سِفْر التثنية
الدرس واحد وعشرون – تكْمِلة الإصحاح السادس عشَر
لقد انتهَينا الأسبوعَ الماضي بمناقَشَة بعضِ التَفاصيل الرائعة عن عيد الفِصح وعيد الفَطير واسمُهما بالعِبرية باساخ وماتزا. سنُكمل ذلك اليوم ولن ننتَهي من سِفْر التثنية السادس عشَر بالكامِل حتّى المرَّة القادِمة. هناك سَبَبان يَجعلانِنا نستعرِض بعِناية القوانين المُتعلِّقة بهذه الأعياد التوراتية؛ أولاً، لأنّ الطَريقة التي يَحتفِل بها بعض اليهود والمَسيحيين اليوم بهذه الأعياد المقدَّسة ليست بالضَرورة دَقيقة من الناحية الكِتابية، وثانيًا لأنها كانت سِلسلة الأعياد التي احتَفَل فيها يسوع المسيح بالعَشاء الأخير مع تلاميذهِ، ثم تَعرَّض للخيانة وقُبِض عليه، وحوكِم وأُعدِم، ودُفِن وقام من بين الأموات. كان هذا هو ذُروة ما جاء يسوع من أجلِه في المَقام الأول، وسيَظلُّ الجزء الأهم من خدمتِه الأرضيَّة حتّى يأتي مرَّةً أخرى للمرحلة التالية في عمليَّة فِداء الله.
لقد أخبرتكُم في المرَّة السابقة أنني أريدكُم أن تفكِّروا فيما مرَرْنا به في مناقشة عيد الفِصح، على الأقل جُزئيًا لأنه قد يَتحدّى ما كنتُم تَعتقدون أنكم تعرِفونه فيما يتعلَّق بتلك الأيام المقدَّسة. إنّ ما سنُناقِشُهُ الآن هو أمْر تِقَني إلى حدٍ ما لذا حافِظوا على تركيزِكم.
أريد أيضًا أن أقول مُقدَّمًا أنه بينما لا يمكنني (ولا يمكِن لأي شخص آخر) أن أكون مُتأكدًا بنِسبة مئة بالمئة من الجَدْوَل الزَمني الذي سأقدِّمه لكُم، إلا أنه يتناسب مع الفَهْم الكتابي والتقليدي لعَصْر يسوع. لذلك بينما أنا على استعداد تامّ للدِفاع عنه، افهمَوا أنني لا أقول إنه من المُستحيل أن يكون هناك سيناريو آخر مَعقول. ومع ذلك، ما لمْ نَطرَح تمامًا عبارة ”ثلاث ليالٍ في القَبْر“، فإنّ من غير مُمكِن أن يكون يسوع صُلِب في اليوم السادِس من الأسبوع (الجُمعة في المُصطلحات الحديثة). بغضِّ النَظَر عن كيفية تَقطيع ليلة الجُمعة بالإضافة إلى ليلة السَبت، مع التأكيد الكِتابي المُطلَق الذي لدينا عن اكتشاف الجَسد المَفقود في اليوم الأول من الأسبوع (صباح الأحد) لا يَصِل العَدَد إلى ثلاث ليالٍ.
هناك سيناريو آخر لاحتمالٍ طَفيف، وهو أنّ كل ما أضَعُه لكم اليوم يَتراجَع ببساطة بمِقدار يَوم واحِد؛ ولكنني لا أقْبَل ذلك لأنّ هذا الاحتمال لا يَحْدُث إلا إذا كانت بروتوكولات أسبوع الفِصح قد تَمَّت وِفقاً للتقاليد التي تَبنّاها الفِرّيسيّين. إذا كانت الأمور قد تَمَّت وِفقًا للتقاليد الصارِمة للفرِيّسييّن في تلك الحَقَبة، فيَتَعيَّن على الجَدْوَل الزَمني الخاصّ بي أن يَرجِع يومًا واحدًا إلى الوراء. ولكن هذا مُستبعَد جداً (وأنا أقول إنه أقْرَب ما يَكون إلى المُستحيل) لأن الصِدِّيقِين كانوا يُسَيْطرون على الكَهْنوت في أيّام يسوع، وكانوا يَتبَعون أمْر لاويين ثلاثة وعشرين بأن تكون الثِمار الأولى في اليوم الأول بعد سَبْت اليوم السابع. سأوضِح لكم لاحقًا سبَب أهميَّة ذلك.
دعونا نراجِع بإيجاز قَبْل أن نبدأ ببعض المَواد الجديدة حتّى نَبدأ جَميعًا من نَفْس المُنطلَق.
هناك سِلسلة من ثلاثة أعياد تَوراتية في فَصْل الرَبيع تبدأ في الشهر الأول من السَنة الدينية اليهودية، شَهر أفيف. أفيف هو الاسم العِبري الأصْلي لهذا الشَهر الذي بدأ يُطلَق عليه أيضًا بعد السَبي البابِلي اسم نيسان. بينما يُقال إنّ الأعياد التوراتية تَدور حول فِكرة زراعية، إلا أنّ الحقيقة هي أنّ عيدا الفِصح والفَطير لا يَتعلَّقان بالزراعة أو إنتاج الطَعام. عيد الفِصح هو إحياء لذِكرى اليوم الذي ضَرَب فيه الرَب مصر بقَتْل جميع الأبكار (أي الأبناء البِكر) لإجبار فَرعون على تَحرير إسرائيل من قبضتِه. أمَرَ يَهوَهْ بأن يتجنَّب هذا الموت كلّ من يُريد أن يثِق به بِذَبْح خروف بِكر ثمّ رَشّ دمِه على أعمِدة أبواب البيوت. لقد أشَرتُ إلى عدَّة عناصر في هذه العَملية التي لا نأخُذها عادةً في الاعتبِار، ولكن العُنصر الذي أوَدّ أن تَضعوه في الاعتبار اليوم هو أنّ الشَعب الوحيد في مِصر الذي كان مُعرَّضًا لخَطَر الموت هو البِكر.
الخُبز الفَطير ماتزا هو العيد الثاني من مَجموعة أعياد الرَبيع الثلاثة، وهو يُحيي ذِكرى اليوم الذي بدأت فيه إسرائيل بالفِعل مَسيرتها للخروج من مصر. في حين أّن عيد الفِصح هو حدَثْ مُدَّتُه يومٌ واحد، فإنّ عيد ماتزا هو حدَث مدَّتُه سبعة أيام يبدأ في اليوم التالي لعيد الفِصح مباشرةً.
تمّ هذا الحَدَث في مصر فجأة وكان على بَني إسرائيل أن يُغادروا على الفور، ولم يكُن هناك وقت للعِبرانيين لإعداد طعامِهم الرئيسي، الخُبْز، بالطريقة العادية (بإضافة الخَميرة وتَركِه يرتفع ثم خَبْزِه) كان على اليهود إعداد نوع من الخُبز لا يَستخدِم الخميرة. هذا الخُبز، الماتزا، لم يكن يُخبَز حتى، بل كان يَتِمّ تَحضيره عن طريق وَضعِه على صَينية لطَهْيِه في الهواء الطَلِق على غِرار الطريقة التي نَطهو بها الفَطائر.
العيد الأخير من مَجموعة الأعياد الثلاثة يُسمّى عيد بكوريم أو عيد الثمار الأولى. يحدُث هذا في اليوم التالي مُباشرةً لليوم الأول من عيد ماتزا. لذلك يبدأ كلُّ عيد بالتناوُب في اليوم الرابِع عشَر والخامس عَشر والسادس عَشر من أفيف. اليوم الأخير من العيد هو اليوم الحادي والعِشرين من أفيف. سنتحدَّث أكثر عن عيد البواكير (الثمار الأولى) بعدَ قليل.
يهدُف الجزء الأول من الإصحاح السادس عشَر من سِفْر التثنية في الحقيقة إلى مُناقشة أعياد الحج الثلاثَة؛ أي تلك الأعياد الثلاثة الخاصَّة من بين الأعياد التوراتية السَبعة التي يُطلَب فيها من جميع الذكور العبرانيين أن يَذهبوا إلى خَيمة الاجتماع (الهَيكل فيما بعد) ويُقدِّموا ذبيحة. إذَن هذه المَجموعة من أعياد الرَبيع الثلاثة التي كنت أُعَلِّمُك عنها ليست هي نفسَها أعياد الحَج الثلاثة. ومع ذلك فإنّ عيدًا واحدًا من أعياد الرَبيع الثلاثة هو عيد حَج: عيد الفَطير. وبسبب الطَريقة التي تحدُث بها أعياد الرَبيع الثلاثة (في تعاقُب فَوْري)، كان الحُجّاج اليَهود حاضرينْ في الحَرَم المركزي في أعياد الرَبيع الثلاثة كلِّها.
ميزَةً أخرى مُهمّة للأعياد هي أنّ الله أضاف إليها بَعض أيام السَبت الخاصة. هناك نوعان من السُبوت التوراتية: سَبت اليوم السابع الأسبوعي المُعتاد الذي نعرِفُه جميعًا، والسَبت الاحتفِالي (أو ”العالي“ أو ”العظيم“) الذي كان جِزءًا من الأعياد التوراتية. في سِلسلة أعياد الرَبيع الثلاثة، كان اليوم الأول من عيد ماتزا الذي استَمرَّ سبعة أيام هو أحد تلك السُبوت الخاصة المُضافَة، وكذلك اليوم الأخير من أيام ماتزا السَبعة.
إذًا لنَكون واضِحين: لدينا عيد الفِصح في الرابِع عشر من أفيف، واليوم التالي هو اليوم الأول من عيد ماتزا (مما يَعني أنه سبت وَعِيد خاص)، ثمّ اليوم التالي بعد ذلك هو عيد الثِمار الأولى. اسمَحوا لي أن أتوقَّف وأُشير إلى شيء مُهِمّ للغاية هنا: في حين أنّ التقويم العِبري الحديث سيُظهِر بالفِعل أنّ اليوم السادس عشَر من أفيف هو أوَّل أيام عيد الثمار الأولى، إلا أنه ليسَ مُمارسَة توراتية ولم يكُن التقليد المُمارَس عندما كان الهيكل لا يزال قائمًا. في الواقِع، في حين أنّ التوراة تُحدِّد بالفِعل يوم الرابع عشر كعيد الفِصح واليوم الخامس عشَر كأول يوم من عيد الفَطير، فإنّ التوراة لا تُحدِّد اليوم السادس عشر على أنّه عيد الثِمار الأولى. إليكُم ما يَرِد عن تاريخ البواكير في لاويين الإصحاح ثلاثة وعشرين الآية العاشرة من ترجَمة الكتاب المقدَّس المُنقَّحة، "قُلْ لِشَعْبِ إِسْرَائِيلَ: إِذَا دَخَلْتُ الأَرْضَ الَّتِي أُعْطِيكُ وَحَصَدْتُ حَصَادَهَا، تَأْتي بِبَكْرِ حَصَادِكُ إِلَى الْكَاهِنِ، حادي عشر فَيُلَوِّحُ بِالْحَصِيدِ أَمَامَ الرَب لِكَيْ تَجِدُوا قَبُولاً، وَفِي الْغَدِ بَعْدَ السَّبْتِ يُلَوِّحُ بِهِ الْكَاهِنُ.
فَحَسَبَ التَّوْرَاةِ كَانَ عِيدُ الفِصح فِي يَوْمِ أَفِيف الرابع عشر…..دَائِمًا: وَكَانَ عِيدُ الفِصح فِي يَوْمِ أَفِيف الخامس عشر…..دَائِمًا، ثُمَّ كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُدُوءٌ إِلَى أَنْ يَأْتِيَ السَّبْتُ السَّابِعُ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ التَّالِي كَانَ يُعَيِّدُ الفِصح. كانت هذه هي الطريقة التي كان الصِدّوقيون يمارسونها. وبما أن هذا الاحتفال كان يجب أن يَتِمّ في الهَيْكل ويقوم به الكهنة، لم يكن الموعد يَهمّ الفريسيين أو الجليليين أو أي شخص آخر فيما يتعلّق بكيفية وترتيب أداء هذا الطقس، لأن الصِدوقيين كانوا يسيطرون على الكهنوت وكل ما يجري في الهيكل.
دعونا نتفحَّص الأحداث الكُبرى التي أحاطَت بمَوت المَسيح وكيف كان يمكن أن تتُمّ وِفق جدول زَمَني. انظروا إلى هذا المُخطَّط الذي أعدَدْته لكُم. يوجَد في الأعلى رَسْم توضيحي لكَيفية تَعريف اليوم العِبري الذي مُدَّتُه أربعة وعشرون ساعة. لاحِظ أنّ اليوم التوراتي يبدأ ويَنتهي عند غروب الشَمس.
يومُنا الحديث الذي يَستخدِم الساعات الميكانيكية كوَسيلة لقياس الوَقْت يَجعَل الساعة الثانية عشرة مُنتصَف الليل عندما يَنتهي يوم ويبدأ يوم جَديد ولا يَختلِف الأمْر أبدًا.
لقد اختَرتُ اعتِباطاً وَقْت السابعة مساءً كلَحْظةِ ظلام عندما يَنتهي اليوم الذي مَضى ويبدأ اليوم الجَديد لأنه في فَصْل الرَبيع، في إسرائيل، يكون ذلك وَقْت غروب الشمس تقريباً. لاحِظوا الشريط الداكِن الذي يُشير إلى أنّ الوَقْت هو وَقْت الليل، ثم الجزء الرَمادي للإشارة إلى الشَفَق، ثم الجُزء الأبيض الذي يُمثِّل ساعات النَهار. وبالطبع سنواجِه بعد ذلك اللون الرَمادي مرَّة أخرى مع اقتِراب المساء، ثم أخيرًا الظَلام. من الصَعب جدًا بالنسبة لنا نحن المُعاصرين أن نَستوعِب هذه الطريقة القديمة في قِياس الوقْت والأيام، لأن الوجبَة الأولى في اليوم الجديد بالنسبة لأي عِبراني (أو أي شخص آخر حَسَب ما تُشير إليه السِجلاّت المُكتشَفة) كانت وجبَة المَساء أو وجبَة العَشاء. لذا كانت الوجبَة الأولى في كلّ يوم جديد بالنسبة للعبراني هي وجبَة العشاء، وكانت وجبَة الإفطار هي الوجبَة الوسطى في اليوم وما نُسمّيه وجبَة الغداء هي الوجبَة الأخيرة في الدَورة اليَومية الحالية. إليك ما أعتقِدُ أنه الجَدْوَل الزمني الصَحيح لعَشاء يسوع الأخير واعتقالِه وصلْبهِ ودفنِه وقيامتِه؛ دعونا نراجِعُه.
يوم ثلاثة عشَرة من أفيف (هذا غير موجود في المُخطَّط) هو اليوم السابِق لعيد الفِصح (باساخ)، والذي كان في السَنَة التي مات فيها يَسوع يَوْم أربعاء. كان يوم الأربعاء الثالِث عشر هو اليَوم الذي أعَدَّ فيه التلاميذ الوَجْبَة الخاصة التي تُسمّيها المسيحية العشاء الأخير. كما قلتُ لكم في المرَّة السابقة، نَجِد في مسالِك المشنا بيساهيم أنّ الجليليين تَبنّوا تقليدًا يُسمّى بالعبرية ” سيودا مافهسيهيت “ أي ”العشاء الأخير“. اسمَحوا لي أن أذكِّركُم أنه في أيّام يسوع، كانت السِياسة قد قَسَّمَت الأراضي المقدَّسة (من قِبل روما) إلى عدَّة مَناطق. تلك التي نَعرِفُها جميعًا هي اليَهودية (يهوذا) في الجنوب حيث كانت تَقَع أورشليم، والجليل في الشِمال، والسامِرة التي كانت تقَع بين المِنطقتين الأخرتين. وعلاوةً على ذلك، كانت قد انقسَمت انقسامًا شديدًا، وكان كلٌّ من يهود اليَهودية ويهود الجليل ويهود السامِرة قد طوَّروا بعض التَقاليد المُختلفة في عدَد من الأمور الدينية بما في ذلك كيفية الاحتِفال بالأعياد. أنشأ اليهود الجليليون (كان يسوع وتلاميذه من الجَليليين) احتفالاً إضافيًا يُسمّى ”سيودا مابهسيهيت“ (العَشاء الأخير) لم يَعترِف به يهود اليهودية. كان هذا العشاء الأخير يتعلَّق بتَذَكُّر أنه لم يكُن كل العبرانيين في الواقِع في خَطَر الموت على يَدْ الله في مصر، بل فقط الأبناء الأبكار. لذلك اعتُمِدت وجبَةً ليليّة خاصة يتم بموجبِها تَناوُل هذه الوجبَة ويلي ذلك صَوم لمدَّة أربعة وعشرين ساعة (ومن هنا جاءت تَسمية ”العشاء الأخير“). بعد العَشاء الأخير ثمّ الصَوم، كانت الوجبَة التالية التي ستؤكَل هي وجْبَة الفِصح.
هناك عدَد من المَقالات والكُتُب التي توضِح أنه كان هناك عشاءان لعَشاء الفِصح: واحد عشيَّة عيد الفِصح، عيد الفِصح الثالث عشر (اليوم السابق لعيد الفِصح) وعشاء ليلة الفِصح الرَسمي في عيد الفِصح الرابع عشر. لكن هذه ليست دِراسة جيدة جدًا ويُخطأ فَهمُها بشكلٍ كبير. إنّ ما يُسمّى بِعِيدَي الفِصح المزعومَين كانا في الواقع مَزيجًا من العشاء الأخير (الذي يَحتفِل به اليهود الجليليون فقط، مع احتمال احتفاِل اليهود السامرييّن بِه أيضًا)، ثمّ في الليلة التالية يأتي عشاء الفِصح الفِعلي. ولكن هذه الدراسة الفَقيرة نفسُها تَحجُب أيضًا ما حدَث مع يَسوع وتلاميذه في تلك الأيام القليلة المَصيرية وهي تتجاهَل أنّ يَهود اليهودية، وبالتالي الكهنوت المُتمركِز في أورشليم، لم يُشاركوا في عشاء الفِصح الإضافي ذاك.
إذًا في اليوم الثالث عشر من أفيف (الأربعاء حسب تقويمنا) تمّ إعداد عيد الفِصح؛ ومع ذلك، لم يَتمّ الاجتماع حول المائدة في الثالث عشر من أفيف. بل كان يَتِمُّ بعد غروب الشمس (بعد نهِاية اليوم الثالث عشر من أفيف). أي أنّ الوجبَة كانت تؤكَل كأوَّل وجبَة في يوم الخَميس الرابع عشر من أفيب (تذكَّروا أنّ بداية اليوم الجَديد تَكون بعد غروب الشمس مُباشرةً). إذًا هذه الوجبَة الخاصة بتكريم البِكر (التي تُدعى العشاء الأخير) كانت تؤكَل في الواقِع في عيد الفِصح، ولكن كوجبَة بداية يوم الخميس الرابِع عشر من أفيف يوم الفِصح. هل أنتُم معي حتّى الآن؟ حسناً، اتْبَعوني الآن عن كثَب.
الوجبَة التي تُدعى ”العشاء الأخير“ تؤكَل في الساعة الأولى من عيد الفِصح، الرابِع عشر من أفيف. هنا في هذه الوجبَة يَأمُر يسوع تلاميذَه بإحياء ذِكرى هذا اليوم بِشُرْب الخَمْر الذي يرمز إلى دمِه الذي يؤسِّس العهد الجديد، وبأكْلِ الفَطير الذي يرمز إلى جسدِه الذي نتَّحِد به. ملاحظة: لم يكُن هذا الفِصح التقليدي؛ كان ذلك في وقت لاحِق لأنّ تلك الوجبَة لا تؤكَل حتّى نهاية يوم الفِصح باساخ.
لذلك في بداية يوم الرابع عشر، يَوم الخميس (أي لَيلاً)، يوم الفِصح، يؤكَل ”العشاء الأخير“ الجَليلي الذي يُحيي ذِكرى الأبكار. الحدَث التالي هو خيانة يَهوذا ليسوع والقَبْض على ربِّنا بعد مُنتصَف الليل بقليل. كان لا يزال يوم عيد الفِصح. في السَاعات الأولى قَبل طلوع ضَوء النهار، يُحاكَم ويُدان بالتَجديف. وكان لا يزال يوم الفِصح.
بعد تأكيد الحُكم عليه من قِبل بيلاطس البُنْطي يُجلَد يسوع ويُسمَّر على صَليب روماني من قِبل الجنود الرومان. كان ذلك يوم عيد الفِصح، الخميس الرابع عشر من أفيف.
في اللحظة التي يَموت فيها يسوع (حوالى الساعة الثالثة بعد الظِهر في يوم الفِصح) يبدأ ذَبْح خِراف الفِصح في أراضي الهيكل. يَتِمُّ ذَبْح حوالى رِبع مليون خروف وجَمْع دمائها بين السَاعة الثالثة بعد الظِهر والسادسة مساءً، وتَنتَهي المُهمَّة مع اقتراب الشمس إلى الأفُق. كان لا يزال يوم عيد الفِصح.
وبينما يحدُث هذا تُسرِع النساء ليَحمِلْن الجنود الرومان على إنزال جثَّة يسوع عن الصليب؛ كان شَرْطاً أن يدفُنوه فوراً وإلا فإنه سيَبقى مَكشوفاً لمدَّة يومَين على الأقل. لماذا يومان؟ سأريك بعدَ قليل. استُجيبتْ صلواتُهُنّ ودُفِن يسوع قَبل غروب الشمس. كان لا يزال يوم عيد الفِصح.
تُوضَع الخراف المَذبوحة في آلاف الأفران الجَماعية المَوجودة في جميع أنحاء أورَشليم حتّى يَتمكَّن مئات الآلاف من الحُجّاج الزائرين من شِواء خِراف الفِصح. ذلك أيضًا في عيد الفِصح. بعد فترة وَجيزة من ظُهور النُجوم الثلاثة التي تُصبِح مرئية فقط عندما يَحُلّ الظلام، يَنتهي عيد الفِصح رسميًا ويبدأ اليوم الأول من عيد الفِصح. هنا يَنتهي عيد الفِصح الرابع عشر ويأتي عيد الفِصح الخامِس عشر، يوم الجمعة، اليوم الأول من الفَطير.
ما رأيكُم، أين ذهبَتْ وجبَة الفِصح؟ أليس من المُفترَض أن يأكلوها في يوم الفِصح؟ لا! يُثير دَهشة الكثير من الناس أنّ الأَمْر التوراتي يقول أنّ وجبَة الفِصح يجب أن تؤكَل بعد حلول الظَلام. هذا يعني أنّ اليوم قد تَغيَّر. كلّ ما في الأمْر أنّ خروف الفِصح يجب أن يُذبَح ويُحضَّر في يوم الفِصح، ولكن ليس هذا هو الوقت الذي يؤكَل فيه فِعليًا. وهكذا تَغيَّر اليوم الرابع عشر من أفيف إلى اليوم الخامس عشر أفيف وهو اليوم الأول من عيد الفَطير. هذا صحيح: وَجْبَة الفِصح لا تؤكَل في يوم عيد الفِصح، بل هي الوَجْبَة الأولى من اليوم الجديد في عيد الفَطير. لماذا؟ لأن هذا بالضَبط ما كان يحدُث في مصر. كانوا لا يزالون يأكُلون وَجْبَة الفِصح في مُنتصَف ليلة الخامس عشر من أفيف عندما قَتَل يَهوَه جميع الأبكار غَير المَحميَّة في جميع أنحاء مصر.
لقد شرحتُ لكُم في الأسبوع الماضي أنّ جيروم في القرْن الخامس الميلادي هو الذي تَرجَم الكَلِمة العِبرية زيفا بشاخ وجعَلَها ”مرور الفِصح“؛ ولكن هذا غَير صحيح ومُضلِّل. لذلك نحصُل على هذه الصورة الذِهنية (مع ملايين العِظات التي تدعمُها) أنّه في عيد الفِصح ”مَرَّ“ الرَب على الأبكار العبرانيين فقَتَل الأبكار المَصريين فقط. صحيحٌ أنّ الرَب مَرَّ على الأبكار الذين أطاعوا الأمْر بأن يَصبُغوا دَم الحَمَل على عمود بابِهم، ولكن المُشكلة هي أنّ زيفا بشاخ لا تَعني ”مَرَّ“ بل تَعني ”الذبيحة الحامِيَة“.
ما حدَثَ في اليوم الرابع عشر أفيف في مصر هو أنّ خَروف الفِصح ذُبِح وطُلِي دمُه على أبواب البُيوت. كان ذلك هو اليوم الذي تَمَّت فيه ”الذبيحة الحامية“ للحَمَل، كما أمَرَ الله. ولكن، بعد حلول الظَلام (عندما تحوَّل اليوم إلى الخامس عشر من أفيف، اليَوم الأول من عيد الفِصح) في وَقت مُتأخِّر من الليل (حوالى مُنتَصَف الليل)، مَرَّ الرَب عبر مصر وقَتَل جميع الأبكار الذين لم تَحْمِهِم ذبيحة الحَمَل. إذن، حَدَث عيد الفِصح، وهو الذبيحة الواقية للحِملان فقط، في اليوم الرابِع عشر من أفيف ، لكن الرَب لم يمُرَّ على الأبكار العبرانيين المَحميّين حتّى الساعات الأولى من اليَوم التالي، الخامِس عشر من أفيف.
ثمّ في وقتٍ لاحِق بعد تناوُل الطعام، جاء النَهار (في نفسِ اليوم) اجتَمع العبرانيون معًا ليقودَهم موسى وهم يغادِرون مصر. إنّه اليَوم الذي خرَجوا فيه من مصر (وهو نفْس اليوم الذي أكلوا فيه الخروف قَبْل ساعات من ذلك اليوم كأوَّل وَجْبَة في اليوم) الذي يُحتفَل به كأوَّل يوم من عيد الفَطير.
والآن ما الذي تَعلَّمناه سابقًا والذي كان مُميَّزًا ومُختلِفًا عن اليوم الأول من عيد الفَطير؟ كان يوم سَبت العيد. كان يوم الجُمعة الخامس عشر من أفيف يوم سبت، يوم سبت احتِفالي خاص. كان له نَفْس مُتطلِّبات سَبت اليوم السابع مِثل التعامُل مع جثَّة إنسان الذي كان مَحظورًا في أي نوع من أيام السبت. لهذا السَبب نقرأ في الأناجيل أنه كان هناك سَعي لدفْنِ المسيح قَبل حلول الظلام، عندما تَغيَّرَ اليوم من يوم الفِصح (يوم عادي) إلى اليوم الأول من عيد الفِصح، الذي كان يوم سَبت عيد.
كان اليَوم الخامس عشر من أفيف يومًا هادئًا؛ فقد كان يوم الجُمعة، وهو يوم سبث العيد لبِدء عيد ماتزا. يَنتهي اليوم عِند غروب الشمس، ويأتي يوم السبت، يوم السادِس عشر من أفيف؛ هذا هو سَبت اليوم السابِع الأسبوعي المُعتاد. لقد ذَكَرْتُ سابقًا أنه بينما كان يُحتفَل بعيد الفِصح منذ عِدَّة قرون مَضَت في يوم السادس عشر من أفيف (كتقليد دائم)، إلا أنّ الحاخامات (الذين كانوا من الفِريسيين) هم الذين أمَروا منذ زَمن بَعيد بإتمامِه بهذه الطريقة، على عكْس الطريقة التي كان يتمُّ بها في أيام يسوع. وقد حَدَث هذا التغيير بَعد تَدمير الهيكل في عام سبعين بَعد الميلاد عندما أصبَح الكهنوت مُنتهيًا. تذكَّروا أنّ الصِدّيقين كانوا رؤساء الكهنة والمَسؤولين عن الكهنوت، لذا فبنِهاية الهيكل كان ذلك يَعني نهاية الكهنوت وبالتالي فَقَد الصديقون الكثير من سيطرتِهِم على أمور الطقوس والتقاليد. ونتيجةً لذلك تَمكَّن الفِرّيسيون من التصرُّف على طريقتِهم وأمَروا أنه بدلاً من أن يَتغيَّر عيد الفِصح في الرُزنامة، وأصبَح بعدَها السادس عشر من أفيف دائمًا هو اليوم السادس عشر الذي سيُحتفَل فيه بعيد الفِصح.
اسمَحوا لي أن أقول مرّة أخرى: في أيام يسوع كان عيد الثِمار الأولى هو اليوم الذي يَلي سَبت اليوم السابع بغضِّ النَظَر عن تاريخ التقويم. لذلك في عَصْر يسوع كان عيد الثِمار الأولى دائمًا في اليوم الأول من الأسبوع (الأحَد في مُصطلحاتِنا الحديثة).
لاحِظوا أنه بحَسَب هذا الجَدْوَل الزمني كان يسوع (بالفِعل) في القَبْر لمدَّة ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ تمامًا كما أوضَحت نبوءة يونان في بَطْن الحوت العظيم. نرى هنا أنّ هذا ليسَ واضِحًا على الإطلاق، وأنه إذا لم يكُن الباحث دارسًا للتوراة ولدرجَة ما للتقليد اليَهودي، فلا يُمكِن أن يفهَم كيف كان أسبوع الآلام الذي مات فيه يَسوع. بَعد كل شيء؛ إنّ العَهد الجديد الذي كتَبَه اليهود الذين افترَضوا أنّ أي شخص يَقرأ هذه الوثائق سيَكون على دِراية بالعادات اليَهودية وفروقِها الدقيقة والظروف السِياسية في ذلك اليوم. لكن الآن أريد أن أنتقِل للحديث عن عيد الأسابيع، شافوعوت.
افتَحوا كتبَكُم المقدَّسة ودعونا نُعيد قراءة القليل من سِفْر التثنية السادس عشر.
أعيدوا قراءة سِفْر التثنية الإصحاح السادس عشر من الآية التاسعة إلى الثانية عشرة
يأتي عيد شافوعوت بعد سَبعة أسابيع (ومن هنا جاءت تسميتُه عيد الأسابيع) من يوم القَطْع الأول الاحتفالي للحَصاد الذي يأتي في وقْتٍ ما خلال عيد الرَبيع العام لعيد الفِصح/ ماتزا/ عيد الثمار الأولى.
لا تُعطي التعليمات الأصلية يومًا مُحدَّدًا؛ هناك بعض المَجال للمُناورة لأنه من غير المَعروف من سَنَةٍ إلى أخرى متَى سيَحدُث اليوم الأول من حصاد الشعير بالفِعل. لذلك من الناحية الفنيَّة، ومن الناحية الكتابية، يمكن أن تتحرَّك فترة الخَمسين يومًا حوالى أسبوع واحد. اسمَحوا لي أن أكرِّر من الأسبوع الماضي أنه على الرُغم من أنّ يوم السادس عشر من أفيف يُسمَّى أولى الثِمار ويَتِمّ التلويح خلاله بأوَّل حَزمة من الشَعير، إلاّ أنّ أولى الثمار لا تُمثِّل بداية الحصاد، بل يَتِمّ قَطْع حزْمة من الشعير الأخضَر (غير الناضِج) وتقديمها ليُلوِّح بها الكهنة في الهَيكل.
الثِمار الأولى (بيكوريم) هو احتفال ما قَبْل الحصاد، ويُطلَب من الرَب خلالِه أن يَجعل الحصاد جيّدًا.
بما أننا تعلَّمْنا أنّ عيد الثمار الأولى يتَنَقَّل في التقويم من سَنة إلى أخرى، كذلك عيد شافوعوت الصَيفي لأنه يَعتمِد على موعِد حلول بيكوريم. من الناحية الفَنيّة يَحسِب المَرء خمسين يومًا من اليوم التالي لليوم السابع من يوم السبت الذي يَحدُث في اليَوم السابِق لعيد بيكوريم وهذا يخبرُنا بموعد عيد شافوعوت. بعد تدمير الهيكل واستيلاء الحاخامات على حُكْم اليهودية، قرَّروا أنه من الأفضَل لجَميع المَعنييّن (خاصةً أولئك البَعيدين المقيمين) أن يَكون هناك أيام ثابتة في التَقويم للاحتفال بعيد بيكوريم ثمّ عيد الشافوعوت، وهكذا هو الحال حتّى يومِنا هذا.
حقيقةٌ توراتيَّةٌ أخرى هي ما يلي: عيد شافوعوت هو عيد حَج آخر. إنه العيد الثاني من الأعياد السَنَوية الثلاثة التي تتطَلَّب من جميع الذكور العبرانيين أن يُسافروا إلى الحَرَم المَركَزي (كان الحَرَم منذ أيام داوود يَقَع في أورشليم) لتقديم ذبيحة. نظَرًا لتَشتُّت العبرانيين على آلاف الأميال المُربَّعة من الأرض المقدَّسة، وبعدَ ذلك على ملايين الأميال المُربَّعة من آسيا ثمّ الإمبراطورية الرومانية، كان من المُستحيل اختيار وقت مُتغيِّر ليوم عيد الشفوعوت. واعتِمادًا على المَكان حيث كان يَعيش العبراني، كان النُموّ والنُضج والحَصاد يَحْدُث في أوقات مُتفاوتة على نِطاق واسِع. لذلك كان من الضَروري (من وجهة نظرهم) أن يتم تَحديد يوم ثابت باعتبارِه اليوم الخَمسين من أوَّل جَمْع لحِزَم الشعير التي يتمّ التلويح بها. لذلك بدأ العَدّ التنازُلي لعيد الشافوعوت كلّ عام في يوم بيكوريم وهو أوَّل يوم من حَصاد الشعير؛ لم يكُن ذلك وِفْق الكتاب المقدَّس، ولكنَّه تَقليد حاخامي، وهو حَلّ عَمَلي لمُشكِلة صَعبة.
أمّا المَسيحيون فيَعرفون شافوعوت باسم عيد العَنْصَرة؛ وعيد العَنْصَرة ما هو إلا التَرجمة اليونانية لكَلِمة شافوعوت. يُعرَف عيد العَنْصَرة لدى الكنيسة بأنه اليَوم الذي حَلَّ فيه روح الرَب القُدوس على أولئك الذين وثِقوا بيسوع كمَسيح. إنه اليوم الذي بدأ فيه كلّ هؤلاء اليهود يتكلَّمون بألسِنة (لغات أجنبية). لقد قُلْت هذا في عدَد من المُناسبات، ولكن بصِفَتي مُعلِّمًا أعتقد أنني سأحصُل على تَصريح لتَكرار كلامي: لم يكُن يوم العَنصرة يوم ابتكَرَه المَسيحيون لإحياء ذِكرى مَجيء الروح القدُس. لقد كان عيد العَنْصَرة يومًا مُقدَّسا منذ ألف وثلائمة سنة في زَمن يسوع ونحن نقرأ عنه هنا في سِفْر التثنية الإصحاح السادس عشَر من الآية تسعة إلى اثني عشرة.
كان عيد العَنْصَرة (شافوعوت) إنذارًا نَبويًا بمَجيء الروح القدُس. وبطبيعة الحال، بما أنّ كلّ النبوءات دقيقة وخالية من العُيوب بنِسبة مئة بالمئة، فهذا ما حدَث بالضَبط؛ لقد جاء الروح القدُس بالفِعل في يوم عيد شافوعوت الصَيفي.
في حين أنّ نزول الروح القُدُس هو السَبب المسيحي لهذا اليَوم، إلا أنّ الشَعب اليهودي يراه مُناسَبة أخرى. في الواقَع بالنسبة لليَهودي له غرَض مُزدوِج؛ الأول هو أنه من وِجهَة نَظَر زراعية فإنّ فترة الشهرَين تقريبًا من وقت عيد الثِمار الأولى حتّى وَقْت عيد الشفوعوت تُغطّي فترة حصاد مَحصولَي الشعير والقَمح معًا. لذلك بينما يُشير عيد الثِمار الأولى إلى أنّ حصاد الشَعير سيبدأ في غضون ساعات أو أيّام قليلة، فإنّ عيد الأسابيع يُشير إلى نهاية حَصاد القمْح أي أنّ حصاد الشَعير يبدأ في وقت قريب من وَقت عيد بيكوريم ويَنتهي بعدَ شَهر تقريبًا. في اللحظة المُناسبة خلال النصف الثاني من فترة السَبعة أسابيع تلك يَبدأ حصاد القمح، ثم في شافوعوت (نهاية فترَة السبعة أسابيع) يَنتهي حصاد القمْح.
المَعنى الثاني لعيد شافوعوت عند العبرانيين هو الاحتِفال به على أنّه الوقت الذي تَلقّى فيه موسى الشريعة على جَبل سيناء. تُظهِر لنا الكتُب المقدَّسة أنّ موسى تَلقّى الناموس من الله بعد حوالى خَمسين يومًا من هروب إسرائيل من مِصر (ومع ذلك، فإنّ الكتاب المقدَّس لا يؤكِّد لنا هذا الوقت بالتَحديد، بل هو تَقليد).
أظنُّ أنّ هذا التقليد دَقيق لأنه لاحَظَ العلاقة المدهشة بين تَلقّي موسى لناموس الله المَكتوب على ألواح حَجَرية ومَجيء الروح القدُس. لقد جاء في نبوءة إرميا أنه سيأتي يومٌ يكتُب الله شرائعه على قلوب الذين يُحبّونَه. يؤكِّد العهد الجديد أنه في اليَوْم الذي جاء فيه الروح القدُس (عيد العَنْصرة) كتب الله شرائعه على قلوبِنا.
وبالمُناسبة (ما دُمْت أُكرِّر نَفْسي) اسمَحوا لي أن أقول إنّ الله قال لموسى عندما أعطاه الناموس في سيناء أنّ الشَعب كان عليه أن يَكتُب الناموس على قَلبِه، وهذا يتمّ عن طريق التَفكير في هذه الشرائع ليلاً ونهارًا. ثمّ يَقول الرَب في إرميا أنه عندما يُجدِّد إعطاء الناموس، هذه المرَّة سيَكتُب هذه الشرائع في قلوب شعبِه. في كِلَتا الحالتَين كان الناموس سيُكتَب على قَلْب الإنسان؛ كلّ ما في الأمر أنه في الحالة الأولى كان على الفَرْد أن يَفعَل ذلك بنفسِه، وفي الحالة الثانية كان الله سيَفعَل ذلك بشكلٍ خارِقٍ للطبيعة. اسمَحوا لي أيضًا أن أغتنِم هذه المُناسبة لأذكُر أنه في الكتاب المقدَّس والعَهدَين القديم والجديد لم تكُن كَلِمة قلْب تَعني ما نُفكِّر فيه اليوم. كان القَلْب هو مَقَرّ الفِكر الواعي في زَمن الكتاب المقدَّس؛ كان القلْب هو العَقل البشري، عقولنا؛ لاحقًا، بعد فترة طويلة من إغلاق الكتاب المقدَّس، جَعَلت الثقافة اليونانية القلب مَقَرًا للرَغبات والعواطِف الشَهوانية البشرية. لذلك عندما يقول الكتاب المقدَّس ”القلْب“، استبدِلها بكَلِمة ”العَقْل“ لأن هذا ما كان يَعنيه الكتاب المقدَّس آنذاك، ويجب أن يَعنيه لنا الآن.
ما يُكشَف أيضًا عن عيد شافوعوت (العَنْصَرة) هو طبيعتُه الشامِلة الفريدة من نوعِها، إذ يُقال لإسرائيل أنْ تَشمَل الذكور والإناث والعَبيد والأحرار واللاويين والأيتام والأرامِل وحتّى الغُرَباء أي الغَير والغَير هُم غير العبرانيين (الوثنيين) الذين قرَّروا الارتِباط بإسرائيل ولكنَّهم غَير مَختونين، أي أنه لا يتوجَّب على هؤلاء الذين يَحتفلون بعيد الشافوعوت أن يُصبحوا عبرانيين رَسميًا عن طريق البريت ميلاه، أي الخِتان.
أليسَت هذه مُوازاة مُثيرة للاهتمام لحالة العَهد الجديد حيثُ الذين يَرغَبون في دعوة يَسوع ربِّهِم يُمكِن أن يكونوا عبرانيين أو غَير عبرانيين، ولكن يجِب أن يَرتبِطوا بإسرائيل (كما يقول بولُس ”أن يُطعّموا“؛ ومع ذلك فإنّ هذا الارتباط لا يَعني أن يَحتاجوا إلى حَفل خِتان يجعلُهم (نحن المؤمنين) عبرانيين جَسديين رَسميًا. يمكننا أن نَبقى أُمَميين، ومع ذلك نَبقى جزءًا من إسرائيل على المُستوى الروحي، تمامًا كما هو السيناريو في التوراة.
دعونا ننتقِل الآن إلى شَرْح موسى عن اللوائح المُتعلِّقة بعيد المظال، سوكوت، لذا دعونا نُعيد قراءة بعض الآيات الأخرى من سِفْر التثنية الإصحاح السادس عشر.
إعادة قراءة سِفْر التثنية الإصحاح السادس عشر الآية الثالثة عشرة إلى السابعة عشرة
يُعرَف كلّ عيد من الأعياد بمجموعة من الأسماء الشائعة، ولا يَختلِف عيد سوكوت عن غيرِه. يُسمّى سوكوت (بالعِبرية) أيضًا عيد الأكشاك أو عيد المَظال. يَعكِس كل عيد من الأعياد السبعة أيضًا نغمَة مُعيَّنة تتراوَح بين الكآبة والرَصانة وصولاً إلى الفرَح غير المَحدود. كمِثال على ذلك: يَعكِس عيد البيكوريم بعض القَلَق والترقُّب؛ بَعْض الشكّ بنتيجَة حَصاد العام الحالي. لذلك فإنّ التَركيز في عيد البيكوريم هو التَلويح بحَزْمة من الحُبوب الخَضراء (التي لم تنضج بعد) أمام الله طالِبين منه أن يأتيَ بِحصاد جيِّد. يَعكُس عيد الأسابيع، شافوعوت، نَبْرة من الراحة والارتياح. لقد انتهى مَوْسَم حَصاد الشعير والقمْح والنتائج (نأمَل أن تكون جيّدة). هنا تَهدأ الوتيرة المَحمومة للعَمَل الميداني لجَلْب الحصاد قَبل أن يفسُد في الحَقل لبعض الوقت.
أمّا عيد سوكوت فهو فرْحة لا حُدود لها! في الواقِع هناك اسم آخر لهذا العيد هو ”وقت ابتهاجِنا“. فلنكتشِف السَبب.
هذا العيد في موسِم الخَريف هو العيد الثالث والأخير من أعياد الحَج الثلاثة؛ فقد كان لدينا عيد ماتزا في الرَبيع، وعيد شافوعوت في الصَيف، والآن عيد المظال في الخَريف حيثُ يجب على جَميع الذكور العبرانيين أن يقوموا برِحلة إلى الحَرَم المركزي للتَسبيح وعِبادة يَهوَه التي تتضمَّن بالضرورة التَضحية. وكما يبدأ عيد ماتزا في تاريخٍ تَقويمي مُنتظِم وثابِت، كذلك يبدأ عيد سوكوت. وكما أنّ عيد ماتزا هو عيد مدَّتُه سبعة أيام، كذلك الأمْر بالنسبة لعيد سوكوت. وكما أنّ اليوم الأول والأخير من عيد ماتزا يُعلَنان كعيدان سَبتيَّان، كذلك يُعلَن اليوم الأول والأخير من عيد سوكوت كعيدان سَبتيّان.
يبدأ عيد المظال كل عام في الخامِس عشر تشرين الأول. تيشري هو الشَهر السابِع من السَنة الدينية العِبرية. لكن تيشري هو أيضًا الشهر الأول من السنة التقويمية المَدَنية العِبرية.
لذلك فإنّ اليَوم الأول من تيشري هو رأس السَنَة العِبرية.
يَحتفِل هذا اليوم المُقدَّس القائم على الزِراعة بنهاية دَرْس الحبوب. إنه يُمثِّل الوقت الذي يَنتهي فيه فَصْل القمح عن القِشر. كما أنه يُصادِف الوقت الذي يكتمِل فيه حصاد الكَرْم وتَنتهي صناعة النبيذ ويُصبِح النبيذ الجديد جاهزًا.
وكما هو الحال في عيد المظالّ، فإنّ المَدعوّين للمُشاركة فيه والاستِفادة منه همُ العبرانيين وغير العبرانيين من جميع طَبقات الشَعب الذين ارتبَطوا بعَلاقة إسرائيل مع يَهوَه.
دعوني أختُم هذا القِسم من سِفْر التثنية السادس عشَر عن أعياد الحَج الثلاثة بأن أُوضِح لكم سريعًا الأعياد المَذكورة وخدَمات يسوع النَبوية التي كانت تُمثِّلُها.
كان عيد الفِصح يُمثِّل موت يسوع البَديل، ودمُه الذي يَحمي كل من يؤمِن بما فَعلَه من الموت الأبدي على يَد الآب. لقد سَفَك دمَه في يوم الفِصح.
عيد الفَطير هو ذلك الوقت الذي دَخَل فيه المسيح إلى القَبْر، بدون خَطيّة (بدون خمير) ولم يتحلَّل جسدُه. إنه اليوم الذي أدّى فيه موتُه ودَفْنُه القُرباني إلى تَحرير جميع أتباعِه من قُوَّة الشَر والخَطيَّة. وُضِع المسيح في القَبر ليَبدأ اليوم الأول من عيد الفِصح.
يُمثِّل عيد بيكوريم ذلك اليوم الذي رُفِعت فيه باكورة ما سيُحصَد في المُستقبل القريب ولُوِّح بها أمام الآب. إنه ذلك اليوم الذي كان فيه المسيح هو الحَزْمة الخضراء من الشَعير التي قُطِعت من الحَقل، كان هو الأمَل والمُبشِّر بحَصاد وفير للمؤمنين. ومع ذلك، لم يكُن هو أوَّل الحصاد الفِعلي؛ كان الحصاد لمْ يأتِ بعد. قام المَسيح في عيد الثِمار الأولى.
يجِب أن يُصيبنا هذا جميعًا بالقشَعريرة. التسلسُل الكامل لموتِه ودفنِه وقيامتِه حَدَث بالضبط في أيام الأعياد الكِتابية المُناسِبة. ولكن هذا ليس كل شيء. بعد خمسين يومًا في شافوعوت (عيد العَنصرة) أرسل الرَب روحَه القدوس ليَسكُن في البشر. حَصَد الرَب مؤمنيه. لقد كانوا له، وقد حَفِظَهُم، حيث لا يُمكِن لأحد أو أي شَيء أن يأخذَهُم بالقوة، نحن، بعيدًا عنه. ولكن هناك المزيد من الحصاد القادِم.
تُمثِّل الأعياد المقدَّسة السامية لعيد الأبواق ويوم كيبور (التي ناقشناها في دُروس أخرى) المَجيء الثاني للمَسيح يَسوع وهذه المرَّة بقوّةٍ ومَجْد عظيمَين، جاعِلًا العالم على ركبتَيه، ومُزيلاً الشَر ومُضعِفًا المتمرِّدين.
عيد المَظال (أو الأنسَب كما هو مَعروف أيضًا، عيد التَجميع) هو الدخول في عَهد المسيح الألف: الألفيّة. لن أخوضَ في كلّ التَفاصيل اليوم ولكن اسمَحوا لي فقط أن أشير إلى أوجُه التشابُه المُذْهِل بين النُقطة المِحورية والخِتام العظيم لعيد المَظال: احتفال تقديم القُربان المائي على مَذبح القرابين المحروقة. كان الهَدَف الدُنْيَوي لهذا الحَدَث هو الطلب من الله أن يُنزِل المَطر على الأرض لسَقي المحاصيل. في اللحظات الأخيرة من العيد التوراتي الأخير من كلِّ عام، يَتمحور الحدَث الخِتامي حول النَفْخ في الأبواق السبعة ثلاث مرّات بمَجموع واحد وعشرين نفخَة في البوق، حيث يتم إحضار إبريق ماء ذَهَبي من نَبْع سلوام بواسِطة رئيس الكهنة من خلال بوابَّة المياه في جَبَل الهيكل.
ثم تُسكَب المِياه من ذلك الإبريق الذهَبي بينما يقول شَعْب أورشليم في انسِجام تامّ: ”يا رَبّ خَلِّصْنا الآن!“ تُمثِّل نَفخات البوق الـواحدة والعشرين ثلاث سِلسلات من سَبع أحكام نهائية ستَنزِل على العالَم في ساعات الإنسان الأخيرة. بعدَ هذه الأحكام الـواحِدة والعشرين، يَنتهي الأمر. يَنتهي تاريخ الإنسان كما نَعرفُه. يُصبِح يسوع هاماشيّا مُسَيطِراً بالكاِمل على العالَم الذي لا يوجد فيه ولا أي مُتمرِّد؛ لا يوجد شخص واحد على قيد الحياة لا يَعرِف الرَب ويَسْجُد له. وهكذا سيَبقى الأمر لألْف سنة.
بل أكثَر من ذلك، سيَستمِرّ إحياء ذِكرى هذا اليوم إلى الأبد. لأنه قيل لنا في زَكَرِيّا أنّ عيد السوكوت سيُقام في كلِّ عام إلى ما لا نِهاية في كلّ عام، بما في ذلك الحَدَث الذي سيبلُغ ذُروتَه: حَفْل إراقة الماء. عن تَرجمة الكتاب المقدَّس المنقّحة، زكَريّا الإصحاح الرابع عشر الآية السادسة عشرة، فَيَصْعَدُ كُلُّ مَنْ بَقِيَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ الَّتِي جَاءَتْ عَلَى أُورَشَلِيمَ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ لِيَعْبُدُ الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ وَيَحْفَظُ عِيدَ الْأكشاك. سبعة عشرة وَإِنْ لَمْ يَصْعَدْ أَحَدٌ مِنْ عَشَائِرِ الأَرْضِ إِلَى أُورَشَلِيمَ لِيَعْبُدُوا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ لاَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مَطَرٌ.
في الأسبوع القادِم سنُنهي الإصحاح السادس عَشَر.