9th of Tevet, 5785 | ט׳ בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التثنية » سِفْر التثنية الدرس إثنان وثلاثين – الإصْحاحان ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين
سِفْر التثنية الدرس إثنان وثلاثين – الإصْحاحان ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين

سِفْر التثنية الدرس إثنان وثلاثين – الإصْحاحان ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين

Download Transcript


سِفْر التثنية

الدرس إثنان وثلاثين الإصْحاحان ثلاثة وعشرين وأربعة وعشرين

سنُنْهي اليوم سِفْر التثنية ثلاثة وعشرين ونَنْتَقِل إلى الإصْحاح الرابع والعشرين. كانت الآيتان الأخيرتان من الإصْحاح الثالث والعشرين اللّتان تناولْناهُما في الإصْحاحين الثامن عشر والتاسع عشر مسألة البَغايا اللّاتي كُنَّ يَعْمَلْنَ في مَعْبَدٍ وَثَني كَمِهْنَة يُفترض أنها مُقَدّسة لمُجَرَّد أنها كانت تُدِرّ رِبْحًا على أولئك الّذين يُسيطرون على ذلك الهَيْكَل. وفي نفس سياق البَغاء كانت مُقَدَّمة لمَفْهوم عدَم تَلَقّي المال من الكَسْب الحرام وتَقْديمه لله كتَقْدِمة لأنه لن يُعترَف به أو يَقْبَلَه أبدًا. والسَّبَب في ذلك هو أن ما يَفْعله الشّخص في الواقع بِمِثل هذا الفِعْل هو أن يُقَدِّم للرَّب شَيْئًا هو نِتاج زِنا ويُتوقَّع منه أن يُعلنه كشيء جيِّد لمُجَرَّد أنه يُقدِّمه بِنِيَّةٍ حَسَنة (وإن كانت مُضَلِّلة).

لِنَنْتَقِل إلى سِفْر التثنية ثلاثة وعشرين عند الآية عشرين. سنَبدأ بإعادة قراءة هذا المقطع القصير.

أعِد قراءة سِفْر التثنية ثلاثة وعشرين على عشرين حتى النِّهاية

هذا القانون التالي هو جِزْء من تلك العائلة من الوصايا التي أسْمَيْتُها قوانين ”الدِّين الحقّ“ (بنفس المعنى الذي عَرَّف به يعقوب أخو يسوع ”الدِّين الحق“). الدِّين الحق يعني أن نأخُذ روح النّاموس، ونُضيف إليه قُسْطًا وافِرًا من الرَّحْمة والمَحَبّة، ونَضَعه في التَّطبيق العَمَلي بإرشاد الرّوح القُدُس. هذا القانون بالذات له علاقة بتَقْديم قَرْض لشخصٍ ما؛ والقاعِدة هي أنه إذا كان المُقْتَرِض أخًا (إسرائيليًا، أي مُواطنًا إسرائيليًا كاملْ الحقوق) فلا تُفرَض فائدة. ولكن بالنِّسْبَة لأَجْنَبي (يقول الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل "الغريب") إن فَرْض الفائدة مَقبول.

الكَلِمَة التي تُترجَم إلى أَجْنَبي أو غَريب أو دَخيل (حَسَب نَسخة الكِتاب المُقَدَّس) هي نوكري. والنوكري هو تصنيف الأَجْنَبي الذي لا تَربطه بإسرائيل أي روابط، ولا يُعْفِ نفسه بإسرائيل، وبِشَكْلٍ عام ليس لَديه ولاء لإسرائيل سوى التَّعبير عن قَدَر من الامْتِنان للسَّماح له بالعَيْش بِسَلام إلى جانب بني إسرائيل في الأرض لسَبَب أو لآخر. عادةً ما يُعتبر هذا القانون إشارة إلى التُّجّار المُسافرين الّذين يَمرّون من بلاد بعيدة، أو التُّجّار الأجانب الّذين أقاموا تِجارة في إسرائيل لأنهم يَستطيعون كَسْب عَيْشهم هناك. لذلك فإن إقْراض المال أو الطعام أو أي شيء ذي قيمة بِشَكْلٍ عام لهذا النوع من الأشخاص له علاقة بعَرْض تِجاري على عَكْس الفَرَضِيَّة الأساسيّة لإقْراضِ عبراني لِعبراني آخر. وهذه الفَرَضِيَّة هي أن المُقْتَرِض العبراني كان شخصًا فقيرًا في حالةٍ يُرْثى لها وكانت صِحَّته ورَفاهيَّته في خطر إذا لم يتلقَّ يَد العَوْن.

في أيام موسى ويسوع على وَجه الخُصوص، لا يوجد دليل على أن نِظامًا لإقْراض المال (أي الفِضّة أو الذَّهَب) قد أُقيم في إسرائيل، بل كان الطعام بِشَكْلٍ عام في شكل حُبوبٍ أو مُنْتَجات كان يَتِمّ إقْراضها. من المؤكَّد أن مُقْرِضي الأموال كانوا قد تأسَّسوا في أماكِن أخرى في المنطقة، وكان إقْراض المال للفُقَراء من أجل الرِّبح شائعًا ومُكْلِفًا للغاية بالنِّسْبَة للمُقْتَرِض. تُظهِر السِّجِلّات من ثقافات بلاد ما بين النَّهْرَيْن أن الفائدة البالغة خمسة وعشرين في المئة على قَرْض الفِضَّة وخمسين في المئة على قَرْض الحُبوب كانت هي القاعِدة. كانت هذه الفائدة بِبَساطة تَجْعل الفُقَراء أكثر فِقْرًا والأغْنِياء أكثر ثَراءً. لا شكّ أن هؤلاء النوكريين الّذين عاشوا في إسرائيل جاؤوا من أُمَم كان بإمْكانهم أن يَقْتَرِضوا فيها المال إذا أرادوا ذلك، ولكن بِفوائد رَهيبة. يقول الرَّب إن بني إسرائيل غيرْ مُلزَمين بإعانة رجال الأعمال الأجانب هؤلاء بإقْراضهم ما يَرغبون فيه بدون فائدة. ولكن بني إسرائيل مُلْزَمون بإقْراض فُقَراء العِبْرانيّين الفُقَراء بدون فائدة (وكذلك الأَجْنَبي الفقير حقًا الذي يعَيْش بينهم) لأن من واجِب بني إسرائيل ألّا يَرْبحوا من مُصيبة غَيْرهم.

إنه لَرَدّ فِعْل غير مَحْسوب اليوم أن نَنْظر إلى هذه القوانين ونُفَكِّر في أنْفُسنا كم هو فَظيع أن شَرِكات الإقْراض تَجْني ثَروات طائلة من إقْراض المال للمُواطنين العاديِّين. فشَرِكاتُ بِطاقات الائتِمان تتقاضى فائدة عشرين في المئة وأكثر، وشَرِكات قُروض مقابل رهْن السيارات ومكاتب الرهونات تتقاضى فائدةً أكثر من ذلك، وغالِبًا ما يكون ذلك للمحرومين اجتماعيًا في مُجْتَمَعنا. ولكن علينا أن نَحْرُص على ان لا نُقارِن شيء بآخر لا علاقة له. فكثيرًا جدًا، وخاصة في أمريكا، هناك من يوصَفون بـ”الفُقَراء“ لأنهم كانوا حَمْقى بِشَكْلٍ فظيع في التَّعامل مع أموالِهم أو مع ائْتِمانهم، أو أنّهم في عَجَلة من أمْرِهم ولا يُريدون الانْتِظار للحُصول على شيءٍ ما فيَعْقُدون صَفْقة حمْقاء. أو رُبَّما يَرْفضون العمل أو الحصول على التَّعليم المُتاح للجميع لتَمْكينهم من الحصول على وظيفة لائقة. لدينا أيضًا أولئك الأشخاص الّذين يُفْرِطون في تَناول الكُحول أو المُخَدَّرات ثم يَخْسَرون كل شيء ونَميل إلى جَمْع هؤلاء مع ”الفُقَراء“ والمَحْرومين. الكِتاب المُقَدَّس بِشَكْلٍ عام لا يَفْعل ذلك لأن المسؤولية الشَّخْصيَّة وتَحَمُّل عَواقب قراراتنا وأفْعالنا هي في جَوْهر الحياة المُسْتَنِدة إلى الكِتاب المُقَدَّس. نَجِدُ العديد من القوانين والأمثال في جميع أنحاء الكِتاب المُقَدَّس (العهد الجديد أيضًا) التي تَعْرض السِكّير والأبناء الّذين لا قيمة لهم تجاه أهْلِهم للإعْدام، والكَسالى والحَمْقى يُعانون من مَصيرهم رغم أن مُشاهدة ذلك أمْرٌ مُفْجِع.

إن تَعريف الله للفُقْر هو أنه رُبَّما بِسَبَب سوء حالَتِهم الصُّحِّية، أو لِكَوْنهم مُضْطَهَدين عمْدًا من المُجْتَمَع، أو لِعَدَم وجود عَمَل مُتاح، أو لأن المَوت والدَّمار غير المُتوقَّع قد حَلَّ بهم، أو أي عدد من الظُّروف الأخرى التي لا يَسْتَطيعون فيها، بدون خطأ من جانِبهم، أن يُعيلوا أَنْفُسهم أو عائلاتهم بِشَكْلٍ مَعقول. لا يُعَرَّف الفِقْر بأنه الإفْراط في اسْتِخْدام ائْتِمانك ثم اسْتِرْداد مَنْزلك، لذا عليك الآن أن تَعيش في شِقّةٍ صغيرة مُسْتأجَرة. الفِقْر ليس رُكوب الحافِلة للذَّهاب إلى العَمَل لأنك لا تَمْلُك سيارة (على الرَّغم من أن ركوب الحافِلة قد يَسْتَغْرِق وقتًا طويلاً وهو غير مُريح). الفِقْر يعني أنك لا تَملك ما يكفي من الطعام أو ليس لديك سَقْف فوق رأسك، أو ليس لديك مِعْطَف دافئ لتَرْتَديه عندما يكون الجَوّ بارِداً. في العصر التَّوْراتي كان يُمكن إيجاد النِّساء والأطفال وخاصة الأرامِل والأيْتام في أوْضاع تُهَدِّد حياتَهم لأنهم لم يَكونوا قادِرين على رِعاية أَنْفُسهم بِسَبَب الطَّريقة التَّقْليديّة التي كان المُجْتَمَع يَعْمل بها. كان المُعَوَّقون والمَرْضى يَنْدَرِجون أيضًا في هذه الفئة، وكذلك الأجانِب الّذين جاؤوا إلى إسرائيل هَرَبًا من العُبودية من أسْيادِهم الأجانِب. يقول الله أن على كل بني إسرائيل مُساعَدَة هؤلاء الناس والتأكُّد من أن لديهم ما يَكفيهم للبقاء على قَيْد الحياة؛ وإلا فإنهم سوف يُنادونه بِسَبَب عَدَم رحْمة شعب الله (وبالتالي انتِهاك وصايا التَّوْراة الإنسانيَّة)؛ وأولئك الّذين أداروا ظُهورهم لأضْعَف الناس في المُجْتَمَع سوف يَرْتَكبون خطيئة ضدّ الرَّب وستكون هناك عَواقِب.

هذا في الأساس قانون يَتعلَّق بالمسؤوليّة الاجْتِماعيَّة والعدالة المُتأصِّلة. كان لدى يسوع الكثير ليَقوله في هذا المَوْضوع.

القانون التالي مَذكور في الآيات إثنين وعشرين وثلاثة وعشرين، وهو يَفتح مَوْضوعًا رائعًا حقًّا تَشكَّلَت حوله العديد من العقائد اليهوديّة والمسيحيّة؛ إنه مَوْضوع تقديم النُّذور ليَهْوَهْ. يَنُصّ هذا القانون على أنه عندما تَنْذُر نِذْرًا (أي أنك تَقْطَع نِذْرًا من نوعٍ ما للرَّب وتَسْتَدعي إسْمه كضمان) يجب على المَرْء (أ) أن يفي بهذا النِّذر، و (ب) أن يُؤدّيه في الوقت المُناسِب. إن عدم الوفاء بهذا النِّذْر هو في حدِّ ذاتِه خطيئة، بِغَض النَّظَر عن طبيعة هذا النِّذْر أو كيف تَغَيَّرَت الظُّروف بِشَكْلٍ جَذْري منذ أن نَذَرْت النِّذْر (حتى الظُّروف التي لم يَكُن من المَعْقول أن تَتخيَّلها أبدًا).

بما أنه يبدو أن كل إصْحاح في الكِتاب المُقَدَّس تقريبًا يَتناول أُناسًا يَنْذِرون أو يُخِلّون بالنُّذور من نوعٍ أو آخر، دَعونا نَتَفَحَّص هذا الأمْر قليلاً حتى نتمكَّن من الإحاطة بهذه العادة القديمة جدًا لتقديم النُّذور للإلَه.

من الجَيِّد في عَصْرنا الحالي أن نَتذكَّر أنه في العُصور الماضية كان وجود الإلَهة والإلَهات (والكائنات الرّوحيّة الأخرى أيضًا) أمْرًا مَقْبولاً ومُعتبَرًا عالميًا مثل ضَرورة أن يَتَنَفَّس الإنسان الهواء ويَشرب الماء إذا أراد أن يَعيش. فقط منذ فترة عصر التَّنوير في أوائل القرن الثامن عشر تحدّى بعض الفلاسِفة مثل كانط وفولتير وهْيوم هذا الاعْتِقاد العالَمي وقالوا إن الجَهَلة وغير المُسْتَنيرين هم فقط من يَقْبلون هذا الهراء الخُرافي بِوُجود إلَه خَفي قادِر على كل شيء، أو بِوُجود مَلائكة أو كائنات روحيَّة، لأن هذه الفَرَضِيَّة لم تَكُن قابِلة للتَّحَقُّق عِلْميًّا. وهكذا لدينا وِلادة الإلْحاد والنَّزْعة الإنْسانية العِلْمانيَّة قبل ثلاثمئة عام بالكاد.

ما أَقْصده هو أنه قبل القرن السابع عشر الميلادي كان النِّذر للإلَهة أمْرًا مُعتادًا مثل تَناوُل وَجبة الطعام. لم يَكُن الأمْر مُخْتلفًا بالنِّسْبَة لِبَني إسرائيل عنه بالنِّسْبَة لبَقِيَّة العالَم باسْتِثناء شيء واحد: يُقال عن الإلَهة الوَثَنِيَّة أنها كانت تُريد من أتْباعها أن يَنْذُروا تلك النُّذور والعهود، لكن الرَّب إلَه بني إسرائيل يقول إنه كان يَوَدّ أن لا يَنْذر الإنسان له نُذورًا وعُهودًا. لماذا كانت تلك المَعابِد الوَثَنيَّة وكَهَنتِها الوَثَنيّين يؤيِّدون بِحَماس تقديم النُّذور؟ لأن تقديم النُّذور كان يَعني تقديم هَدِيّة لذلك الإلَه. في النِّهاية، بالطَّبْع، انتهى الأمْر بِتِلْك الهَدِيَّة في أيْدي كَهَنة الهيْكَل. لم يَكُن الأمْر مُختلفًا في إسرائيل لأنه عندما كان الشَّخص يَنْذُر نِذرًا كان يتطلَّب ذَبيحة وتَقْدِمَة لبداية النِّذر وإتْمامه، وكثير من تلك القرابين كانت تُعطى للكَهْنوت.

اخْتلفَت أغراض النِّذر في إسرائيل اخْتِلافًا كبيرًا. كان النِّذر بِشَكْلٍ عام التِماسًا إلى الرَّب لمُساعدته. رُبَّما أراد شخص ما بِشِدّة أن يَحْدُث شيء ما (أو لا يَحدُث)؛ أو رُبَّما احْتاجوا إلى الإغاثة من المتاعِب. رُبَّما طَلَبوا النَّصر في المعركة أو الشِّفاء من المرض. عادةً ما كان الشخص الذي نَذر نِذرًا يَنْذُر أن يفعل شيئًا للرَّب إذا اعْتَرف بِحاجته أو رَغبته. وعادةً ما كان الدَّفع أو التَّقْدِمة للرَّب شيئًا ذا قيمة؛ ولكن في حالة النِّذر الناصِري، كانت التَّقْدِمة الأوَّلِيَّة غالبًا ما تكون الامْتِناع عن شيء يَجْلب المُتْعة الشَّخصيّة (مثل الخمر).

في العالَم الوَثَني كانت النُّذور في الأساس مُصَمَّمة كَرَشوة. كان من المُتَوَقّع أن المُتَعَبِّد كان يَشتري حَرْفيًّا حِظْوة إلَه أو إلَهة مُعَّينة عن طريق تقديم نِذره. يقول يَهْوَهْ أنه لا يحتاج إلى طعام أو شراب، وأنه بالفِعل مالِك كل شيء في الوجود، لذا فإن تقديم أي نوع من المال أو شيء ثمين مُقابل عَمَله لا قيمة له بالنِّسْبَة له. علاوة على ذلك، فهو صاحِب السِّيادة ولا يُمكن شراء إرادته. ومع ذلك، لم يَمْنع ذلك جِزْءا كبيرًا من الشعب العِبراني من المُحاولة، وغالبًا ما كانت النتائج فظيعة.

ومع أن الرَّب لا يُشجِّع على النِّذر ، إلا أنه لا يقول أيضًا أن هناك أي شيء خاطئ أو أن هناك خطيئة في ذلك. لذلك يقول في الآية الثالثة والعشرين أنه إذا اخْتار المَرْء ألا يَنْذِر نِذرًا ليَهْوَهْ، فهذا ليس خطيئة. ويَذهب المسيح إلى حدّ القول إنه من الأفضل بكثير أن يَجعل المرء نَعَمَهُ نَعَمًا ولاءَهُ لاءً ويتجنَّب عمليَّة النِّذر بِرِمَّتها من البداية. لماذا؟ لأنه كما يقول في الآية التّالية (وأنا أُعيد صِياغة الآية): ”أيًا كان ما عاهَدْتُموني عليه ستُوْفون به…….وإلّا“.

كما ترون فإن العواقِب غير المَقْصودة لِقَطع وَعْدٍ للرَّب هي المُشْكِلة. لا يُمْكننا أن نرى ثانية واحدة في المُسْتقبل، فكيف يُمْكِننا أن نتأكّد من أننا نَسْتطيع أن نُنَفِّذ شيئًا نَذَرْنا أن نَفْعَله (أو لا نَفْعَله) قد يَسْتغْرِق أسابيع أو شُهورًا، أو قد يَتضمَّن شخصًا آخر، أو قد يكون شيئًا لا نَمْلِك عليه سَيْطرةً تُذْكَر؟ رُبَّما تكون النَّتيجة الأكثر مأساويَّة في الكِتاب المُقَدَّس بأكْمَلِه لامْتِلاك أفضل النَّوايا في تقديم نِذر ولكننا نُواجه أفظع العواقِب غير المَقْصودة هي قِصَّة يافثاه، الذي أراد أن يُباركه الرَّب في المعركة ولذلك نَذَر أنه إذا انْتَصَر الرَّبْ له سيُقَدِّم كذبيحة مَحْرَقة أول شيء يَدخل من بابه عندما يعود إلى بَيْته من حَملته العَسْكَرِيَّة. وبطبيعة الحال كان من الطَّبيعي أن يَتوقَّع أنه سيكون نَوعًا من الحيوانات التي ستَسْتَقبله، ففوجِئَ بابْنَته الوحيدة التي اقْتَحَمَت الباب بِحَماس لِتُسرِع إليه. وبما أنه قد انْتَصر في المعركة بالفِعل، فقد أوفى بِنِذْره. هناك العديد من الدُّروس في هذه القِصَّة التي لن نَخوض فيها اليوم؛ فقط اعْلَم أن يافثا نَفَّذ، لأنه فَهِم تمامًا أن هذا القانون الوارد في سِفْر التثنية ثلاثة وعشرين ليس له اسْتِثْناءات. الشَّيْئان الوحيدان اللّذان أريدُ أن أذْكُرْهما الآن حول ما يُمكن أن نَتعلَّمه من هذه الحادِثة هما: 1) أن الله لم يُرِد ولم يَطْلُب ولم يَقْبَل التَّضْحِية البَشَرِيَّة بابْنة يافثا، و2) أن الله أيضًا لم يَطْلُب نِذْرًا من يافثا، لكي يُقَدِّم النَّصر الذي كان يأمَله.

أنا مُتأكِّد من أنه لو كان بإمْكانه التَّحَدُّث من قَبْره لكانت نَصيحة يافثا لنا جميعًا (بِخِلاف نُذور الزواج رُبَّما) لا تَنْذُروا أي نِذِرٍ لأن القيام بذلك خَطير جدًا ليس فقط بالنِّسْبَة لكم ولكن بالنِّسْبَة للآخَرين الّذين قد يَتأثَّرون بِنِذْركم.

الوَصِيَّة الأخيرة من هذا الإصْحاح تَرِد في الآيَتَيْن خمسة وعشرين وسِتَّة وعِشرين وتتعلَّق بحق الأكل من زَرْع الجار. والقاعِدة هي أنه يُمْكِن للشَّخص أن يَقْطِف بعض رؤوس الحُبوب ويأكُلها، أو يَقْطف بعض العِنَب ويأكُلَه لسَدّ جوعِه الفَوْري. لكن لا يُمْكِنُهُم أن يَطلبوا كيساً ليضعوا فيه الأكل. لا يَستطيعون أن يأتوا ويَمْلأوا سَلَّة، ولا أن يأخذوا مِنْجَلًا ويَحْصِدوا فِعليًّا ويأخذوا ما حَصَدوا.

لم يَكُن الأمْر في الحقيقة يَتعلَّق بإطعام المساكين، لأن قوانين القَطْف كانت قد وُضِعت بالفعل بالنِّسْبَة للفُقَراء. والواقع أن الفُقَراء لم يكونوا مُقَيَّدين بأن يأكُلوا فقط ما يُمْكِنهم أكلَه في الحال، بل كانت هذه الشَّريعة خاصة بالمُسافرين. كان من المَسْموح به تمامًا في العصور القديمة أن يَمْشي المرء في حَقْلِ شخص ما في رِحلة. لم يَكُن لكل مكان يَحتاج المَرْء أن يُسافر إليه مَسارًا أو طريقًا مُحَدَّدًا جيدًا. في بعض الأحيان كان من الضَّروري التَّوَجُّه بِبَساطة في اتِّجاه عام؛ وبما أن الحُقول كانت مُنْتَشِرة في كل مكان، كان من الشّاق جدًا أن تَسير حول أطراف الحقول للوصول إلى وِجْهَتك. بالإضافة إلى أنه لم تَكُن هناك مَحطّات اسْتِراحة ونَزْل على طول الطريق، وبما أن مُعظم عامة الناس كانوا يُسافِرون سَيْرًا على الأقْدام لم يكونوا يَرْغبون في حَمْل أحْمال كبيرة. لذلك عندما كانوا يَمُرّون بِحَقل أو كَرْم ويُصْبِحون جائعين كان القانون يَسْمَح لهم بأكْل نِتاج ذلك الحَقل أو الكَرْمَة بِشَكْلٍ مَحْدود.

لدينا صورة مُثيرة للاهْتِمام لهذا المَوْقف بالضَّبط في العهد الجديد في إنجيل متّى إثني عشر عندما دخل يسوع وتلاميذه في نِزاع مع بعض الفريسيّين بِسَبَب قَطْفِهم وأَكْلهم بعض الحُبوب من حَقل كانوا يَمُرّون فيه (وفقًا لشريعة المُسافرين هذه في سِفْر التثنية ثلاثة وعشرين). لكن القَضيَّة لم تَكُن تتعلَّق بالسَّرِقة أو اسْتِغْلال أحَد المُزارِعين؛ بل كانت القضية أن ذلك حَدَثَ في يوم سَبْت، ولذلك إتُّهِمَ يسوع بِتَدْنيس السَّبت. ممّا لا شكّ فيه أن هذا كان بِسَبَب أنه سارَ أكثر من المَسافة المَسْموح بها في يوم سَبْت (كما حدَّدَها الفريسيّون) لكي يكون في الحَقل خارج المدينة وكان يَجْمَع الحُبوب ليَأْكلها، ولذلك كان ذلك يُعْتَبَر عَمَلاً أيضًا وفقًا لبعض التَّقاليد. لا يبدو أن يسوع لم يَعْتَقِد أن الشَّرائع التي أعطاها لموسى قبل ألف وثلاثمئة سنة يجب أن تُنسَخ بأحْدَث مَجموعة من التَّعاليم البَشَرِيَّة التي جاءت بها اليهوديّة.

دعونا نَنْتَقِل إلى سِفْر التثنية الإصْحاح أربعة وعشرين.

اقرأ سِفْر التثنية الإصْحاح الرابع والعشرين بأكْمَلِه

من المُثير للاهْتِمام أنه على الرَّغم من أننا نقرأ كثيرًا في التَّوْراة والكِتاب المُقَدَّس عن رَجُل عبراني يعطي زوجته أَمْر طلاق (غيت بالعبرية) إلا أنه في الواقع لا توجد في التَّوْراة قوانين مُباشرة ونِهائية للطّلاق. وبِعِبارة أخرى، بينما نَجِد قوانين عن الزواج وحتى الزواج مرَّة ثانية، لا نَجِد إجراءات أو قواعد حول كَيْفِيّة أو سبب الطَّلاق.

على ما يبدو أنه بما أن الطَّلاق كان أمْرًا مألوفًا ومُعتادًا في الشرق الأوسط، فقد اعْتَبَره العِبْرانيّون عُمومًا أمْرًا مَفْروغًا مِنْه؛ وأسباب الطَّلاق والإجراءات التي اتَّبَعوها أيضًا كانت بِبَساطة عادات قديمة. لقد كان نظام الطَّلاق قديمًا ومعروفًا بِشَكْلٍ عام إلى دَرجة أن تَفْسيره لم يُكتب حتى في الكِتاب المُقَدَّس. نحن نَحصل فقط على تَلْميحات وأجزاء في المَزامير والأنْبِياء والأمثال وفي بعض القِصَص الرِّوائيّة في الكِتاب المُقَدَّس.

والأمْر الآخر الذي نُدْركُه على الفور هو أنه كما كان الطَّلاق شائعًا في عصر موسى، كذلك كان الزواج مرَّة أخرى. لذلك فكَما هو الحال بالنِّسْبَة للنِّذْر حيث أن مجموعة القواعِد الحقيقية الوحيدة التي يُعطيها الرَّب عن النِّذر هي أنه إذا نَذرْتَ نِذْرًا فعليك أن تَفي به وإلا كان ذلك خطيئة، هكذا يقول الرَّب أنه إذا طَلَّقْتَ فهناك بعض المَحْظورات المُتَعلِّقة بالزواج مرَّة أخرى. لا يوجد قانون مُدَوَّن في حدِّ ذاتِه يقول أنه لا يُمْكِنكم الطَّلاق، ومع ذلك يوضِح الرَّب أن الزواج كان يجب أن يكون مدى الحياة.

إن التَّحْريم المتعلق بالزواج مرَّةً أخرى الذي نَجِده في الآيات القليلة الأولى من الإصْحاح الرابع والعشرين هو أنه إذا قرَّر الرَّجُل تَطْليق زَوجته، ثم ذَهبَت وتَزوَّجَت مرَّة أخرى من رَجُلٍ آخر، ثم مات زَوجُها الجديد أو طَلَّق هذه المرأة أيضًا، فلا يُمْكِنها الزواج مرَّةً أخرى من زوجها الأصْلي. قبل حوالي ثمانمئة عام قال الرمبام (موسى بن ميمون) أنه يَعتقد أن سبب هذا القانون كان لِوَقف ما كان في الأساس مُخَطَّطًا مُتَفَشِّيًا لِتَبادل الزوجات حيث يتزوج الرَّجُل ثم يُطَلِّق زوجته ويأخذ أخرى لِمُعاشرةٍ قصيرة الأمَد، ثم يتزوّج مرَّة أخرى من زوجته الأولى ثم يُكرِّر هذه العمليّة كثيرًا مع نساءٍ أُخْرَيات. كانت الفِكْرة هي أنه بِزَواجه وطَلاقه القانوني وزَواجِه مرَّة أخرى وطَلاقِه مرَّةً أخرى سيُلَبِّي شَهْواته الجِنْسيَّة مع نساء مُخْتَلِفات لأنه من النّاحية التِّقَنيَّة كان مُتَزوِّجًا من كل امرأة……حتى لو كان ذلك لِبُضْعة أيام فقط. لذلك لن يكون مُخالفًا لقوانين الزِّنا بِمُمارسة الجِنس خارج زواجِه أو خارج إطار الزواج. كما قُلْت، يبدو أننا سِواءً كنا يهودًا أو مَسيحيّين نَبْحَث دائمًا عن ثَغْرة جيدة. لكن لِنَكُن واضِحين: الرَّب لا يَتغاضى عن الطَّلاق.

الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل ملاخي إثنين على سِتَّة عشرة: "لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاق، قَالَ الرَّب إِلى إِسْرَائِيل، وَأَنْ يُغَطِّي أَحَد الظُّلْم بِثَوْبِه، قَالَ رَب الْجُنُود. فَاحْذَروا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا".

الآن السَّبَب المذكور هنا في سِفْر التثنية لعدم السماح للزّوج الأوّل أن يتزوّج مرَّة أخرى الزوجة السّابقة التي طلَّقَها بعد أن تَزَوَّجَت وطلَّقَت، مَذكور في الآية الرابعة: يقول إنها الآن قد تَنَجَّسَت. لذلك إذا قام الزوج الأول بمِثل هذا الأمْر بأن يتزوّج مرَّة أخرى بِزَوجةٍ سابِقة في ظِلّ هذه الظُّروف، فإنه يَجْلب تلك النَّجاسة على أرض إسرائيل والأرض أقدس من أن تَسمح بذلك.

والآن دَعوني أُشير إلى شيء واحد قبل أن نَمْضي قُدُمًا: حيث يقول في الآية الأولى أن سبب طلاق الرَّجُل لِزَوجته هو أنه (حَسَبَ تَرْجمتك) يَجِد فيها شيئًا بَغيضًا أو أنه يَكْرَهُها أو أنها لا تُعْجبه، هذه ليست مُحاولة لِوَضع قائمة شامِلة للأسباب المَقْبولة إلَهيًّا لكي يُطَلِّق الرَّجُل زوجته. هذا مُجَرَّد تَعْميم يوضِح أنه من الواضِح أن الرَّجُل لا يُريدها بعد الآن لأي سبب كان، كما أنه لا يقول أيضًا أنه لا بأس في نَظَر الله ألّا يكون لدى الرَّجُل سبب وَجيه للطّلاق. لقد كانت هذه الشَّريعة غامِضة بما فيه الكِفاية لِدَرَجة أننا نَجِد القِدّيس بولُس يُعَلِّق على ما يُعْتقَد أنه السَّبَب الوحيد للطّلاق، وحتى مع ذلك فإن الأمْر بِرِمَّته كَريه وقَبيح في أحْسَن الأحوال. من المُفيد أن الكِتاب المُقَدَّس يَنْظُر إلى الطَّلاق على أنه في المقام الأول فَشَل في الزواج، أي أنه في حين أن الزواج هو مؤسَّسة، فإن الطَّلاق ليس مؤسَّسة بل هو اتِّحاد غير صحيح.

الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل واحد كورنثوس سبعة على خمسة عشر: "وَلَكِنْ إِنْ فَارَق غَيْر الْمُؤْمِن، فَلْيُفَارِق. لَيْسَ الأَخُ أَو الأُخْت مُسْتَعْبَدًا فِي مِثْل هذِه الأَحْوال، وَلكِن اللهَ قَدْ دَعانا فِي السَّلام".

كان ليسوع أيضا بعض الكَلِمات المباشرة حول هذا المَوْضوع:

الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل إنجيل مَتّى تسعة عشر على تسعة: "وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنّ مَنْ طَلَّق امْرَأَتَه إِلاَّ بِسبب الزِّنا وَتَزَوجَ بِأُخْرَى يَزْني".

تذكَّر أنه في عصر الكِتاب المُقَدَّس كان الرِّجال هم الّذين يَقومون بالطَّلاق. لذلك لا تَتَوسَّع في هذا المعنى لتقول أنه بينما يُمْكن للرَجُل أن يُطَلِّق زَوجته بِسَبَب زِناها، لا يُمْكِن للمرأة أن تُطلِّق الرَّجُل بِسَبَب زِناه.

والآن لاحِظوا هذا: على الأقلّ بِحَسَب شريعة سِفْر التثنية ثلاثة وعشرين لا يوجد مانِع من أن يُطَلِّق الرَّجُل زوجَتَه (والعكس صحيح من النّاحية التِقنيَّة) ثم يتزوَّجان مَرَّةً أخرى. المَنْع من الزواج مَرَّةً أخرى هو فقط فيما يَتعلَّق بِزواج أحد الشَّريكَيْن من شخص آخر في الفترة الانْتِقاليَّة.

ابتداءً من الآية الخامسة نبدأ بالابْتِعاد عن المَوْضوع الذي كان السِّياق في الفَصْلَيْن السّابِقَيْن: الوصية السابعة التي تُحَظِّر الزِّنا. نَدْخُل الآن في قِسْمٍ يُرَكِّز أكثر على القضايا الإنْسانية. والقاعِدة الأولى هي أن الرَّجُل الذي تَزّوَّج للتَّوْ يُمْكن تأجيله من الخِدْمة العَسْكَرِيَّة لِمُدّة سَنَة؛ والسَّبَب المُعْلَن هو جَلْب السعادة لِزَوجته.

والآن تَخْتَلِف النِّسَخ قليلاً، ولكن حَرْفيًّا ما تقوله في الآية الخامسة هو ”إِذَا اتَّخَذَ الرَّجُل زوجة جديدة…… “ إن كَلِمَة ”زوجة جديدة“ هي المفْتاح لأن هذا لا يَنْطَبِق على الزَّواج الثاني. أي أنه يَنْطَبِق فقط على الزوجة التي لم يَسْبق للرَجُل أن تَزوَّجَها من قبل، وبالتالي فهي ”جديدة“.

ظاهِرِيًّا يبدو ذلك أمْرًا لطيفًا للغاية (إعطاء العروس الجديدة والعريس سنة لِيَكونا معًا ويَسْتَمْتِع كل منهما بِصِحْبة الآخر قبل أن يَضطر إلى السَّفر للحرب). لكن ”السعادة“ التي يَجْلِبُها الرَّجُل لزوجته الجديدة لها علاقة بِحَمْلها وَوِلادتها أكثر بكثير من مُجَرَّد المُتْعة والإثارة المُعْتادة للعروسَيْن (على الرَّغم من أن إتاحة الوقت لذلك بالفِعل جِزْء من هَدَف هذا القانون). من الرّائج اليوم (وعادة ما تكون النَّصيحة الأبَوِيّة) أن يُؤجِّل الزَّوْجان المُتَزوِّجان حديثًا إنجاب الأطفال حتى يَسْتَقِرّوا في حياتهم الزَّوْجيّة ويقْضوا وقتًا كافِيًا كـ ”زَوْجَيْن“ فقط. ولكن في العصر التَّوْراتي كان الأمَل الأكْبَر في أن تَحْمل الزوجة الجديدة في ليلة زفافِهما (وإن لم يَكُن في ذلك الوقت، ففي أقرب وقت مُمْكِن). كان إنجاب الأطفال (وعلى أمَل أن يكون ولدًا) هو كل شيء بالنِّسْبَة للعائلة الجديدة؛ وخاصّة في حال كان على الرَّجُل المُغادرة قريبًا للقِتال في معركة مع احْتِمال حقيقي بأنه قد يموت. كان إنجاب إبِن يعني أن جَوْهَر حياة الرَّجُل ونَسْله سَيَسْتَمِر؛ وبالنِّسْبَة للزوجة كان يعني أنها لن تَضْطَرّ إلى تَحَمُّل عار الزواج دون إنْجاب أطفال. تذكَّروا: بالنِّسْبَة للعبرانيين، كان الواجب الأساسي الذي تَحَمَّلوه في العهد الإبْراهيمي هو أن يكونوا مُثْمِرين (أن يتكاثَروا). إن فَشِل الرَّجُل أو المرأة في الإنجاب كان إخفاقًا في الوفاء بهذا العهد، وكان ذلك أمْرًا خطيرًا جدًا يَجْلب العار العَلَني.

الشَّرائع التالية الواردة في الآيتين السادِسة والسابعة أوْسَع بكثير ممّا قد يبدو في القِراءة العادية. تتعلَّق هذه القوانين باحْتِرام الحياة. الأولى تتعلَّق بما يَحْدُث عندما يقْرِض شخصُ ما شخصًا فقيرًا جدًا بعض المال أو الطعام، ويُريد نوعًا من الضَّمان (ضمانة) لِقَرْضه. والمِثال المُعْطى هو أنه يجوز للمُقرِض أن يأخُذ حَجَر الطّاحونة العلوي من المُقْتَرِض كضمان.

كانت طاحونة الحُبوب أداة أساسيّة في كل أُسْرة شرق أَوْسطِيَّة. وكانت هذه الأدوات، رغم بِدائيَّتها، باهِظَة الثمن وصَعْبة الصِّنْع. وكانت تتوارَثها الأجيال جيلاً بعد جيل، وكان من الشائع أن تُستخدَم طاحونة الحُبوب لمئات السِّنين قبل الحاجة إلى طاحونة جديدة. وكانت تتألَّف من جِزْأَيْن يُسَمَّيان حجر الطاحونة العُلْوي والسُّفْلي. وكان الجِزْء السُّفلي عبارة عن سطح حَجَري مُسَطَّح ثقيل حيث تُوضَع الحُبوب، والجِزْء العُلْوي هو الجِزْء الأصْغَر الذي يُمْسِكه الشخص بِيَده. وكان حَجَر الطاحونة العُلْوي يُسْتَخْدَم لِسَحْق الحُبوب على الجِزْء السُّفْلي. وإذا ما أُخِذ حجر الطاحونة العُلْوي أو فُقِد، فإن طاحونة الحُبوب تُصْبِح عديمة الفائدة بِشَكْلٍ أساسي.

كان يتمّ طَحْن الحُبوب يوميًّا لتَحْويلها إلى دقيق أو طحين. كان أخذ الطاحونة من عائلةٍ ما يعني حِرْمانها من وَسيلة العَيْش، وحِرْمان العائلة من وَسيلة العَيْش يعني حِرْمانُها من الحياة. وهذا هو بالضَّبْط الهَدف من هذا القانون؛ وكذلك القانون التالي الذي يَتَناول الخَطْف.

هذا المَبْدأ هو مَبْدأ يتم دَفْعه أحيانًا إلى الخَلْف في مُجْتَمَعنا الرأسْمالي المُوَجَّه نحو الثَّرْوة، وهو: مهما كان الوَضع، فإنه من المُسْتَهْجَن أخْلاقيًا أن نأخُذ من شخصٍ الوسيلة الوحيدة التي يَمْلِكها لِكَسْب الرِّزق، خاصة عندما يكون ذلك لمُجَرَّد ضمان قَرض أو الوفاء بقَرض.

بالتالي يترتَّب على ذلك أنه لا يجوز لِشخص أن يَسرق حياة شخص آخر (وهو ما يَرقى إليه الاخْتِطاف). يُشير الاخْتِطاف في الكِتاب المُقَدَّس إلى أخذ شخص ما بِغَرَض اسْتِعْباده لاسْتِخْدامِكَ الشخصي أو بَيْعه لآخر من أجل الرِّبْح. وعادةً ما يُفهم من ذلك أن سوء المُعاملة مشمول أيضًا، أي معاملة الضحية كحيوان أو مُمتلكات والعقوبة لِفِعل ذلك مُتَوَقَّعة: حياة مقابل حياة، إعدام المُجْرِم. عندما نُفَكِّر في ما يَعنيه ذلك، علينا أن نأخُذ في الاعْتِبار الطريقة التي كان يعْمَل بها المُجْتَمَع في ذلك الوقت. في المعارك، كان من المُعتاد تمامًا أن يأخُذ المُنْتَصِرون أشخاصًا ويَسْتَخْدِمونهم كعبيد. لم يَكُن هذا يُعْتَبَر خَطْفًا بل غَنيمة حرب. وبالإضافة إلى ذلك، كان من المُعتاد أن يتم استيعاب النِّساء والأطفال في المُجْتَمَع الإسرائيلي بدلًا من اعْتِبارهم ”مُلكًا“ لِفَردٍ مُعَيَّن. وقد رأينا في القوانين السّابقة أن إساءة مُعاملة العبيد والخَدَم، أجانِب كانوا أَم عِبرانيّين، مَحْظورة؛ وخَيْر مِثال على ذلك حادِثة شكيم عندما قام لاوي وشَمعون بِذَبْح جميع الذُّكور البالِغين، وثُمَّ أُخِذت نساء وأُخِذ أطفال المدينة ”كعَبيد“. وهذا يعني في الأساس أنهم أُضيفوا قَسْراً إلى سكان إسرائيل، ولكن في الوقت نَفْسه لم يُعتَبَروا دون البَشَر أو أناسًا يُستَغلّون بلا رَحْمة كَعَمالة رَخيصة.

في حين أن شريعة الخَطْف لم تَكُن بالضَّرورة تتعلَّق فقط بالمُواطِنين الإسرائيليّين المُحْتَمَلين كَضَحايا، إلا أن الطَّريقة التي صيغَت بها الآية السابِعة تعني أن هذا هو الهدف من هذا التَّشْريع بالذّات.

أُريد أن أُنْهي دَرْس هذا الأسبوع بِتَوضيح نِقْطة آمَل أن أكون قد اسْتَطّعْتُ أن أشْرَحْها بما فيه الكِفاية، لأن القوانين القليلة التالية على وَجْه الخُصوص هي أمْثِلة مُمْتازة لما أنا على وشَك أن أقوله لكم.

علاوة على ذلك، عندما نَسْتَطيع أن نَسْتَوْعِب أخيرًا الوجود المُدْهِش وطبيعة الأنْماط المَوْجودة في كَلِمَة الله فإننا في النِّهاية نكون في وَضْعٍ يَسْمَحُ لنا بِفَهْم كِلِمَته بِشَكْلٍ أكْمَل، ونكون قادِرين أيضًا على أن نَحِلّ بِشَكْلٍ أفضل النُّبوءات التي نَنْتَظِر جميعًا بفارِغ الصبر (ورُبَّما بِخَوْف) أن تتحقَّق في المُسْتَقْبَل القريب.

ها هي النّقطة المُهِمَّة: لقد قُلْتُ مِرارًا وتِكْرارًا أن ناموس موسى ليس فقط حَقيقيًّا وملموسًا، بل إنه في نفس الوقت نوع وسِمَة للأشياء القادِمة. إنه ليس هذا أو ذاك؛ النّاموس هو كِلاهُما معًا. إنها ثُنائيَّةً مَوجودة وتَعمل على مُسْتَوَييْن على الأقل في وقتٍ واحد. في بعض الحالات هذه ”الأُمور الآتية“ الضَّبابِيَّة قد حَدَثَت بالفِعْل نتيجة لِمَجيء يسوع المسيح. من ناحية أخرى، لم تَكُن الشَّرائع التي أُعْطِيَت على لِسان موسى على جبل سيناء أمْثالاً ولا أقْوالاً مُضْحِكة ولا مُثُلاً مُسْتحيلة، ولذلك لم يَكُن هناك تَوَقُّعٌ جَدّي من قِبَل يَهْوَهْ بأن تُطاع.

الكِتاب المُقَدَّس اليهودي الكامِل سِفْر التثنية ثلاثين على عشرة: "وَمَتَى أَتَت عَلَيْك كُل هذه الأُمور، الْبَرَكَةُ وَاللَّعْنةُ، اللَّتان جَعَلْتُهُما قُدَّامَك، فَإِن رَدَدْتَ فِي قَلْبك بَيْن جَمِيعِ الأُمَم الَّذِين طَرَدَك الرَّب إِلهُك إِلَيْهم، وَرَجَعْت إِلَى الرَّبّ إِلهِك، وَسَمِعْت لِصَوْتِه حَسَب كُلّ مَا أَنَا أُوصِيك بِه الْيَوْم، أَنْت وَبَنُوك، بِكُلّ قَلْبِك وَبِكُلِ نَفْسِك". إحدى عشرة: "إِنَّ هذه الْوَصِيَّةَ الَّتي أُوصيكَ بِهَا الْيَوْم لَيْسَت عَسِرَةً عَلَيْك وَلا بَعِيدَةً مِنْك".

قَصَد الله تمامًا أن تَتْبَع كل هذه القواعِد والأحْكام من شريعة التَّوْراة: لم يُعْطِ موسى ”اللإقْتِراحات العَشْرة“ ثم أتْبَعَها بـ ستّمئة وثلاثين من ”الإرْشادات“ الأخرى، ومع ذلك نحن نَعْلَم أن وَراء كل هذه الشَّرائع كانت هناك مَبادِئ أساسيّة من ناحية، ومن ناحية أخرى كانت الشَّرائع والوصايا وسيلةً لإظْهار هذه المبادِئ والمُثُل الأساسيّة التي ستُثمِر في النِّهاية على يَد المسيح. لا عَجَب في أن الناس على مدى عُصور وعُصور قد ناضَلوا من أجْل الرَّبْط بين النّاموس والمسيح.

لقد أوْصَلْتكم الى هنا لأُخْبِرَكم أن نَمَط إظهار مَبادئ الله من خلال تَضْمينِها في العديد من الرِّوايات والقِصَص من الكتاب المُقَدَّس في أي فترة زَمَنِيَّة حَدَثَت فيها، ثم أصْبَحَت هذه المبادِئ نَفْسها مَفْهومة بِشَكْلٍ أفْضَل ثم طُبِّقَت بِشَكْلٍ أوْسع في القِصَص التي حَدَثَت في الأجيال اللّاحِقة بعد ذلك، لا يَقْتَصِر فقط على إعْطاء النّاموس الذي تَحَقَّق فيما بعد في حياة يسوع المسيح؛ لذلك عندما نَنْظُر عن كَثَب نرى أن المبادِئ المُضَمَّنَة في قِصَّة الخَلْق قد تمَّ شَرْحُها في قِصَص البَطارِكة العَجيبة. تمَّ التَّوَسُّع في المبادِئ المُتَضَمَّنة في قِصَص البطارِكة وجَعْلها أكثر وُضوحًا من خلال إعْطاء النّاموس. تمَّ نقَلُ المبادِئ المَنْصوص عليها في النّاموس إلى مُسْتوى آخر من القَصْد والعَمَل مع مَجيء يسوع حيث أَوْضَحَ بِشَكْلٍ كامِل الرّوح التي يَجِب أن تُطاع بها والمبادِئ التي تمَّ العَمَل بها في حياة يسوع، والتي تَحَدَّثَ عنها في أمْثالِه، ستُصْبِح أكثر دِقَّة وتَحَقُّقًا عندما يَحْكم ويَمْلك في المَلَكوت الألْفي.

تترابَط كل هذه المبادِئ الإلَهية بِشَكْلٍ مِثالي لِدَرَجةٍ أنه على الرَّغم من آلآف السِّنين من التَّقَدُّم في تاريخ البَشَرِيَّة، والتَّغَيُّرات والاخْتِلافات المُذْهِلة داخل المُجْتَمَعات البَشَرِيَّة، سنَرى نفس المبادِئ التي اسْتُخْدِمَت في كَمال المَلَكوت الألْفي التي اسْتَخْدَمْناها في قِصَّة الخَلْق. وهذا لأن هذه المبادِئ الإلَهية المنصوصة في الكتاب المُقَدَّس ثابِتة؛ فهي لا تتغيَّر أبدًا. حتى أنها تَظَلّْ كما هي سِواءً طُبِّقَت في السَّماء أو على الأرض، أو حتى على الأرض الجديدة القادِمة.

عندما نَقْرأ القِصَص الرائعة في التَّوْراة التي حَدَثَت في عَصْر البَطارِكة (إبراهيم وإسحاق ويعقوب)، فإن تلك المبادِئ الإلَهية الأساسيّة الكامِنة في التَّوْراة (والتي بِصَراحة ليس من السَّهْل دائمًا اسْتِخْلاصُها وتَحديدها) هي في الواقِع تُهَيِّئْ المَسْرَح للعديد من الشَّرائع والوصايا التي سَيُعطيها موسى في وقت لاحِق على جبل سيناء لِشَعب إسرائيل. بَيْنَما نقرأ ونتعلَّم عن النّاموس (طالما إننا في سِفْر التثنية) من المُفيد أن نأخُذ بعض هذه الشَّرائع ونعود إلى سِفْر التَّكْوين، ثم نُراقِب المبادئ المُعَبَّر عنها في هذه الشَّرائع تَظْهَر وتَحْدُث في هذه القِصَص ونرى كيف تترابَط كلّها. مبادئ لم نتعرَّف عليها من قَبْل في قِصَص الكِتاب المُقَدَّس الأولى هذه تظهر لنا فجأة وبوضوح.

لقد أصْبَح العديد من عُلَماء الكِتاب المُقَدَّس في القَرْنَيْن العشرين والحادي والعشرين مُدْرِكِين تمامًا لهذه الرَّوابِط المُتَشابِكة والمُتَداخِلة بِشَكْلٍ مُسْتَحيل لِدَرَجة أنَّهم لا يَسْتطيعون أن يَسْتَنْتِجوا إلا أن كل ذلك قد تمّ تَصْنيعه ونَسْجه معًا بعد الحقيقة من قِبَل بعض المُحَرِّرين البارِعين. إن مَوْقف العديد من الأكاديمِيِّين المُعاصِرين الآن هو أن (على سبيل المِثال) أسْفار الخُروج وسِفْر التثنية كان يَجِب أن تُكتَب قبل سِفْر التَّكْوين (أو أنها قد اُدْخِلَت على سِفْر التَّكوين تعديلات كبيرة في تاريخ لاحِق)، وأن السَّبَب الذي جَعَل هؤلاء المُحَرِّرين المَجْهولين يَرْتَكِبون هذه الخَديعة هو أن شرائع جبل سيناء كانت قد ظَهَرَت (في مبادئها الأساسِيَّة) في قِصَص إبراهيم وإسحاق ويعقوب التي حَدَثَت قبل ذلك بِمئات السِّنين. إنهم يَسْتَخْلِصون هذا الافْتِراض لأنه على الرَّغم من أنَّ تَفْكيرهم واسِع إلّا أن إيمانَهم قليل، فهم لا يَسْتَطيعون أن يَقْبَلوا أن مبادِئ الله يُمْكِن أن تكون مَوْجودة في وقت مُبْكِر جدًا في الكِتاب المُقَدَّس ثم تَظَلّ ثابِتة تمامًا من دون تَغْيير ومُتَناسِقة بل وتَزْدادُ عِمْقًا مع مُرور القُرون حتى سِفْر الرّؤيا.

إخْوَتي المؤمِنين، إذا كُنْتُم تُريدون حَقًا أن تَعْرِفوا ما سَيَفْعله الله في المُسْتَقْبل، انْظُروا إلى أنْماط الماضي. إذا قال لك شَخْصٌ ما أنَّ نُبوءة موجودة في الكتاب المُقَدَّس لم تتحقَّق بعد ويجب أن تَحْدُث بطريقة تُلْغي مبادئ الله السّابقة لصالِح مبادِئ جديدة، فكن مُشَكِّكًا.

في الأسبوع القادِم سنأخُذ بعض هذه القوانين من سِفْر التثنية أربعة وعشرين ونعود بالزَّمَن إلى الوراء لنرى أساس هذه القوانين في قِصَّة البطارِكة.