر إلى الوراء إلى الفُرْصَة الضّائعة ويَحْزَن عليها بِدَرَجة أو بِأُخْرى. ونحن نَحْزَن عليها ليس بالضَّرورة لأن حياتنا قد دُمِّرت أو لأنَّها بلا أمَل (لأنها ليست كذلك)، ولكن لأن الكثير من الألم والمُعاناة غير الضَّرورية (غالبًا ما تَشْمُل أطرافًا بريئة) كانت نَتيجة لذلك أو رُبَّما نرى نِعْمة عَظيمة رَفَضْناها واسْتَغَلَّها الآخَرون. كان يُمْكِن لِحَياتنا أن تكون مُثْمِرة أكثر بكثير لِمَلَكوت الله لو أننا فقط وَثَقْنا وأَطَعْنا.

كان من المُمْكِن أن يَنْعَم بنو إسرائيل بِراحة الله في أرْض الله في غُضون أشْهُر قليلة بعد الخُروج من مصر؛ وبَدَلاً من ذلك، وبِسَبَب قِلَّة الإيمان لن يُسمَح بهذه الرّاحة إلا لِذُرِيَّة أولئك الذين خَرَجوا من مصر، ولن يُغَيِّر أي قَدَر من التَّوبة هذا الواقِع، ولا حتى بالنِّسْبة لِموسى نَفْسه.

لِنَنْتَقِل إلى الإصحاح الثاني.

اقرأ الإصحاح الثاني من سِفر التثنية بأكْمَله

إن نتائج تَمَرُّد الجيل الأوَّل هي مَوضوع الكَلِمات الأولى من الأصحاح الثاني. لقد طُلِب منهم حَرْفيًّا أن يَسيروا في الاتِّجاه المُعاكِس لأرض الميعاد؛ لقد اتَّجَهوا جَنوبًا، نحو خليج العَقَبة. لا بُدّ أنها كانت رِحْلة كئيبة؛ هُزِموا هزيمةً نَكْراء على يد الأَمورِيّين، وحُكِم عليهم بالمَوت لكل من بَلَغ العشرين من عُمْرِه أو أكثر، ونَزِلوا الآن للعَيْش في صَحراء موحِشة لِفَتْرة غير مُحَدَّدة من الزَّمَن.

الإصحاح الثاني هو على عَكْس الإصحاح الأوَّل. لقد تَمرَّد الجيل الأوَّل ولكن الجيل الثاني الآن أصْبَح مُطيعًا. أُرْسِلَ الجيل الأوَّل إلى الجنوب ولكن الجيل الثاني الآن مأمورٌ بالسَّيْر إلى الشِّمال. كان من المُقَرَّر أن يَدْخُل الجيل الأوَّل أرض الميعاد من الجنوب الغَربي، لكن الجيل الثاني الآن سَيَدْخُل أرض الميعاد من الجنوب الشَّرقي. قيل للجيل الأوَّل أنهم قد مَكَثوا في جَبَل حوريب بما فيه الكِفاية، ولكن الآن قيل للجيل الثاني أنَّهم كانوا يَتَجَنَّبون أرض الميعاد بما فيه الكِفاية. عَرِف الجيل الأوَّل أنهم سَيَموتون في الصَّحراء، لكن الجيل الثاني عَرِف الآن أنهم سيَعيشون في أرض الله المُخَصَّصة لهم.

بعد ذلك نَحْصل على سِلْسِلَة من التَّعليمات حول أشْخاص مُعَيَّنين يُريد الرَّب من بني إسرائيل أن يَتَجَنَّبوهم. لا يَتَعلَّق هذا التَّجَنُّب بالخَوف داخل بني إسرائيل ولا بالقَلَق من أن يُهزَموا: بل إن الأمْر يَتَعلَّق بأن الأراضي التي يَسْكُنها هؤلاء الناس لم تَكُن جزءًا من أرض الميعاد، وأن أُصول الأشخاص المَعْنِيّين (على الأقل الأشخاص الّذين كانوا يَشْغُلون كل مِنْطَقة حاليًا) كانت مُرْتَبِطة بإبراهيم بطريقة ما. كما ذَكَرْتُ في دَرْسنا الأخير لم تَكُن هذه الحرب المُقَدَّسة القادِمة تَهْدُف إلى غزو العالَم أو الى الحُصول على أكبر قَدَر مُمْكِن من الثَّرْوة والكُنوز، ولم تكن مُحاولة لِفَرْض عِبادة يَهْوَهْ (الاهْتِداء) على مُخْتَلف السُّكان. لم يَكُن هذا سِوى الاسْتيلاء على قِطْعةٍ مُحَدَّدةٍ من الأرض التي أعْلَنَ الرَّب أنها له (وليس لبني إسرائيل)؛ لم يَكُن هذا لِيَكون إنشاء إمْبراطوريّة عِبْرانيّة.

الأُمَّة الأولى التي يَجِب أن يَتَجَنَّب بنو إسرائيل الصِّراع مَعَها هي أُمَّة أدوم. أدوم هو إسْم آخر لِعيسو، الأخ التَّوْأم لِيَعقوب. لذلك كانت هناك قَرابة وَثيقة جدًا بين عيسو وإسرائيل (إسرائيل كان مُجَرَّد اسم بديل ليعقوب). الآن الأمْر من الرَّب لبني إسرائيل هو أن "احْذَروا" من "سعير" (وهو إسْم آخَر لأُمَّةِ أَدُوم)؛ "احْذَروا" لا تَعني الحَذَر أو الخَوف. يوضِح الرَّب أن بني أدوم سيَكونون قَلِقين وخائفين جدًا من بني إسرائيل. ما لا يُقال كان مَفْهومًا جيدًا في العُصور القديمة؛ أنه عندما يَقْتَرِب منك شعب تَخافه كثيرًا، تَخْرُج في مَعْركةٍ لِتُحاوِل أن تَضْربه لتُظْهِر أنه رُبَّما يكون من الأفْضَل عَقْد مُعاهَدة (مُعاهَدة تَسْمَح للمَلِك الحالي بالبقاء في مَنْصِبه) بدلاً من مُحاوَلة احْتِلاله مُباشَرَةً. الفِكْرة هي أنه كان على موسى وقادة بني إسرائيل أن يَفْعَلوا كل ما في وِسْعِهم ليُوضِحوا لأدوم أنهم لا يَنْوون لا الاسْتيلاء على أراضيهم، ولا حتى أَخْذ الطعام أو الماء منهم. لذلك تَفادى بنو إسرائيل أرْض أَدُوم واسْتَمَرّوا باتِّجاه الشَّمال نحو العَرَبة التي كانت في مِنْطَقة موآب.

كان للموآبيّين أيضًا صِلَة قَرابة مع بني إسرائيل (وإن لم تَكُن وثيقة كما كانت تَرْبُطهم بنَسْل عيسو). كان الموآبيون من نَسْل لوط، الذي كان ابن أخ إبراهيم. ومن أجل البَطرِيَرْك إبراهيم الذي كان يُحِبّ لوطًا، خَصَّص الرَّب أرضًا لنَسْل لوط، ويوضِح يَهْوَهْ أن هذه الأرض ليست لبني إسرائيل. لذلك عليهم أن يَتَجَنَّبوا الصِّراع مع موآب.

ابتداءً من الآية العاشِرة، نَحْصل على بعض الحواشي المُثيرة للإهْتِمام التي تَسْتَحِق قَضاء بُضْع لَحَظات لِفَحْصها. يُقال لنا أن شَعْباً يُدعى العَميم كانوا يَسْكُنون موآب سابِقاً، وهؤلاء العَميم يُحسَبون على أنهم رُفائيّون. أحيانًا نَنْسى أنه بعد بُضْعة قُرون من حادِثة برج بابل مع نَمْرود (التي وَقَعَت بعد الطّوفان العظيم بحوالي ثلاثمئة سنة)، كان العالَم مأهولًا بالسُّكان بما فيه الكفاية بحيث إذا هاجَرَت مَجْموعة من الناس إلى أرض جديدة، فمن المُحْتَمَل أنهم إما أن يكونوا قد أَخَذوا تلك الأرض من أصْحابِها السَّابِقين، أو أنهم اسْتَقَرّوا هناك وَرُبَّما كَثُرَت أعْدادهم حتى سَيْطَروا في النِّهاية على تلك المِنْطَقة.

عندما انْتَقَل نَسْل لوط إلى مِنْطَقة موآب (وآخرون من نَسْله إلى منطقة عمون)، كانت هذه الأراضي مُحْتَلَّة بالفِعل. لم يَنتَقِلوا غير مُكْتَشَفين أو إلى مَناطق غير مأهولة بالسُّكان تمامًا. كان الناس الذين عاشوا في موآب، في البِداية، هم العَميم وفي وقت لاحِق فقط أصبح نَسْل لوط الشَّعْب الحاكِم في تلك المِنْطَقة.

الآن هذه ليست المَرَّة الأولى التي نُصادِف فيها مُصْطَلَح "رُفائيّون". وهنا قيل لنا أن الأميم كانوا يُحسَبون على أنهم رُفائيّون. حسنًا، الرُفائيّون هم نَسْخة ما بعد الطّوفان من النَّفيليم، وهم جِنْس من العَمالِقة الأشْرار الذين كانوا مَوْجودين قبل الطّوفان العَظيم. هناك القليل في الكِتاب المُقَدَّس عن ماهيَّة هؤلاء النَّفيليم، حيث أن الآيات غامِضة بعض الشَّيء. يرى البعض أن النَّفيليم هم اخْتِلاط سُلالة شيث مع سُلالة قابيل (شيث هو سُلالة الخَيْر من آدم وحَواء، وقابيل هو سُلالة الشَّر من آدم وحواء). ويقول آخرون إن النَّفيليم كانوا نَتاج الملائكة السَّاقِطين الذين مارَسوا الجِنْس مع نساء البَشَر؛ والأبناء الذين كانوا نتاج هذا الاخْتِلاط غير المَشْروع كانوا رِجالاً أقْوِياء وشَرِسين وضَخْمين وأشْرار بِشَكْلٍ غير عادي.

هؤلاء الرِّجال، هؤلاء النَّفيليم، تَزَوَّجوا من نِساء أُخْرَيات، وعلى مدى فَترات طويلة من الزَّمَن انْتَشَرَت هَيْمَنَتهم. أما كيف اسْتَطاع وُجودهم تَخَطّي الطّوفان، فهو لِغْز آخر. وبِعِبارة أخرى، إذا كانت البَشَرية كلّها باسْتِثْناء عائلة نوح قد أُبيدَت في الطّوفان، فكيف ظَهَر الرُفائيّون مَرَّة أخرى بعد الطّوفان؟ هل تَكاثَرَ المَلائكة السّاقِطون مَرَّة أخرى في نَسْل نوح؟ إحدى سِلْسِلَة الأفكار هو أنَّ ذِكرى النَّفيليم تَسَبَّبَت في تَسْمِيَة أي شخص طويل القامة بِشَكْلٍ غير عادي بإسْم نفيليم (وفي النِّهاية تَطَوَّر الإسْم إلى رُفائيّين). لِذا فالأمْر لا يَخْتَلِف عن رؤيتنا اليوم للاعِب كُرَة سَلَّة طولُه سبعة أقدام ونُطْلِق عليه إسْم "عِمْلاق". نحن لا نَعني حقًّا "عِمْلاقًا"، كما في الأساطير؛ نحن نَعْني فقط أنَّهم في الحُدود الخارجية للطّول البَشَري.

لكن ما يَزيد من غُموض الرفائيّون هو السِّجِلاّت المِصْريّة التي تَعود إلى عَصْر موسى تقريبًا والتي تُشير إلى العُثور على حُجْرات دَفْن تَحتوي على رُفات بَشَريَّة لرِجال يزيد طولُهم عن تِسع أقدام. لم يكن لدى المصريّين أسطورة ”العِمْلاق“ التي نَعْرفها، لذا من الصَّعب إسناد الأساطير إلى سِجِلّاتهم عن هذا الأمْر. علاوة على ذلك، حيثُما وَجَدوا هذه البقايا كانت في مَمْلَكَة عوج السّابقة التي يُقال إنها من الرفائيّون. ليس لديّ إجابة على كل هذا، لكنَّه أمْرٌ مُدْهِش، أليس كذلك؟ ولا يُمكِن اعْتِبارها بِسهولة على أنها خُرافة.

ثم تَشْرَح الآية الثانية عشرة أن المِنْطَقة التي احْتَلَّها أدوم (التي تٌسَمّى هنا سعير) ونَسْله كان يُسْكُنها في السّابق شعب يُدعى الحوريّون، ولكن في مَرْحلةٍ ما قام نَسْل عيسو بِنَزْع مُلْكِيَّتهم. ودَعونا لا نَغْفَل أن السَّبب الذي جَعَل نَسْل عيسو قادِرين على نَزْع مُلْكِيَّة الحوريّين هو أن الرَّب أعْطى تلك الأرض لِعيسو كميراث! إذًا هناك في الواقع سابِقة لتَخْصيص يَهْوَهْ الأرض لأُمَم من الناس (غير العِبْرانيّين)، وليس فقط لبني إسرائيل، وإصْرار الرَّب على أنه بِسَبب تَخْصيصه الإلهي للأرض لأناس مُعَيَّنين كان يجب أن تَظَلّ كذلك. دَعونا نَدْفُن ذلك في بُنوك ذاكِرَتنا ونحن نَمضي قُدُمًا ونُدرِك أن الرَّب هو رَب الجميع، وليس فقط رَب بني إسرائيل.

تؤكِّد الآية الرابعة عشرة أن مُدَّة التَّمَرُّد الكبير لقِيادة بني إسرائيل (حادِثة الجَواسيس الاثني عشر) حتى الوقت الذي عَبَرَ فيه بنو إسرائيل الحُدود لِدُخول موآب كانت ثمانية وثلاثين سنة. وخلال هذه السّنوات الثمانية وثلاثين هذه انْقَرَض الجيل الأوَّل من الخُروج (الذي كان شَرْطًا أساسيًّا لدُخول أبنائهم أرض الميعاد).

بعد المُرور عبر موآب، سيُواجِه بنو إسرائيل بعد ذلك عَمّون. وتُعطى نفس التَّعْليمات فيما يَتَعلَّق بِعَمّون كما هو الحال بالنِّسْبة لموآب وأدوم؛ لا تُضايِقوهم لأن عَمون تُمَثِّل نَسْل إبراهيم عن طريق لوط. ويُقال لنا أنه يَعيش بين العَمونيّين بعض من الرفائيّون (بعض من هؤلاء العمالِقة الأشْرار)، وأنا مُتأكِّد من أن مَعْرِفة ذلك سَهَّلَت على بني إسرائيل أن يَتَجَنَّبوا القِتال مع هؤلاء الناس.

تُخْبرُنا الآية عشرين أن الشَّعْب الذي شرَّدَه العَمّونيّون كان يُسَمّى الزَّمْزَمِيُّون. هذه الكَلِمة مُثيرة للإهْتِمام: في تَرْجَمَةٍ ديناميكيّة تعني: "الشَّعْب الذي يبدو كلامه مثل الطَّنين (طَنين النحل)". هذا مُخيف جدًا في الظّاهِر، لكنه يَعني فقط أن طريقة كلامهم (بالنِّسْبة للأُذُن العِبريّة) كانت غَريبة ولا بُدّ أنها كانت أصْواتًا عالية النَّبْرَة.

ثم هناك هذا الشَّعْب المذكور الذي يُدعى "الآفيم"، وهو شعب احتلَّ في البداية مِنْطَقة نُسمّيها حاليًا غَزّة (وهي منطقة سيَحْتَلُّها الفِلَسْطينيّون في النِّهاية).

بعد كل هذه الأنْساب والتاريخ (وهو ما أَجِدْه مُدْهِشاً)، يُعطى الأمْر لبني إسرائيل بقَوْلِه ُخْرُجوا"! لتبْدأ الحرب المُقَدَّسة للإسْتيلاء على كنعان. الكَلِمات الأولى من الآية أربعة وعشرين هي في الأساس صَرْخة حرب: "انْهَضوا!" أو قوموا!‘. وبعد بُضْع كَلِمات تقول: "ابدأوا الاحْتِلال". لقد قَرأنا حتى الآن في سِفر التثنية عن مُخْتَلَف الأشخاص الذين لا ينبغي على بني إسرائيل أن يُحارِبوهم؛ والآن لدينا قائمة بالأشخاص الذين سَيُحارِبونهم، وبالطَّبْع تبدأ بالأَمورِيّين. لماذا أقول "بالطَّبْع"؟ لأن الإصحاح الثاني هو على عَكس الإصحاح الأوَّل؛ ويَنْتَهي الإصحاح الأوَّل بشعب إسرائيل الذي بدأ حَرْباً مُقَدَّسة غير مُصَرَّح بها (حرب غير مُقَدَّسة إذا صَحَّ التَّعبير) مع هؤلاء الأَمورِيّين وهُزِموا هزيمة ساحِقة. الآن في الإصحاح الثاني، الدَّعْوة لِمُهاجمة الأَمورِيّين في حرب مُقَدَّسة حَقيقيّة، وبالتالي فإن النَّصر ليس فقط مؤكَّدًا، إنَّما من وجْهة نَظَرْ روحِيَّة فإن الحرب قد انْتَهَت منذ زَمَن طويل.

سنُنْهي الإصحاح الثاني الأسبوع القادِم.