22nd of Tevet, 5785 | כ״ב בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللّاويّين الدَّرس الواحد وأربعون – الإصْحاحان سِتّة وعشرين وسبعة وعشرين
سِفْر اللّاويّين الدَّرس الواحد وأربعون – الإصْحاحان سِتّة وعشرين وسبعة وعشرين

سِفْر اللّاويّين الدَّرس الواحد وأربعون – الإصْحاحان سِتّة وعشرين وسبعة وعشرين

Download Transcript


سِفْر اللّاويّين

الدَّرس الواحد وأربعون – الإصْحاحان سِتّة وعشرين وسبعة وعشرين

فيما نَنْتَهي اليوم من الإصْحاح سِتّة وعشرين من سِفْر اللّاويّين، دَعوني أبدأ بأن أذْكُر لكم أنه على عَكْس كل الإصْحاحات السّابِقة من سِفْر اللّاويّين حيث وُضِعت الشَّرائع والفرائض، يقول الإصْحاح سِتّة وعشرين: "إليكُم ما سَيَحْدُث إذا أطَعْتُم كل هذه الشَّرائع والأوامِر، وإليكم ما سَيَحْدُث إن لم تَطيعوا كل هذه الشَّرائع والأوامِر" .هذا هو الإصْحاح الذي يُحَدِّد البَرَكات واللَعْنات أو، في لُغَتنا الحديثة، المُكافآت والعُقوبات. إنه مُنَظَّم الى حدّ كبير مثل نِظام القوانين المَدَنِيّة والجِّزائيّة في أُمَّتنا حاليًّا. أولاً عندما يَتِمّ وَضْع قانون جديد يَتِمّ تفْصيل طبيعة القانون (ما يَجِب فِعْلَه وما لا يَجِب فِعْله) بِعِناية. بعد ذلك يَتِمّ ذِكْر ما يَحْدُث عندما يُخالف المَرْء هذا القانون (العُقوبات والجزاءات) سِواء كانت عقوبة السِّجن أو الغرامات أو أي أمْر آخر. بِالطَّبع الشّيْء الوحيد الذي لن نَجِده أبداً في نِظام القانون الجِنائي لَدَيْنا هو البَرَكات. الاحْتِمالان الوحيدان في نِظامِنا الحديث لِلْفِقه الجِّنائي هما: (أ) يَحْدُث لك شيء سيِّء إذا خالَفْت القانون، (ب) لا يَحْدُث لك أي شيء سيِّء إذا لم تَفْعل.

والأهَمّ من ذلك أن هذا الإصْحاح يَتَحَدَّث عن الطّاعة والعُصْيان على المُستوى الوطني. إنه يَتَحَدَّث عن بني إسرائيل كَكُلّ. من المُهِمّ جدًا أن نَفْهم أن الله يُظهر لنا أنه يَنظُر إلى الإنسانيّة ويتعامَل مع البَشَريّة في ثلاثة مجالات مُخْتَلِفة من العُضْوِيّة: كأفْراد (عُضْوِيّة واحدة) وكَعائلة أو جماعة وكَأُمَّة. وعندما نقرأ التوراة (أو في أي مكان في الكِتاب المُقَدَّس في هذا الشأن) يَجِب أن نُحدِّد في أي من هذه المجالات الثلاثة للعُضْوِيّة يَعْمَل أي كِتاب مُقَدَّس مُعَيَّن.

على سبيل المثال: خَلاصُنا في يسوع هو فَرْدي. مُسْتقْبلنا الأبدي وعِلاقتنا الحاليَّة مع يَهوَهْ تتحدَّد شخصًا بِشخص وليس بما تُقَرِّره عائلتنا أو مُجْتَمَعنا أو بما تُقَرِّره أُمَّتنا. إيمان آباؤنا لا يَضْمَن خلاصَنا ولا وثَنِيَّتهم تَسْتَبْعِدنا من الخلاص. يُمْكِنُنا أن نعيش في أُمَّة يُسَيْطِر عليها المُسلِمون، في ظلّ حكومة مُسْلِمة، في عائلة مُسْلِمة؛ لكن إيماننا الفرْدي بالمسيح هو الذي يُحَدِّد عِلاقتنا الشَّخْصية مع الله.

من ناحِية أُخرى ما حَدَث مع بني إسرائيل كَأُمَّة في مُناسَبات عَديدة كان في المَقام الأوَّل بِسَبَب تَصَرُّفات قادَتهم (مُلوكهم) الّذين يُمثِّلون أُمّتَهم. الأُمّة ليست سِوى اتِّحاد أفراد؛ لكن الأُمّة (بِحِكْم تَعْريفها) تتصرَّف بِطَريقة جماعيّة، وبالتالي يكون لها قادة يُمثِّلون الجماعة. قد لا يكون القادة هم القادة الّذين يُفَضِّلهم الكثيرون في الأُمّة، لَكِنَّهم مع ذلك هم القادة. على سبيل المثال، جَلَبَت تَصَرُّفات المَلِكَيْن داوود وسُلَيْمان (اللَّذَين لم يكونا كامِلَيْن بأي حال من الأحوال) بَرَكات هائلة على بني إسرائيل كَأُمَّة. رأى الرَّب أن قلوبَهما كانت نَحْوَه، وسَعِيا إلى خِدْمة الله وصّدّقا الله بِشَكْل مُتوازِن. ما حَدَث بَعدَهُما عندما تولّى المَلِك يربعام الحُكْم وبدأ يُعْبُد آلِهة أُخرى، وعندما قاد شَعْبَه إلى الضَّلال، أدّى في النِّهاية إلى الفَوضى والحَرْب الأهْليّة وانْقِسام إسرائيل إلى مَمْلَكَتَيْن؛ إحْداهما غزاها الآشوريّون وأدَّت إلى تَشَتُّت أسْباط إسرائيل العشرة التي كانت تَحْتَلّ تلك المَمْلَكة، وفُقْدان هَوِيَّتهم العبرانية (على الأقل حتى وقت قريب جدًا).

بالإضافة إلى ذلك، نَجِد أيضًا أمْثِلة في الكِتاب المُقَدَّس حيث عانَت بعض القبائل أو العائلات من لَعْنات طويلة الأمَد بِسَبَب العُصْيان، نسْل حام مِثال كبير، ونَسْل دان مثال آخر. إن نَسْل رأوبين الّذين فَقَدوا حَقَّهم في أن يكونوا قادة إسرائيل هي حالة أُخرى من حالات عُصْيان الله ويُمْكِنني أن أتَحَدَّث عن عَشَرات الأمْثِلة الأُخرى. بالمُقابل سنَجِد عائلات نالت بَرَكات طويلة الأمَد من جَرّاء طاعة يَهوَهْ: نَسْل شام ونَسْل سُلالة العَهْد من إبراهيم، ويَهُوَّذا الى حدّ ما وغَيْرَهم.

إذًا فالمَبْدأ الإلَهي المُهِمّ هو أن هناك بَرَكات ولَعْنات مُعَيَّنة تَنْطَبِق على الأفراد، وأُخرى تَنْطَبِق على الأُسْرة أو المُجْتَمَع، وأُخرى تَنْطَبِق على الأُمّة كَكُلّ. بِطبيعة الحال هذه المَجالات الثلاثة مُتَشابِكة الى حدّ ما. إذا كان عَدَد كبير من الأفراد يَتْبَعون الرَّب، فَمِن المُحْتَمَل أن تَتْبع عائلاتهم الرَّب أيضًا، وإذا كان عَدَد كبير من الأفراد وعائلاتهم يَتْبَعون الرَّب، فمن المُحْتَمَل أن يَتبع المُجْتَمَع والأُمّة الرَّب أيضًا. للأسَف هذا المَبْدأ يَعْمَل بالعَكْس أيضًا.

لذلك سنَجِد أن الإفْتِداء يَعمل أيضًا بِطَريقة مُماثِلة. لقد افْتَدانا يسوع فَرْدًا فَرْدًا عندما جاء في المَرّة الأولى.

والآن اسْتَمِعوا إليَّ بِعِناية شديدة في ذلك: عند إعادة تأسيس إسرائيل كَأُمَّة (كما حدث الآن) ستُدان أُمَم العالَم (كَكَيان) أو تُفتدى بناءً على سِمَة واحدة: مُعامَلة تلك الأُمّة لإسرائيل. دَعْني أقول ذلك مَرّة أُخرى: يَعْتَمِد الإفْتِداء القَوْمي…. وليس إفْتِداء الأفْراد….. على كَيْفِيَّة تعامُل أي أُمَّة بِعَيْنِها مع إسرائيل. هذا مأخوذ من التَّعاليم الواضِحَة جدًا في سِفْر يوئيل وعُوبَديا وعاموس والرؤيا وغيرها. بِالطَّبع الأُمّة التي لا يَثِق مُواطِنوها الأفْراد في الرَّب، من غير المُرَجَّح أن يكون لها قادة يَثِقون به؛ وبالتالي فإن تلك الأُمّة لن ترى قيمة خاصّة في بني إسرائيل. والأُمّة التي لا ترى أي قيمة خاصّة في بني إسرائيل سَتَتَّخِذ قرارات تتعارَض مع تعليمات الله فيما يَتَعَلَّق بأُمَّتِه المُخْتارة المُكَوَّنة من الشَّعب والأرض.

وبالمُناسبة، لأن شعب وقادة أُمّةٍ ما يَتَبَنّون مَزيجًا من الثِّقة في إله إسرائيل والتَّسامُح مع "آلِهة" أُخرى (سواء كانت هذه "الآلهة" عِبارة عن اعْتِقاد خاطئ بأن أي إلَه هو الإلَه أو أن الحَقائق الجِيوسياسيَّة مُهِمَّة بِقَدَر أهَمِّيّة قوانين الله وأوامِرَه، إن لم تَكُن أكثر أهَمِّيّة)، فإن هذه الأُمَم لا تُمنَح أي إعفاء لمُجَرَّد أن يَهوَهْ موجود في مكان ما في هذا المَزيج. إن قيام أُمّة بتلك الأشياء الرَّهيبة ضدّ إسرائيل في نفس الوقت الذي "تُنادي فيه بإسْم الرَّب" يَجْلُب هذه الأُمّة إلى الدَيْنونة تمامًا كما عَبَدَة مولوخ أو بَعل فقط.

أقول لكم هذه الأشياء لأنها هي سِياق سِفْر اللّاويّين سِتّة وعشرين ولأننا في طَور التأديب بَيْنَما أتَحَدَّث (كَأُمَّة) عن نفس الشّيْء الذي حذَّرَنا منه يوئيل وعوبَديا وعاموس وآخرون: تقسيم أرض إسرائيل. إن القَول بأننا نقوم بهذا التَّقْسيم بإسم السَّلام العالَمي يُعادِل بالضَّبْط عِبادة يَهوَهْ وبَعْل في نفس الوقت؛ إنه ازْدِواجيَّة في التَّفْكير ويَفْتَقِر إلى الإيمان. أقول لك هذا أيضًا لأنك من غير المُحْتَمَل أن تَسْمَع ذلك في الكثير من الكنائس أو المَعابِد ولكن خَمِّن ماذا: الآن من مَسْؤوليَّتك أن تذهب وتُخْبِر الآخرين!

دعونا نُعيد قِراءة الجِزْء الأخير من سِفْر اللّاويّين سِتّة وعشرين لكي نَسْتعيد أفْكارنا.

أعِدْ قِراءة سِفْر اللّاويّين سِتّة وعشرين على إثنان وثلاثين حتى النهاية

يُذهِلُني ويُحَيِّرني مدى سهولة اعْتِراف أعضاء الكنيسة وتلاوَتهم لمُخْتَلِف العُقوبات والأحْكام التي فَرضَها يَهوَهْ على إسرائيل على مدار تاريخهم الطويل؛ ثم يتحوَّلون ويَرْفُضون رؤية العُقوبات التي فُرضَت علينا، والتي سَتُفْرَض علينا حاليًا، كأفراد وعائلات، كمُجْتَمَع من المؤمِنين وكَأُمَّة. حتى أننا نرى اقْتِباسًا تِلْوَ الآخر من عالَم الإسلام يُشير إلى أن مَصائب بني إسرائيل، ومُؤخَّرًا الكوارِث الجَوِّيّة والاقْتِصادية في الولايات المتحدة، مَصْدَرها إلَهي. وهنا في الآية إثنان وثلاثين نرى هذه الظّاهرة بالضَّبْط التي تَنَبّأ بها: فهي تَشْرح أن أعْداء بني إسرائيل سَيَفْهَمون أن خَراب الأرض وارْتِداد الشَّعب العِبْري جاء كَعِقاب إلَهي من إلَهِهم، مع الإشارة الى أن بني إسرائيل لن يفَكِّروا في ذلك على الإطلاق.

ثم في الآية أربعة وثلاثين، يُطرَح موضوع السّبْت. هذا مُثير للاهْتِمام. لقد وَضَع الله في الإصْحاح السّابِق فقط شرائع السَّنوات السّبْتيّة (دَورة من سبع سنوات مع كَون السَّنوات السِّت الأولى سنوات عادية والسابعة سنة سَبْتِيّة) ثم دَوْرة الخمسين سنة مع وجود سَبْع دَوْرات من سبع سنوات (والسنة التالية هي اليوبيل نَفْسه، سنة سَبْتِيّة خاصّة جداً). إذن هذه الآية تتوقَّع أن بني إسرائيل لن يُطيعوا شريعة السَّنوات السّبْتيّة. أن بني إسرائيل لن يَسْتَخْدِموا الأرض لمُدَّة سِتّة سنوات ثم يُعْطوها راحة لمُدَّة سنة واحدة. أن بني إسرائيل لن يُطيعوا شريعة اليوبيل ويُعْطوا الأرض كل خمسين سنة ما يُعادِل سنتَيْن مُتتالِيَتَيْن من الرّاحة السّبْتيّة. وهذا الرَّفْض العنيد لمُراعاة هذَيْن السّبْتيْن واليوبيل هو جزء لا يتجزّأ من السّبَب الذي سَيَجْعل يَهوَهْ يَضَع يَدُه بِقُوّة لتأديب شَعْبِه: على الأقل جِزْئيًا لِصالِح الأرض نَفْسها.

التَّفْسير الصَّريح هنا هو أن السّبَب في أن الأرض ستكون مُقْفَرة وغير مُسْتَخدَمة (لأن بني إسرائيل قد أُبْعِدوا (إلى المنفى) هو تعويض كل تلك السُّبوت التي فاتت. وبِعِبارة أُخرى، ما يبدو كما لو كان لَعْنة الله على الأرض (جَعَلَها مُقْفَرة ) هو في الواقع نوع من البَرَكة للأرض. إنها، بِطَريقة مُعَيَّنة، وسيلة لإنْعاش الأرض. الكَلِمَة العِبْرية المُسْتَخْدَمة في العِبارة الوارِدة في نهاية الآية أربعة وثلاثين حيث تقول: ”……ويُردّ على الأرض سبتُها“….. هي هيرتساه. وهي مُشْتَقَّة من كَلِمَة جِذْريّة تعني التَّكْفير أو التَّعْويض.

لقد قُلْتُ في عدّة مُناسبات أن شرائع الله لا تأتي وتذهب. إنها ليست مثل قوانين البَشَر التي تَتَغَيَّر مع الزَّمَن أو أهْواء النّاخِبين أو قادَتنا، بل إن قوانين الله هي نسيج الكَوْن. عندما وَضَعَ يَهوَهْ قوانين السّنة السّبْتيّة واليوبيل كان ذلك لأن القوانين المُتَعَلِّقة بهما هي كَيْفِيَّة عَمَل الكَوْن. مثال: لَدَيْنا قوانين مَدَنِيّة تنصّ على أن بعض العُمّال، عندما يَعْمَلون في الأماكِن المُرْتَفِعة، يَجِب أن يَرْتَدوا أحْزِمة الأمان. لماذا؟ لأنَّهم يُمْكِن أن يَسْقُطوا ويُصابوا بِجُروح خطيرة أو حتى يموتوا إذا لم يُطيعوا هذا القانون. ماذا لو لم تَكُن الجاذِبِيّة مَوجودة؟ ماذا لو، لأن الجاذِبِيّة غير مَوجودة، كان سُكّان كَوْكَب الأرض يَتَمايَلون كما نرى رُوّاد الفضاء في محَطّة الفَضاء. بالنِّسْبة لرائد الفضاء الذي يعيش في الفضاء الخارِجي، فإن مُصْطَلح ”السُّقوط“ ليس له معنى في الأساس، أليس كذلك؟ إن قانونَنا الخاص بأحْزِمة الأمان للعُمّال الّذين يَعْمَلون في الأماكِن المُرْتَفِعة يَسْتَجيب لقانون آخر أكثر قُوّة وَضَعَه الله: قانون الجاذِبِيّة. قانون هو جِزء من الكَوْن، قانون لا يُمْكِن لأي إنسان أن يَخْرُقه أو يُلْغيه.

عندما يَضع الرَّب قانونًا، فهو مِثل الجاذِبِيّة: حتى لو لم نَتَمَكَّن من رؤيته، فهو مَوجود، ويؤثر على مُعْظَم جوانِب حياتنا، ويَجِب أن يُحسب له حِساب بِطَريقة أو بِأُخرى. إن تَجاهُل قانون الجاذِبِيّة هو دَعوة للمَوت. عندما فَرَض الله السَّنوات السّبْتيّة لصالِح الأرض كان ذلك لأن الأرض كانت بِحاجة إلى تلك السَّنوات السّبْتيّة. كَيْفِيَّة عمل الأرض وإعطاء مَحْصولها كان يَعْتَمِد على تلك السَّنوات السّبْتيّة. إذا كان الرَّجُل الذي يَعمَل في مكان مُرْتَفِع يَرتدي حِزام الأمان، فإنه يَستطيع أن يَعمل في ظلّ مخاطِر الجاذِبِيّة ولن تنال هذه الجاذِبِيّة منه. إذا لم يَفعل ذلك فَسَتنال منه في النِّهاية. إذا حَصَلَت الأرض على سَبْتِها، فإنها تَعمَل كما صُمّمت، وتُعطي الكثير من الخَيْرات للناس. إذا لم تَحْصَل الأرض على سَنواتها السّبْتيّة فإنها تَتْعب. تحتاج الأرض بالضَّبْط إلى عَدَد أيام السّبْت التي أمَر الله بها … لا أكثر ولا أقلّ وسيَحْرِص الرَّب على أن تَحْصَل الأرض على سَبْتِها، بِطَريقة أو بِأُخرى. هذه هي طبيعة المَبْدأ الإلَهي المَنْصوص عليه هنا في سِفْر اللّاويّين سِتّة وعشرين.

إذًا هَل كانت عاقِبة تَجاهُل شرائع الله قد لَحِقَت أخيرًا ببني إسرائيل كَأُمَّة؟ بالتّأكيد. في حزقيال أربعة على أربعة الى سِتّة، بعد حوالي تِسعة قرون من إعْطاء التوراة لِموسى، يأمُر الله فجأةً حزقيال أن ينام على جنْبِه الأيْسَر لمُدَّة ثلاثمئة وتسعين يومًا، يوم واحد لكل سنة من إثم أفرايم-إسرائيل، ثم أربعين يومًا على جنْبِه الأيْمن، يوم واحد لكل سنة من إثم يهوَّذا (المَمْلكة الشّمالية والمَمْلكة الجنوبية….. بَيتا بني إسرائيل). هذا ما مَجموعه أربعمئة وثلاثين يومًا بالسّنة كعَلامة لبني إسرائيل على عِقابهم القادِم. في هذه المرحلة، كان نَبوخَذْنَصّر، ملِك بابل، قد سبى بالفعل أول ثلاث دَفْعات من المَنْفيّين (بما في ذلك دانيال) إلى بابل، الأولى حَدَثَت في عام سِتّمئة وسِتّة قبل المسيح.

وبِحُلول عام خمسة آلاف وثمانمئة وثمانية وثمانين قبل المسيح سُبِيَت الدَّفعة الثالثة والأخيرة من شعب إسرائيل إلى بابل، ودُمِّرَ الهَيْكَل، وكانت الأرض خَرابًا في مُعْظَمها. في هذه الرِّواية يورِد سِفْر أخبار الأيام الثاني، سِتّة وثلاثين على واحد وعشرين هذا البيان المُدْهِش؛ أن الغَرَض من نفي أفرايم-إسرائيل، ثم يهوذا، كان " لإِكْمَالِ كَلاَمِ الرَّب بِفَمِ إِرْمِيَا، حَتَّى اسْتَوْفَت الأَرْضُ سُبُوتَهَا، لأَنَّهَا سَبَتَتْ فِي كُلِّ أَيَّام خَرَابِها لإِكْمَال سَبْعِينَ سَنَةً."النُّقْطة اللاّفِتة للنَّظَر هنا هي أن الأربعمئة وثلاثين سنة تحتوي بالضَّبْط على سبعين سنة سَبْتِيّة! لقد حُرِمت الأرض، بِحِساب الله، من سبعين سنة سَبْتِيّة بالضَّبْط (لأن كان بنو إسرائيل قد نَسَفوا تلك الشَّرائع المُتَعَلِّقة بالسَّنوات السّبْتيّة المَطْلوبة)، ولذلك فقد حان الوقت لكي تَسْتَرِدّ الأرض سَبْتَها، وهذا ما حَدَث. كان من المُحَّتم أن يَحْدُث ذلك لأن السَّنوات السّبْتيّة التي تحتاجها أرض إسرائيل هي قانون من قوانين الكَوْن، مثل الجاذِبِيّة. لقد تَحَقَّقَت كل ”نُقطة وخِطّة“ من كَلِمَة الله في سبعين سنة مريرة من المنفى؛ كان من حقّ الأرض أن تأخُذ سبعين سنة من الرّاحة، وقد حَصَلَت على سبعين سنة من الرّاحة؛ ولكن بني إسرائيل دَفَعوا ثمنًا باهظًا لكل سنة من تلك السَّنوات التي تَخَطّوها. قد نؤجِّل عواقِب انْتِهاكِنا لِشَرائع الله لِبَعض الوقت، ولكنها سَتَلْحَق بنا لأنها بِبَساطة مُدْمَجة بالطريقة التي يَعْمَل بها الكَوْن.

ما يلي بعد ذلك في سِفْر اللّاويّين سِتّة وعشرين هو وصف للمَنْفى الذي سَيُعاني منه بنو إسرائيل على مرّ القرون. وفي الأساس، هذه هي حالة شعب إسرائيل خلال هذه الأَزْمِنة:

1) سَيكونون ضُعاف القُلوب. الكَلِمَة المُسْتَخْدَمة هنا للضُّعْف، هي بالعِبْرية موريخ وتعني حَرْفِيًّا ”أن يكونوا رَقيقين“. وتْستَخْدَم الكَلِمَة نفسها في سِفْر التَّثْنية لوَصْف أولئك الّذين لا يَصْلَحون للخِدْمَة العَسْكريّة……لأنَّهم جُبَناء. يا له من اتِّهام! إنها تقول إن بني إسرائيل سيُساقون إلى أراضٍ أُخرى؛ سوف يَسْتَسْلِمون ويُنَفِّذون كل ما يُقال لهم لأنَّهم لا يَمْلُكون ثباتًا داخليًّا. لماذا ليس لدَيهم قُوّة داخليّة؟ لأن يَهوَهْ أخذ الشَّجاعة التي كانت مَوجودة في قلوبِهم في وقت من الأوقات واسْتَبْدَلَها بِنَوْع من الخَوف الخاضِع كَعِقاب لهم على عُصْيانهم.

2) سَيَتَعثَّرون على بَعْضهم البعض كما لو كان هناك من يُطاردهم. والمَقْصود أنه لا يوجَد في الواقع من يُطارِدهم. الفِكْرة هي فِكرة الفَوضى وجُنون الارْتِياب وسوء التَّنْظيم. يتصوَر المرء ذلك اليوم الرَّهيب منذ وقت ليس بِبَعيد في العِراق عندما صَرخ أحدُهم ”قُنْبُلة!“ وَسط حَشْدٍ من الناس الّذين كانوا يَسيرون عبر جِسْرٍ رغم أنه في الحقيقة لم تَكُن هناك قُنْبُلة. بدأ الناس يَتدافَعون ويَنْطَلِقون ويَتَعَثّرون بِبَعضهم البعض. كان التَّدافع البَشَري شديدًا لدرجة أن الحواجِز الخَرَسانية والفولاذيّة انهارَت وسَقَط مئات الأشخاص في نهر الفُرات على عُمْق سِتّين قدَمًا تحت الجِسْر. كما اخْتَنَق آخرون من التَّدافُع، بَيْنَما دُهِس آخرون حتى المَوت حَرْفِيًّا. عندما انتهى كل شيء مات ما يُقارِب سَبْعُمئة شخص؛ ولكن كما اتَّضَح أنه لم يَكُن هناك أي خطر، كان كل شيء مُتَخيَّلاً. هذا هو معنى هذا المَقْطَع.

3) لن يكون بِمَقْدور بني إسرائيل الصُّمود في الهُجوم. سوف يتراجَعون في مُواجهة أعدائهم. إن تاريخ بني إسرائيل في المَنْفى هو اسِتِعْداد لا يُمْكِن تفسيره للاسْتِرْضاء بدلاً من القتال. إنه اعتقاد بأنه ليس لديهم أمَل، فلماذا العناء. إنه اعْتِقاد بأنهم لا يَمْلُكون القُدْرة على القِتال والانْتِصار.

4) نتيجة للصِّفات الثلاث الأولى، سوف يموتون في أي بلد أجْنَبي ينتهي بهم المَطاف فيه. أنت تَعْلَم أن المَوت على سَريرك في المنزل أمرُ مُخْتَلِف. بعض الناس، عندما يَشعرون أن الموت يَقْتَرِب، يتوقون للعودة إلى المِنطقة التي وُلِدوا ونشأوا فيها؛ فالإلْفة تَجْلب نوعًا من الرّاحة. ولكن عندما تكون في مكان غريب حيث لا تَنْتَمي إليه بِطبيعتك ويَشْعُر الأشخاص الطّبيعيّون في ذلك المكان الغريب أيضًا أنك لا تَنْتَمي إليه، فهذا أمْرُ مُخْتَلِف تمامًا. ربما يكون هذا أحَد أعظم مَخاوِف الجُنْدي، أن يموت في أرض أجنبيّة. هذا هو التَّهْديد الدَّقيق الذي يَضَعه الله أمام شَعْبِه … أنهم سَيَموتون في أرض أجْنبيّة وأن لَحظاتهم الأخيرة لن تكون بَسَلام، بل ستكون مُضْطَرِبة وقَلِقة.

5) أمّا أولئك الّذين لا يموتون في الأماكن الغريبة التي سَيَجِدون أنْفُسهم فيها فسوف يَشْعرون بِحزن شديد والمعنى الإنجليزي لهذه العِبارة هو حالة من الحُزن. ولكن هذا ليس هو الحال حقًا. فالكَلِمَة العِبْرية المُسْتَخْدَمة هنا، ييماكو، تُرجِمت حرفيًا إلى "سوف يذوبون"، وسَنَسْمع في زكريّا وحزقيال عن عيون شعب الله التي تذوب في مَحاجِرها وتَذْبل بِسَبَب المَعْصية. وفي كلتا الحالتَين فإن الفِكْرة ليست ذَوَبانًا حَرْفيًا… فقد حاول البعض تصوير حزقيال على أنه هُجوم بقُنْبُلة نووية … بل إنه تعبير عِبري؛ ويعني الشُّعور بالخَوف العميق والمُزْعج الذي لن يزول.

6) بالإضافة إلى الإحْساس العام بالهلاك والفزَع لدى الشَّعب اليهودي، سوف يتحسّرون أيضًا على آثام آبائهم. ربما يُعطي ذلك أفضل تَوضيح للأثر الأساسي للدَيْنونة الوَطَنِيّة، وهو ما يجري الحديث عنه هنا. لقد توصَّلوا إلى اسْتِنْتاج مفادَه أنهم يُعانون بِسَبَب الخطايا الجماعيّة التي اقْتَرفَتْها الأجيال السّابِقة، بالإضافة إلى الخطايا الجماعيّة لِجيلهم. وبِالطَّبع السؤال هو كيف يُمْكِن للمرء أن يَهْرُب من لَعْنة الله هذه؟

7) ثم وبِطَريقة غريبة كل هذه المشاعِر والظُّروف المُظْلِمة والكئيبة تَفْسَح المجال للأمْر نفسه الذي يُجيب على السؤال الذي طرحْتَه للتَّو: كيف يَهْرُب المرْء من هذه الحالة؟ وترِد الإجابة في الآية أربعين سيعترفون بإثمهم وإثم آبائهم. أليس هذا بالضَّبْط ما يَحَثُّنا عليه العَهْد الجديد؟ أن يَعْتَرِفوا….وبِالطَّبع أن يتوبوا…..وهو ما تُشير إليه هذه الآية. وبماذا عليهم أن يَعْتَرِفوا؟ أنهم والّذين من قَبْلهم….. أي من أُمَّتهم بني إسرائيل….. كانوا مُجْتَمَعين في عداء ليَهوَهْ. لقد تعدّوا على قداسته. مَرّة أُخرى، لا نتعامَل مع هؤلاء كأفراد مُنْفَرِدين بل كمجموعة من الأفراد، كَأُمَّة. المَبْدأ الكامِل الذي يَتِمّ إظْهاره هنا هو أنه عندما تحدُث دَيْنونة وَطَنِيّة فإن كل فرد من تلك الأُمّة يتحمَّل العِبْء. لا يَهُمّ أنك كَفَرْد لم تُوافق على الأشياء التي فَعَلَتها أُمَّتك أو قادَتها في معاداة الله. يتجلّى هذا مِرارًا وتِكرارًا مع الأنْبِياء الّذين كانوا أبْرارًا أمام الرَّب، والّذين رَفَضوا المُشاركة في آثام أُمَّتهم، لَكِنَّهم عانوا مع أولئك الّذين لم يكونوا أبْرارًا. في الدَيْنونة الوَطَنِيّة يَتوقَّع يَهوَهْ من الأبْرار أن يَعْتَرِفوا بِخطايا الأُمّة التي نَرْتَبِط بها تمامًا كما لو كنا نحن الّذين ارْتَكَبْنا هذه الآثام مُباشَرة.

في واحِدة من أكثر غَرائب تاريخ الإيمان (على الأقلّ يبدو لي كذلك) لَدَيْنا كنيسة تَشْعُر بِصُدْق أن كل ما يَهِمّ حقًا على المُسْتوى الرّوحي هو الفَرْد وأن كل نِعْمة الله الخَلاصِيّة وغَضَبه الرَّهيب يَتَعَلَّقان بالأفْراد. وعلى العَكْس من ذلك، لَدَيْنا اليَهودِيَّة التي تَشْعُر بِصُدْق أن كل ما يَهِمّ حقًا على المُسْتوى الرّوحي هو الأُمّة كَكُلّ وأن كل نِعْمَة الله الخَلاصِيّة وغَضَبه الرَّهيب يَتَعَلَّقان بالجَماعة الوَطَنِيّة وكِلاهُما خَطأ وآمَل أن تكون قد لاحَظْت ذلك. لهذا السّبَب يبدو من الغَريب جدًا بالنِّسْبة للمؤمِن غير اليَهودي الحديث أن يُصَلّي من أجل المَغْفِرَة عن أشياء لم يَفْعَلها بِشَكْل مُباشر نيابةً عن أُمَّتِه. أن يَتَحمَّل المَسؤوليّة الشَّخْصية عن طَلَب المَغْفِرَة من الرَّب عن الأفْعال الخاطِئة لأُمَتِه. ليس بالصَّلاة، "يا إلَهي، اغْفِر ما فَعَلَهُ هؤلاء الرِّجال الآخَرون"، بل "يا إلَهي، اغْفِر لي لأنني جِزْء من الأُمّة التي فَعَلَت هذه الأشياء ضدَّك". هل ترى الفَرْق؟

ويبدو غريباً أيضاً بالنِّسْبة لليهود المُتَدَيِّنين أن يُصَلّوا من أجل فِداء فَرْد واحد. فما الفائدة من خَلاص شَخْص واحد إذا هَلِكَت الأُمّة كلّها؟ فإذا تم خلاص الأُمّة كلّها فإن كل شَخْص في تلك الأُمّة سوف يَتِمّ خَلاصه بِحِكْم التَّعْريف… هذا هو المَنْطِق.

8) والآن بعد أن أدْرَكَ بنو إسرائيل عداءهم لله واعْتَرَفوا به، بعد ذلك….. بَيْنَما هم في وَسَط مَنْفاهُم…. سَتُصْبِح قلوبهم مُتواضِعة، وبِعِبارة أُخرى، لقد وصَلوا أخيرًا إلى قاع تلك الحُفْرة؛ لقد اسْتَنْفَدوا أعْذارهم وأدْرَكوا أنه لا رَجاء لهم على الإطْلاق، ولا يُمْكِنهم تَخْليص أنْفُسهم من مأزَقهم الذي صَنَعوه بأنْفُسهم. وبمُجَرَّد أن يفرِغوا من كِبْريائهم، عندها سَيَتَذَكَّر يَهوَهْ عُهوده مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، بل أكثر من ذلك يقول إن الرَّب سَيَتَذَكَّرالأرْض؛ أي أنه سَيَتَذَكَّر أنه منذ زَمَنٍ بعيد جَعَل بني إسرائيل المُسْتأجِرين الدّائمين لأرْض كنعان.

نأتي الآن إلى الجِزْء الذي يَجِب أن نَتوب عنه؛ الجِزْء الذي رَفَضَه مُعْظَمنا في وقت من الأوقات، ونأمَل ألا نَفْعَل ذلك بعد الآن. جِزْء لا تزال شريحة كبيرة من مُجْتَمَعنا…. جماعة المؤمِنين…. تُخْفيه. يقول يَهوَهْ لأُمّة إسرائيل في الآية أربعة وأربعين: الكِتاب المُقَدَّس الأمريكي القياسي الجديد سِفْر الاويّين سِتّة وعشرين على أربعة وأربعين " وَلكِن مَعَ ذلِكَ أَيْضًا مَتَى كَانُوا فِي أَرْض أَعْدَائِهِمْ، مَا أَبَيْتُهُمْ وَلاَ كَرِهْتُهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ وَأَنْكُثَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ، لأَنِّي أَنَا الرَّب إِلهُهُم".

بل، من أجْل العُهود التي قَطَعْهُا مع إبراهيم وإسحاق ويعقوب، سَيَرْحَمهم يَهوَهْ وسَتَبْقى العُهود التي قَطعَها مع بني إسرائيل كما هي.

لم يَرْفُض يَهوَهْ بني إسرائيل. لم يُرْسِلهم أبدًا إلى المَنْفى بِشَكْل دائم ولم يُبْعِدهم إلى المُنفى ولا إلى الهَلاك. كما أنه لم يَسْتَبْدِلهم. كان النَّفي شكلاً من أشكال التأديب القَوْمي وليس دَمارًا قوميًّا. كان الغَرَض منه هو أن يأتي بِبَني إسرائيل إلى مكان الاعِتِراف والتَّوْبة حتى يَتَجَنَّبوا الدَيْنونة الأبَديّة، وبدلاً من ذلك حتى يَتَمَكَّنوا في نِهاية المطاف من العَودة إلى أرْضهم.

عندما يؤدِّبنا الرَّب ويُعاقبنا كأفراد، فإن الغَرَض من ذلك هو إرْشادنا إلى الطريق المُسْتَقيم لتَجَنُّب الدَيْنونة. عندما يَتِمّ تأديبنا كَأُمَّة، فإن الغَرَض من ذلك هو إرْشادنا على المُسْتوى الوَطني إلى الطريق المُسْتَقيم، حتى نَتَجَنَّب الدَيْنونة المُدَمِّرة. لكن لاحِظ الخُطوات نحو ذلك التي تَناولناها اليوم. إلى أن نُدْرِك أن الكوارِث التي حَلَّت بنا هي يد دَيْنونة الله، وإلى أن نَعْتَرِف بِدَوْرِنا الشَّخْصي في العَداء الوَطَني الذي أظْهَرْناه تِجاهَه (في عِصيانِنا الوَطني)، وإلى أن نَعْتَرِف به ونَتوب عنه ونَتَواضَع أمامه، فإننا سَنَظَلّ تحت يَد تأديبه، تأديبه إلى أن نَتوب…..أو…..لا سَمَح الله …. حتى يوم الرَّب عندما يأتي لِيُدين العالَم بِشَكْل دائم.

إن الأهْوال التي نَقْرأ عنها في سِفْر الرؤيا لا تتعلَّق بالتّأديب. لقد انْتَهى وقت التّأديب في سِفْر الرؤيا. الآن تأتي دَيْنونة أولَئك الّذين رَفَضوا قُبول تأديبه وتَغْييره. بالمُناسبة، إن الإعْداد والسِّياق الأصْلي لمُعْظَم تلك الأحْداث التي لا يُمْكِن تَصَوُّرها في سِفْر الرؤيا والتي أصْبَحَت شائعة جدًا في الكنيسة الإنجيليّة الحديثة بإصْرارِها على أن العَهْد القديم غير ذي صِلة أو مُلغى، مَوجودة في لَعْنات العَهْد في سِفْر اللّاويّين سِتّة وعشرين وسِفْر التَّثْنية ثمانية وعشرين.

لِنَنْتَقِل إلى الإصْحاح سبعة وعشرين من سِفْر اللّاويّين، الإصْحاح الأخير من سِفْر اللّاويّين.

من المُثير للاهْتِمام أن الأمور القليلة الأخيرة التي تَحَدّث عنها سِفْر اللّاويّين تدور حول تَمويل الحَرَم المُقَدَّس. من مَنْظور تَوْراتي فإن تَشْغيل الحَرَم ……. الذي كان في هذه المَرْحلة من تاريخ بني إسرائيل خَيْمَة مُتَنَقِّلة، خَيْمَة الإجْتِماع ….. ولكن فيما بعد سيكون مَبْنى ثابتًا، الهَيْكَل … يُمْكِن تَمْويله من عَدَد من المَصادِر. يَتَناوَل هذا الإصْحاح عدّة فئات رئيسية لِتَمويل الهَيْكَل: رَهْن الفِضَّة والحيوانات، وتَكْريس المُمْتَلكات العِقارية مثل المنازِل والأراضي وإعْطاء أبْكار الحيوانات وأوَّل ثِمار المَحاصيل والتَّبَرُّع بالمُمْتَلكات وأداء العُشور.

ما نَجِده ونحن نقرأ هذا الإصْحاح هو أن الهَدَف بِشَكْل عام هو أن الكَهْنوت الذي كان يُدير الحَرَم كان هَدَفه الحُصول على الفِضَّة لشِراء كل ما هو مَطلوب للصِّيانة والتَّشْغيل. لذلك سنرى جَدْوَلاً للقِيَم النِّسْبِيّة التي وُضِعَت فيها مُخْتَلِف التَعَهُّدات من الأراضي والحيوانات …. حتى الشَّعب ….. يُمْكِن مُبادَلَتها بالفِضّة. أي أن الفِكْرة كانت أن يَنْذُر النّاذِر أن يُقَدِّم كذا وكذا كَتَقْدِمة للحَرَم، ثم يَلْتَفّ الناذر ويَسْتَرِدّ … يَشْتري ……. ما كان قد قدّمَه. كم كانت تَكْلِفة اسْتِرْداد هذه الأشياء؟ ما هي القيمة العادِلة للأشياء التي أُعْطِيَت أولاً ثم اسْتُرِدَّت؟ هذه إحدى المسائل التي يَتناوَلها هذا الفصل.

لذا دعوني أكون واضحاً: إن القواعِد والأنْظِمة الوارِدة في الإصْحاح سبعة وعشرين مَبْنِيّة بِطَريقة تَجْعَل من القاعِدة أن مُعْظَم ما كان يتلقّاه الحَرَم المُقَدَّس لِتَشْغيله كان الفِضَة ….. شيء يَسْهَل صرْفَه …. بدلاً من الحيوانات ومحاصيل الحُقول.

قبل أن نقرأ الإصْحاح سبعة وعشرين دَعوني أُشير إلى أمْرَيْن: أولاً ألا تبدو لنا هذه الطَّريقة العامّة لإعْطاء ثَرْوَتنا للحَرَم مألوفة بِشَكْل مُخيف؟ أن المكان الذي نَعْبُد فيه …… الكنيسة أو المَعْبَد ….. يَتِمّ تَمْويله عادةً بِنَفْس الطَّريقة؟ تَميل الكنائس والمَعابِد اليَهودِيَّة إلى جَمْع كل العَطاءات للمؤسّسة معًا وتَسْمِيَتْها عُشورًا أو تَقَدُّمات؛ لكن سِفْر اللّاويّين يَقْسُم الطَّريقة التي يَتِمّ بها تَمْويل المؤسّسة إلى فئات أكثر تَفْصيلاً ليس من بَيْنِها العُشور.

ثانيًا، فقط لكي تُفَكِّروا في الأمر عندما نقرأه الأسبوع القادم، اعْلَموا أن مَوضوع العُشور في حدّ ذاته لا يُناقَشُ بأي تَفْصيل في العَهْد الجديد. لا يُلمَّح إليه إلا بِشَكْل قليل، ويُمْكِنك أن تَعِدّ على أصابِع اليد الواحدة عَدَد المرّات التي استُخدِمت فيها كَلِمَة ”العُشر“ في العَهْد الجديد. بل أكثر من ذلك عندما تُستخدَم، باستثناء مَرّة واحدة، تكون في سياق تَوضيح نُقْطة حول مبدأ من مبادئ التوراة أو الحديث عن اسْتِحقاق أحَد البطارِكة.

النُّقطة المُهِمَّة هي: لم يَرِد في العَهْد الجديد أي أمْر على الإطلاق خاص بالعُشْر …. أي شيء! مهما كان التَّلْميح الذي وَرد في سياق اقْتِباس من مَقْطَع من العَهْد القديم. وقد اعْتَبَر العديد من المؤمِنين أن عدم وجود أمْر مُباشَر في العَهْد الجديد يعني أن المَسيحيّين ليس لديهم أي شَرْط خاص بالعُشْر وبالتالي دعْم عَمَل الكنيسة. بِالطَّبع لا أستطيع أن أُفَكِّر في أي كنيسة تؤيِّد هذه الفِكْرة. الآن لا أريد أن ألْتَفّ وأُناقش مَسألة العُشور بِعُمْق، لكن دعوني أطْرَح عليكم بعض الأفكار لِتتأمَّلوها. سأبدأ بإعْطائكم خُلاصة القَول: العُشر والعطاء لِدَعْم المؤسّسة كان مُفْتَرَضًا في العَهْد الجديد، وبِعِبارة أُخرى لم يَكُن من المُفْتَرَض أن يؤخَذ من العَهْد الجديد (كما يَفْعَل البعض) أنه إذا لم يَكُن يسوع قد نَطَق بالأمْر مُباشَرةً فلا يَجِب علينا أن نَفْعَل ذلك. إن التوراة التي اتَّبَعَها وأوْصى الآخرين في متّى خمسة أن يَفْعَلوا مِثْلَه، لم تَكُن قد أُلْغِيَت؛ وقال يسوع إن كل نُقْطة وضَرْبة تبقى على حالِها حتى زوال السَّماء والأرض. كانت وصايا الله قد وُضِعَت بالفِعْل لِتَعْليم مبدأ العُشور وعَشَرات المبادئ الأُخرى أيضًا لِتَلاميذ إله بني إسرائيل.

إن العَهْد الجديد ليس جزءًا من الكِتاب المُقَدَّس الذي كان من المُفْتَرَض أن يتَكَرَّر فيه كل شيء من الجِزْء السّابِق ….. الشَّريعة والأنْبِياء ….. من أجل إثبات صِحَّته. إنه واحد من أكثر التقاليد الغريبة … وبِصَراحة يكشُف ….. تقاليد الكنيسة لكي يُعلِّم أن فَرْض العُشور هو مُباشرة من ذلك الجِزْء من الكِتاب المُقَدَّس الذي تَعْتَبِره الجِزْء من الكِتاب المُقَدَّس الذي عفا عليه الزَّمَن والذي هو سَلْبِيًّا تمامًا. بَيْنَما كنت أتَذَكَّر العديد من العِظات التي سَمْعْتُها حول موضوع العطاء، في الحالة النادِرة التي يَتِمّ فيها اقْتِباس مَقْطَع من الإنجيل لِإثبات صِحّة العُشر يكون دائمًا من سِفْر لوقا؛ الإصْحاح إحدى عشر على إثنين وأربعين، الذي يقول: إنجيل لوقا إحدى عشر على إثنين وأربعين "وَلكِن وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّون! لأَنَّكُمْ تُعَشِّرُون النَّعْنَع وَالسَّذَاب وَكُلَّ بَقْل، وَتَتَجَاوَزُون عَنِ الْحَقِّ وَمَحَبَّة الله. كَانَ يَنْبَغي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْك".َ

الفِكْرة هِيَ أَنَّهُ فِي حِينِ أَنَّ الْعُشور مَا زَالَت سَارِية، فبِالطَّبع يَجِب أَنْ يَكُونَ الْعَدْلَ وَمَحَبَّةَ اللهِ السّبب للعُشور ….وأَنَّهُ لاَ يَجِب أَنْ يؤدّى إِلاَّ حَسَبَ الأوامِر وَالْقَوَانِينِ ….. ”بِشَكْل قانوني“. أليس كذلك؟

حسنًا دعونا نُلْقي نَظْرة على الإنجيل الآخر الذي يَسْتَخدِم نفس هذا الاقْتِباس، في سِفْر متّى ….. لأن هذه الآية عادةً ما يَتِمّ تَجَنُّبها:الكتاب المقدس الأمريكي القياسي الجديد إنجيل متى ثلاثة وعشرين على ثلاثة وعشرين " وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّون الْمُرَاؤُون! لأَنَّكُم تُعَشِّرُون النَّعْنَع وَالشِّبِثّ وَالْكَمُّون، وَتَرَكْتُم أَثْقَل النّاموس: الْحَقَّ وَالرَّحْمَةَ وَالإِيمَانَ. كَانَ يَنْبَغي أَنْ تَعْمَلُوا هذِهِ وَلاَ تَتْرُكُوا تِلْك".َ

آه. هنا لَدَيْنا يسوع يُصَرِّح مُباشرةً أن العُشر ليس فقط حكمًا صريحًا من أحكام النّاموس، بل أيضًا العدْل والرَّحْمة والأمانة هي ”أحكام النّاموس الأثقل“. وأن ”هذه هي الأشْياء التي كان يَجِب أن تَفْعلوها دون إهْمال الأُخرى“. وبِعِبارة أُخرى لَدَيْنا تصديق كامل للنّاموس (”كان يَنْبَغي أن تَفْعلوا هذه الأشياء، ويَنْبَغي أن تَفْعلوا أيضاً الأشياء الأُخرى“) في إشارة إلى فرائض النّاموس. إذاً نرى الآن لماذا هذه الآية ليست آية مَشهورة بِشَكْل خاص.

بالتالي، ومن هنا فَصاعِدًا في مُعْظَم العِظات عادةً ما يكون كل التَّعْليم عن العُشور مأخوذًا من العَهْد القديم.

هذا ليس سِوى مِثال واحد جَيِّد على ما كنتُ أُعَلِّمكم إياه على مدى سَنَواتنا معًا: أنه من المُفْتَرَض أن قارئ العَهْد الجديد لديه بالفِعل خلفيَّة جَيِّدة عن هذه الأمور الأساسيّة التي يُغطِّيها النّاموس. بعد كل شيء كان عُمر التوراة ألف وثلاثمئة سنة في الوقت الذي وَصَل فيه يسوع إلى السّاحة. كانت لا تزال أساسًا لنَمَط حياة الشَّعب اليهودي. لم يَشرَح يسوع العُشور لأنه لم يَكُن هناك حاجة لشَرْحِها، فقد كانت مَعروفة للجّميع. كما أنه لم يأمُر بالعُشر لأنه لم تَكُن هناك حاجة لذلك؛ فقد كان مَطْلَبُه مَعْروفًا ومَقْبولًا منذ زمَنٍ طويل. كان كل يهودي يَعْرِف معنى العُشر، ويَفْهَم أشكال العطاء المتعَدِّدة وكيف يَعمَل نِظام العَطاء وما هو الغَرَض منه وما كان مُتوقَّعًا منهم كشَعب الله. بالمُناسبة لم يَشْرح يسوع أيضًا أنه من الضَّروري أن يَتَنَفَّسوا شهيقًا وزَفيرًا للإسْتِمْرار في الحياة؛ ولم يَشْرح أيضًا معنى مُصْطَلح ”النّاموس“؛ كان الجميع يَعْرِف ما يَعنيه ذلك…..كان يعني التوراة. عندما أتَحَدَّث إليكم وأسْتَخْدِم مُصْطَلح ”الكِتاب المُقَدَّس“ لا أتوقَّف أوَّلاً وأشْرَح كل أسبوع ما هو الكِتاب المُقَدَّس. أفْتَرِض أنه بما أنّكم هنا فأنتم تَعْرِفون بالفِعْل.

في المَرّة القادِمة التي سنَلْتَقي فيها سَنَدْرُس سِفْر اللّاويّين سبعة وعشرين ونُكْمِل دِراستنا لسِفْر كَهَنَة إسرائيل. في الأسبوع الذي يلي ذلك سَنَبْدأ بسِفْر العَدَد الرائع جدًا.

َ