9th of Tevet, 5785 | ט׳ בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفر التثنية الدرس الخامس والثلاثين – الإصْحاحان خمسة وعشرين وستة وعشرين
سِفر التثنية الدرس الخامس والثلاثين – الإصْحاحان خمسة وعشرين وستة وعشرين

سِفر التثنية الدرس الخامس والثلاثين – الإصْحاحان خمسة وعشرين وستة وعشرين

Download Transcript


سِفر التثنية

الدرس الخامس والثلاثين – الإصْحاحان خمسة وعشرين وستة وعشرين

أنْهَينا في الأسبوع الماضي مُناقَشَتُنا للإصحاح الخامس والعشرين من سِفر التثنية بِبَعض القوانين التي تدور حول مَبْدأ الله في العَدل الأساسي بين الزَّوْجَيْن. وقد وَرَدت هذه القوانين في سِياق زوجة تَدَخَّلت في شجار كان زوجها يَخوضه مع رَجُل آخر، ولكي تُساعِده على الفَوْز أمْسَكَت بأعضاء خَصِم زَوْجها التَّناسُلِيَّة. وقد تطَوَر ذلك إلى قانون حول عدم وجود مَجْموعَتَيْن مُخْتَلِفَتَيْن من المكاييل والمقاييس، تُسْتخدمان بِقَصْد واضِح لِغشّ الناس.

يلي هذين القانونين مُباشَرةً القانون الذي سنبدأ مُناقَشَتَه اليوم: شريعة سِفْر التثنية خمسة وعشرين على سبعة عشرة. تُخْبِر هذه الشَّريعة بني إسرائيل أن يتذكَّروا دائمًا أن عَدُوّهم اللَّدود هم العماليق وأنه عندما يَحين الوقت المُناسب يَجِب على بني إسرائيل أن يُبيدوا تلك الأُمَّة الشِرّيرة.

دعونا نعيد قراءة الجزء الصغير من سِفر التثنية خمسة وعشرين الذي يتحدث عن هذا التحذير.

أعد قراءة سِفر التثنية خمسة وعشرين على سبعة عشرة حتى النهاية

من هم العماليق الّذين يريد يَهْوَهْ أن لا ينْساهم بني إسرائيل أبدًا وأن يُبيدهم في النِّهاية؟ حَسَنًا، لولا أن الرَّب اختار أن يَضَعهم في المُقَدَّمة والوَسَط كعدو نَموذجي لبني إسرائيل، لكانوا في الواقِع شَعْبًا غير مَلحوظ لا يُعرَف عنه إلا القليل. يُخْبِرنا سِفر التكوين أن شخص عماليق كان حَفيدًا لعيسو (عيسو هو الأخ التَّوْأم للبطريَرْك يعقوب)، الذي أنْجَبَه إليفاز ابن عيسو. لذلك كان عماليق قريبًا لبني إسرائيل وكان سامِيًا، ولكن لأنه لم يَكُن عِبْرانيًّا فهذا يعني تِلْقائيًا أن عماليق (والعماليقيِّين) كانوا من الأُمَمِيّين. ومع ذلك فالشَّعْب الذي أنْجَبه عماليق ونَما إلى أُمَّة كانت شِرِّيرة بِشَكْلٍ خاص في نَظَر الله. وإن كنتُ أزْعَم في الحقيقة أنَّهم يُقدَّمون في الكِتاب المُقَدَّس كَنَموذج، كَنَمَط، ورُبَّما حتى كَمِثال لِعَدو بني إسرائيل.

لاحِظوا في هذه الآيات أن الله يقول أن على بني إسرائيل ألّا يَنْسوا أبدًا ما فَعَلَه عماليق بهم؛ فقد هاجَم عماليق بني إسرائيل بَيْنما كانوا يُكافِحون للهُروب من قَبْضة فِرعَوْن ويَرحلون إلى أرض الميعاد. لا يبدو أن عماليق لم يَكُن لديهم أي سَبَب مَنْطِقي لِكَراهية بني إسرائيل ومُهاجمتهم، لأن بني إسرائيل لم يَفعلوا لهم شيئًا مُسَجَّلًا في الكِتاب المُقَدَّس أو أي رِواية تاريخيَّة أخرى مَعْروفة. لقد كَرِههم عماليق (على حدِّ عِلْمنا) لمُجَرَّد وُجودِهم. لقد تصرَّفوا كَجُبَناء وبِلا شَرَف حيث كانت طَريقَتهم هي الهجوم في مؤَخَّرة طابور بني إسرائيل الذي يَبْلغ طولُه أميال، حيث كان الضُّعَفاء وكِبار السِّن يُصارِعون من أجل اللَّحاق بهم.

وبِعِبارة أخرى، كان ما فَعَلوه غير عادِل من الأساس؛ وكما تَذْكرون، كان العَدْل الأساسي هو موضوع الآيات القليلة السّابقة من هذا الإصْحاح.

سيَمْضي وقت طويل قبل أن يُوَجِّه الله بني إسرائيل أخيرًا لإبادة أُمَّةِ عماليق. لقد كان المَلِك شاوول، بعد حوالي مئتين وخمسين سنة أو نَحْو ذلك بعد زَمَن موسى، هو الذي تلقَّى الأَمْر المُباشَر من الله لمُهاجَمة عماليق وبدْء عَمَلِيَّة تَخْليصهم من العالَم.

دَعونا نأخُذ الوقت الكافي لقِراءة قصة المَلِك شاوول ومَعْركته مع عماليق لأنها تَرْبُط بين بعض المبادئ الهامَّة التي ناقَشْناها في الماضي.

اقرأ واحد صموئيل خمسة عشر بأكْمَلِه

باخْتِصار، يأمُر الله المَلِك شاوول بِقَتْل كل شخص وكل من له علاقة بِعماليق. يَسْتَدْعي شاوول على الفَور عِدَّة آلاف من القُوّات، ويَنْصُبون كَمينًا ويَنْجَحون إلى حَدٍّ كبير في جُهودهم.

ولكن قبل أن يُهاجِموا بني إسرائيل، يَعْقُدون اتِّفاقًا مع بعض الأشخاص الّذين يُعرَفون بإسم الكينِييِّن ويُحَذِّرونهم بِمُغادرة المنطقة وإلّا سيُصْبِحون أضْرارًا جانِبيَّة. وكما جَرَت العادة في مَعارك هذه الحَقَبة، أسَرَ شاوول مَلِك عماليق، أجاج، ونَجا شاوول من المَوْت. وأخَذَ بنو إسرائيل الحيوانات السَّليمة التي كانت مِلْكًا للعماليق كغنائم حَرْب. أغْضَبَ هذا العمل الله إلى دَرَجَة أنه أعْلَن صراحةً مدى نَدَمه على تَنْصيب شاوول مَلِكا على بني إسرائيل.

تَدخَّل النَّبي والقاضي السّابق صموئيل (شَموئيل بالعبرية) وأخبر شاوول أنه عصى الله وسيَدْفَع الآن ثَمَن فِقْدانه شَرْعِيَّة عَرْشه بسَبَب ذلك. ردّ شاوول بأن صموئيل كان مُخْطِئًا، وأنه فَعَل ما طَلَبه منه يَهْوَهْ (إبادة العماليق)، ولكنه في النِّهاية اعْتَرَف بأنه أخْطأ في حَق الله (رغم أن الأَمْر في ذِهْنه كان في رأيِه أمرًا تِقَنِيًّا أكثر من كَوْنه شيئًا مُهِمًّا).

يأمر صموئيل بإحْضار المَلِك أجاج إليه، وعندئذٍ يَعْدُم أجاج ويُقَطِّعه إرْبًا إرْبًا. ستكون هذه هي المَرَّة الأخيرة التي يرى فيها صموئيل شاوول، الرجل الذي كان قد مَسَحَه بالزيت شَخْصِيًّا في وقت سابِق ليكون أوَّل مَلِك لبني إسرائيل.

في الآية الثالثة والعشرين من هذا الإصْحاح يُقارِن الرَّب خطيئة المَلِك شاوول بِخَطايا الشَّعْوَذة وعِبادة الأوثان ويقول أنه بِسَبَب فِعْل شاوول لهذا الشَّر، فإن الله الآن يَرْفُض شاوول. مِنَ المُهِمّ أن نتذكَّر أنه من بين الخطايا والجرائم القليلة التي تَسْتَدْعي تِلْقائيًا حِكْم المَوْت (أي أنه لا توجد وسيلة للتَّكْفير عنها في شريعة موسى) اثْنَتان من تلك الخطايا هما السِّحْر وعِبادة الأوثان. لقد انْتَهى الله من المَلِك شاوول وسَيَفْصل نَفْسه عنه الآن؛ وهذا هو حِكْم المَوْت النِّهائي.

إلَيْكم الأَمْر: ما الذي فَعَله شاوول بالضَّبْط وكان فظيعًا جدًا حتى يَسْتَحِق هذا الحِكْم القاسي؟ إنَّ سَبَب قَسْوة يَهْوَهْ في الأساس يَكْمُن في الإجابة على هذا السّؤال: من هو الذي أمَر بالحَرْب ضدّ عماليق؟ الجواب: يَهْوَهْ. لذلك فإن هذا يُشَكِّل حَرْبًا مُقَدَّسةً رَسْمِيَّة أمَر بها الله. وَحْده الإله يَسْتطيع أن يأمُر بالحَرْب المُقَدَّسة. الرِّجال الّذين يَخوضون مَعْركة بإسم الله (كما في الحُروب الصَّليبيَّة) لَيْسوا مُنْخَرِطين في حَرْبٍ مُقَدَّسة رغم ادِّعاءاتهم. عندما نَخوض حَرْبًا لم يأمُر بها الله بِشَكْلٍ مُباشَر وصريح، قد يكون هذا هو الشَّيء الضَّروري والصَّحيح الذي يَجِب القِيام به، وقد يكون الله إلى جانِبنا (إذا جاز التَّعْبير)؛ لكن هذا ليس تَعْريف الحَرْب المُقَدَّسة.

لم تَكُن هناك حُروب مُقَدَّسة منذ نهاية الكِتاب المُقَدَّس (على الأقلّ حتى الآن على حدّ عِلْمنا). لن تكون هناك حُروب مُقَدَّسة حتى يعود المسيح ليَقود الحَرْب المُقَدَّسة التالية التي نُطْلِق عليها عادةً مَعْركة هَرْمجدون. إن كَوْن الرَّب قد ساعَد بني إسرائيل في بعض الأحيان في حُروبهم العديدة منذ عَوْدتهم إلى الأرض المُقَدَّسة لا يعني بالضَّرورة أن بني إسرائيل كانوا يَخوضون حربًا مُقَدَّسة. إن مَعْرَكتنا الحاليَّة للدِّفاع عن أنْفُسنا ضدّ الإسلام، تمامًا مثل مَعْركة بني إسرائيل للدِّفاع عن أُمَّتهم، رغم أنها مُبَرَّرة تمامًا إلا أنها ليست حَرْبًا مُقَدَّسة حقيقيَّة. آمل أن تتمكَّن من رؤية ذلك وتَقْبَلُه.

في الحَرْب المُقَدَّسة يأتي ناموس الإرث حيث تكون غنائم الحَرْب مِلْكًا للرَّب وَحْدَه، وليس للرِّجال الّذين شارَكوا في المَعْركة. بما أن الله هو روح، فهو ليس بِحاجة لا إلى الماشِيَة المأسورة ولا إلى العبيد البَشَر ولا إلى الذَّهَب والفِضَّة ولا إلى مُدُن العدو. لذلك فَوِفْقًا لِقَواعد الحَرْب المُقَدَّسة (التي دَرَسْناها بِعُمق منذ فترة) فإن جميع غنائم الحَرْب المُقَدَّسة تُسلَّم إلى الله، ما لم يُحَدَّد خِلاف ذلك، بعض الاسْتِثْناءات على أساس كل حالة على حِدَة. هذه الغنائم هي بِطَبيعتها مِلْكِيَّةٌ مُقَدَّسة لله.

في ظِلّ الظُّروف العادِيَّة (مثل تقديم الذَّبائح اللّاويّة العادِيَّة) تُسلَّم الأغْراض التي تُصنَّف على أنها مِلْكِيَّة الله المُقَدَّسة إلى الكَهْنوت للتَّصَرُّف فيها، ومُعْظم الأغراض (الحُبوب والفاكِهة والخَمْر واللُّحوم) تُقسَّم على الكَهَنَة والعُمّال اللّاويِّين كَوَسيلة إعالة لهم بإذْن الله (جِزْء أصْغَر بكثير من النَّباتات والحيوانات يُحرَق على مَذْبَح النُّحاس). ولكن في الحَرْب المُقَدَّسة لا تُسلَّم الأغراض بِشَكْلٍ عام إلى الكَهَنَة لتَوْزيعها واسْتِخْدامها. بل إن غنائم الحَرْب المُقَدَّسة تُدمَّر و/أو تُحرَق؛ وتُعاد إلى عَناصرها كَطَريقةٍ رَمْزِيَّة لإعْطائها ليَهْوَهْ. وهذا أيضًا (بِقَدَر ما هو صَعْب الأخْذ) يَنْطَبِق على الشَّعْب المأسور. يأمُر الله بما يَجِب أن يُفعَل بهم. في بعض الحالات يتمّ إعْدام الرِّجال، أمّا النِّساء والأطفال فيُعْفى عنهم ويُضافون إلى بني إسرائيل كَخَدَم (ودائمًا بعد بِضْعة أجيال يتمّ اسْتيعابهم في النِّهاية كمُواطنين). وفي أحيان أخرى (كما هو الحال مع عماليق) يتمّ إعدام كل الشَّعْب: الرِّجال والنِّساء والأطفال والرُّضَّع.

وبما أن المَلِك شاوول كان مَلِكا ضعيفًا وأنانيًّا، لم يَعِر اهْتِمامًا لقوانين الحَرْب المُقَدَّسة. قرَّرَ أن يَفعل الأمور قليلاً على طَريقة الله وقليلاً على طريقَته. لذا فبَيْنما نَفَّذَ أمْر الله بِمُهاجمة عماليق (ويبدو أن عماليق لم يَكُن حتى ذلك الوقت مُشْكِلة خَطيرة بالنِّسْبة لبني إسرائيل وشاوول)، وأعْدَمَ شاوول جميعَ الشَّعْب، إلا أنه لم يَقْتِل مَلِك عماليق. بالإضافة إلى ذلك، أَخَذ أيضًا لنفسه (وسَمَح لبعض بني إسرائيل أن يأخُذوا لأنْفُسِهم) بَعْضًا من غنائم الحَرْب. كان هذا إهانة مُباشَرة لِقَداسة الله لأن المَلِك شاوول وبني إسرائيل كانوا قد اسْتَوْلوا بأنْفُسهم على ممتلكات الله المُقَدَّسة.

كانت الإهانة خَطيرة جدًا لِدَرَجَة أن نَبيّ الله، صموئيل، انْفَصَل تَمامًا وبِشَكْلٍ دائم عن المَلِك شاوول. كان هذا مُناسبًا تمامًا لأنه ما كانت الفائدة لنبيّ الله أن يُعْطي كَلِمة الله لِرَجُلٍ مُنْفَصِل (كاريت، مُنْقَطِع) عن الله؟

قَبْل أن نعود إلى سِفر التثنية أَوَدُّ أن أَذْكُر أمْرَين آخَريْن. كثيرًا ما نرى في الكِتاب المُقَدَّس عِباراتٍ تَسْتَخْدِم كَلِمة ”كُلّ“. أو سنَرى عِبارات تُشير على ما يبدو إلى الشُّمول أو الشُّمول الكامِل (أو الاسْتيعاب الكامِل لهذه المَسْألة). دائمًا ما تكون هذه عِبارات عامّة. سيكون الأَمْر أشْبَه بِتَعَرُّضنا للخِداع في بعض المُخَطَّطات المالِيَّة ونأسَف لأننا فَقَدْنا ”كل أمْوالنا“. في حين أننا قد نكون قد تَضَرَّرْنا بِشَكْلٍ رَهيب وفي الواقع تَضاءَلت ثَرْوَتنا إلى حَدٍّ كبير، إلا أننا لم نَفْقد مئة في المئة من أموالِنا ولن نَحْصل على أي أموال مَرَّة أخرى. لذلك في قِصَّتنا عن العماليق حيث يُقال أن شاوول ”أهْلَكَ الشَّعْب (العماليق) بالكامِل“، هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن كل عماليق قد قُتِلوا عن بِكْرَة أبيهم.

في الواقِع لقد وَقَع الأَمْر بعد ذلك على عاتِق المَلِك داوود للتَّعامل مرَّة أخرى مع العماليق ودَمَّرَهم حتى لم يَبْقَ منهم شيء تقريبًا. وبعد ذلك بِقُرون سيأمُر المَلِك حِزْقيا خمسمئةَ رَجُلٍ من سِبْط سِمعان بالذَّهاب إلى جبل صير (في إقليم أدوم) للقضاء نِهائيًّا وبِشَكْلٍ دائم على بقايا العماليق.

السَّبَب الذي جَعَلَني أذْهَب إلى هذا الحدّ في الحديث عن عماليق هو ما قُلْتُه لكم في البِداية: لقد كان عماليق حَقيقيًّا بالتّأكيد، وقِصَصُه حقيقية، لكنها تُمَثِّل أيضًا نَوْعًا. والنَّوْع الذي يُمَثِّله عماليق لا يَتَعلّق فقط بالعَصْر التَّوراتي.

عندما نَنْفُض الغُبار عن كُتُب التّاريخ ونَنْظُر عن كَثَب نرى أن عماليق يَرْمُزُ أيضًا إلى روح المسيح الدَّجّال والشَّيْطان. الشَّيْطان، الشِّرّير العظيم، العَدوّ النهائي لبني إسرائيل والبَشَرية والله. إذا كنتَ تُريد أن تَفْهَم ما هو مَوْقِف الله تِجاه الشَّيْطان، وما هو مَوْقفنا نحن تِجاه الشَّيْطان وأتْباعه، فقُمْ بِدِراسةِ قِصَص عماليق.

الله بِصَدَد القضاء التّام على الشَّيْطان وأتْباعه وكل ما يَمْلِكه الشَّيْطان. وسوف يَفْعَل ذلك على نَمَط إبادَته الجَّماعِيَّة لعماليق.

دَعونا نَتَذَكَّر شَيْئًا ناقَشْناه قبل بِضْعة أسابيع. هناك هذا المَفْهوم (وهو مَفْهوم خِاطئ) بين الكنيسة الحديثة بأن يسوع قد عدّل وَجْه الله وشَخْصِيَّته، بعيدًا عن إلَه العهد القديم الذي سيُدين أعْداءه ويُهْلِكهم إلى إلَه العهد الجديد الذي يَغِضّ الطَّرَف عن الخطيئة ولا يؤذي ذُبابة (فلِهذا السَّبَب عَظُمَت رَحْمَته وأحَبَّ كل شَخْص وكل شَيء). المَفْهوم هو أنَّ يَهْوَهْ قد تخلَّى عن صِفاته في الغَضب والعَدْل، والآن هو مُسالِم تمامًا ويَنْسى بالمَحَبَّة. إنه الإلَه المُسالِم المُطْلَق الذي لا يوجد إلا لِمَصْلَحتنا. شِعاره الجديد هو: لا ضَرَر ولا ضِرار.

وأحَد أقوال يسوع الأساسيَّة التي تُستخدَم للدِّفاع عن هذا المَوْقِف الحديث هو أننا يَجِب أن نُحِبّ أعْداءنا ولا نَكْرَهَهم. أنا أقبَل هذه التَّعاليم تمامًا، ولكن افْهَموا: هُناك فَرْق بين مَحَبَّتنا لأعْدائنا ومَحَبَّتنا لأعْداء الله. فكَما أن هناك حَرْبًا بَشَرِّية مُبَرَّرة وعَقْلانيَّة في مُقابل الحَرْب المُقَدَّسة التي أمَرَنا الله بها، كذلك لا يوجَد بالضَّرورة علاقة بين أعدائنا الشَّخْصِيِّين (الّذين آذونا أو أساءوا إلَيْنا كجيران لنا) مُقابِل أولئك الّذين أعْلَنَهُم الله أعْداءه الأبَدِيِّين (أعْداء مَلَكوت الله).

نَحْن بالفِعْل علينا أن نُحِبّ ولا نَكْرَه ذلك الشَّخص الذي رُبَّما يكون قد احْتال عَلَيْنا، أو افْتَرى عَلَيْنا، أو رُبَّما حاوَلَ قَتْلنا؛ مسيحيًّا كان أم لا. ولكنَّنا لا يَجِبُ أن نُحِبّ ونَقبل أولئك الّذين حَدَّدَهم الله صراحةً على أنَّهم مَوْسومون بالهَلاك لأنَّهم أعْداؤه الأبَديّون الّذين يُعارِضون مَلَكوته. كان عماليق أحد أعداء الله؛ والشَّيْطان وأتْباعه هم أعْداءٌ آخَرون. لاحِظوا كيف أن تَعْليمات سِفر التثنية خمسة وعشرين على سبعة عشرة هي أن ”تَذَكَّروا“ في كل وَقت ما فَعَلَه عماليق بِبَني إسرائيل، وكيف أن الله يُبْغِضهم (أي أن الله يَرْفُضهم)، وكيف أن خِطَّتْه هي اسْتِخْدام بني إسرائيل كأداة إلَهِيَّة لِهلاك عماليق النِّهائي

على المؤمِنين بإله إسرائيل المُعاصِرين في العصر الحديث أن ”يَتَذَكَّروا عماليق“ ….. أُمَّة وشعب الشَّيْطان ….. وأن يَسْتَعِدّوا للحرب المُقَدَّسة ضِدَّهم. تلك الحَرْب المُقَدَّسة ليست بِبَعيدة، ومن الأفْضَل لنا أن نكون مُسْتَعِدّين لها جيِّدًا؛ ستَبْدأ عندما يُرْسِل الله يسوع المسيح ليَكون القائد المُحارِب الإلَهي ضِدّ الشَّيْطان وأتْباعه. ولكن بَيْنما كان الاسْتِعْداد بالنِّسْبة لبني إسرائيل منذ زَمَنٍ بعيد هو الرِّماح والأقْواس والسُّيوف، أما بالنِّسْبة لنا فهو الثِّقة في يسوع كمُخَلِّص لنا وفي كَلِمة الله كمَشيئة الله للبَشَر.

لاحِظوا أيضًا أنه بَيْنما كان على بني إسرائيل أن يكونوا منفصلين قَدَر الإمْكان عن عماليق، ولم يَكُن لهم علاقة بعماليق، وكان عليهم أن يُدافِعوا عن نَفْسهم في كل وقت من عماليق، فإن الحَرْب المُقَدَّسة ضدّ عماليق لم تَكُن لِتَتِمّ في أي وقت كان بنو إسرائيل يَتحسّسون فيه من عماليق. إذا سَيْطَرَت على بني إسرائيل فَجْأةً بعضُ الحَماسة الدِّينِيَّة، واجْتَمَع القادة وقَرَّروا أنَّهم الآن أقْوياء بما فيه الكِفاية لمُهاجَمة عماليق، لم تَكُن تلك حَرْبًا مُقَدَّسة.

لنَنْتَقِل إلى سِفر التثنية الإصْحاح سِتَّة وعشرين.

قبل أن نقرأ الإصْحاح السادِس والعشرين أَوَدُّ أن أُقَدِّمه بالقَوْل إنه يبدأ قِسْمًا من أربع فُصول يَدور حول البَرَكات واللَعنات الوارِدة في شريعة موسى. لقد انْتَهَيْنا من الإصْحاح الخامس والعشرين حيث كان المَوْضوع في الأساس هو العَدْل الأساسي، وفي هذا القِسم المُكَوَّن من أربع إصْحاحات من سِفر التثنية الذي يبدأ بالإصْحاح سِتَّة وعشرين، سيَتِمُّ تلخيص مَوْضوع ”الدِّين الحق“ بإيجاز وإعْطاء أمْثِلة. في نِهاية هذا القسم، سيأتي قول الله الذي غالبًا ما يُنتَسى: ”هذه الوَصِيّة التي أوصيكم بها اليوم ليست صَعبة عليكم“. ويَنْبَغي علينا جميعًا أن نَحْفُرَ هذا القول الإلَهي في ذاكِرتنا لأنه غالِبًا ما يكون السَّبَب الخاطئ الذي أُعْطِيَ لتقدِمة العهد الجديد هو أن النّاموس كان صَعْبًا جدًا على من يَتْبَعه.

هناك أيْضًا تَحْذير من كوارِثْ مُسْتَقْبَليّة لبني إسرائيل إذا فَشِلوا في اتِباع شروط عهد موسى، وسنَرى بعض احْتِفالات تجديد العهد للتأكُّد من أن الناس يَفْهمون أن العهد الموسَوي قائم إلى الأبد؛ فهو لم يَنْتَهِ بِدُخولِهم أرض الميعاد.

ولكن هناك جانِب آخر من هذا القِسْم رائع حقًا أيضًا، وهو مَذْكور في كَلِمات الإصْحاح الذي سنَتَطرَّق إليه بعد أسابيع قليلة: الإصْحاح تسعة وعشرين الآية ثمانية وعشرين. هذا الجانِب هو على شَكْلِ لغْزٍ، لغْز حول واجِب بني إسرائيل في حِفْظ التَّوْراة: ”الأمور السِّرّيَة تعود لإلهنا يَهْوَهْ والأمور المُعْلَنَة لنا ولِجَميع أبْنائنا إلى الأبد، وعلينا أن نَعْمَل بكل كَلِمات هذه التَّوْراة“.

لا يَسَعُني أن أفْعَل أفْضَل من أن أقْتَبِس من العالِم البارز سي جيه لابوشانيي في هذا الصَّدَد:

"إن المَعْنى الواضِح لِنَصّ سِفر التثنية يُشير إلى سِياقه المُباشَر، الذي يتحدَّث عن كارِثة وَطَنِيَّة لبني إسرائيل نتيجة لِعِصْيان أوامِر يَهْوَهْ. ولكن، في الوقت نَفْسه، تَحْمُل هذه الكَلِمات رِسالة أخرى. فالأُمور المَخْفِيّة والمَعْرِفة الباطِنِيَّة فيما يَتَعلّق بالنَّصْ المَكْتوب للشَّريعة والتَّراكيب العَدَدِيَّة المُقَدَّسة، كل هذه الأُمور هي لِمَصْلحةِ الله المُقَدَّسة، لِمَجْده. لكن … نصّ النّاموس في لُغَتِه الواضِحة المُسْتَقيمة هو لِفائدة الشَّعْب. ما لَدَيْنا هو رِسالة مُشَفّرة إلى النّاس العادِيِّين، غير المُبْتَدِئين، الّذين لا يَعْرِفون التَّعْقيدات الخَفِيّة للنَّص، لكي يُطيعوا النّاموس بِمَعْناه الواضِح“.

كما تَرى، إن مَضْمون الحقّ الموحى به (ذلك الجِزْء من التَّوْراة الذي يُمْكِن أن يَفْهَمه جميع النّاس دون أن يكونوا عُلَماء) هو ما هو مَكتوب كجِزء من خِطْبة موسى ومَوْجودْ في ذلك الجَوْهَر المَرْكزي للشَّريعة؛ إنه تلك الشَّرائع والأوامِر المُقَدَّمة لنا بِلُغَة واضِحة في الإصْحاحات من إثني عشر الى سِتّة وعشرين من سِفر التثنية. ولكن ما نَجِده في الإصْحاحات من سِتة وعشرين الى ثلاثين يبدأ في الخَوْض في عالَم الأَسْرار الأعْمَق التي لا يَسْتَطيع فَهْمَها إلا أولَئك الّذين يَعْرِفون إلَه بني إسرائيل ويُحِبّونه ويَبْحَثون عنه باجْتِهاد.

لنقرأ الإصْحاح السادس والعشرين من سِفْر التثنية.

اقرأ الإصْحاح السادس والعشرين من سِفْر التثنية

أحد أكثر الإيحاءات المُثيرة للاهْتِمام في هذا الإصْحاح هو أنَّنا نَجِد هنا وهنا فقط في التَّوْراة كُلّها بعض الإعْلانات المُحَدَّدة بِدِقَّة والتي يَجِب على كل مؤمِن عادي أن يَتْلوها أثناء القِيام بِطُقوس إحضار أوائل الفاكهة إلى خَيْمَة الإجْتِماع. إن هذه الإعْلانات في جَوْهرها هي ”صلاة شَكْلِيَّة“ وَضَعَها الله لبني إسرائيل العاديِّين. بهذا المعنى فإن هذه الصَّلاة تُشْبِه إلى حَدٍّ كبير في طبيعَتْها الصَّلاة الرَّبّانية في العهد الجديد. في حين أن الكَهَنَةَ غالبًا ما يكون لديهم ”صلَوات شَكْلِيَّة“ كجزء من طُقوسهم اللِّيتورجِيَّة، إلا أننا لا نَجِد الكثير من ”الصَلَوات الشَكْلِيَّة“ في الكِتاب المُقَدَّس المُصَمَّمة للشَّخص العادي ليتكلَّم بها.

هذه الشَّريعة المُتَعَلِّقة بإحضار أوائل الفاكِهة إلى خَيْمَة الإجْتِماع (ولاحقًا إلى الهَيْكل) لم يَكُن من المُمْكِن أن تؤدّى في البَرِّية. لقد كانت مسألةً عَمَلِيَّة؛ فقط بعد أن غزا بنو إسرائيل أرض كنعان واسْتَوْطَنوها، كان يُمْكِن مُراعاة ذلك عندما كان لدى القبائل حُقول وبَساتين للحَصاد.

من المُثير للاهْتِمام بالنِّسْبة لي أن إحْدى التَّعْليمات للمُزارِع العِبْراني هي أن يَضع الجِزْء الذي سيُحْضِره من حَصاده لِيُقَدِّمه إلى الله في سَلَّة. يبدو هذا تَفْصيلاً تافِهًا للغاية إلى أن نُدْرِك أنه حتى تلك المَرْحلة من تاريخ بني إسرائيل حيث نحن الآن في سِفر التثنية، لم يَكُن بنو إسرائيل يَعرفون الكثير عن الزِّراعة. لقد كانوا تاريخيًا شعبًا يرعى الغَنَم؛ كانوا يُرَبّون الحيوانات. في مِصْر كان البعض منهم على الأرْجَح يَعْمَلون في الزِّراعة، ولكن الجِزْء الأكبر كانوا رُعاة وعُمّال بِناء. لذلك في حين كانت احْتِفالات البواكير مَعْروفة لدى بعض ثقافات الشَّرْق الأوْسَط، إلا أنها على الأرْجَح لم تَكُن مَعْروفة لدى بني إسرائيل. كان لا بُدّ من إعْطاء التَّفاصيل لهؤلاء المُزارِعين المُسْتَقْبَليّين.

لقد عَرفنا من خلال دِراستنا الآن ما يُسَمَّى باحْتِفالَيْن من أعْياد البواكير؛ تلك التي تُسَمّى بالعِبْرية ”بيكوريم“ (بالارتباط مع أعياد الرَّبيع، عيد الفُصْح والخبز الفطير)، ثم عيد آخر صَيْفي للباكورة يُسَمّى عيد شافوعوت (يُسَمِّيه المسيحيّون عيد العَنْصَرَة). هناك في الواقِع احتفال ثالِث للثمار الأولى“ يُقام بالتَّزامُن مع عيد فصل الخريف يُسَمّى عيد سوكوت أو عيد المَظال. يُعرف هذا العيد الأخير تِقَنِيًّا بإسم ”عيد التَّجْميع الأخير“، أي أنه نِهاية مَوْسم الحَصاد مع اقْتِراب فَصْل الشِّتاء.

ارْتَبَط كل عيد من هذه الأعياد الثلاثة التي تَناولَت أعياد البواكير بأعياد الحَجّ. من بين مَجْموع الأعياد التَّوراتية السَّبْعة، تَطَلَّبَت ثلاثة منها أن يُسافِر كل مُصَلّي (يعني عُمومًا الذُّكور) إلى مكان خَيْمَة الإجْتِماع مع تَقْدِمة البواكير. هذا هو معنى العِبارة الوارِدة في الآية الثالثة التي تَنْتَهي بالكَلِمات: ”.….وَاذْهَبُوا إِلَى الْمَكَان الَّذي يَخْتَارُه الرَّب إِلَهُكُم لِيُثَبِّتَ اسْمَهُ“. سيَنْتَقِل هذا المكان عِدَّة مرّات بعد أن غزا بنو إسرائيل كنعان لأوَّل مرَّة (مع كَوْن شيلو هو الموقع الأكثر ثباتًا للخَيْمَة)، ومع مُرور الوقت سَيُؤسِّس بنو إسرائيل عِدَّة مواقِع مُتَنافِسة، وفي النِّهاية في زَمَن داوود (ثم سليمان) ستُصْبِح أورَشليم حيث تمَّ بِناء الهَيْكَل في النِّهاية.

في كلّ رِحْلة من هذه الرِّحْلات الثلاث في السنة إلى خَيْمَة الإجْتِماع، كان على المُصَلّي أن يُسَلِّم سَلَّةً من الغِلال إلى الكاهِن الذي سيُقيم المراسِم ويُؤدّي الطُّقوس. عند تَسْليم تَضْحيته من الفاكهة إلى الكاهِن يَجِب على الشَّخْص العادي أن يُعْلِن ما يلي: ”أُقِرُّ في هذا اليوم، أمام الرَّب إلَهُكَ، بأنَّني دَخَلْت الأرض التي أقْسَمَ الرَّب لآبائنا أن يَخصّنا بها“.

إن مَعنى هذا الإعْلان واضِح ومُباشَر، ولكنَّه أيضًا بالِغ الأهَمِّيّة: إنه تحقيق للعَهْد الإبْراهيمي. إن الأرض التي وَعَد الله بها إبراهيم وإسحاق ويعقوب منذ زَمَن بعيد قد أُعْطِيَت؛ وانْتَهى الأمْر. لم تَكُن أرضًا أخرى، بل كانت هذه الأرض. لن يَحْدُث ذلك في زَمَن آخر، لقد كانت الآن. العلاقة مع إعْطاء باكورة ثِمار الحقْل هي أنه لَوْلا الأرض التي يَمْتَلِكونَها الآن لَما كان هناك باكورة ثمار ليُعْطوها. أيَّتها الكنيسة، اسْمَعوني: يَحْزَن قلبي أن أَسْمَع الكثير من القادة الطائفيِّين يَتساءلون في الواقِع عن سَبَب ضَرورة عَوْدة اليهود إلى إسرائيل؛ وهذه مُشْكِلة لأنّ الوجود اليَهودي هناك يَفْتَرِض أنه قد شَرَّد الفِلَسْطينيِّين. في حين أن هذا ليس المَوْضوع الوحيد في الكِتاب المُقَدَّس الذي يَنصّ بِشَكْلٍ لا لُبْسَ فيه على أن الله قَصَد إعطاء كنعان لبني إسرائيل حَصْرِيًّا، إلّا أن هذا الحَدَث قد حَصَل بالفِعْل، بل إن الله طَلَبَ من بني إسرائيل الاعْتِراف بهذه الحقيقة في هذا الإعلان المُفْعَم بالدُّعاء.

من الجدير بالمُلاحَظة أن الإعلان هو أن "أنا قد دَخَلْتُ أرض كنعان. رُبَّما بدا هذا الإعلان أكثر مُلاءمة للجيل الأوَّل من بني إسرائيل، أولئك الّذين حارَبوا بجانِب يسوع. ولكنّ الرَّب يُريد أن يَتَعرَّف كلّ جيل من العبرانيّين إلى الأرض وكأنّه أوّل من دَخَلَها. تقول الميشْناة فيما يَتَعلّق باحْتِفالات عيد الفُصْح: ”في كل جيل يَجِب أن يَنْظُر المَرْء إلى نَفْسِه وكأنَّه خَرَج بِنَفْسه من مصر“. هذا هو مَصْدَر هذا المَبْدأ.

بهذا ينْتَهي الجِزْء الأوَّل من مَراسِم عيد الفُصْح. بعد ذلك، بعد أن يأخُذ الكاهِن السَّلّة ويَضَعَها أمام المَذْبَح، على الفَلّاح العِبْراني أن يُقَدِّم إعْلاناً آخر للرَّب. وما يَجْعَله مُثيرًا للاهْتِمام هو أنه في الأساس اسْتِعْراض موجَز لتاريخ بني إسرائيل. يُقرّ المُتَعَبِّد بِعَدَد من الأمور في هذا الإعْلان الثاني للصَّلاة:

لم يبدأ بنو إسرائيل شَيْئًا مُمَيَّزًا (”كان أبي بَدَوِيًّا من أرام“). إن المَعْنى الدَّقيق لهذا الأَمْر قد تمَّ التَّفاوُض بِشأنِه قليلاً، ولكن المَفْهوم الأساسي بَسيط إلى حَدٍّ ما. فإبراهيم وإسحاق ويعقوب، جميعُهم ارْتَبَطوا بِوَطَن جَدِّهم تيراخ (والد إبراهيم) أكثر من ارْتِباطهم بالمكان الذي تاهوا فيه (كنعان) قبل الانْتِقال إلى مصر. أحد أسماء المنطقة التي جاء منها إبراهيم هو ”آرام بمحاذاة النهر“. لذا فإن هذا صحيح تمامًا لتحديد أن البطاركة هم آرامِيّون. ستُتَرْجِم بعض نِسَخ الكِتاب المُقَدَّس ذلك على أنه ”هارِب من سوريا“ لأن دِمَشْق، سوريا أصبَحَت في النِّهاية مَعْقَل الآراميِّين ….. ولكن ليس لِفَتْرة طويلة بعد زَمَن البطارِكة. كل ما قيل هو أن كل إسرائيلي يُعْلِن انْتِماءه إلى البطارِكة كان في الأصْل من آرام.

بعد ذلك من المعروف أن عَشيرةَ يعقوب (التي لم تَكُن كبيرة بما فيه الكِفاية لكي نْعَتَبِرها ”شعبًا“ أو ”أُمَّة“) نَزلت إلى مَصر حيث أصْبَحَت أُمَّة كبيرة.

لقد ذُكِرَت الآن حالة إقامَتِهم في مَصر؛ لقد كانوا يَخْضَعون لاضْطِهادٍ قاسٍ.

ومن هذه الحالة من العَمَل الشّاق والعُبودية أن الرَّب أنْقَذ بني إسرائيل، وقد فعل ذلك بطريقة عَجيبة وخارِقة للطبيعة.

لقد نَقل الله بني إسرائيل من مكان كانوا فيه بِلا أرض وبِلا رَجاء إلى الأرض التي خَصَّصَها لِشَعْبِه، كما وَعَد البطارِكة، حيث سَيَمْتَلِكون أرضًا، وسَتُنْتِج لهم الأرض بِوَفْرة.

وبما أن الله هو الذي يَمْلِكُ كل شيء وبما أنه خَلَق كل الأشْياء، فمِن المَنْطِقي أن يُنْظَرَ إلى الأشياء التي تَنْمو من تُرْبَة أرض الميعاد على أنَّها مِلْكٌ لله. لذلك فإن جِزْءًا ممّا ينْمو…..الأوَّل والأفْضَل…… يُقدَّم ليَهْوَهْ في عيد الشُّكْر.

المَخْفي في كل هذا أنّ بني إسرائيل يَنْكُرون ادِّعاء الكنعانيِّين بأن بَعْل هو الإلَه الحاكِم على الأرض. إنّ يَهْوَهْ هو الأعْلى، وهو وَراء كل العَجائِب التي حَدَثَت لبني إسرائيل.

مُلاحظة أخرى مُثيرة للاهْتِمام هي أنه من النّاحية التَّوْراتية والتّاريخيّة (حتى يَوْمنا هذا)، يَنْظُر اليهود إلى الأمور في سِياق الأُمَّة والشَّعْب اليهودي، بِشَكْلٍ جماعي، وليس كأفْراد. تؤيِّدُ الأسفار المُقَدَّسة هذه النَظْرَة إلى الهَوِيَّة الجَماعِيَّة باعْتِبارها أكثر أهَمِّيّة من الفَرْدِيَّة. لذلك يؤدِّي الكَهَنَة الطُّقوس نِيابةً عن بني إسرائيل، والأعْياد هي لبني إسرائيل بِشَكْلٍ جَماعي. هناك أماكِن قليلة فقط في التَّوْراة حيث يتمّ تَسْليط الضَّوْء على الفَرْد، وهذا المَوْضع بالذّات هو ما يُلْفِت انْتِباهي، لأنه يَتَعلّق بالفِداء. يَجِب على كل إسرائيلي أن يعْتَرِف بِتَماهيه مع إلَه إسرائيل، والفِداء الذي مَنَحَه له يَهْوَهْ كفَرْد. احتفالات أوَّل الثِّمار شَخْصِيَّة تمامًا في لَهْجَتِها وهَدَفِها.

يُخْتَتَم الاحْتِفال بِوَليمة سعيدة. وَجْبَة احْتِفاليَّة تؤكل بالقُرْب من مَدْخَل الحَرَم مَطْلوبة من المُتَعَبِّد. وبما أن اللّاوِيِّين كانوا مَشْغولين بالاهْتمام بأمور خَيْمَة الإجْتِماع، لم يَكُن بِمَقْدورِهم عُمومًا أن يَزْرَعوا؛ لذا، كان اللّاويّون مَدْعُوِّين للمُشاركة في الوَجْبة الاحْتِفاليَّة التي يُقَدِّمها مئات الآلاف من المُصَلِّين الّذين جاؤوا للاحْتِفال. حتى الجير، أي الأجانِب، يَجِب أن تتمّ دَعْوتهم للمُشارَكة لأن ذلك يُساعِد بني إسرائيل على تَذَكُّر الظُّروف غير المُريحة لِكَوْنِهم أجانِب في أرضٍ ليْسَت أرضهم.

لذلك عليهم أن يرْحَموا الأجانِب ويَرْأفوا بِهِم لأن الرَّب يَفْعَل ذلك.

سنَنْتَهي هنا اليوم ونبدأ من جديد في الآية الثانية عشرة الأسبوع القادِم.