11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدد الدرس عشرون – الإصحاح السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر
سِفْر العدد الدرس عشرون – الإصحاح السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر

سِفْر العدد الدرس عشرون – الإصحاح السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر

Download Transcript


سِفْر العدد

الدرس عشرون – الإصحاح السادس عشر والسابع عشر والثامن عشر

خَتَمنا الأسبوع الماضي سِفْر العدد الخامس عشر بدراسة مُطوَّلة بعض الشيء لعِلاج الله لمَيْل شعب إسرائيل إلى تجاهُل شرائعه وأوامِره. هذا النَهج غَير الرَّسمي الذي اتّخذَه الكثيرون في إسرائيل تجاه شرائع موسى المُعطاة حديثًا تَجسَّد في قِصَّة الرَجُل الذي جَمَع الحَطَب لإشعال النار يوم السبت وكانت النتيجة المأساوية أنّ الرَجُل أُعدِم بسبب مخالفة أمْر الرَب القائل بعدم إشعال النار أو العَمَل في يوم السبت. من الواضِح من هذه الحادثة أنَّ الرَجُل لم يُشعل نارًا بالفِعل، بل جَمَع الحَطب فقط. لذلك سَلّطَت هذه القصة أيضًا الضوء على أنّ عصيان الله يَجلِب الموت، وأنّ النِيّة، حتّى لو لم يتحقَّق العمل المَقصود بالكامل، ربّما تلعَب الدَور الأساسي في تحديد الله لِشِدَّة الخَطِيَّة وبالتالي النتيجة المُتَرتِّبة عليها.

والعلاج الذي أمَرَ الله به كان في جوهرِه أداة تَذكير، تذكير مرئي لكلّ بني إسرائيل بأنّ الله جادُّ في شرائعه، وأنّ عواقِب العِصيان قد تكون وَخيمة. كان من المُفترَض أن تكون التزيتزيت، وهو ما تُسمّيه التَرجمات عادةً بالهَدب، أداة التذكُّر تِلك.

كان على كلّ ذَكَر من بني إسرائيل أن يَرتدي التزيتزيت ؛ وهي شرابة مَصنوعة من خيوط كتان بَيضاء، مَلفوفة حول خَيط صوفي أزرق واحِد، ثم تُوضَع على أطراف الثوب. على الرُّغم من أنّ الكتاب المقدس لا يَتناول على وَجه التحديد مَسألةَ النّساء في هذا الشأن، إلا أنه كان يُعتبَر اختياريًا ومَسموحًا للنساء أن يُعلِّقن التزيتزيت على ثيابهنَّ.

لم يكُن التأثير المَطلوب من التزيتزيت على الناس خارِقًا للطبيعة على الإطلاق. لم تكُن التزيتزيت تَحمل أي قوَّة، ولم يكُن لها مَكان في الطقوس. بل كانت تلعَب على أقوى الحَواس البشرية، وهي حاسَّة البَصَر، لتحقيق هدَف تَذكير بني إسرائيل بأوامِر التوراة حتّى لا يُخاطروا بإهانة الله وثُمّ يَتعرَّضوا للعِقاب الإلهي أو المَدَني.

ولكنْ، كانت التزيتزيت أيضًا علامَة؛ علامة القداسَة. وبصورة أكثر تحديدًا، كانت ترمُز إلى قَدْرٍ من النُبلِ وقَدْرٍ من الخِدمة الكَهنوتية التّي كان كلّ إسرائيلي يتشرَّف بالحصول عليها ويُتوقَّع منه الحفاظ عليها. إنّ المفتاح لِفَهم التزيتزيت هو أنّه كان استثناءً من الحَظر المفروض على عامَّة بني إسرائيل حيث لا يَجوز ارتداء الملابس المَصنوعة من نوعَين مختلفَين من المواد. كان القانون يَنُصُّ على أنّه يُمكِن للمَرء أن يلبِس الصوف فقط أو يلبِس الكتان فقط؛ ولكن لا يُمكِن خَلْط الاثنين معًا. ولكن، بما أنّ سِبط لاوي قد فُصِل عن بني إسرائيل، وعُيِّن أفرادهُ في مهمَّة خاصة كخدّام وكهنة مُعيَّنين من الله، كان لرئيس الكهنة والكهنة العاديين زوجان من المَلابس مصنوعان من خلط الصوف والكَتّان؛ هذا الخلط بين المادّتَين هو، بالعبرية، ”شعتنيز“.

كانت التزتيزات القِطعة الوحيدة التي كان يَرتديها عامَّة بني إسرائيل والتي كانت من الشعتنيز كما كانت القِطعة الوحيدة من نوعها التي يُمكِن ارتداؤها خارج أرض خيمة الاجتماع. والسَبب في ذلك هو القانون الذي يَنُصّ على أنه لا يمكن استخدام أي شيء مقدَّس إلا في حَرَم الهيكل (أو في أيام موسى، خيمة البرية). كان يَجِب أن تَبقى الأشياء المُقدَّسة من أيّ نوع داخل فِناء خيمة الاجتماع أو الهَيكل، لأن تلك كانت الأرض المقدَّسة الوَحيدة. إذا أُخِذ أي شيء مقدَّس أو تم ارتِداؤه خارج المِنطقة المقدَّسة، فإنّ ذلك الشيء كان يَتنجَّس. وَلَكِنْ، كَانَ الْعَكْسُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَكَانَ يَجِبُ الِاحْتِرَاسُ مِنْهُ بِنَفْسِ الْقَدْرِأَيْ شَيْءٌ مُشْتَرَكٌ يُقَدَّم لِلَّهِ أَوْ يَسْتَخْدِمَ فِي خِدْمَةِ اللَّهِ يُصْبِح مُقَدَّسًا وَهَذَا يُمَثَّلُ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْمَشَاكِلِ وَالعَوَاقِب الْخَاصَّةِ بِهِ.

والآن، بينما نَنتقل إلى الإصحاحات التالية من سِفْر العدد، سنَجِد أنّه تَمَّ تَطبيق العديد من هذه المبادئ الموجودة في العدد الخامس عشر.

تُشكِّل الإصحاحات ستة عشرة، سبعة عشرة، ثمانية عشرة من سِفْر العدد وِحْدَة واحدة. إنها في الحقيقة ليسَت سوى قصِّة واحدة طويلة قَسَّمها العُلماء المسيحيون منذ زمن طويل إلى أجزاء صغيرة نُسمّيها فُصولاً أو إصحاحات. ولكن هذه القصّة تَتجزّأ كثيراً في رأيي إذا ما اكتَفينا بقراءة الإصحاح الأول من الوِحدة، ثم الإصحاح الذي يَليه، ثم الإصحاح الثالث. لذلك سوف نَتبَع اليوم نَهجًا غير مُعتاد يَتمثَّل في قراءة الإصحاحات الثلاثة على التوالي دون التوقُّف للتعليق أو الدراسة، ثمّ بعدَ أن نقرأها جميعًا، سنَعود ونبدأ في تحليل كل ما يَحدُث في هذه الآيات.

قَبل أن نَبدأ اسمحوا لي أن أقدم لكم مُقدِّمة صغيرة عن موضوع هذه الفصول، وذلك لمُساعدتكُم على مَعرفة ما الذي تَبحثون عنه. يدور هذا كلُّه في الأساس حول طبيعة الكَهْنوت وهدفِه الذي لا غنى عنه والمَكانة التي لا مُساومَة فيها التي كان من المُفترَض أن يحتلَّها الكَهْنوت في حياة إسرائيل الوَطَنِية. سندرُس المَكانة الخاصة من القداسة الفائقة التي تَمتلِكْها قبيلة لاوي، مع توافُر المجموعة الفرعيَّة داخل لاوي التي تُدعى الكَهْنوت في قمَّة التسلسُل الهَرَمي للقداسة؛ وهذا ما سيَظهَر من خلال القانون ورِواية قِصَّة التَمرُّد على التسلسُل الهَرَمي للقداسة التي أمَرَ بها الله.

عندما أعطى يَهوَهْ الناموس لأول مرة لموسى في جبَل سيناء، لم تكُن سوى نَظرية مِثالية لشعب إسرائيل. لم تكُن هذه الشرائع في مُعظمِها قائمة طويلة من الأوامِر والنواهي، والطقوس والشعائر، والجرائم والعقوبات، التي وُضِعَت لإسرائيل ليُطيعها الشعب؛ لكنَّه لم يفهَم كيف يمكِن أن تَنطبِق هذه الأمور على الحياة اليومية، ولا (في كثير من الحالات) لماذا كان عليه أن يَفعَل (أو لا يفعَل) هذه الأشياء في المَقام الأول. عَلاوةً على ذلك، لم يكُن من المُمكن حتّى مراعاة جزءٍ كبير منها دون أن تكون إسرائيل في أرْض الميعاد (في الواقع كانت بَعض الشرائع قد استُهِلَّت بعبارة ”بعد دخولِك الأرض“). ما هو الغرَض المُفيد الذي يمكن أن تَخدُمْهُ بعض هذه الشرائع الغريبة (على الأقلّ كانت غريبة بالنسبة لمُجتمَع الشرق الأوسط النموذجي)؟ لقد بَدَت الكثير من هذه الأوامِر والفرائض تَعَسُّفِيَةً ومُتَقَلِبّةً وصَعبةً للغاية.

كان الأمْر أشبَه بما كنّا عليه عندما كنّا مُراهقين، نَستعِدّ للحصول على أوَّل رُخصة قيادة. كان علينا أن نقرأ كتاباً صغيراً مُزعِجاً عن قوانين المرور ونَحْفَظْهُ بما يكفي لاجتياز الاختِبار حتّى نتمكَّن من الحصول على الرخصة ونتمكَّن من المُشارَكة في طقوس العبور الأمريكية إلى مَرحلة البلوغ: قيادة السيارة. لكنّ الغَرَض من قوانين المرور هذه كان في كثير من الأحيان لُغزاً بالنسبة لنا. في الواقع، بدا الكثير مِنها سخيفًا إلى حدٍ ما، لذا لم يكُن لدينا أي خطَّة للامتثال لها عندما حصَلنا أخيرًا على رُخَص القيادة وبدأنا بالفِعل في القيادة من دون أن يَجلِس والدَنا أو والدتنا بجانبِنا. بالنسبة لمعظمِنا، استغرَق الأمر سِلسلةً من المُخالَفات وحوادث الاصطدام وارتفاع أسعار التأمين لنَفهَم الرسالة (أ) أنّ القوانين حقيقية وليست مُجرَّد نَظريّة، و (ب) أنّ عواقِب انتهاك هذه القوانين، سواء اعتقدْنا أنها حكيمة أو غبيَّة يمكن أن تَتراوح من مُزعجة إلى قاسية.

بعبارةٍ أخرى يَجب وَضْع المبادئ مَوْضِع التنفيذ للانتقال من النَظَري إلى الوَاقِع. لو أنّ الناموس أُعْطِيَ لبني إسرائيل وجلَسوا هناك عند سَفْح جبل سيناء؛ لو أنهم اكتَفوا بجَمْع المَنّ الذي كان الله يَرزُقُهم به كل يوم، ونَظروا كل صباحٍ إلى قُمَّة الجَبل المُهيب الذي أُعطي الناموس عليه، ورَبّوا قطعانَهم في سلام وهدوء، لَبَقي معظم الناموس مجرَّد نظريَّةٍ بالنسبة لهم. لقد احتاجوا إلى المَضي قُدُمًا، واختبار الحياة، والتعامُل مع الظروف اليَوميّة، ومواجَهة الصعوبات والتَحدّيات، وتَحمُّل المَشاق، والتَعثُّر والسقوط، واتِّخاذ خَيارات صَعبةٍ وغير واضِحةِ المعالِم، حتّى تُصبِحْ حكمة هذه المبادئ الإلهية وغرَضُها حقيقة؛ وحتّى يَتعلَّم بنو إسرائيل كيفيّة تَطبيقها فتُصبِح وصايا الله أمرًا راسخًا في عقولِهم وقلوبِهم.

وكذلك الأمْرُ بالنسبة لمَسيرة المَسيحي مع الرَب. إنها رحلة وليست رُكودًا. إذا قَبِلنا يسوع ولم نَتقَدَّم إلى الأمام، ولم نَقْبَل المخاطر، وسَلَكنا طرُقًا تبدو مُخيفة بعض الشيء؛ إذا بَقينا في مكان لا شيء فيه سوى الدِفء والتَوفير والراحة، فإنّ مُعظم ما يريدنا المسيح أن نعرِفَهُ سيبقى مُجَرَّد نَظرية. فِكرة جميلة؛ شعور بالدفء والراحة.

فقط عندما نَخْطو خطوة إلى الأمام ونمضي قُدُمًا، ونَضَع تلك المبادئ الإلهية مَوْضِع التنفيذ، تُصبح حقيقية بالنسبة لنا ونبدأ في رؤية هدفِها وكمالهِا. إنّ تجارُبَنا هي التي تُرسِّخ ثقتَنا وتؤكِّد إيمانَنا.

تَبدأ القِصَّة التي نحنُ على وشَك قراءتها بقصَّةٍ أخرى في سِلْسِلَةٍ من تمرُّدات شعب إسرائيل ضدَّ الله. إنه لا يَراها تَمرُّدًا على يَهوَهْ، بل يراها تَمرُّدًا على البَشَر: موسى وهارون. ويا له من خطأ في هذا التَصوُّر، كما سيَكتشِف قريبًا.

بينما نقرأ هذه القصَّة ضَعْ في اعتبارِكَ دائمًا أنّ موسى هو وسيط الله بين البَشر ونفسِه، وهارون هو رئيس كهنة الله وَسيطٌ آخر (ولكن أقلّ رِتْبَةٍ قليلاً). فَكِّر في الأمْر بهذه الطريقة: موسى هو المُعادل ليسوع المسيح في العَهد القديم. الآن، بالطبع، التَشبيه مَحدود، ولكن السِمَة المُشترَكة الأساسية بينَهما هي أنّ كلاً من موسى ويسوع كانا وسِيطَي الله المُعَيَّنَيْن. كانا يَتمتَّعان بمَكانةٍ خاصةٍ لم يَتمتَّع بها أي إنسان آخر، ولن يتمتَّع بها أي إنسان آخر. وكما أنّ الكثير من الناس المُتسامحين في أيّامِنا هذه، يَتحدَّثون عن احترامِهم ليسوع ولكنَّهم لا يؤمنون بدورِه الخاص كوسيط ومُخلِّص، هكذا كان َبنو إسرائيل في أيام موسى يَحترمون موسى كقائد بشَري، ولكنّ الكثيرين لم يُدرِكوا بعدُ مَكانَته السامية التي لا يُمكِن الاقتراب منها كوسيط مُعيَّن من الله. إنّ الفَشل في فَهْم المكانة السامية التي كان يَحتلُّها موسى قد كَلَّف الكثير من الإسرائيليين حياتَهم.

لنقرأ الإصحاحات ستة عشرة، سبعة عشرة، ثمانية عشرة من سِفْر العدد.

اقرأوا الإصحاحات ستة عشرة، سبعة عشرة، ثمانية عشرة من سِفْر العدد كلها (على التوالي)

في الإصحاح السادس عشر، نَرى شعبًا قد أُحبِطت معنويّاتُه بسبب تقارير الكشافة العَشَرة، وتَمَرَّدَ بدافِع الخوف، وبالتالي عاقَبَه يَهوَهْ بإرجاعِه إلى البرّية؛ وخابَ أمَل الكثيرون وشعروا بتعاسة بل أكثَر من ذلك كان هناك تَقسيم للواجِبات بأمْر من الله وأيضًا تَغيير في المَكانة وإعداد الرُّتَب والترتيب داخل إسرائيل، ما رَفَع بعض الناس وخَفَّض مَرتبة آخرين. توتَّر الوَضِع وبدأ يخرُج عن السيطرة؛ وأولئك الرِجال الذين كان من المُفترض أن يكونوا قادة ومُساعدين لموسى أصبحوا الآن مُناهِضين للقادة ويُثيرون التمرُّد. وبما أننا كنّا جميعًا شهودًا، إن لم نكُن طَرَفًا في ذلك، على ناس في حالة من الذُّعر أو اليأس، فإننا نَعلَم أنه من السَهل التأثير عليهم من قِبَل رجال حريصين على استخدام هذه المَخاوف لتَحقيق أجِندات شخصيَّة ورغَبات خَفيّة في السُلطة. وداخل هذه الفوضى المُتزايدة يَخطو قورح وداتان وأفيرام؛ وهدفُهم هو السَيطرة على مَركز السُلطة في إسرائيل، الكَهنوت. هذا خَليط مُثير للاهتمام من الحُلفاء؛ قورح هو لاوي من سلالة كوهات ومن ناحية أخرى فإنّ داتان وأفيرام من سلالة رأوبين. فكيف يَجتمِع هذا الخليط الغريب؟

لقد خيَّموا معًا في الجانِب الجنوبي من مُخيَّم بني إسرائيل. لقد عاشوا بجِوار بعضِهم البَعض، وهكذا اختلطت حياتُهم معًا. من المؤكَّد أنّ اللاويين كانوا يعيشون في الحلَقة الداخلية أكثَر، وبالتالي الأكثر قداسة، حَلَقة القبائل والعشائر التي تُحيط بخيمة الاجتماع وتَحميها. ولكن من الواضِح أنّ القُرْب الشديد جَعَل هاتَين المجموعتَين على اتِّصال دائم.

ولكن هؤلاء لم يَكونوا الوحيدين المُتورِّطين في المحاولة الانقلابية؛ فقد قيل لنا في الآية اثنان أنّ مئتي وخمسين رَجُلاً آخرين من بَني إسرائيل، قادة من مُختلف القبائل الأخرى، وَقَفوا مع قورح وداتان وأفيرام. لكن من الواضِح من الرواية أنّ اللاّوي قورح هو المُحرِّض الرئيسي.

بعد قليل سنَرى أنّ داتان وأفيرام من قَبيلة رأوبين كان لهما أجِنْدَةٌ مُختلفة قليلاً عن قورح. ولكنَّهما اتَّحدا في اتِّهامِهما لموسى وهارون اللذين يُنظَر إليهما بشكلٍ عام كفَريق واحد (فهُما أَخَوان في النهاية) واتِّهامُهما هو أنّ موسى وهارون قد أخذا الكثير من السُلطة لأنفسِهما وَوَضعا الكثير من القواعد التي تَضعُهما وعائلتيهما فوق الآخرين. ويؤكِّدان أيضًا أنَّهما نَصَّبا نفسَيهما. ولكن الأمْر يذهَب إلى أبعَد من ذلك وما يَدّعيانه بعد ذلك هو نتيجة مُباشرة لما قرأناه في نهاية الإصحاح الخامس عشر، عن التزيتزيت.

كلّ أو مُعظم بني إسرائيل كانوا يَرتدون التزيتزيت وبالنسبة للبَعض بات (ولو بطريقة مُلتوية إلى حدٍ ما) ارتداء التزيتزيت يَجلِب لهم قَدْراً من النُبل والمَكانة الكهنوتية؛ والآن أرادوا أن يَستغِلّوا ذلك. لذلك قالوا: ”يا موسى، كل الجماعة مُقدَّسة، وليس أنت وهارون فقط“. لقد استَنْتَجوا (لأسباب أنانية بالطبع) أنَّهم بعد ارتداء التزيتزيت تَساووا في المَكانة مع الكَهْنوت ومع موسى. خطأ.

الآن نَبدأ في مَعرِفة لماذا كان اللاوي، قورح، هو الذي يَقود الثورة. بِصِفَتِه لاويًا من عشيرة كوهات، لم يكُن قورح مؤهَّلاً لأن يكون كاهنًا. كان الكَهنة يَتمتَّعون بأكبر قَدْر من السُلطة والمكانة العالية، ولذلك كان قورح غَيّورًا. لم يكُن أحد من عَشيرتِه مؤهَّلاً لأن يكون كاهنًا. دعوني أُذكِّرُكُم أنه كما انقسَمَت قبيلة لاوي بأكملِها وانفَصَلت عن إسرائيل، كذلك انقسَمَت قبيلة لاوي وانفصَلت إلى مجموعتين: الكَهنة (الذين جاءوا من سلالة هارون فقط)، واللاويون الباقون الذين كانوا يَعملون لدى الكهنة. أمّا اللاويون الباقون الذين كان قورح واحدًا مِنهم فكانوا حرَّاسًا وموسيقيين وناقلي خَيمة الاجتماع عند انتقالِها، وعُمَّال صيانة أرض خيمة الاجتماع. لكنَّهم لم يَتمكَّنوا أبدًا من أداء الطقوس أو ارتداء الزَّي الكهنوتي أو دخول خيمة الهَيكل، وكل هذه الأنشِطة كانت تُظهِر مكانةً أعلى من تلك المَسموح بها للاويين العاديين. إذًا من سِفْر العدد فَصاعدًا عندما تَتكرَّر عبارة ”اللاويين والكهنة“ فهي ليست طريقَتَيْن لقَوْل نفس الشيء، بل تتحدَّث عن مَجموعتَيْن مختلفتَيْن لكلٍ مِنهُما مُستويات مُختلفة من المكانة، وبالتالي مُختلفتَين في تدرُّجات مختلفة من القداسة.

لذلك يَبتكِر موسى على الفور اختبارًا كوَسيلة لإظهار المَكانة المقدسة العُليا للكهنوت مُقابِل المكانة المقدسة الأدنى لبقية اللاويين، والمَكانة المقدَّسة الأدنى لعامَّة بني إسرائيل… حتّى مع السماح حديثًا بارتداء التزيتزيت. يَشمَل الاختبار أن يُحضِر كلٌ مِنهم أواني النار والمَباخر المملوءة بالفَحم المُشتعل والبخور، وأن يقدِّمها للرَب عند باب حَرَم الخيمة. يُضيف موسى تحذيرًا بإخبار قورح وأتباعَه أنّ موسى وهارون ليسا هما اللذان تَجاوزا سُلطتَهما، بل أولئك الذين تقدَّموا لتَحدّي الرِجال الذين نَصَّبَهم يَهوَهْ كقادة لإسرائيل.

أمّا الطريقة التي يَتمّ بها الاختبار تَكون من خِلال أن يَسمَح الله بدخول (على الأرجح إلى داخل المَكان المقدَّس، تلك الغرفة الأمامية للخيمة) أولئك الذين يَقبَل بَخورَهم. وبعبارة أخرى، يُريد قورح أن يكون هو ورِجالُه الكهنة، والدلالة الرئيسية للكاهن هي أنّه يَحصُل على إمكانية الوصول إلى الله عن طريق القُدرَة على الدخول إلى الخيمة المقدَّسة.

وقد سَبَق أن أوضَحْنا في الناموس أنّ الكهنة وَحدَهم هم الذين يَستطيعون تقديم البَخور للرَب، وكل من يُحاول ذلك فهو يَفعل ذلك على مسؤوليته الشخصيَّة. في الآية تسعة، يُحاول موسى أن يُذكِّر قورح وأولئك اللاويين الذين يَتْبَعونَهُ بأنّ الله قد أعطاهُم شرَفاً عظيماً في اختيارِهم وفَصَلَهُم عن إسرائيل كَخُدّام له، وأنّ خِدمتَهُم للكهنة هي نفْس خِدمتِه. وهؤلاء اللاويون، حتّى أولئك المُكلَّفين بأدنى المَهام، هم أعلى درجة في القداسة والامتياز من أي من أفراد أسباط بني إسرائيل الآخرين.

ثُمَّ تَأخذ القِصة مُنعطَفًا في الآية الثانية عشر ويُرسِل موسى في طَلَب شركاء قورح في الجريمة: داتان وأفيرام، وهما من سبط رأوبين، وبِطبيعة الحال فإنَّهما يَودّان الدخول في التَحدّي. هنا نرى أنّ لديهِما مُشكلة مع موسى أكثَر من هارون. أراد قورح الكَهنوت، وكان يَسعى وراء وظيفة هارون كرئيس للكَهنة. أمّا داتان وأفيرام فكانا يَسعَيان وراء وَظيفة موسى. تذكَّروا أنّ داتان وأفيرام مُؤسِّسا سبط داتان وأفيرام، رأوبين كان البِكر الشَرعي ليعقوب، وكان يجب أن تُسلَّم له قيادة إسرائيل حَسَب العُرْف عند موت يعقوب.

ثمّ في ردِّهم الأكثر تجديفًا (الذي يوضِح مدى بُعدِهم عن الله ومُخطّطاته لإسرائيل) يقولون لموسى أنّ الأرض التي تَفيض لَبَنًا وعَسلاً ليست كنعان بل مصر وأنّ السَبب الوحيد الذي من أجلِه أخرجَهُم موسى من مصر هو أن يَتسلَّط عليهم (وهو أمرٌ لم يكُن بإمكاِنه أن يفعلَه هناك). ثم يَختُمون هذا بقَول: ”تفقأ عيون“ الشَعب. هذا الاصطلاح يَتوافَق مع تَعبيرنا الحديث ”تفقأون أعيُنَهُم“ أي أنهّم يتَّهمِون موسى بخداع الشعب بشأن احتمال حياة أفضَل ووَطن أفضَل في كنعان.

غالبًا ما يُقال في المسيحية أنّ ”الخطيئة التي لا تُغتفَر“ هي التَجديف على الرّوح القدس، وقد كان هناك جَدَل ساخن لقرون حول ما يَرقى إليه ”التَجديف على الرّوح القدس“. لست مُتأكدًا من أنني أستطيع أن أخبرَكُم؛ ومع ذلك، أعتقد أننا قد أَعْطينا للتو نمَطًا، إن لم يكُن مِثالاً صريحًا، لما تبدو عليه هذه الخطية التي لا تُغتفَر.

لقد افتدى الرَب إسرائيل بالفِعل. لقد تمّ العَمَل ولم تَعُد إسرائيل في يَد العدو، مصر، بل هي الآن بأمان في يَد الله ويقودُها وسيطُه المُعيَّن موسى. هؤلاء القادة المُتمرِّدون في إسرائيل يقولون إنّهم يرغَبون في أن يَتخلّوا عن فدائهم ويرجِعوا إلى يَد العَدو. أعتقِد أنّك ترى إلى أين أنا ذاهِب بهذا الموضوع. كمؤمنين عندما نَقبَل فداءنا، فإنّ العديد من مَقاطع العهد الجديد تُوضِح تمامًا أننا نَستطيع، بإرادتِنا، أن نَرُدّ هذا الفِداء. ليس عن طريق الخطأ. ليس بارتِكاب خطيئة مَجهولة.

ولكن بأن نُقرِّر في أذهانِنا أننا نرْغَب فيما يُمكِن للعَدُو أن يُقدِّمه لنا (أكثر مما قدَّمه لنا مخَلِّصنا وإلهنا) هو مِثال عن التجديف على الروح القدس.

انظروا؛ الشيطان يُغرينا دائمًا ثم يَتّهِمنا عندما نَقَع في إغراءاته. لكنّ هدَفَه ليس فقط أن يكون مجرَّد شوكة في جوانِبنا؛ الإغواء ليس مُجرَّد أن يَجعلَنا نفشَل ثم نتصالَح مع الله، مرارًا وتكرارًا، فيَقودنا إلى الجنون، هَدفُه الحقيقي هو أن يَستعيدنا. إنّ لُعبَته النهائية هي أن يَجعلَنا نتخِّذ القرار بالتَخلّي عن ولائنا ليَهوَه والعودة إلى التَبَعية للعَدو الذي كان يَملِكنا حتّى اتخاذِنا قرار قُبول خلاصِنا وذلك لأنه بنفْس الطريقة التي جئنا بها إلى يسوع بإرادتِنا أولاً، يجب أن نَتنازل عن فدائنا بنفْس الإرادة.

يجِبُ أن يَجْعَلَنا هذا نَرتَجِف عندما نُفكِّر فيما نَفعلُه عندما نتوق أحيانًا، حتّى في الأماكن الخفية في قلوبِنا (التي يَعلَمُها الله)، إلى العودة إلى طرُق العالَم ومَلذّاتِه ووسائل الراحة التي اعتَدْنا عليها أو نَخلُط طُرُق العالَم التي استمتَعنا بها بطرُق ملكوت الله.

رَفَض قورح فداءه. رَفَض قورح كهنوت الله، الذي كان الوسيلة الوحيدة للتَكفير. لذلك رَفَض قورح أيضًا طريقة الله للتكفير عن خطاياه. رَفَض داتان وأفيرام أيضًا فداءهما. ورَفَضَه عشرات آخرون معهم. نحن على وشك أن نَكتشف ما الذي يَجلِبه لنا رَفْضُ فداءنا.

ولكن، قَبل أن نَختتم هذا الأسبوع، اسمحوا لي أن أُشير إلى شيء واحد: لاحِظوا أنّ داتان وأفيرام كانا من سبط رأوبين. كان رأوبين البِكر الطبيعي لإسرائيل، وكان يَنبغي أن يكون هو القائد الطبيعي وصاحِب السُلطة على إسرائيل بكلّ الحقوق. ولكن، قَبْل ذلك بمئتي سنة، رَفَض يعقوب رأوبِين وتجاوَزَه وأعطى حقوق البِكر ليهوذا ويوسف، لأن رأوبِين كان قد نام مع مَحظيّة يعقوب. لم يَقبَل نَسْل رأوبين هؤلاء، بعد كل هذا الوقت، إرادة الله المُعطاة من خلال يعقوب، بأن لا يقودوا إسرائيل. مَرَّ أكثر من قَرنَين من المَرارة، والمُشكلة بالنسبة لقورح وداتان وأفيرام هي أنّ الله أخَذ هذا الأمْر على مَحمَل شخصي ولا يحدُث أي خَير أبدًا عندما يكون الأمْر كذلك.