9th of Tevet, 5785 | ט׳ בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدرس الرابع والثلاثين – الإصحاح الخامس والعشرين
سِفْر التثنية الدرس الرابع والثلاثين – الإصحاح الخامس والعشرين

سِفْر التثنية الدرس الرابع والثلاثين – الإصحاح الخامس والعشرين

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدرس الرابع والثلاثين – الإصحاح الخامس والعشرين

نبدأ هذا الأسبوع الإصحاح الخامس والعشرين من سِفْر التثنية؛ وفي هذه الآيات خمس قوانين حول الاهْتمامات الإنْسانيّة والاجْتماعيّة، يليها تعليمات بأن يتذكَّر الإسرائيليّون دائمًا ما فَعَله العماليق بهم وأن يَحتقروهم بسبب ذلك (وأن يُبيدوهم في النهاية).

لنبدأ بِقِراءة الإصحاح الخامس والعشرين بأكْمَله.

اقرأ سِفْر التثنية الإصحاح الخامس والعشرين بأكْمَله

يدور القانون الأول حول إنزال العِقاب الجَسَدي بالمُجْرِم؛ وتحديدًا وسيلة العِقاب التي تُسَمّى الجَلْد. الفِكْرة هي أن يكون بين رَجُلين نزاع قانوني فَيَذْهبان إلى نِظام النّاموس الإسرائيلي للحِكم بشأنه. وهذا يعني أنه يتمّ عقد محكمة رسميّة (على الأقل رسميّة بالنِّسْبة لذلك العصر)؛ ويَنْظُر القاضي في القَضِيَّة ويُصدِر قرارًا يكون بِحِكم التّعريف ”لصالح“ أحد الخَصْمَيْن و”ضدّ“ الآخر. ويُجلَد الشَّخص الذي يُحكَم عليه بأنه كان مُخْطِئًا. إن القَضِيَّة المَعْروضة هنا ذات طبيعة عامّة جدًا، وبالتالي لم يتمّ ذِكر أي جريمة مُحَدَّدَة.

أولاً، علينا أن نَرى أن الجَلْد (من الواضِح) لم يَكُن العُقوبة التي يَتعرَّض لها كل من يُدان بِإرْتِكاب خطأ. لدينا عَشَرات القوانين في التَّوْراة التي لم تُحَدِّد عُقوبة المُخالَفة؛ لذلك كانت العُقوبة مَتْروكة في الغالِب في يَد المَحْكمة لتُقرِّرها، وكان الله راضِيًا بذلك لأنه وَضَع مبادئ تَوْجيهيَّة عامة تتضمَّن العُقوبة. على كل حال، لا يُمْكِن التَّنَبّؤ أو مُعالجة كل مُخالفة مُحْتَمَلة بِشَكْلٍ فَرْدي.

لقد أُعْطِيَت لنا حالة واحدة صريحة في النّاموس يَجِب أن يُجلَد فيها : كانت عندما تزوج رَجُل بامرأة ثم اتَّهَمَها زورًا بأنها لم تَكُن عَذْراء وقت الخُطْبة ثم وقت إتمام الزواج. وكان الرَّجُل يؤخَذ إلى أبواب المدينة ويُجْلَد بسبب هذا الإذْلال لِزَوْجته والاعْتِداء على شَرَف عائلة حماه.

ولكن كما جاء في الكَلِمات الأخيرة من الآية الثانية، فإن عدد الجَلْدات يَجِب أن يكون مُتَناسِبًا مع جسامة الجريمة، وهذا المبدأ في حَدِّ ذاتِه مبدأ آخر من تلك المبادئ العامَّة التي أعْلَنها يَهْوَهْ فيما يَتَعَلَّق بالعِقاب والقَصاص والتي تتلَخَّص في قانون ”العَيْن بالعَيْن“ الذي يُسَمّيه العُلَماء قانون ”قانون القَصاص“.

ثم يُقال لنا بعد ذلك أن الحَدّ الأقْصى المُطْلَق لِعَدد الجَلدات التي يُمْكِن تَطْبيقُها هو أربعين جَلْدة؛ والسَّبَب في ذلك هو حتى لا يتعرَّض المُجْرِم (الأخ الإسرائيلي) للإهانة أو (في بعض الرِّوايات) التَّحْقير. لماذا أربعين جَلْدة وليس ثلاثين أو خمسة وأربعين أو خمسين جَلْدة؟ لم يَتِمّ إخْبارُنا؛ وهناك الكثير من التَّكَهُّنات حول سبب اخْتِيار موسى لهذا العدد. من المُحْتَمَل أن يكون له علاقة بكَوْنه أقلّ شِدّة مما كان مُقَرَّرًا عادةً في المُجْتَمَعات الوَثَنيَّة في الشَّرْق الأوْسَط في تلك الحَقَبة. تُظْهِر السِّجِلّات القديمة أن مُعْظَم ثقافات بلاد ما بين النَّهرين حَدَّدَت الحدّ الأقصى لِعَدد الجَلدات بمئة جَلْدة.

بينما كُنا نَدْرُس التَّوْراة وشريعة موسى رأينا العديد من القوانين التي تبدو ظاهِريًّا غريبة عن سبب وُجودها أو الغَرَض المَنْطِقي الذي يُمْكِن أن تَخْدِمه. لقد حاولَ العديد من المسيحيِّين واليهود تقديم تَفْسيرات سامِية ومَجازية إلى حدٍّ كبير لهذه الشرائع، وأصبَحَت بعض هذه الأسباب جِزءًا من التَّقليد. ولكن في كثير من الأحيان، تكون هذه التَّفْسيرات خَياليَّة أكثر من كَوْنها واقِعيَّة، وغالبًا ما تكون غير مَنْطِقيَّة عندما يَفْهم المَرْء الثَّقافة. في الواقِع إن العديد من وصايا النّاموس تَتعلَّق بِبَعض المُمارسات أو الطُّقوس الكنْعانيَّة التي يَحْتَقِرُها الرَّب ولا يُريد لبني إسرائيل أن يُقَلِّدوها؛ لذلك يأخُذ تلك الطُّقوس أو المُمارسات الكنْعانيّة ويَضع بِبَساطة قانونًا ضِدَّها. أحَد الأَمْثِلَة على ذلك هو النَّهي عن استِغْلال شَيء مُقَدَّس لإلْحاق الأذى ("طهي جَدِي في لبن أمه").

هنا القَرار هو أنه سيَكون من غير الإنْساني أن يتعرَّض الرَّجُل لأكثر من أربعين جَلْدة. ومع ذلك، فإن السَّبب المذكور حول كونه مُهانًا أو مُحْتَقَرًا لا تعني أن الجَلد في حَدِّ ذاتِه مُهين أو غير إنْساني. من وِجْهة نَظَر جسدية، فإن الفِكْرة هي من ناحِيَة أن كثرة ضَربات السَّوْط يُمْكِن أن تُسَبِّب المَوْت، أو من ناحِيَة أخرى يُمْكِن أن تَتسبَّب في بكاء الرَّجُل وتَوَسُّلِه للرَّحْمة، أو أن يَنْهار ويلَوِّث نَفْسه، أو أي ردّْ فِعْل آخر غير لائق يَنْزَع عنه إنْسانِيَّته؛ وأي شيء من هذه الأمور من شأنِه أن يَجْلُب عليه عارًا عَظيمًا يَدوم أكثر بكثير من أي ذِكْرى للجَّريمة وعُقوبتها المؤلِمة. فالشَّخْص الذي يُعاقَب عِقابًا مُفْرِطًا أو غير معقول لا يَسْتَفيد من رؤية خَطَئِه، بل يُصْبِح ساخِرًا ساخِطًا.

بِطَبيعة الحال يتكرَّر هذا المبدأ بالضَّبْط في العهد الجديد.

الكِتاب المُقَدَّس اليهودي أَفَسُس سِتّة على أربعة: ""وَأَنْتُم أَيُّها الآبَاء، لاَ تُغِيظوا أَوْلاَدَكم وتجعلوهم مُسْتائين، بَلْ رَبُّوهُمْ بِتَأْدِيبِ الرَّبِّ وَإِنْذَارِهِ.

إن هذا القانون الخاص بتَحْديد عدد الجَلْدات بأربعين جَلْدة هو أحَد العناصِر العديدة التي تَدْخُل في تحديد ماهِيَّة ”نوع التأديب والإرشاد من الرَّب“.

ومع ذلك، من وِجْهَة نَظَر روحِيَّة، يَجِب أن نأخُذ في الاعْتِبار المعنى العَدَدي الإلَهي لـ ”أربعين“ والنَّمَط الذي يُمَثِّله. تَدُّل الأربعون على وقت التَّجْرِبة و/أو الاسْتِعداد. قضى يسوع أربعين يومًا في البَرِّية. الطوفان العظيم تَضمَّن أربعين يومًا وليلة من المَطَر. وموسى صَعِد إلى قِمّة جبل سيناء وانْفَصَل عن شَعْبه لمدة أربعين يومًا بينما كان يتعلّم تَوْراة الله، لكن الشَّعب فَقَدَ الإيمان وتَحوَّل إلى عِبادة الأصْنام في غِياب وَسيطهم موسى. أنْذَرَ يونان شعب نينَوى بأن أمامهم أربعين يومًا لِيَتوبوا وينالوا الخلاص، أو لا يتوبوا ويُواجِهوا الهلاك. لقد تابوا بالفِعْل خِلال الأربعين يومًا المُخصَّصة لهم فلَم يُهْلِكهم الرَّب.

لاحِظ أن ما هو مُتَأصِّل في هذا النَّمَط والمبدأ الإلَهي هو أنه عندما تنتهي الأربعين يومًا من التَّجْربة أو الاستعداد، يَمنح يَهْوَهْ الخلاص للأبْرار (أو الأبرار المُحْتَمَلين) بَدَلاً من الدَّيْنونة النهائية. بعد الأربعين ما زال الأمَل مَوجودًا؛ الهلاك التام والكامل والنهائي لأولئك الذين هم للرَّب قد توقَّف، وبدلاً من ذلك هناك خلاص أو خلاص من المِحْنة.

وهكذا من مَنْظور روحي، فإن التعليمات المُلِحَّة في هذا النّاموس بألّا يَتجاوز الأربعين جَلْدة هي أن هذه مُحاكمة للمُجْرِم لا يُقْصَد بها فقط عِقابه بل تغيير سُلوكِه. ليس المَقْصود منها قَتْله، وليس المَقْصود منها أن تَجْلِبْ له الهلاك.

القانون التالي يَتَعَلَّق بالنَّهي عن تَكْميم الثَّور أثناء تأدِيَته لِوَظيفته كبهيمة حَمل؛ وفي هذه الحالة فإن الوَظيفة هي دَرْس الحُبوب. نَفْهم الآن أنه بينما يُمْكِننا أن ننَظُر إلى هذا التَّشريع ونقول لأنْفُسنا أن هذا يبدو مَنْطِقيًّا وإنسانيًّا وشيء لطيف للحيوان، إلا أن المَنْطِق في الواقع كان سيَبْدو غريبًا بل ومُضادّا لأي شخص في العصر التَّوْراتي. في الواقع، إذا كان المَرْء يأمَل في إنهاء عَمل الدَّرْس في الوقت المناسِب، كان يجب تَكْميم الثَّوْر وضَرْبِه بالسَّوْط أو تَحْفيزه بالعصا أيضًا.

كانت عمليَّة الدَّرْس هي أن الثَّور (على الرَّغم من أنه يُمْكِن أن يكون حيوانًا آخر أيضًا) إما أن يَدوس بِحَوافِره على سيقان الحُبوب أو أن يَجُرّ نوعًا من الزَّلاجات أو قُضْبان الدَّرْس فوق سيقان الحُبوب مِمّا يُؤَدّي إلى انْفِصال الحبات النّاضِجة عن الرؤوس. وبما أن الثيران من الحيوانات التي تَرْعى، فمن طَبيعتها أن تَحني رَقْبتها إلى الأسفل وتأكُل باسْتِمْرار أثناء عَمليَّة الدَّرْس. وينصّ هذا القانون على أنه على الرَّغم من الحاجة إلى الإنْتاجيّة، لا يَجِب تكميم الثَّور بل السَّماح له بالرَّعي والأكل أثناء عمليّة الدَّرْس. المُشْكِلة هي أنه من الناحِيَة العَمَليَّة، كان هذا يعني أنه للحِفاظ على حَرَكة الحيوان كان يَجِب أن يُضرَب بالسَّوْط أو إرغامِه باستمرار.

لذلك أَصْبَحَ من المُعتاد عند العِبْرانيّين أن يُكَمِّموا الحيوان ثم يَنْزَعوا الكَمّامة من حين لآخر ليأكُل حتى يُمْكِن الحِفاظ على: واحد) روح الشريعة سِفْر المنصوصة في سِفر التثنية خمسة وعشرين، وإثنان) حتى لا يَضْطَرّوا إلى جَلْد الحيوان من أجل إبقائه يَتَحرَّك إذا لم يَكُن مُكَمَّمًا وبالتالي انتِهاك مبادئ المُعاملة الإنْسانية للحيوانات. هذا المبدأ الخاص بِعَدَم تَكْميم الثَّور أثناء عَمَله قد وَرَد في العهد الجديد في سياق مُثير للاهْتِمام. اقْلِبوا أناجيلَكم إلى واحد كورنثوس تسعة.

اقرأ واحد كورنثوس تسعة على واحد الى أربعة عشرة

يَقْتَبِس بولس مُباشَرةً من سِفْر التثنية خمسة وعشرين على أربعة في رَدِّه على قَضِيّة مُلِحّة: دَعْم الرُّسُل والتلاميذ الذين يُسافرون إلى مُخْتَلف التَّجَمُّعات للتَّبْشير وتَعْليم البشارة السَّارَة بأن المسيح قد جاء وغُفِرت الخطايا. إذن فالمُمارسة هي أنه سِواء كان إنسانًا أو حيوانًا، أي مَخْلوق حَيّْ يَعْمل ويكون مُنْتِجًا يَجِب أن يكون قادِرًا على التَّمَتُّع بِثِمار عَمَله. هذا هو، وبحق، السَّبَب في أن الرُّعاة يَجِب أن يَتَقاضوا أَجرًا على عَمَلهم لأنهم اسْتَحَقّوا ذلك. هذا لا يُجيب بالطَّبْع على السّؤال حول ما إذا كان يَنْبَغي أن يَتقاضى القساوِسة أجورًا أقلّ مما يَكْسبه عُضو الجماعة العادي، ولا أن يُمنَحوا أسلوب حياة مُبالَغ فيه. هذا أيضًا لا يقول بأي حال من الأحوال أن كل ما يُقَدِّمه المَرْء كعُشور وعطايا يَذْهَب بالضَّرورة إلى القَسّ أو الى خزانة الكنيسة المَحَلِّية.

دَعوني أيضًا أكون واضِحًا بشأن ما لم يُذكَر هنا في كورنثوس: لم يَكُن هذا بيانًا يُشير إلى أن القَسّ أو المُعَلِّم أو المُبَشِّر يَجِب أن يَحْصَل في كل الأوقات على كل احْتِياجاته الشَّخْصية (أو رَغَباته) من قِبَل الجماعة؛ فالأمْر يَعْتَمِد على الحالة. فإن كان الشَّخص المَعْني لديه مُتَّسَع من الوقت ليَشْغل وظيفة ويَعِظ أو يُعَلِّم في آن واحد، فعَليْه أن يَعمل، ولكن رُبَّما أيضًا أن يَتقاضى بعض الأجور (إن كان مُحْتاجًا إليها) عن الوقت الذي يُقْضيه بعيدًا عن وظيفته لخِدمة الجماعة. هذا الرأي هو ما يَسير عليه مُعْظَم الحاخامات اليوم. إذا كان الشَّخص قد دُعِيَ إلى الخِدمة بِدَوام كامِل للوَعْظ والتَّعْليم، فيَنْبَغي أن تتأكَّد الجماعة خلال ذلك الوقت من تَلْبِية احْتِياجاته المَعْقولة بِشَكْلٍ عام. أما مُعْظَمهم، مثل بولُس، فكان يقع في مكان ما بين هذا وذاك، حيث كانت حِرْفَته تَجْلُب له بعض الدَّخْل اللازم، ولكن عندما كان يَتْرُك حِرْفته (غالبًا لأشهر في كل مَرَّة) للسَفَر والوَعْظ، كان يحتاج إلى دَعْم يُعَوِّضه عن ذلك.

خُلاصَة القول هي أن القاعِدة القائلة ”لا يَنْبَغي أن يُكمَّم الثَّور وهو يَدرُس“ لطالما فَهِمَها الحُكَماء العِبْرانيون على أنّها مَثَلٌ أكثر من كَوْنها قانونًا. المَثَل هو قَوْلٌ حكيم، وليس أمْرًا في حَدِّ ذاتِه. المَثَل هو قاعِدة عامّة لعَيْش حياة مُخْلِصة واتِّخاذ القرارات بِطَريقة تَتماشى مع الطريقة التي خَلَق الله بها الكَوْن؛ إنه ليس قانونًا يكون انْتِهاكه بالضَّرورة خطيئة ولا يُعاقَب عليه. إن تَكْميم الثَّور وهو يَدْرُس لا يَجْعل المُخالف مُجْرِمًا مُعَرَّضًا للعِقاب، ولا يَجْعَل عدم دَعْم الجماعة لِمُعَلِّم أو قِسّيس دَعْمًا كافِيًا يَجْعَلهم عِرْضَة لِغَضَب الله. ولكن فِعل مثل هذا الأمْر ليس من الحِكْمة وليس من اللُّطْف، والبَرَكات التي يَوَدّ الله أن يُفيضها عليكم قد لا تأتي كَنَتيجةً مُباشَرة أو طبيعيّة لتجاهُلْ هذه التَّعاليم الإلَهيّة الحكيمة.

يبدأ في الآية الخامسة مَوْضوع ما يُسَمَّى بالزواج اللّاوي. لن نَجِد مُصْطَلَح زواج اللّاويّين في الكِتاب المُقَدَّس، بل هو مُصْطَلَح لاتيني مأخوذ من الكَلِمة اللّاتينية "ليفير" التي تعني ”أخو الزَّوج“. مثال الحالة المُسْتِخْدَمة هي حالة رَجُلٍ مات ولم يَتْرُك ولَدًا، وبالتالي فإن زوجة الرَّجُل المُتَوَفّى مُلْزَمة بالزواج من داخِل عائلة الزوج أو كما تقول الآية بالنَّفي، لا يجوز لها أن تتزوَّج من شَخْص غريب. كذلك في هذه الحالة يكون للرَّجُل المُتَوَفّى أخ، ومن واجِب الأَخ الحَيّ أن يَتزَوَّج أرْمَلَة الأخْ المَيِّت.

بما أن التَّكاثُر كان دائمًا الهَدَف الأول للزواج العِبْراني (كما يتَّضِح من تعليمات العهد الإبراهيمي بأن على كل إسرائيلي واجِب أن يكون مُثْمِرًا ومُكْثرًا)، فإن الغَرَض الأساسي من هذا الزواج القَسْري بِشَكْلٍ أو بآخر هو أن يُلَقِّح الأخ الحَيّ الأرْمَلة السَّابِقة. أوّل ابن يولد لهذه المرأة يُعْتَبَر ابْنًا للرَّجُل المُتَوَفّى. وكما جاء في الآية السادِسة فإن سبَب هذا البْروتوكول هو لكي لا يُمْحى إسْم الرَّجُل المُتَوفّى من بني إسرائيل.

دَعونا نُقْضي بعض الوقت مع هذا الأمْر لأنه يَلْعَب دَوْرًا مَرْكَزِيًّا في قِصَّتَيْن رَئيسِيَّتَيْن في الكِتاب المُقَدَّس.

قال يوسيفوس إن الغَرَض المَفْهوم من شريعة زواج اللّاويّين هذه هو الحِفاظ على إسْم عائلة الرَّجُل من الإنْدِثار، وكان الغَرَض منه أيضًا مَنْع انْتِقال أمْلاكه إلى الأقارِب. وكان هناك غَرَض آخر هو أن تتمّ رِعاية الأرْمَلة بِشَكْلٍ لائق خاصَّة في سنوات شَيْخوخَتها. يقول الكِتاب المُقَدَّس أن الغَرَض هو ألا يُمحى إسْم الرَّجُل.

لقد تَحدَّثنا بإسْهاب عن الموت والحياة الأخرى والحياة الآخرة ، شاول وما شابه ذلك في دُروس سابقة كثيرة من التَّوْراة وبشَيْء من التَّفصيل فيما يَتَعَلَّق بما كان يَعْتقِده ويُمارِسه القُدَماء، بما في ذلك العِبْرانيّون. ما نراه في العصر التَّوْراتي مُختلِف تمامًا عما نَعرفه اليوم.

لقد ذَكَرْتُ أن نوعًا من عبادة الأجداد كان يُمارسه البطارِكة، وأن الفِكْرة المَرْكزيَّة في المسيحية عن الموت والذَّهاب إلى السماء لم تَكُن مَعْروفة تقريبًا في التَّوْراة، ولم تَكُن موجودة إلا بِشَكْلٍ غامِض في بعض المَزامير. بدلاً من ذلك، ما كان مَقْبولاً بِشَكْلٍ أو بآخر في عالم العهد القديم هو أن أرْواح المَوْتى أو أرواح الموتى كانت تَسْتَمِرّ في العيش في نوع من الوجود الغامِض تحت الأرض، وأن من واجِب أحْفادهم أن يَعْتَنوا بهم. كان جِزْءًا لا يتجزَّأ من الاعْتِقاد بأن جَوْهَر حياة الإنسان يَسْتَمِرّ في نَسْله؛ وبالتالي، من دون نَسْل (إبن في الحقيقة) يَنتهي جَوْهَر حياة الإنسان.

بالإضافة إلى المُعْتقدات القديمة حول الحياة الآخرة دَرسْنا أيضًا بِشيءٍ من الإسْهاب مَفْهوم مُصْطَلَح "الإسْم" ("شيم" بالعبرية). باخْتِصار، كان مُصْطَلَحإسْم“ يعني في العصور القديمة أكثر بكثير، وشَيْئًا مُخْتلفًا عما يَعنيه اليوم. كانت كَلِمَة "شيم " تعني حَرْفِيًّا الإسْم والسِّمعة معًا؛ وذلك لأن إسْم الرَّجُل غالبًا ما كان يَصِف سِمْعته. والواقع أن العديد من الأسْماء التي كانت تُعْطى عند الولادة كانت إما تاريخيَّة (أي أن الإسْم كان يَصِف ظرفًا يُحيط بميلاد الشَّخص) أو كان نَبَوِيًّا (عن طريق إعلان مَصير ذلك الشَّخص مُسْبَقًا). هناك خُرافة وواقِع في آن واحد هنا؛ الخُرافة من حيث أنه كان يُعتقَد أنه من خلال الحِفاظ على ذِكْرى إسْم الشَّخص فإن روحه ستَبْقى في الوجود. وهكذا أصبح لدينا نُصُبْ تِذْكاريّة بُنيت عليها أسْماء الأشخاص المُتَوفّين. كانت هذه بداية الفِكْرة الحديثة لشواهِد القبور وعلامات القبور. إذًا كانت الفِكْرة هي أنه إذا كان إسْم الجِّثّة لا يزال مَوْجودًا، وكانت عائلته لا تزال تَنْطق به، فإن روحه لا تزال تَعْمل بطريقة غامِضة.

من وِجْهة نَظَر واقِعية، نَجِد العديد من الأسْماء التَّوْراتية تَدلّ تمامًا على رِسالة أو مَصير أنْجزَه ذلك الشَّخص: يَسوع، على سبيل المثال……الله يُخَلِّص.

ولكن ماذا يَحْدُث إذا مات رَجُل بلا وَلَد (أو الأفضل، بلا ولَد ذَكَر)؟ إذا حَدَث ذلك لم يَكُن هناك نَسْل يَنْطق بإسْمه أو يَنْحَته على النُّصُب التِّذْكاريّة، أو يُحافَظ على جَوْهَر حياته حَيًّا في أجساد الأجيال التالية له، أو يَهْتمّ باحْتِياجاته في الحياة الآخرة. لذلك تَوَقَّف وُجوده في الحياة الآخرة (وهو اقتِراح مُرْعِب ورَهيب حقًا).

ونَجِد هذه المُعْتقدات شِبْه عالمية في الطَّبيعة في العُصور القديمة ونَجِدها مَذْكورة حتى في الكِتاب المُقَدَّس. فنَجِد كِلا من يعقوب وابنه يوسف يُصِرّان على أن يتمّ إخْراجهما خارج مصر ويُدْفَنا بجوار أسْلافهما المُتَوَفّين حتى يتسنّى لهما التَّواصُل معهم. نَجِد أيضًا هذه العبارة المُتَكرِّرة في الكِتاب المُقَدَّس: ”مات وذهب ليكون مع آبائه“. وهذا يَدلُّنا على مدى اسْتِمْرار العِبرانيّين في الإيمان بِنَوْع من الحياة الآخرة غير المُحَدَّدَة المَعالِم، حيث لا يُمْكِن للمَيِّت أن يتواصَل مع أموات آخرين فحسب، بل إن الأحْياء لديهم التِزامات تِجاه الأموات حتى تَسْتَمِرّ أرواحهم.

وهكذا يُصْبح لدينا سبب إسم آخر للزواج اللّاهوتي؛ فكل هذا جِزْء قابل للتَّشْكيل أو التَّغيير بِسُهولة لإبقاء روح المَيِّت مَوجودة. إذا مات رَجُل عبراني دون أن يكون له ولد، فإن إسْمه يَنْقَرِض. ولأنه لم يَكُن له نَسْل من الذُّكور لِمُواصلة سُلالة العائلة فإن جَوْهَر حياته لن يَسْتَمِرّ؛ لن يكون له نَسل يُلَبّي احْتِياجاته في الحياة الآخِرة؛ بل الأسوأ من ذلك أن يَنْتَهي إسْم سُلالة عائلته. هذا هو جَوْهَر العِبارة في الآية السادِسة حيث تقول إن إسْمه سيَزول أو يُمْحى من بني إسرائيل. وَجَد الرَّب أن هذه المَسْألة مُهِمّة بما فيه الكِفاية ليَفْعَل شيئًا حِيالها، ومن هنا كانت القواعِد التي تَقْضي بأن يَتزَوَّج أخو الرَّجُل المُتَوفّى من الأرْمَلة ويُعْطيها أوْلادًا. ببساطة الزواج منها لم يكن هو القضية؛ منحها الأطفال (نظريًا ابنًا) كان هو القضية.

لقد أَوْضَحْتُ لكم في الدَّرْسَيْن الماضِيَيْن كيف نَجِد هذا التَّدَرُّج المُدْهِش في الكِتاب المُقَدَّس حيث لا تُعلَن المبادئ الإلَهية الثابِتة كَقَوانين، بل إن مُمارَسَتُها مَدْفونة في أعْماق قِصَص البَطارِكة. في وقتٍ لاحِق فقط أَصْبَحَت هذه المبادئ المُضَمَّنة (التي كان الكثير منها عادات يَوْمِيَّة أكثر من كَوْنها قواعد مَدْروسة) في نهاية المطاف قوانين مُحَدَّدَة جيِّدًا (مع عواقِب عَدَم طاعَتها) على مُنْحَدرات جبل سيناء. لديّ هنا فِرْصَة لأُريكُم مِثالاً آخر.

نَجِد مَفْهوم الزواج اللّاوي مُسْتَخْدَمًا بين البطارِكة قبل وقت طويل من أن يكون قانونًا مَكتوبًا بين العبرانيين. في وقت لاحِق، بعد أن أُعْطِيَ النّاموس عن الزواج اللاوي بِفَتْرة طويلة سنَجِده قد تَوَسَّعَ وانْتَقَل إلى مُستوى آخر في زَمَن القُضاة. ولكن قَبْل موسى، بالعَوْدة إلى سِفْر التكوين ثمانية وثلاثين نَجِد قِصَّة يَهُوَّذا وثامار.ْ َكَانت ثامار زوجة ابن يَهُوَّذا، ولكنها ترمَّلت عندما مات زَوجُها (ابن يَهُوَّذا) فجأة وتَرَكَها بدون أولاد. فطَلَبَت العادات أن يَتزَوَّج أونان، ابن يَهُوَّذا التالي، من ثامار ويُنْجِب لها طفلاً. وقد تزوَّجَها على مَضَض لكنه رَفَض أن يُلَقِّحها (واختار بدلاً من ذلك، كما تقول التَّوْراة، أن ”يَهدر بِذرته“).

ولأن أونان كان شريرًا في نَظَر الله لعدم إنْجاب ثامار (ولم يُقال لنا بعد لماذا كان هذا شَرًّا) قتَلَه الله والآن كان على ابن يَهُوَّذا الأصغر أن يَتزَوَّج ثامار. لاحِظ أن أونان قد تزوَّج بالفعل من ثامار، ولكن لأنه رَفَض أن يُعطيها ابنًا وَجَدَه الله مُذْنِبًا. لم يَرْغب يَهُوَّذا في أن يَتزَوَّج ابنه الأصغر من ثامار لأنه كان قد فقد بالفِعْل ابْنَيْن تزوَّجا من هذه المرأة وماتا؛ لذلك رَفَض السَّماح بالزواج. وفي نهاية المطاف خَدَعَت ثامار يَهُوَّذا ظانًا أنها عاهِرة؛ فحَمَلَت منه ولم تُنْجِب ولدًا واحدًا بل توأمًا (أحَدهما أصبح جَدّ يَهْوَهْ).

الآن السَّبَب الذي جَعَل ثامار تَفْعل ذلك لم يَكُن أنانيًّا كما قد يَبْدو (وكثيرًا ما تمّ تَعْليمه والتبشير به على أنه عَمَلٌ أناني). كان من المَعْروف في ذلك العصر أن المرأة كانت تَحْمِل مُفْتاح حياة الآخرة لِزَوْجها. فإذا لم تُنْجِب أطفالاً، تَنْتَهي حياته الآخرة. لذلك بذلت ثامار جِهْدًا كبيرًا لِفِعل شَيْء كان على الأرْجَح بَغيضًا بالنِّسْبة لها (العمل كعاهِرة لإغْراء يَهُوَّذا) من أجْلِ أن تفي بِواجِبها في إنْجاب ابْن بإسْم زَوْجها المَّيِّت، وبالتّالي ضمان اسْتِمرار حياة روحِه.

ولهذا السَّبَب أيضًا قَتَل الله أونان؛ فقد قام أونان بِعَمَلٍ شرّير (كما اتَّضح) بِرَفْضه أن يُلَقِّح ثامار. افْهَموا: لقد فَهِم أونان تمامًا أنه بِعَدَم قيامِه بواجِبه سيَتوَقَّف جَوْهَر حياة أخيه. وهكذا بالمَعْنى الرّوحي قَتَل أونان الجِزْء الحَيَوي من أخيه، روحَه. لذلك قَتَل الله أونان لِرَفْضه القيام بواجبه لتَجَنُّبْ مثل هذا الأمْر الرَّهيب.

نعود بِسُرعة إلى الوراء بِضْعة قُرون إلى ما بعد وقت طويل من الزَّمَن الذي أُعْطِيَت فيه شريعة الزواج اللّاوي لموسى، إلى زَمن راعوث. لقد مات رَجُل (زوج راعوث) ولم يَكُن له إخْوَة أحْياء، لذا فقد وَقَع الأمْر على أقارِب أبْعَد ليَتزَوَّج راعوث ويَهِبَها ابْنًا. كان ذلك الرَّجُل هو بوعز. صحيح أن قِصَّة راعوث تَنْطَوي أيضًا على شريعة الفادي القريب، لَكِن قواعد الزواج اللّاوي حاضِرة أيضًا ومِحْوَريَّة في القِصَّة. وهكذا نرى كيف مورِسَت قوانين الزواج اللّاوي على مَرّ القُرون في مراحِل مُخْتَلِفة من تاريخ بني إسرائيل.

ولكن ماذا يَحْدُث إذا لم يَرْغَب أخو الرَّجُل المُتَوَفّى في الزواج من الأرْمَلة؟ نَجِدُ ما يَحْدُث في هذا الظَّرْف ابتداءً من سِفْر التثنية خمسة وعشرين على سبعة. وهو أن الأرْمَلة تأتي بالأخ المُتَمَرّد إلى أبواب المدينة (حيث الشُّيوخ الذين هم عادةً قُضاة البَلْدة يَتَولّون الأمور القانونية) وتُعْلِن أن المسؤول يَرْفُض القيام بِواجبه. يَسْأله شيوخ البَلْدة عمّا إذا كان الأمْر كذلك، وإذا أكَّدَ ذلك فإنها تَمشي إليه وتَسْحَب الصَّنْدَل من إحدى قَدَمَيْه ثم تبْصُق عليه. كما أنها تُطْلِق ما يُشْبِه اللَّعْنة على الأخ بأن ما فَعَلَه بأخيه يَجِب أن يَحْدُث له، وأنه سيُعرف إلى الأبد بإسْم ”غير المُنَعَّل“ ….. وهو لقب غريب جدًا ، ألا تعتقد ذلك؟

هذا مُثير للاهْتِمام بما فيه الكِفاية لقضاء لحْظة في شرح طُقوس نزع الصندل. إسْمَحوا لي أن أبدأ بالتَّذْكير بأن الحياة الجِنْسيَّة كانت في المُقدّمة في الثقافات القديمة (بما في ذلك الثَّقافة العِبْريّة) ولكن مُتَرجمي الكِتاب المُقَدَّس ذوي النّوايا الحَسَنة دَفَنوها بِحَيث لا يُمْكِننا رؤيتها في ترجمات الكِتاب المُقَدَّس الحاليّة. لم يَكُن يُنْظَر إلى النَّشاط الجِّنْسي على أنه شيء قَذِر أو من المُحَرَّمات، بل كان مُجَرَّد جزء من الحياة مثل التَّنَفُّس والأكْل. بطبيعة الحال كانت هناك قواعِد حول النَّشاط الجِّنْسي (قوانين ضدّ المِثْليَّة الجِّنْسِيّة وسفاح القُرْبى والزِّنا وما شابه)، لكن هذه الأفعال المَحْظورة هي التي كانت تُحَرِّف ما خَلَقَه الرَّب على أنه طبيعي وحَيَوي. وعلاوة على ذلك، كانت الرُّسوم التَوْضيحيّة الجِنْسيَّة والاسْتِعارات والصُّوَر اللَّفْظِيّة جِزْءًا من اللُّغة اليَوْمِيَّة؛ ومرَّة أخرى، ليس على أنها مُبْتَذَلة أو موحِية ولكن كمُجَرَّد وسيلة للتَّواصُل بِعِبارات مَفْهومة ومَقْبولة.

النِقْطة المُهِمَّة هي أن طُقوس خَلْع النَّعْل من القَدَم والبَصْق كانت جِنْسِيَّة تمامًا في مَعناها. تَذكَّروا كيف أنه في الفِكْر العِبْري عندما يَتزَوَّج الرَّجُل بامْرأة فإنه يَلْبُس زَوْجته كَقِطْعة من الملابِس. إنها تُصبح نوعًا من الغطاء بالنِّسْبة له تمامًا كما يُوَفِّر هو نَوْعًا مُخْتَلِفًا من الغطاء لها. وهكذا سَيُشير الكِتاب المُقَدَّس أحيانًا إلى الزَّوْجة على أنها ”لِباس“ لِزَوْجها (وهذا تشبيه جميل وهادِف وليس مُهينًا). إن الصَّنْدل في قِصَّتنا (للأخ الذي لن يَتزَوَّج الأرْمَلة) يُمَثِّل هذا النوع من التَّشْبيهات. فَكِّروا في قِصَّة يَهْوَهْ وثامار وأنا أشْرَح لكم هذا: الصَّنْدل هو العُضو التَّناسُلي للمرأة، وقدم الرَّجُل تُمَثِّل العُضو التَّناسُلي للرَّجُل. من المُفْتَرَض أن يَلْبس الرَّجُل وفقًا لقواعد الزواج اللاهوتيّة العُضو التَّناسُلي للمرأة ولكنه لا يَفْعل؛ لذلك في الطُّقوس تَنْزَع المرأة الصَّنْدل من قَدَمِه علانيّة.

ثم تَبْصُق بعد ذلك ليس في وَجْهِه (كما تقول مُعْظَم النِّسَخ) ولكن أمام حُضوره؛ ويُمَثِّل البصاق سائلَه المَنَوي. يقول الحُكَماء القُدَماء أن الطَّقس هو أن تَبْصُق الأرْمَلة المَهْجورة أمام الأخ، على الأرض بجانِب قَدَمِه العارية. وهذا في الأساس يُعيد تَمْثيل قِصَّة أونان وثامار حيث لم يَضَع أونان الشِّرّير نَسْله في ثامار بل اخْتار بدلاً من ذلك أن ”يَهْدُره “.

وكإهانة أخيرة على الأخ، أعْلَنَت الأرْمَلة أنه سيُعرف بـ ”الشخص المَنْزوع النَّعْل“، أي الذي رَفَض القِيام بواجِبه في الزواج اللّاوي. ليس الجِزْء الخاص بالزواج بل الجِزْء الخاص بإعْطاء الأرْمَلة وَلَدًا ذَكَرًا.

دَعونا نُلْقي نَظَرةً جانِبِيَّة مُثيرة للاهْتِمام على حَلْقة في العهد الجديد حيث كان يسوع يتجادَل مع بعض الصَّدوقيّين وكان الجِدال يَتَعلَّق بِمَسألة زواج اللّاويّين. اقْلِبوا أناجيلَكم إلى إنجيل متّى إثنين وعشرين.

اقرأ إنجيل متّى إثنين وعشرين على ثلاثة وعشرين الى إثنين وثلاثين

من الواضِح أن زواج اللّاويّين كان مَعروفًا جيدًا في أيام يسوع ولم يتم الإعْتِراض بأي حال من الأحوال على صِحَّته. ولكن الجِدال الذي كان يَخوضُه كان في الحقيقة حول القِيامة. كان الصَّدوقيّون يَسْتَشْهِدون بِتَقليدهم ليَسوع حول القيامة وحاولوا اسْتِخْدام شريعة الزواج اللّاوي لإثبات أن القِيامة لم تَكُن أكثر من شريعة يهوديّة مَنْقولة إلى عالم مادّي جديد تَحْكمه مَمْلَكة يهوديّة ماديّة جديدة. لم يروا أي عُنْصُر سماوي روحي في القِيامة (أو في الزواج اللّاوي)، بل رأوا فقط الجوانِب الأرْضِيَّة والجَسَدِيَّة والسِّياسيَّة.

لذلك اسْتَخْدَموا الزواج اللّاوي ليُجادِلوا ضدّ مَوْقف يسوع. قالوا إنه إذا مات رَجُل بدون أولاد، وتزوَّج إخْوَتُه المُتَعاقبون من أرْمَلَته ومات كل منهم وفَشِل كل منهم في إنْجاب وَلَدٍ من الأرْمَلة، ثم ماتت الأرْمَلة، فزوجة من تكون بعد القيامة؟ مع التَّلْميح بالطَّبْع أن الغَرَض من الزواج اللّاوي لم يَكُن أن تُصْبِح الأرْمَلة زوجة، بل أن تُصْبِح أُمًّا (أم ابن الرَّجُل المُتَوَفّى).

يَرِدُّ يسوع بأن الجِدال في هذا الأمر لا طائل من وَرائه لأن هذا لن يكون له أي أهَمِّيّة في العالَم الآتي، العالَم الذي سيكون روحيًّا أكثر منه جَسَديًّا في طبيعته وأبْعاده بعد القيامة (أي القيامة العامَّة وليس قيامَته هو). لن يكون لإنْجاب الأولاد ورَزْق الرَّجُل المُتَوَفّى بِوَلدٍ أي معنى عندئذٍ. إن القوانين التي تتعامَل مع الأرامِل والعائلات وسُبُل تَجَنُّب الظُّلْم الاجتماعي هي أمور تَتعلَّق بالعالَم المادي الحالي، وليس بالسَّماء والعالم المُسْتَقْبَلي الآتي. علاوة على ذلك، لن يكون هناك أي زواج لأن طبيعتنا ستكون أقْرَب إلى طبيعة الملائكة منها إلى طبيعة البَشَر.

وهكذا لن تكون هناك حاجة لمثال الزواج كارْتِباط الأرواح معًا وكمال الإخلاص.

دعونا نَنْتَقِل إلى الشريعة التالية في سِفْر التثنية خمسة وعشرين؛ شريعة غريبة جداً نَجِدها في الآيات من إحدى عشرة الى ثلاثة عشرة، ثم شريعة ثانية مُثيرة للاهْتِمام تليها في الآيات من ثلاثة عشرة الى سِتّة عشرة.

هذه الشَّريعة الغَريبة هي تلك التي تَتعلَّق بالتَّدَخُّل غير اللائق للمرأة (الزَّوجة) في شِجار زوجِها. القَضِيَّة هي أن رَجُلين يتشاجران مع بَعْضهما البعض وتُقَرِّر زوجة أحد المُتَخاصِمين مُساعَدة زَوجها بالإمْساك بالأعْضاء التَّناسُلِيَّة لخَصْمِه. ويَنصّ هذا القانون على أنه لا يجوز لها أن تَفْعَل هذا الشيء، وإذا فَعَلت ذلك تُقطع يَدُها كَعُقوبة لها. على الأقل هذا ما يبدو أنه منصوص في القانون. يَجِب أن أعْتَرِف أن الصّورة الذِّهْنِيَّة التي أحْصَل عليها عن هذا الحَدَث يَصْعب تَصْديقها كشيء يُمْكِن أن يَحْدُث؛ والحاخامات يَتَّفِقون معي في ذلك. أعْني أن مُعْظَم القوانين التي قَرَأناها قد شُرِّعت لمنع شيء كان يَحْدُث بانتظام (ولكن لا يَنْبَغي أن يَحْدُث) وكان يَجِب التَّعامل معه أو تأسيس شيء كان يَجِب أن يَحْدُث (ولكن لم يَحْدُث). يكاد يكون من المُسْتَحيل تَخَيُّل احْتِمال أن تَمْسُك امرأة بأعْضاء رَجُل كان في شِجار مع زَوْجها ولا يوجَد كتابات في النُّصوص اليهوديَّة لِمِثِل هذا الأمْر. إذَن ما هو هذا الأمْر؟

أولاً، يَتَعَلَّق الأمْر بِقِتال مَدَني عام وليس حَرْباً. هذا الشِّجار ليس في ساحة المَعْرَكة، بل عن رَجُلين (إثنين من بني إسرائيل) يَخْتَلِفان بِشِدّةٍ على شيء ما. ثانيًا، تبدو عُقوبة إمْساك المرأة المُعْتَدِية بأعضاء الرَّجُل التَّناسُلِيَّة غير مُتَناسِبة تمامًا مع عقوبة قَطِع يدها. ثالثًا، تَعْكُس التَّوْراة الكراهيَّة التّامة لأي نوع من أنواع التَّشْويه الجَسَدي كَعُقوبة قَضائيّة، لذا فإن هذا لا معنى له حقًا في سِياق الصّورة الأكْبَر. لذلك عَرِف الحُكَماء العبرانيّون العُظَماء أنه كان عليهم أن يَنْظُروا في العِمْق لِمَعْرِفة ما هو المَقْصود.

الإجْماع العام هو أن هذا القانون مَجازي وليس حَرْفيًا، وأن المبدأ الأساسي هو العَدْل الأساسي لأن العدل هو عُنْصر أساسي للقداسة الأساسيّة. كان إمْساك المرأة بِعَضو الرَّجُل التَّناسُلي سيَكون تَجْرِبة فَظيعة ومُهِينَة في ذلك العَصْر أكثر ممّا هو عليه الآن. علاوة على ذلك لا يوجد ما يُشير إلى أن الشِّجار كان يُسَبِّب ضَرَرًا جَسَدِيًّا كبيرًا لِزَوْجها. لذلك فإنَّ تَدَخُّل طرف ثالث نِيابة عن أحد المُتَشاجِرين في هذا النوع من المواقِف واتِّخاذ الإجراء القوي الذي اتَّخَذَتْهُ هذه المرأة مَجازًا، هو أمْر غير عادِل بِشَكْلٍ واضِح؛ إنه غِشّ ولا مُبَرِّر له.

لكن عندما نَنْتَقِل إلى القانون الذي يلي هذا، قانون اسْتِخْدام الأوزان والمقاييس الصَّحيحة، نرى شيئًا مثيرًا للاهتمام حقًا. لن أَخوض في التَّفاصيل التِّقَنِيَّة، ولكن إذا تَذَكَّرْتم أيام دِراستكم في دُروس قواعد اللغة الإنجليزية، فكما أن الأدَب الإنجليزي له إيقاع ووَزْن يَخْتَلِف باخْتِلاف نوع الأدَب (نَثْر، شِعْر، سَرْد، إلخ) كذلك الأمْرُ مع الأدَب العِبْري. وما نَجِده هو أن الآية الثالثة عشرة حول عدم وجود أوْزان بديلة في كيسِك هي في الحقيقة جِسْر مُتَرابِط بين قانون التَّدَخُّل غير السَّليم في القِتال وقانون الأوْزان والمَكاييل الصَّادِقة. إنه ما يُسَمّيه الكُتّاب بالتَّداخُل المُزْدَوِج؛ إنه تداخُل بين فِكْرَتَيْن والكَلِمات لها مَعْنَيان مُتَوازيان في آنٍ واحد.

لاحِظوا أن القَضِيَّة في الآية الثانية عشرة هي الأَعْضاء التَّناسُلِيَّة الذَّكَرِيّة، ولذلك فإن ما يليها مُباشَرةً هو عن الأوْزان في المِكْيال؛ أو بِمَعْنى أدَقّ ما يُقال هو ”حِجارة“ في المِكْيال (الإشارة واضِحة لذلك لا أحْتاج أن أكون شديد الوُضوح). ثم في الآية الرابعة عشرة تتحدَّث عن عَدَمِ وُجود أوْزان كبيرة وصغيرة (كمَقْاييس للقِياس) في بَيْتِك، وهذا بالطَّبْع يَرْتَبِط أيضًا بالآية الثالثة عشرة عن وجود حَجَر كبير وصغير في الكيس. والنَّصيحة في القانون الثاني هي إعْطاء كَمِّيّة عادِلة عند البَيْع والشِّراء وفقًا لمَجْموعة واحِدة من الأوْزان والمقاييس.

إذن فَكِلا القانونَيْن يَرْجَعان إلى مسألة العَدْل الأساسي، وكَلِمَتَيْ ”الحِجارة“ و”الكيس“ تُسْتَخدَمان لإظهار العلاقة الكامِنة بين قانون التَدَخُّل غير السَّليم في الشِّجار من قِبَل المرأة، والاسْتِخْدام غير الأمين للأوْزان والمقاييس لِغِش شخصٍ ما.

سنُتابِع الأسبوع القادِم ونُناقِش قانون ”تَذَكُّر العماليق“.