11th of Kislev, 5785 | י״א בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » العدد » سِفْر العدد الدَرس الثالث عشر – تكمِلة الإصحاح الحادي عشر
سِفْر العدد الدَرس الثالث عشر – تكمِلة الإصحاح الحادي عشر

سِفْر العدد الدَرس الثالث عشر – تكمِلة الإصحاح الحادي عشر

Download Transcript


سِفْر العدد

الدَرس الثالث عشر – تكمِلة الإصحاح الحادي عشر

لقد تَوقَّفنا في المرَّة السابقة، عند سِفْر العدد الحادي عشر، واعْتَرَضَنا ظَرْف غريب للغاية من السَهل أن نَتخطّاه من دون انتباه. إنه يَتعلَّق بمسألة أنّ الله سيَمْسَح سبعين من شيوخ إسرائيل بنَفْس الروح….نَفْس الروح التّي حَلّت في موسى…….. وسَبب القيام بذلك هو أنّ موسى يَحتاج إلى مُساعدة في قيادة هذه القبائل الإسرائيلية……. لأنّ عِبء المسؤوليةِ على رَجُلٍ واحدٍ فقط ثقيلٌ جدًا. ومع ذلك، فإنّ الفائدة من هؤلاء السَبعين رَجُلاً في قيادة شَعب الله، هو أنّه يجب أن تَكون روحَهم من روح موسى. الأمْر المثير للفُضول هو أنّ النصَّ يُشير بوضوح إلى أنّ الروح يجب أن تُستَمَدّ من الروح التي كانت في موسى لكي تَتوزَّع على القادة السبعين المُقترَحين.

ركِّزوا معي بينما نُعيد قراءة سِفْر العدد الإصحاح الحادي عشر الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة.

اقرأ سِفْر العدد الإصحاح الحادي عشر الآيتين السادسة عشرة والسابعة عشرة

ما الذي يَعنيه بالضبط أنّ الله سيَسحَب من الروح أو يَأخذ بعضًا منها من موسى وَيضعُها في هؤلاء الشيوخ السَبعين؟ لقد تَطرَّقنا إلى ذلك الأمْر بشكل طفيف الأسبوع الماضي وأودّ أن أبدأ هذا الأسبوع بمُناقشة هذا الأمْر بتعمُّق أكثر. على الأقل، هذا يعني أنّ موسى وهؤلاء السَبعين سيَتشاركون نَفْس الروح، نَفْس الروح القدُس. يجب أن يكون هذا المَفهوم مألوفًا لنا لأنّ امتلاك نَفْس الروح هو بالضبط ما يُخبرنا به العهد الجديد وهو نقطة الوِحدة بين جَميع المؤمنين.

أفَسُس الإصحاح أربعة الآية واحد

فَأَنَا، أَنَا أَسِيرُ الرَّبِّ، أَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا بِسِيرَةٍ تَلِيقُ بِالدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا، اثنان بِكُلِّ تَوَاضُعٍ وَوَدَاعَةٍ، بِصَبْرٍ، مُظْهِرِينَ احْتِمَالاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي الْمَحَبَّةِ، ثلاثة مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَةَ الرُّوحِ فِي رِبَاطِ السَّلاَمِ. أربعة جَسَداً وَاحِداً وَرُوحاً وَاحِداً، كَمَا دُعِيتُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمْ، خمسة رَبّاً وَاحِداً وَإِيمَاناً وَاحِداً وَمَعْمُودِيَّةً وَاحِدَةً، ستّة إِلَهاً وَاحِداً وَأَباً لِلْكُلِّ الَّذِي عَلَى الْكُلِّ وَبِالْكُلِّ وَفِي الْكُلِّ.

إذَن هذا يُعطينا مِثالاً آخر على أنّ العَهد الجديد هو ببساطة التوراة التي أُضيف إليها يسوع المسيح.

ومع ذلك، لا يمكننا تَفادي حقيقةَ أنّ كَلِمات التوراة، في سياقها العبري، تُشير إلى أنه مَهما كانت طبيعة هذا الروح الذي سيَحُلّ على السبعين إنسانًا، فمن الواضح أنه يجب أن يكون مُنبثِقًا من موسى؛ حتى الحاخامات والحكماء القدامى يَرَون أنّ موسى كان نوعًا من مَسكِن للروح القدُس، على الأرض، في تلك اللحظة من التاريخ وأنّ الروح يجب أن تؤخذ من موسى حتى يُمكن أن تكون مُشترَكة بين هؤلاء السبعين.

بقَدر ما يبدو ذلك غريباً في بعض النواحي، إلا أنّه عند التَدقيق في مَفهوم الروح، أي الروّاك هاكودش، الذي يُستمَدّ من شخصٍ ما لِغَرَض أن يَحُلّ في الآخرين، لا يُسْتَقْدَم إلاّ في يسوع المسيح.

اقرأ يوحنا الإصحاح السادس عشر من الآية واحد إلى خمسة عشرة

لو كنا نَدرُس العهد الجديد وليس التوراة، لربما كنا سنُرَكِّز على يوحَنا الإصحاح السادس عشر لبضعة أسابيع لأن الكثير من مَعلومات اللاهوت مَعروضٌ فيه. ولكن، ما أودّ أن أُلفِت انتباهَكم إليه اليوم هو التَعليق الذي يقول إنه إلى حين رحيل المسيح، لا يمكن أن يأتي "المُعزّي" إلى تلاميذ يسوع. ومن الواضح أنّ المُعَزّي هو ”الروح“. إذًا، يقول يسوع أنه قَبْل رحيله، لا يمكن أن يَكون الروح القدس مُتاحًا للآخرين.

ولكن، بالنسبة لي، هذا يَطرح سؤالاً رئيسيًا غير مُجاب عليه: لماذا لا يُمكِن أن يكون الروح القدس مُتاحًا للآخرين إلى أن يرحَل يسوع من الأرض؟ حسنًا، إذا قَبِلنا أنّ مبادئ الله وأنماطَه وأساليبَ عملِه لا تتغيَّر أبدًا، فالحَلّْ هو أنه كما كان الحال مع موسى في التوراة، كذلك كان الأمْر بالنسبة للمسيح. يبدو أنّه مِثلما كان موسى هو الشخص الوحيد الذي حَلّ عليه الروح القدس لفَترة من الزَمن في عَصر التوراة، هكذا كان يسوع هو المَسكِن الوحيد للروح القُدُس في وقت خدمتِه. هناك فَرقٌ غامض جدًا ويَصعُب استخراجُه من النصوص المقدَّسة وفَهْم التبايُن الحاصل بشأنه، وهو مَسألة الروح القدس الذي يَحُلّ على موسى، ولكن يَسكُن على ما يبدو في يسوع. يتمّ التَحدُّث عن هذا الاختلاف بإسهاب في الكنيسة الحديثة كدليل على الاختلاف في وظيفة الروح في العهد القديم مقارنةً مع العهد الجديد؛ ولكن في قراءةٍ صَادقةٍ لا يوجد شيء يَقول في الواقع: ”كان الروح يَحلُّ علينا ولكنّه الآن يَسكُن فينا“. قد يكون هناك اختِلاف ضئيل جدًا مَقصود من حيث دلالات ثقافة العهد القديم العبرانية المُمتدّة لسنوات في العهد القديم قَبل الميلاد وثقافة العهد الجديد العبرانية في أيام بولُس، أو قد يكون الاختِلاف كبيرٌ كما هو تَقليدي في المسيحية. ولكن، في كِلَتا الحالتَين، جاء الوقت الذي قرَّر فيه يَهوَهْ أنّه من الضروري أن يَتشارك الروح أناس غَير وُسطائه.

تقول آيات سِفْر العدَد الحادي عَشر أنه كان لا بد من استِخلاص الروح من موسى؛ لَمْ يتِمَّ إخبارُنا كيف حَدَث ذلك. بالنسبة ليسوع لم يكُن الأمر مُتعلّقًا بأن يُستمَدّ الروح منه بقدْر ما كان عليه أن يَتنازل عنه لِكَي يتمّ تقاسُمَه. لأنه في الواقع قيل لنا أنه عندما مات صَرَخ و”أسلَمَ روحَه“. لقد مات. روحُه… الروح القدس تَرَكَه. وهذا بالطبع ما اعتبرَه المسيح في يوحَنَّا الإصحاح السادس عشر الخطوة الضرورية حيثُ الناس العاديين (وإنْ كان المؤمنون به فقط) يكونون قادرين على مُشاركة نَفْس الروح التي أُعطيت ليسوع عندما عَمَّده ابن عمِّه يوحَنَّا، ذلك الروح الذي شُوهِد نازلاً عليه بِشَكْل حمامة.

نَجِد هنا في سِفْر العدد الحادي عشر، أنّه على الرغم من أنّ الروح القدس الذي كان يَحُلُّ على موسى وَحدَه، لفترة من الزمن، قد تمّ سَحبُه الآن ومشاركتُه مع سبعين شخص آخرين، فإنّ هذا الروح لم يَنقسِم بطريقة ما…. لم يَنقُص جوهرُه وكمالُه أو يَنْضَب بأي شكل من الأشكال لمجرّد أنّ الكثيرين سيَحصلون عليه. وأنا متأكِّد من أنّ لا أحد مِنكم لديه مشكلة مع هذا المفهوم، لأنّها الطريقة التي نَنظُر بها نحن في الكنيسة بشكلٍ عام إلى الروح القدس؛ فهو يقول أنّه على الرغم من أنّنا جميعًا نَتشاركُه، إلا أننا لا نَحمِل جزءًا صغيرًا……قِطعةً ناقصة من الروح في داخلِنا.

إنني أشير إلى هذا بسَبب تعليم كَنَسي أساسي جداً ببساطة مُضلِّل وخاطئ؛ وهذا التعليم هو أنّ روح الله لم يكُن مُشترَكاً بين البشر حتى جاء المسيح ثمّ رَحَل. نَجِد هنا في سِفْر العدد أنّ روح الله كان مُشتركًا بين واحد وسبعين فَرْدًا قَبل ميلاد يسوع بـألف وثلاثمئة سنة لذا، فإن فَرضيّة مُشاركَةِ الروح القدُس بين كثير من الناس في وقتٍ واحد هي مَبدأ من مبادئ التوراة، وليس مَبدأ جديدًا في العَهد الجديد. إنّ جُزءًا لا يتجزأ من مَسألة مُشاركة الروح القدس بين البشر هو الاعتقاد المسيحي الخاطئ بأنّه في بداية إنجيل يوحَنَّا، أُعطي للبشرية وَحي جديد تمامًا لم يَعرِفه البَشر من قَبل. في الواقع، غالبًا ما يُعتبَر إنجيل يوحَنَّا واحد أساسًا لديانة جديدة بالكامل، أو لاهوت جديد على الأقل، يُسمّى المسيحية. اسمحوا لي أن أقرأ لكم الآيات الخمس الأولى من يوحَنَّا واحد والتي ستكون مألوفة.

إنجيل يوحَنَّا الإصحاح واحد والآية واحد في البدء كان الكَلِمة، والكَلِمة كان عند الله، وكان الكَلِمة الله. اثنان، كان في البدء عند الله. ثلاثة، كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. أربعة، فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ. خمسة، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.

والآن، انتبهوا من فضلِكم: إنّ فكرة أنّ الكَلِمة (المُتجسِّد في يسوع) كان عند الله، وهو الله، لم تَبدأ مع الرسول يوحَنَّا. كان يوحَنَّا يُذكِّر ببساطة بمبدأً يهودي متوارَث كان سائدًا ومُنتشِرًا بين اليهود، وإن لم يكُن مقبولاً لدى جميع اليهود. فكرة وجود كَيان يُدعى الكَلِمة كان موجودًا منذ البداية ولم يَبدأ مع مجيء المسيح على الأرض وما تَلاه من كِتابات للرسول يوحَنَّا الموحى بها. عندما نَعود وننظُر إلى الكتابات العبرية القديمة قَبل زمن يسوع، سنَجِد الحاخامات والحكماء يَتجادلون في نفس الأمور التي ما زِلنا نَتناقش فيها: هل الله واحد، أم اثنان؟ هل الكَلِمة هو الله، أم الكَلِمة إله آخر؟ هل الكَلِمة صِفة من صِفات الله، أم أنّه شخصٌ مُنفصِل خاضِع لله؟ في نهاية المَطاف، بعد موت المسيح بعدّة مئات من السنين، قرَّر المسيحيون الأمميون أنّ الله لم يكُن اثنين فقط، بل كان ثلاثة، عقيدة الثالوث، الآب والابن والروح القدس.

لست هنا لأُجادِل أو أناقِش أيًا من هذه العقائد. أنا هنا لأخبرَك أنّ هذا المفهوم لم يكُن اختراعًا جديدًا؛ فَقَبْل يسوع بفترة طويلة حَدَّد اليهود كائنًا أو صِفة إلهية لله تُعرَف باسم الكَلِمة. في العبرية تُسمّى الكَلِمة ميمرا. في اليونانية، اللوغوس. لذا، بالنسبة للعُلماء بينَكم، فإنّ اللوغوس والميمرا هما نَفْس الشيء، ولكن بلُغات مُختلفة، وهو ما نُترجِمه اليوم في اللغة العربيّة باسم ”الكَلِمة“.

الشيء الذي أريدٌكم أن تَحفظوه هو أنّ العديد من العقائد التي حاوَلَت الكنيسة الأممية طرْحَها لجَعْل الإيمان بيسوع مُختلفًا تمامًا وبعيدًا عن اليهودية الكتابية الحقيقية، مع نيّة مُوثَّقة تاريخيًا لفَصْل اليهود عن المسيحيين، هي ببساطة غير صحيحة. الشيء الرئيسي الذي يَفصُل بين المسيحية واليهودية هو هويّة الكَلِمة، وليس ما إذا كان موجودًا. إنّ الاختلافات بينَنا هي حول هوية المسيح، وهل جاء بالفِعل، وليس ما إذا كان هناك مَسيح.

كان اليَهود أيضًا يؤمنون بالروح القدس، وأنه يمكن أن يَحُلّ على الناس ويَشتركوا فيه، واعتقدوا ذلك قَبل ظهور يوسف ومريم بوقتٍ طويل. نقرأ عن ذلك هنا في سِفْر العدد. كان العبرانيون القدماء يُناقشون مُشكلة كيفية التفكير في إله واحد "إيخاد" ومع ذلك يَتجلّى بأكثر من طريقة، فالكَلِمة – الميمرا – هي إحدى هذه الطرُق، والروح القدس – الروخ – هي طريقة أخرى. وحتّى التَّجَلّي الآخر ليَهوَهْ الغائب غالبًا عن الكنيسة الغَربية، ونادرًا ما يتم مُناقشتُه (على الرُغم من أنه حيّ وفَعّال في العديد من الطوائف المسيحية الشَرقية)، هو تَجلّي الحِكمة التي تُدعى صوفيا. نعم، هذا هو الكتاب المقدس. هذه المَواضيع حول من هو الله، وهل هو واحد أم مُتعدِّد، وما هو جوهرُه، كانت مِحورٌ لتقديم حُجج جديدة طَرَحَتْها الديانة المسيحية الجديدة. لقد تمّ التعامُل معها على أنها جديدة فقط لأنّ الأمميين الذين ُسرعان ما أصبحوا النُخبة الحاكِمة لهذه الديانة الجديدة، المسيحية، نأوا بأنفسِهم عن الشعب اليهودي وعن العِلم اليهودي الراسخ منذ زَمن طويل. يا إلهي، لقد نأوا بأنفسهم حتى عن عشرات الآلاف من الإخوة اليهود الذين قَبِلوا بالفِعل يسوع المسيح.

لذا، إذا كان بإمكاني تَحقيق أي شيء في دَرْس التوراة، آمَل أن يكون إثبات أنّ التَسميات والتقسيمات التي صَنَعها الإنسان للعهدين القديم والجديد هي شيء فظيع ومُصطنَع لم يفعَل شيئًا سوى التفريق بين شعب الله. العَهد القديم لليهود، والعهد الجديد للأمم. في الواقع، كان ينبغي أن يَكون سِفْر متّى ببساطة الكتاب التالي بعد سِفْر عزرا، بنفْس الطريقة التي كان ينبغي أن يكون سِفْر الخروج هو الكتاب التالي بعد سِفْر التكوين؛ ولكن لسوء الحظ، فإنّ اليهود والمَسيحيين على حدٍ سِواء يَنظرون إلى متّى فعليًا على أنّه الكتاب الأول من كتاب مقدَّس جديد بالكامل، مُنفصِل عن الكتاب المقدس السابق. إنّ الكتاب المقدس العبري، التاناخ، ما نُسمّيه العهد القديم، مُشابِه لمُخططات هندسية لِبَيْت. ما أطلَقْنا عليه العَهد الجديد هو مِثل البيت نفسه. لا شكّ أنه يُمكننا الانتقال إلى ذلك البيت، والاستمتاع به كما هو. ولكن، إذا أرَدنا أن نفهَم ما هي المَواد التي استُخدِمت في بناء البيت، وأين تَسير الأسلاك الكهربائية، وأين تَقَع الأنابيب، وكيف بُنيت الأساسات، وما الذي يوجد داخل تلك الجُدران، يجب أن يكون لدينا المُخَطَّطات.

كمؤمنين، نحن مدعوّون لأن نكون أكثر بكثير من مجرَّد سكان للبيت. علينا أن نَسعى جاهدين لِفَهم كل ما يُمكِن معرفتُه عن البيت.

بمجرد أن نتمكَّن من فَهم وقبول أنّ الكتاب المقدس هو كلٌّ لا يَتجزّأ، عندها يُمكننا تطبيق أنماط ومبادئ التوراة على الأناجيل والرسائل….. كما كان من المُفترض أن يَحصل…..ويكون لدينا فَهْم أفضل بكثير لِمَعناها وكيفية تَطبيقها على حياتنا. دعونا نَنتقِل، ونقرأ الآية الثامنة عشرة حتّى نهاية الإصحاح.

أعِد قراءة الأعداد الإصحاح الحادي عشر الآية ثمانية عشرة إلى خمسة وثلاثين

حسناً. حُلَّت أول مشكلتَيْن رَفَعَهُما الشعبْ إلى موسى، ثم رَفعَهُما موسى إلى الله. لم تُحِلاّ بالطريقة التي اعتقَد موسى أنه يجب أن تُحِلّا، لكنّهما حُلَّتا مع ذلك. اعتقد موسى أنّ الله نَفسَه يجب أن يَتحمَّل عبء هؤلاء الإسرائيليين سيئي المزاج؛ قال الله: ”لدي فكرة أفضَل. سأعطي نَفْس الروح التي أَعْطَيْتُك إياها، لسَبعِين رَجُلاً آخرِين، وأنت يا موسى ستَحمِل العبء معهُم“.

المُشكلة الثانية هي أنّ الشَعب أراد اللحم. لقد سَئِم من أكْل المَنّ. فأجاب الرَبّ…… مُستفَزًّا: ”تريدون لحمًا؟ سأعطيكم لحمًا. لحماً كثيراً لدرجة أنه سيَجعلكم تتقيأون. في الواقع، كَمّية اللحم التي سيُقدِّمها الرَب لا تُصدَّق وبطريقة ما لن تكون البَرَكة التي كانوا يأملونها، بل ستكون لعنة.

ومع ذلك، وكاستعداد لتَناول اللحم، قيل للشعب أن يُقدِّسوا أنفسهم. التقديس هو شَرْط ضروري للاستعداد لحَضْرة يَهوَه، والتواجُد فيها. الكَلِمة العبرية المُستخدمَة هي ”هتكديش“، وهي الِفعل الجسدي المُتمثِّل في كلٍّ من الاستحمام وغَسْل الملابس. وبمجرَّد حدوث ذلك تَنطبِق جميع قواعد الطهارة الطقسية بمعنى أنه إذا لمَسَ المرء جَسد مَيْت فإنه يفقِد تلك الطهارة الضرورية. لا يُسمَح بالجُماع إلا بعد اكتمال الحدَث الذي أُمِرت عملية التقديس من أجلِه، وإلا تَدنَّست الطهارة. سنَجِد هذا المصطلح ”قدِّسوا أنفسكم“ في عِدَّة أشكال في العهد القديم، ومن الأشكال التي لا تُنسى هي حين كان بنو إسرائيل يُخيّمون على الضِفة الشرقية لنهر الأردن، قيل لهم أن يُقَدَّسوا استعدادًا لقيادتهم من قبل الرب إلى الأرض الموعودة.

حقيقة مثيرة للاهتمام هي أن هذا المصطلح يُستخدم فقط للإشارة إلى العامة (غير رجال الدين). هذا ليس المصطلح الذي يُستخدم عندما يقوم الكهنة بالاغتسال الطقسي؛ إذ يُستخدم لذلك إما مصطلح "رحاتس" (اغتسل) أو "طاهر" (طهَّر). ما نحتاج إلى استيعابه هنا هو أن شكل التقديس "هيتكادِّش" هذا هو أمر مقدس، ولكنه لا يتم تحت إشراف كاهن أو تنفيذه من قبل كاهن. إنه تقديس ذاتي بالمعنى الحَرْفي للكَلِمة. لكن الشيء الذي يجب مُلاحظتُه هو أنّ ما يَتَضَمَّنُه هذا التقديس هو عَمَل جسدي بَحت، غسْل الجسد والثياب. بالطبع يتمّ ذلك في تكريسٍ لله. أعتقد أنّه يمكننا أن نُساوي هذا بمفهوم الفَرْق بين اتباع الناموس من أجل التقديس الذاتي الذي يُحقِّق نوعاً من البِرّ الذاتي مقارنةً بِلِبْس دَم يسوع من أجل تقديس إلهي روحي يُحقق نوعاً من البِرّ الإلهي الذي ليس جسدياً ولا يمكِن للإنسان أن يُحقِّقه لنفسه تحت أي ظرْف من الظروف. الأمْر هو أنّ المسيحية الإنجيلية الحديثة تقول إنّ الأخيرة قد حَلّت مَحَلّ الأولى. وأعتقد أنّ هذا غير صحيح على الإطلاق، فهذان النوعان من التقديس (التقديس الذي يُقدِّمه الإنسان لنفسه والتقديس الذي يُقدِّمه الله) هما لغرضَين مختلفَين. فالطاعة للناموس تجلِب نوعًا من البِرّ المَطلوب من الله بالتأكيد والمُرضي له؛ ولكنها في نفْس الوقت لا تجلِب معها التقديس الروحي الداخلي الذي يتم بواسطة الرَب، والذي نُسمّيه الخلاص.

إن التقديس الروحي الذي لا يُمْكِن إدراكه إلا بالثقة في يسوع (عمل الله) هو النوع الوحيد من التقديس الذي يُخلَّص. ومع ذلك، فإن هذا لا ينفي الحاجة إلى تقديس سلوكنا (طاعة الشريعة) الذي هو بحكم التعريف أمر مادي. ويبدو لي أن هذا التقديس هو دليل على هذا المبدأ الإلهي.

ردًا على تنازُل الرَب عن توفير اللحم يُجيب موسى (المُتَشَكِّك كالعادة): كيف ستوفِّر اللحم، هنا في وسط العدَم، لسِتُمِئة ألف رَجُل؟

تَذكَّر أنّ الرَقم ستمئة ألف هو ببساطة حجم الجيش الإسرائيلي…. مِنْ الذين هم في سنّ القتال.

أضِف إلى ذلك النساء والأطفال والضعفاء والعُرْج والعَجَزة وكبار السن، لذلك، من المُحتمَل أنّ عددَهم كان حوالَي ثلاثة ملايين شخص. وهذا ليس مجرد لَحم ليوم أو يومين، ولكن الله يقول إنه سيُقدِّم لحماً لشهرٍ كامل!

والآن بعد أن ذَكَر الرَب كيف ستُحَل المشكِلَتان، شرَع في تحقيق ذلك. يؤتى بالسبعين شيخًا إلى خيمة البرية. وبعد ذلك، في سَحابة، يقول الكتاب أنّ يَهوَهْ نَزَلَ و”جَذَبَ الرُّوحَ الَّذِي كَانَ عَلَى مُوسَى وَوَضَعَهُ عَلَى السَّبْعِينَ شَيْخًا“. بل أكثر من ذلك، عندما حدَث ذلك، بدأ السبعون يتكلّمون ”بنشوة“. قد تقول أسفاركم المقدسة، ”تنبأوا“ بدلاً من التكلُّم بنشوة. مُشكلتي الوحيدة مع استخدام كَلِمة ”تنبأ“ هي أنها بالنسبة لنا، اليوم، وبالنسبة لبقية الكتاب المقدس، تُعبِّر عن شيء مُختلف عمّا حدَث هنا. فهنا لم يكونوا يُعلِّمون كَلِمة الرَب، وهو أحد معاني مُصطلح ”نبوءة“، ولم يكونوا يتحدَّثون عن المُستقبَل، وهو معنى آخر لمصطلح ”نبوءة“. بل كان نوعًا من الكلام الحَماسي جدًا؛ الذي لا نعرِف ماهيَّته. ما نعرِفُه هو أنّ هؤلاء السبعين لم يُصبحوا أنبياء، وليس لدينا ما يُشير إلى أنّ هؤلاء الشيوخ قد شاركوا في هذه التجربة مرة أخرى. في الواقع، لقد ذُكِر تحديداً في الآية خمسة عشرين أنه مهما كانت قِدْرَةُ أو مَعنى هذا الكلام إلاّ أنّه ”لم يَستمِرّ“ في هؤلاء الرجال. والفِكرة من كل هذا هو أنّ كلامَهم الغريب والانفعالي قد أثبَت صِحّة أنهم قد تَلقّوا بالفِعل روح الله.

والآن، هل يبدو لك أيٌ من هذا مألوفاً لك ولو قليلاً؟ هل كانَ هناك مرَّةً أخرى حَلّ فيها الروح القدُس على الناس وبدأوا يتكلَّمون بطريقة مميَّزة؟ بالتأكيد كان هناك، ومعظم الأطفال الذين حَضروا مدرسة الأحد لأي فترة من الزمن يَعرفون ذلك. ماذا عن يوم العَنْصَرَة عندما حَلَّ الروح القدس وبدأ هؤلاء المؤمنون اليهود الذين نالوا الروح ”يتكلَّمون بألسِنة أخرى“؟

ترجمة الكتاب المقدس الأميركي النموذجي الجديد، أعمال الرسل الفصل اثنان الآية واحد، وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ الْعَنْصَرَةِ كَانُوا جَمِيعًا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ. اثنان، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ السَّمَاءِ ضَجِيجٌ كَصَوْتٍ عَظِيمٍ كَرِيحٍ عَاصِفَةٍ مُنْدَفِعَةٍ فَمَلأَ كُلَّ الْبَيْتِ الَّذِي كَانُوا جَالِسِينَ فِيهِ. ثلاثة، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ تَتَوَزَّعُ فَاسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. أربعة، وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى، كَمَا كَانَ الرُّوحُ يُعْطِيهِمْ نُطْقًا.

يا إلهي. يبدو مَرَّة أخرى أنّ المفهوم الكامل لإحلال روح الله على البشر، والكلام النابِع منه كدليل، لم يَكونا نبوءة جديدة في العَهد الجديد على الإطلاق؛ بل هما تكرار لنَمَط تمّ وَضعُه قبل ألف وثلاثمئة سنة، تم الحديث عنه في التوراة، هنا في سِفْر العدد الحادي عشر.

فجأة، في الآية ستّة وعشرين، يَتغيَّر المَشهد. حَلّ روح الله على رجُلَين اسم واحدٍ منهما إلداد والآخر مداد لم يكونا في أي مكان بالقُرب من خيمة الاجتماع، ولا يبدو أنهما كانا من السَبعين الذين تم اختيارهم! لا يوجد تَفسير لذلك على الإطلاق. ولكن المُثير للاهتمام هو أنه يَرِد أنهم ”بَقِيا فِي الْمخيم“. والآن، ما يُفهَم ضُمناً هنا (وبالفِعل يقول التقليد الشفهي أنّ هذا ما كان يحدُث)، أنه غالباً عندما كانوا يُخيمّون في مكان ما لفترات قصيرة من الزمن، رُبَّما لبضعة أيام فقط، وكانت خيمة البرية تُقام خارج المخيم، وليس في وسَطِه. ربما استغرَق الأمر وقتًا طويلاً جدًا لهذا الطابور الطويل جدًا من الناس، الذي كان من المُمكِن أن يَنتشِر لأميال عديدة أثناء سَفَره ليتشكَّل في النهاية ويُصبح مُعَسْكَرًا رسميًا حول خيمة الاجتماع. لذلك، تم ببساطة إقامة خيمة الاجتماع في مَكان مُناسب في صفوف بني إسرائيل. من السَهل أن نتصوَّر أنّ الوصول إلى أوّل الصَف كان على الأقل يوازي مَسيرة يوم واحد، وربما مسيرة يومين ليصِل الشعب الموجود في نهاية الصَف إليه.

إذن، لدينا هنا هذه الصورة للروح القدس الذي يَنزِل على الناس (في هذه الحالة رجلان) داخل مُخيّم إسرائيل وسبعين رجلاً خارج مُخيّم إسرائيل. إنّ الرمزية الواضِحة هي أنّ الروح القُدس لم يكُن مُخَصَّصًا فقط للطبقات العليا أو الوُجَهاء. بل يمكن أن يُمنَح الروح القدس لأي طبقَة، أولئك الذين كانوا داخل مُخيّم إسرائيل، أو حتى أولئك الذين كانوا خارج المُخيّم. كان الله يَتخطّى الحدود ليَمنَح الروح القدُس لأولئك الذين اعتبرَهم مُلكَه. لا يمكن أن يكون هناك نَمط أو رسالة أوضَح هنا مما كان يَنوي يَهوَهْ أن يفعلَه في الأزمنة المُستقبلية، مع يسوع كوسيلة ورسالة لهذه الخُطّة التي ستَجعل الروح القدس مُتاحًا للجميع.

عندما لاحَظ بنو إسرائيل أنّ إلداد ومداد قد نالا الروح، بدأ البعض يَصرخون قائلين: ”يا موسى، لقد نال بعض الناس روح الله ولكن ما كان يَنبغي أن ينالوه“. حتى أنّ يوشع، الذي سيَخلِف موسى في نهاية المَطاف، توسَّل إلى موسى ليطلُب من إلداد ومِدَاد أن يَكُفّا عن التحدُّث بلُغَتِهما المليئة بالنشوة لأنه لم يَستطِع أن يفهَم كيف يمكِن أن يكون هذا مُمكنًا ناهيك عن أن يكون مناسبًا.

يقول موسى، في نفْس الموقِف الذي سيُظهِرُه رَبَّنا وسيِّدِنا يسوع: ”ليت جميع شعب الرَب كانوا أنبياء ، ليتَ يَهوَهْ يضَع روحَه في جميعهم!“

دعونا لا نفوِّت فرصَة الرَبط مرة أخرى بين تجرُبة التوراة هذه وبين العَهد الجديد. استمِع إلى بولُس في واحد تيموثاوس ترجمة الكتاب المقدس الأميركي النموذجي الجديد، واحد تيموثاوس الإصحاح اثنان الآية واحد: فَأُوصِي أَوَّلاً بِأَنْ تُقَدَّمَ تَضَرُّعَاتٌ وَصَلَوَاتٌ وَتَضَرُّعَاتٌ وَشُكْرٌ مِنْ أَجْلِ جَمِيعِ النَّاسِ، اثنان، مِنْ أَجْلِ الْمُلُوكِ وَجَمِيعِ ذَوِي السُّلْطَانِ، لِكَيْ نَعِيشَ حَيَاةً مُطْمَئِنَّةً وَدَعْوَةً فِي كُلِّ تَقْوَى وَوَقَارٍ. ثلاثة، هَذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ عِنْدَ اللهِ مُخَلِّصِنَا، أربعة، الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَخْلُصَ جَمِيعُ النَّاسِ وَيَصِلُوا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ.

كان يرغَب موسى، مُخلِّص إسرائيل، في أن ينال جميعَ الناس الروح؛ يسوع، الله مُخلِّصنا، (ليَخلُصوا).

كان موسى، على الرُغم من عيوبِه، إنسانًا استثنائيًا. كان يوشَع قلِقًا للغاية من أنّ هذين الرجُلَين، إلداد ومداد، اللذين تلقَّيا الروح بعيدًا تمامًا عن موسى الذي كان مسؤولاً عن العَملية، قد يَظهران لموسى. في الواقع كانا واقفَين نوعًا ما يُمشِّطان شعرَهُما، بعيدًا عن موسى والسبعين في خيمة الاجتماع، عندما حَدَث ذلك. لم يكُن موسى مُهْتَمًا بالسُلطة الشخصية أو أن يُنظَر إليه على أنه مُميَّز. كما لم يَهُمَّه أنّ الآخرين قد أُعطَوا عطايا من الرَب تُنافِس حتى عطاياه. لقد أراد ببساطة ما أرادَه الرَب للشعب، سواء فَهِمَ ذلك أم لا. هذا هو القائد الإلهي. هل من عَجَب أنّ موسى يَحظى باحترام كبير من الشعب اليهودي حتّى يومِنا هذا؟

فجأة، بدأت ريحٌ تَهُبّ. تُوصَف في الآية واحد وثلاثين بأنها ريح أتَت من عند الرَب. والسمّان والطيورقَدَمَت من جِهة البحر الأحمر لتبدأ بالسقوط من السماء مُنتشِرةً في جميع أنحاء المخيم. ولاحظوا كيف يُقال أنها سَقطَت من ”مَسِيرَةَ يَوْمٍ مِنْ هَذَا الْجَانِبِ وَمَسِيرَةَ يَوْمٍ مِنْ ذَاكَ الْجَانِبِ“. الفِكرة هي أنّ الصف الزاحف المؤلَّف من ثلاثة ملايين من بني إسرائيل ربما امتدَّ على الأرجح مسافة مسيرة يومين، أو بتَعبير أكثر حداثة كان طابورًا من الناس طولُه حوالي عشرين ميلًا. وشاء الرَب أن يسقُط هذا السمّان على ذلك الطابور الطويل المُنتشِر من بني إسرائيل المُتْعَبين والمُتذمّرين، حتى يتمكَّن الجميع من المُشاركة إذا اختاروا ذلك.

والآن، لم يكُن الأمر مجرد سقوط كمية كافية من السمّان على مَسافة رِحلة اليومَين هذه، بل كان سقوطُها على هذه المَساحة الشاسعة بعُمق ثلاثة أقدام تقريبًا! مئات الآلاف الياردات المُكعَّبة من السمّان……..مئات الأطنان من السمّان، كانت هناك ليأخذوها. لذا، في الآية اثنين وثلاثين، بدأ الناس بجَمْع السمّان وكان أقل ما جمعه الشخص الواحد هو عشرة أطنان من السمّان ، أو حوالي خمسين رطلاً من السمّان.

تُشير العديد من المَزامير إلى هذا الحَدَث المُذهِل الذي كان تأثيرُه عظيمًا جدًا على نَفسية العبرانيين. استمِع إلى مَزمور ثمانية وسبعين: الآية ستّة وعشرين إلى اثنان وثلاثين.

ترجمة الكتاب المقدس الأميرِكي النموذجي الجديد، مزمور ثمانية وسبعين: الآية ستّة وعشرين هَبَّتْ رِيحُ الشَّرْقِ فِي السَّمَاءِ، وَبِقُدْرَتِهِ سَخَّرَ رِيحَ الْجَنُوبِ. سبعة وعشرون، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا كَالْغُبَارِ وَطَيْرًا مُجَنَّحًا كَرَمْلِ الْبِحَارِ. ثمانية وعشرون، وَأَسْقَطَ عَلَيْهِمْ لَحْمًا كَتُرَابٍ وَطَيْرًا مُجَنَّحًا كَرَمْلِ الْبِحَارِ. تسعة وعشرون، فَأَكَلُوا وَشَبِعُوا، وَأَعْطَاهُمْ شَهْوَتَهُمْ. ثلاثون، وَقَبْلَ أَنْ يُشْبِعُوا شَهْوَتَهُمْ، وَطَعَامُهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ، واحد وثلاثون، فَثَارَ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللهِ وَقَتَلَ بَعْضَ أَشِدَّائِهِمْ، وَأَخْضَعَ خِيَارَ رِجَالِ إِسْرَائِيلَ. اثنان وثلاثون، وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ كُلِّ هَذَا أَخْطَأُوا وَلَمْ يُؤْمِنُوا بِعَجَائِبِهِ.

هل يمكِن أن يكون هذا الحدَث قد حَدَث بالفِعل؟ هل هناك ما يَكفي من السمّان على كلّ الأرض حتى يكون هذا الاحتمال وارِداً؟

إليكم ما يَقوله يوسيفوس ليس عن هذا الحدَث، بل عن هِجرة السمّان كشيء عادي ومُنتظِم عبر شِبْه الجزيرة العربية وسيناء:

في شهرَي مارس وأبريل يعبُر البحر الأبيض المتوسط قادمًا من الجنوب في مَجموعات كبيرة، ويَعود جنوبًا من أوروبا في رحلات أكثر ضخامة في نهاية شهر سبتمبر. وفي كِلَتا الهِجرتَين يتمّ اصطياد هذه الطيور من أجْل السوّق، وعادةً ما يكون لَحم الطيور التي يتم اصطيادها في الربيع جافاً، أما لَحم الطيور التي يتمّ اصطيادُها في الخريف فهو مُمتاز. وعلى الرغم من أنها تُحلِّق بسرعة، إلا أنها نادراً ما تَطير بعيداً إلاّ في هِجرتِها، وغالباً ما تكون مُرْهَقَة جداً وتسقُط ببساطة مُنهَكَةً في البحر أو حتّى على السُفن العابِرة“.

إنّ كَون الله قد تسبَّب في حدوث هذا الأمْر الطبيعي الذي كان عادةً ما يكون هائلاً في نطاقِهِ، ليحدُث على نطاق خارق للطبيعة، يَتناسب مع نمط عَمَله كما رأينا في الضَربات المُختلفة التي أنزَلها على مصر لتَحرير شعبِه من فرعون.

ولكن، هذا يَشهَد أكثر على دقَّة هذا الحدَث عندما يقول أنّ بني إسرائيل ”فَرَشُوهُمْ فِي كُلِّ الْمَحَلَّةِ“. هذا لا يعني أنهم وَضَعوا السمّان في كل مكان. بل إنّ نَشرَهُم لها يعني أنهم كانوا يجْبُلونَها ويُقَسِّمونها ويَنْشُرونها حتى تَجُفّ.

كانت هذه هي الطريقة المَصرية الشائعة لحِفظ اللحوم عن طريق تَجفيفها. كانوا يَفعلون ذلك مع الأسماك ولحوم البقَر والطيور. في الواقع، نادرًا ما كان اللحم يُطبَخ قَبل أو بَعد تَجفيفه. وبمجرد تَجفيفه ومُعالجته، كانوا يأكلونه ببساطة كما هو. وكان من الطبيعي أن يَتبَع بنو إسرائيل الطريقة المصرية لأنّهم كانوا مصريين لمدّة أربعمئة سنة ولم يَعرِفوا شيئًا آخر.

ثم، بينما كانوا لا يَزالون يأكلون السمّان….. أي أنهم لم يَكونوا قد استَنفدوا بعد هذه الكمِّية الهائلة من، جاء الرَب ضدَّهم بسبب إثمِهم العظيم ضِدَّه واختبارِه بطريقة غير مُحترمَة وجاحِدة. لا نعرِف ما هو الطاعون الذي أصابَهم. ولكن، مات كثيرون. المَكان الذي حدَث فيه هذا…. "المكان الذي حدث فيه هذا الأمر… وهكذا، المكان الذي دُفِنَ فيه هؤلاء الإسرائيليون الكثيرون الذين قُتِلوا… سُمِّي قبروت هتأوه. هذه الكلمات العبرية تعني 'مكان الرغبة . "

لقد قام الحاخامات بعَمَل بارع في تقييم الطبيعة العامَّة لهذه الُمصيبة أي دَينونة الله؛ ورأيُهم رائع وهو أنّ الشعب اشتَهى اللحم. دعوني أقولُها بطريقة أخرى: اشتهوا الجَسد. لقد اشتهوا اللحم. أرادوا الجَسد بشدّة لدرجة أنّ الله أعطاهُم كلّ ما أرادوه. حوَّلَهم يَهوَهْ إلى الجسد. فَضَّلوا اللحم على الطعام السَماوي، فأعطاهم الله اللّحم.

هذا ليس مَجازًا ولا استعارة. ما هو إلا إظهار مَادي للمَبْدأ الروحي الموضوع أمامَنا في شخصِ يسوع. هل نريد أن نأكُل من خُبز الحياة، أم نريد أن نَهتمّ فقط بالجَسد الذي لا يؤدي إلا إلى المَوت؟ لن يُجبِرَنا الله على اختيار أحَدَ الطريقَين. إنه خَيارُنا، تمامًا كما كان خَيار بني إسرائيل أن يَرفُضوا المَنَّ لصالِح لحم الطيور المَيِّتَة.

بمجرَّد أنْ دَفَن بنو إسرائيل مَوتاهم، انتقَلوا إلى مكان يُسمَّى حزيروث. إنّ أفضَل تَخمين لموقِع حزيروث هو أنّه يقَع في أعلى البحر الأحمر المُسمّى بخليج العقبة، وهو المَكان الذي يُسمّى اليوم عَين الحضرة. وهذا دليلٌ آخر على أنّه من شِبه المؤكَّد أنّ بني إسرائيل كانوا في هذا الوقت يُسافِرون على طول الطَرَف الغربي من شِبه الجزيرة العربية حتى وَصَلوا إلى طَرَف البَحر الأحمر (خليج العَقَبة، وعند هذه النقطة تَلتقي شِبه الجزيرة العرَبية وشِبه جزيرة سيناء. من حزيروث، كانت خطوتُهم التالية ستَكون غرباً وإلى حدٍ ما شمالاً.

سنَتناول الإصحاح الثاني عشر من سِفْر العدد في المرَّة القادِمة.