سِفْر اللاويين
الدرس واحد وثلاثون – الإصحاح واحد وعشرون
لقد قَطعنا شوطًا قصيرًا في سِفْر اللاويين واحد وعشرين الأسبوع الماضي، وكان فَحوى تلك الآيات القليلة الأولى يَتناول الموت ونجاسة الموت. دعونا نكون واضحين أنّ هذا المَقطع يَتوجّه إلى اللاويين والكهنة في إسرائيل وليس إلى السكان بشكل عام. لذلك خذوا ذلك بعين الاعتبار عندما تُفكّرون في كيفية انطباق هذه الآيات علنا. نعم، أعلم أنّ المؤمنين بيسوع في العهد الجديد يُدعَون ”كهنوتاً“؛ ولكن هذا المقطع يَتحدّث إلينا على مستوى روحي لأننا لا نصبح لاويين بالجَسد عندما نخلُص أكثر مما نُصبح يهودًا بالجسد.
يُشكّل الموت والنجاسة الطقسية التي تَنجم عنه مشكلة لأن الله يكره الموت؛ إنه رجس بالنسبة له لأن الموت أمْر غير طبيعي. في حين أننا نشير إلى متوسط عُمر ثمانين أو تسعين سنة على أنه ”طبيعي“ في مُجتمعنا، والكتاب المقدس يقول أنّ العُمر المثالي للإنسان هو مئة وعشرين سنة، فإن الشخص الذي يموت في سنّ مُتقدمة يُقال عنه عمومًا أنه مات موتًا ”طبيعيًا“ (أي أنّ العمر قد تسبّب في بلى جسده أو جسدها)؛ ولكن بالنسبة للرب لا ينتمي المصطلحان ”طبيعي“ و”موت“ إلى بعضهما البعض. فالموت وما ينتج عنه من اضمحلال للجسد البشري حدَث بسبب الخطيئة التي دَخَلت حياة آدم وحواء؛ فالخطيئة تؤدي إلى النجاسة، فكما أنّ الخطيئة أمْر غير طبيعي بالنسبة للبشرية كذلك الموت. والله يَتعامل معها على هذا النحو.
لذا نرى أولئك الذين هم الأقرب إلى الله، أي كهنته، تُفرض عليهم قيودٌ شديدة عندما يَتعلّق الأمر بقُربهم من الموت. هذا ليس عملاً سيء أو يدلّ على عدم تَعاطف من جانب الرب؛ بل هو بالأحرى دليل وتوضيح لمدى الجدية التي يُنظَر بها إلى الموت كشيء لا ينتمي أبدًا إلى كونه أصلاً. إنّ الخَبر السارّ للذين يَفديهم، هو أننا لن نواجه سوى الموت الجسدي؛ أمّا أرواحنا فستَحيا مع الرب ولن نَفتقد أبدًا لهذه الخيام الجسدية الضعيفة التي تخدُمنا في الوقت الراهن.
دعونا نعيد قراءة بعض من هذا الإصحاح.
إعادة قراءة سِفْر اللاويين الإصحاح الواحد والعشرين الآية واحد إلى ستة
لطالما سبّبت الآية أربعة مشاكل للعبريين. إن المعنى الواضح لها يقول بصراحة أنّ الكاهن لا يستطيع أن يحضُر مراسم وفاة زوجته إذا ماتت. بالمعنى الجسدي والبيولوجي، الأقارب الذين يُسمح للكاهن أن يؤدي طقوس موتهم أي (الأم، الأب، الأخت، الأخ، الأخ، الابن، الابنة) هم أقاربه ”من لحم ودم“؛ أمّا الزوجة، وإن كانت عادةً امرأة لاوية، فلا تُعتبر ”من لحم ودم“ زوجها الكاهن. اسمحوا لي أن أقول ذلك بطريقة أخرى: الأقارب الذين كان مسموحًا للكاهن أن يؤدي مراسِمهم كانوا مُرتبطين وراثيًا بالكاهن. لكن الزوجة ليست مُرتبطة وراثيًا بالكاهن؛ في الواقع إنّ التوراة مُحدّدة جدًا بشأن درجة قرابة (الدم) الشخص التي يُمكن لأي إسرائيلي أن يَتزوجه، وكان يجب أن تكون الزوجة خارج هذا الحدّ لكي تكون مؤهلّة وإلا اعتُبر الأمر سفاحًا.
أنا متأكد من أنّ العديد منكم يُفكِّر، حسنًا، ماذا عن المبدأ المذكور في سِفْر التكوين الإصحاح اثنان الآية أربعة وعشرين أنه عندما يَرتبط رَجل وامرأة معًا في الزواج يُصبحان جسدًا واحدًا؟ هنا مِثال آخر على ضرورة أن نَنضج في إيماننا حتى نتمكّن من التمييز بين المعنى الروحي والجسدي للأشياء في الكتاب المقدس. يُخبرنا الحِسّ السليم والملاحظة المجرّدة أنّ الرَجل وزوجته لا يندمجان معًا بشكل سحري عند آخر كلمات طقوس زواجهما ومن تلك اللحظة فصاعدًا يتشاركان في مجموعة واحدة من الأرجل أو الأذرع أو الأنوف أو الآذان أو أي أجزاء أخرى من الجسد. بل المقصود بـ ”الجسد الواحد“ هو المعنى الروحي ويُشير إلى الموقف العقلي الذي يجب أن يَتبناه الزوجان، وهو إلى حدٍ ما كناية عن الوِحدة الكاملة في اللاهوت.
يَعترف الحكماء العبريون بأنّ الرَجل وزوجته من وجهة نظَر روحية هما واحد، أي إيشاد واحد، لكنهم يَفصلون ذلك عن المعنى الجسدي والبيولوجي له. لذلك طُبِّقت الشريعة بحيث لا يمكن أن تكون زوجة الرجل من الأقارب الوراثيين المُقرّبين في جميع حالات الأنظمة القانونية، كما أنها استُبعدت من مجموعة أفراد العائلة التي يُمكن للكاهن أن يَحضُر مراسمها عند موتها. في وقتٍ لاحق في التاريخ العبري تمّ تعديل هذا الحَظر من قِبل بعض الكتبَة الذين قرّروا أنه بما أنّ إبراهيم ويعقوب كانا يَحضران شخصيًا جنازات زوجتيهما، فينبغي أن يكون ذلك مسموحًا به أيضًا للكاهن اللاوي. إنّ الأساس المنطقي وراء حُكمِهم مثيرٌ للاهتمام؛ فقد قرروا أنه على الرغم من أنّ الكاهن سيُصاب بدرجة عالية وخطيرة جدًا من النجاسة بِحضوره مراسِم موت زوجته، إلا أنه من المعقول أن يفعل ذلك. ومع ذلك كان هذا يحدث فقط عندما لا يكون للكاهن وزوجته عائلة أخرى قريبة لدفنِها.
والآن، أجِد هذا التعليل مثيرًا للاهتمام؛ لأنه يُجسِّد بشكل أو بآخر فكرة أننا كمؤمنين قد صِرْنا طاهرين، وعلينا أن نبقى مُنفصلين عن كل ما هو نجس. (نسخة الكتاب المقدسة النموذجية الأميركية الجديدة) اثنان كورنثوس الإصحاح ستة الآية سبعة عشرة "لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهِمْ وَانْفَصِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا مَا هُوَ نَجِسٌ وَأَنَا أُرَحِّبُ بِكُمْ".
لا يوجد في الكتاب المقدس شيء أنجس من الموت. ومع ذلك نحن مأمورون من أجل المَحبّة والرحمة أن نذهب إلى أنجاس هذا العالم ونحمِل إليهم كَلِمة الله التي تَجلِب الخلاص…..رسالة الإنجيل. وبعبارة أخرى، لا نُعفى بطريقة ما من قواعد الطاهر والنجس من خلال القيام بعَمَل المحبة والرحمة المُتمثِّل في تقديم البشارة السارّة، بل نُخاطر شخصيًا بالاحتكاك بالنجس من أجل الإنجيل. لقد حثّ العبريون الكاهن على أن يَختار أن يُخاطر بالتدنيس الشخصي إذا كان الشيء الضروري والمُحبّ والرحيم الذي يجب أن يفعله لرعاية زوجته الميتة.
سأخبركم بأنني أتمنى لو لم يكن هذا المبدأ المُتعلق بالطهارة الطقسية كذلك. أتمنى لو أنّ قيامنا بما هو صائب أو رحيم أو لن تكون عواقبه إلا خيرًا. إنّ فِعْل الصواب قد يكون في كثير من الأحيان ضارًا بصحتنا وعلاقاتنا ووظائفنا ووزاراتنا وغير ذلك. ولكن أي نوع من الثقة في يَهوَه أو أي نوع من المحبة التي نُظهرها إذا كنا لا نَفعل الخَير إلا إذا كان ذلك يجلِب لنا عواقب حسنة؟ إنّ الخبر السارّ للمؤمنين هو أنّ ماء يسوع الحيّ يَفيض علينا في كل الأوقات. قد نَتنجس في بعض الأحيان، بمعنى من المعاني، لأننا نذهب إلى الناس النجسين وغير المُخلّصين في هذا العالم ونُخالطهم؛ وقد نكون قد انتهكنا تعليمات الله الطقسية الطاهرة في وضْع يدنا على العاهرة وهي عبارة عن خراب روحي، أو في رعاية المَيت بمحبة، أو في مواساة الشاذ جنسيًا وهو في غاية الحيرة والبؤس؛ لكنني مُقتنع بأن ماء يسوع الحي
يَغسلنا عمليًا قبل أن يحدُث ذلك.
لقد قلتُ في عدد من المناسبات أنّ السبب الوحيد لوجود أحكام الله عن الخطيئة وعن النجاسة الطقسية هو حالة البشرية الساقطة. فمَع مرور القرون ومع تشبُّع نسيج العالم أكثر فأكثر بالخطيئة والحِرمان، أصبح من المستحيل تقريبًا الآن على الإنسان (بما في ذلك المؤمنين) ألاّ يرتكب الخطيئة في مرحلة من حياته، حتى لو كانت النيّة دائمًا أن يكون مُطيعًا لأوامر الله وأن يفعَل الخير. كثيرًا ما أستشهد بِمثال كوري تين بوم التي أخفَت يهودًا وكذَبتْ على السلطات الحكومية بشأن ذلك لأنه مِثال يمكن أن يتعرّف عليه معظم الناس؛ فالتوراة لا تَستثني الكذب أبدًا. الكذب دائمًا خطيئة؛ ولكن من أجل أن تفعل كوري خيرًا أكبر (إنقاذ حياة اليهود الأبرياء) أخذت على عاتقها تلك الخطيئة وعواقبها الأبدية. لو لم يفتديها المسيح لكانت خطيئة الكذب هذه ستَظل تُرافقها إلى الأبد. ولكن لأنها وثِقت في يسوع غَفَر لها. والمقصود أنّ الكذب كان لا يزال كذبًا رغم أنه كان بِقصد الخير، فقد رآه الرب تَعديًا عليه، وعدالته تَقتضي أن يكون الجزاء مُستحقًا عليه. إنّ محاولتنا لإظهار العطف والرحمة لا تُلغي شرْط الطاعة لأوامر الله. إنّ الكاهن الذي حَضَر مراسم زوجته المُتوفاة لم يَتجنب أن يَتنجس لمجرد أنه قام بعمل محبة وشفقة؛ بل قبل طواعيةً العواقب الروحية والجسدية التي تَترتب على تدنيسه طقسيًا كخير أعظم.
عليكم أن تفهموا أن هناك فرقًا كبيرًا بين خِدمة أنجاس هذا العالم والاتحاد معهم. يجب ألا نساوم أبدًا على مبادئ الله، ولا أن نُسقِط الحق، ولا أن نُصبح واحدًا مع الأنجاس في سلوكنا لكي نخدُمهم. نحن لا ندخُل في اتحاد مع الأنجاس؛ ويُعطي بولس على وجه التحديد مثالاً على تَجنّب العلاقات الجنسية غير المشروعة مع الأنجاس لأنّ الجنس هو في حد ذاته اتحاد مُقدّس. إنّ خَلْق هذا النوع من الاتحاد بين الطاهر والنجس يُسمّى ”تيفيل“، أي الاختلاط. إنه الاختلاط غير اللائق (أو كما تفضل العبارة التي تَستخدمها الكنيسة الحديثة، الاختلاط غير المُتكافئ) الذي يجب على المؤمن أن يَتجنبه دائمًا.
هناك تعليمات مثيرة للاهتمام إلى حدٍ ما في الآية خمسة، إذ تقول أنه لا ينبغي أن يحلُق الكاهن رأسه ناعمًا ولا أن يُزيل لِحيته الجانبية ولا أن يَجعل في جلده جروحًا. كل واحدة من هذه الأفعال كانت من الطقوس الجنائزية الكنعانية الوثنية، التي حَرّمها يَهوَه. والآن، في الواقع، هذه المحظورات قد أُمر بها من قبل كقاعدة عامة للكهنة وتَوجَّب أن يلتزموا بها في كل وقت، وليس فقط في الجنازة. بِهدَف التفصيل والتوضيح، حتى في وقت الحداد الرسمي لم يكن على الكهنة أن يفعلوا هذه الأشياء.
على سبيل التذكير السريع، ما يتم شرحُه هنا هو أنّ رأس الكاهن….. أي تاج الرأس….. لا يجِب حلْقه ولا يجب نزْع أي شَعر عنه. ”نموّ اللحية الجانبي“ هو ما نُسميه اليوم ”السوالف“. كان على الكهنة العبريين أن يكون لهم شَعر رأس كامل ولِحية كاملة، مُتّصلة بالسوالف.
إحدى أسباب هذا التحريم هي أنه بما أنّ هذه القواعد نفسها تَنطبق أيضًا على عامة العبريين، يجب اتباعها بشكل أكثر صرامة من قبل أولئك الذين كما جاء في الآية ستة ”……يٌقدّمون قرابين الرب بالنار، طعام إلههم…..“ إذا أراد المرء أن يكون كاهنًا لله…..ويَتقرّب إلى الله بواسطة قرابين…..، فيجب اتّباع قواعده بدقّة أكبر…… وليس أقلّ. فَكِّروا في مكانتكم، كمؤمنين بيسوع. إنّ فداءنا (الذي تم شراؤه بهذا الثمن العظيم) ليس بطاقة خروج من السجن مجانًا؛ كما أنه ليس بطاقة خروج دائم (بالنسبة للاعبي الجولف بيننا). بل على العكس، فداؤنا هو التزام لربِنا بطاعته. وبينما ندرس التوراة، أصبح من الواضح تمامًا أنّ الرَب لم يتوقع من غير المَفديين أن يَلتزموا بشرائعه وأوامره؛ فالتوراة لم تكُن لهم. أولئك الذين خصَّصهم وخلَّصهم لنفسه هم الذين طالبهم بالالتزام بأحكامه وشرائعه. كان من المتوقّع من أولئك الذين أنعَم عليهم بقُربٍ أكبر منه، وهم كهنته، أن يكونوا أكثر كمالاً.
لاحظوا بالمناسبة الإشارة في نفس الآية إلى تسمية المِحرقات ”طعام إلههم“. طعام الله؟ هل يأكل الله الطعام؟ حسنًا، بقدْر ما أنّ الكتاب المقدس موحى به إلاّ أنّ البشر هم الذين كانوا يكتبونه. لقد كان البشر هم الذين يحتاجون إليه والبشر هم الذين كانوا يتواصلون معه؛ لذلك كان مكتوبًا ومنطوقًا بمصطلحات عاديّة لمجتمعهم وثقافتهم. لكلّ الأغراض العملية كانت كل ثقافة معروفة في ذلك العَصر تُمارِس طقوس تقديم الذبائح المحروقة لآلهتها. إنّ استخدام مذبح وتقديم القرابين للإله كان معروفًا تمامًا لدى بني إسرائيل قَبل موسى وجَبل سيناء بوقتٍ طويل، وما كان الشعب يَتوقّع أقل من ذلك عندما أعطاه يَهوَه التوراة.
الكَلِمة المُستخدمة لكَلِمة ”طعام“ في هذا المقطع هي ”ليخيم“. و”ليخيم“ هي كلمة عبرية عامّة وشائعة جدًا وتعني الطعام، ولكنها أيضًا كَلِمة تعني الخُبز…… لأن الخُبز كان طعامهم الأساسي. في الفِكر العبري، عندما نَستخدم العبارة التي اعتمدناها نحن المسيحيين الأمميين بسهولة….. ”خبز الحياة“ ….. كان المعنى هو ”طعام الحياة“؛ ويظهَر هنا ببساطة استخدامٌ شائعٌ لها في اللغة العبرية. ويمكنك أن تُراهن على أنّ بني إسرائيل تَصوّروا بالفعل بطريقة أو بأخرى أنّ الله كان يأكل تلك الذبائح كطعام بنفس الطريقة التي تَصوّروا بها الله ”يشمّ“ رائحة دخان الذبائح المحروقة وهو يتصاعد إلى السماء.
كانت الثقافات الوثنية تُعلِّمهم أنّ هذه الذبائح المحروقة هي طعام الآلهة؛ وأنه إذا لم يحصلوا على تلك الذبائح فإن الآلهة ستجوع حرفيًا، ومع الوقت قد تَضعُف من قلة الطعام. إنّ إعلان الله أنّ إسرائيل لم يَعُد شعبًا وثنيًا لا يعني أنه توقَّف عن التفكير مثل الوثنيين أو التصرّف مثل الوثنيين. من المؤكد أنّه بعد عدة مئات من السنين من العيش بعيدًا عن مصر وفي ظل الناموس ترسّخ مفهوم وجود إله واحد فقط، وصِفاته الروحية البحتة التي لا تحتاج إلى قوت مادي، وتَرسَّخ هذا المفهوم بين العبريين. ولكن إذا قرأنا الكتاب المقدس بأمانة، لا يمكن أن نَغفل الإشارات المُستمرة إلى تَعدُّد الآلهة والأسلوب الوثني في التفكير الذي ظلّ سائدًا بين بني إسرائيل.
دعونا نعيد قراءة المزيد من الإصحاح الواحد والعشرين.
إعادة قراءة سِفْر اللاويين الواحد والعشرين الآية سبعة حتّى- النهاية
سنتحدّث عن تحريم زواج الكاهن من امرأة (بحسب معظم الترجمات) زانية أو مُطلَّقة. إنّ الكَلِمة العبرية الفعلية التي تُترجَم عادةً إلى ”زانية“ هي ”زونة فهالالا“ وهي تعني حرفياً ”تدنست بالزنى“. لذا ما يَرِد لا يقول، ”لا تتزوجوا من زانية“، بل يقول: ’لا تتزوجوا امرأة تَدنّست بأي فعل من أفعال الزنى‘. هناك فرْق كبير في الوَضع، وقد كَتَب الحاخامات عن ذلك. باختصار، لم تكن المرأة تُعتبر زانية إلا إذا كانت تمارس البغاء أو الفجور الجنسي بانتظام. المرأة التي وقَعت، مرة أو مرتين، في الخطيئة بارتكاب الزنى لم تكن تُعتبر زانية. بل لم تكن ذات شخصية مثالية وطاهرة بما يكفي لتكون مؤهلة للزواج من كاهن. هل ترون الفرْق؟
يَضَع الله مبدأ أن ارتكابكم لنوع مُعيَّن من الأفعال الشريرة… فِعل ليس من طباعكم أو أسلوب حياتكم المُعتاد….. لا يجعلكم بالضرورة مُتّحدين مع هذا النوع من الشرّ بالذات. لكنه منحدَر زلِق؛ فطريق المشاركة أحيانًا في خطيئة مُعيَّنة قد يودي بكم إلى جعلها أسلوب حياتكم. ومع ذلك، إذا كان هذا السلوك الشرير يدلّ بالفعل على شخصيتكم ورغباتكم وسلوككم المُعتاد، فأنتم قد دخلتم بالفعل في اتحاد مع هذا الشرّ، ومع هذه الخطيئة. قد يبدو هذا وكأنه كلام مزدوج، لكن بولس يُعطينا مزيدًا من المعلومات.
يقول لنا بولس في الرسالة إلى أهل كورنثوس الأولى كورنثوس الإصحاح واحد الآية تسعة أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لَا يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ مُخَنَّثُونَ وَلاَ لُوطِيُّونَ، عشرة وَلاَ سُرَّاقٌ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سَكْرَانُ وَلاَ عَشَّارُونَ وَلاَ وَلاَ مُخَنَّثُونَ وَلاَ مُخْتَلِسُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ.
بتطبيق المبادئ المأخوذة من سِفْر اللاويين على هذا الاقتباس من بولس، نرى أنه إذا ارتكبتَ عملاً معزولاً من أعمال عبادة الأوثان فإنك لا تُعتبر تلقائيًا عابد أوثان من قِبل الرَب وتُحرم من الفداء. ولا من سَكِرَ عددًا قليلًا من المرات يُصبح تلقائيًا سكيرًا بمعايير الكتاب المقدس. بل عندما تَهِب نفسك تمامًا لهذه الأشياء، تَكتسب هذه التسمية. يحدُث ذلك عندما تُصبح عبادة الأوثان أسلوب حياة؛ عندما يُصبح السِكْر والتصرف بشكل غير مسؤول هو المعيار بالنسبة لكم؛ عندما يُصبح الفجور الجنسي أسلوب حياتكم؛ وينطبق نفْس المعيار على كل هذه المخالفات الأخرى التي يُسمّيها بولس. عندما تصِلون إلى هذا المستوى من الراحة مع سلوك شرير يَحكُم الله عليكم بأنكم قد اتحدتم معه بحيث يَرَاكم وتلك الخطيئة مُتحدين معًا. لقد أصبح اسمكم….. سمعتكم….. مع اسم تلك الخطيئة. كما قلُت، هذه دعوة الله وليس دعوتنا. هو الذي يحكُم عندما يتم عبور الحدود الروحية؛ ولكن غالبًا ما يكون واضحًا من هو في خطر كبير جرّاء عبور (أو قد عَبَر بالفعل) هذا الخط. يمكن أيضًا معرفة إذا كنا مؤهلين لأن نكون مع تلك المجموعة.
إنني أقضي بعض الوقت مع هذه المسألة لأنني أريدكم جميعًا أن تكونوا قادرين على النظر في المرآة لتسألوا أنفسكم إن كان من الممكن أن تكونوا أنتم وبعض الخطايا قد أصبحتم واحدًا، أو إن كنتم عرضة للوقوع في تلك الخطيئة من وقت لآخر وأنتم تائبون عنها بصُدق. أنا أقول لكم هذا أيضًا لأنكم إن كنتم بالفعل في وقت من الأوقات قد سَلّمتم نفسكم إلى أحد أنماط حياة الخطيئة هذه، ولكنكم تُبتم باسم يسوع، يمكنكم أن تطمئنوا لأنكم لم تُعَدّوا موسومين بتلك الخطيئة (على الأقل من قِبل أي شخص يحسبها…أي الرب). ولكن إذا كنتم لا تزالون تتلذذون بتلك الخطيئة، أو تختلقون أعذارًا لها وترفضون الاعتراف بها كخطيئة، أو ليس لديكم مصلحة في التخلي عنها….. إذا كنتم ترفضون حتى الاعتراف بأنكم قد اتّحدتم مع تلك الخطيئة…. حسنًا، هذه مسألة أخرى لمناقشة أخرى. لكنه أمرٌ خطير. ما آمله هو أن أولئك الذين قد يعيشون منا بذَنب فظيع من الماضي، وقد تابوا حقًا عن تلك الطرق، سوف يَتحررون إلى سلام الله؛ لأنه كما حَرّرنا يسوع من الخطيئة، فقد حَرّرنا من التسمية. يجب أن نقبلها ونكون مُمتنين ونمضي قدمًا.
نفْس الشريعة أيضًا مَنعت الكاهن من الزواج من امرأة مُطلَّقة. لاحظوا أنّ الأمرين… أن تكوني زانية وأن تكوني مُطلّقة…… هما نوعًا ما في خانة واحدة. وقد كان هناك سبب لذلك؛ سِفْر التثنية الإصحاح أربعة وعشرون الآية واحد ”إِذَا اتَّخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَهَا، فَصَادَفَ أَنَّهَا لَمْ تَجِدْ فِي عَيْنَيْهِ حُسْنًا لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا بَعْضَ الْفُحْشِ، فَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَقٍ وَوَضَعَهُ فِي يَدِهَا وَأَخْرَجَهَا مِنْ بَيْتِه “
حَدّدت التوراة سببًا واحدًا ووحيدًا لتطليق الرجل لزوجته…… أنها ارتكبت فعل الفاحشة. وهذا هو المقصود بعبارة ”وَجَدَ مِنْهَا فَاحِشَةً“. وهي في الحقيقة ليست ملاحظة واضحة كما ينبغي أن تكون. الكلمة المترجمة بالإنجليزية ”فاحشة“ هي بالعبرية” إرفاه “وإرفاه تعني حرفيًا ”العري“…..إرفاه مصطلح جنسي. حسب لغتنا الحديثة، سيكون من الأفضل ترجمتها ”اكتشف أنها ارتكبت فعلًا غير أخلاقي جنسيًا…..“. لم يُحاول تلاميذ هليل أن يجعلوا الطلاق أقل تقييدًا إلا قبل زمن يسوع بقليل، وذلك بالقول إنّ هذه الآية تَنطبق على أنواع كثيرة من ”الفاحشة“ وليس الجنسية فقط. حتى ذلك الوقت كانت بعض أشكال الخيانة الجنسية فقط هي التي كانت سببًا قانونيًا للطلاق. لذا فالفكرة هنا هي أنه لا ينبغي للرجل أن يتزوّج امرأة أظهرت أنها قادرة على ممارسة نشاط جنسي غير أخلاقي، إما عن طريق بَيع جسدها أو عن طريق الخيانة الزوجية.
والآن أيتها السيدات يجب الانتباه إلى هذه الأمور في قِصص الكتاب المقدس: لم يكُن الرجال يختلفون كثيرًا بالأمس عن اليوم. إذا قرَّر الرجل أنه سئِم من زوجته وأراد أن يُطلّقها، كان ببساطة يَتّهمها بالخيانة الزوجية. لم يكُن عليه أن يُثبت ذلك. يَتّهمها ببساطة وينتهي الأمر. في الواقع، بسبب القانون، إذا كان قادرًا على إثبات ذلك، كان المطلوب منه إثباته، ويتم إعدامها. وستَجدون العديد من حالات الطلاق في الكتاب المقدس، ولكن القليل من حالات الإعدام بسببها.
لقد تَحدّثنا في الأسبوع الماضي عن واجب الولد تجاه والديه، وأنّ عدم إكرامهما يَستحّق عقوبة الإعدام. وهنا في الآية تسعة، نحصُل على مِثال جيد لما يمكن أن يصِل إليه ”عدم الإكرام“؛ ابنة الكاهن التي ترتكب فِعل الفسق يجب أن تُحرق حتى الموت لأنها دنَّست أكثر من نفسها…..لأنها دنّست أباها. في مجتمعنا، كان يتمّ التغاضي عن الفسق الجنسي في السابق، أمّا الآن فيتمّ الاحتفال به. بالنسبة لله، ليس هناك ما هو أخطر من أن يكون أحد من شعبه فاسقًا جنسيًا. تُشير طريقة الموت بالنار إلى أسوأ أشكال العقاب المُخصّص لأسوأ الخطايا.
دعوني أستغرق بضع دقائق لأضَع بعض الأمور في نِصابها الصحيح، وأربُط بعض الأمور ببعضها. آمل أن تكون الأسابيع العديدة الماضية على وجه الخصوص قد مَنحتنا فهمًا أفضل لمدى قداسة يَهوَه؛ وكيف أنه سيَستعمل كل الوسائل الضرورية لحماية قداسته؛ وأنه ليس فقط يَتوقّع، بل ويُطالِب بأن يكون أولئك الذين يَدّعون الولاء له مُقدّسين.
لقد رأينا سلسلة طويلة من الفرائض والقواعد…التي تُسمى عادةً بالقوانين… والتي توضح بعناية السلوكيات البشرية التي تُعبّر عن القداسة، والتي تتعارض مع القداسة. وبالطبع ما يؤثّر عادةً على طالب الكتاب المقدس العادي أكثر من سَرد الشرائع هو طبيعة العواقب والعقوبات الشديدة لما يحدُث إذا خالف المرء أيًا من تلك الشرائع. غالبًا ما يُشار إلى هذه العواقب والعقوبات باسم اللعنات……، وأحيانًا يُشار إليها معًا باسم ”لعنة الناموس“.
في الإصحاح عشرين، وهنا أيضًا في الإصحاح واحد وعشرين، رأينا ترتيبًا للخطايا في نوع من التسلسل الهرَمي للسيء والأسوأ، ثم العقوبات المُقرَّرة……وتذكَّروا أنّ كل خطيئة هي انتهاك لقداسة الله وإرادته وشرائعه. في وقتٍ سابق في سِفْر اللاويين، من خلال الأنواع المختلفة من الذبائح التي تَعلّمناها، والمقصود بكل ذبيحة من الذبائح، والحيوان المطلوب لكلّ نوع، وبعض القواعد الأخرى الخاصة بنظام الذبائح، تَبيّن لنا بشكل قاطع أنّ عقيدة الكنيسة النموذجية التي تقول إنّ جميع الخطايا هي نفسها…… أنّ سرقة قطعة حلوى لا تَختلف في نظر الله عن القتل….. هي ببساطة ليست سليمة من الناحية الكتابية. بعض الخطايا هي في الواقع أسوأ وأخطر بكثير من خطايا أخرى، وهذا ما يُعبّر عنه بمستوى العقوبة المقررة لكل منها.
يُذهِلنا بعد سنوات من تعليمنا عن إله أبوي، رحيم، غفور، مسالم، أنّ هذا الإله نفسه سيُطالِب بحرق الناس حتى الموت بسبب أخطر الذنوب التي تُرتكب ضده وأنه سيَقضي على الحياة بسرعة، ويَطرد الناس من حضْرته إلى الأبد، ليَحمي قداسته ويُدافع عنها. وأنه عندما يقول إنّ على المرء أن يكون كاملاً ليكون في حضرته، فهو يعني الكمال.
إليكم الفكرة: أولئك الذين لم يُسلِّموا ربوبية حياتهم ليسوع لا يزالون يواجهون هذه العواقب نفسها. بالتأكيد، في هذا العالم، قد لا يحصلون عليها كعقاب على جرائمهم التي توازي الكثير من قوانين الله الكتابية، لأن الله قد سَلّم أمْر العدالة للحكومات البشرية، التي قرّرت جميعها تقريبًا أن تُخالف نظام الله في القانون والنظام والجريمة والعقاب، وأنشأت نظامها الخاص. ونحن نعيش مع تلك النتائج كل يوم.
ولكن أولئك الذين لا يعرفون يسوع سيواجِهون عواقب ولعنات الناموس….. إمّا بِيد الله المباشرة في هذه الحياة، أو في الآخرة، أو في كليهما. تذكّروا أنّ الله في سِفْر اللاويين قال لإسرائيل إنه إذا لم تفعلوا كما أوصيتكم وتحاكِموا أولئك الذين ينتهكون شريعتي، فسأفعل! سأفصِل بِيدي أولئك الذين يتجاوزونني.
الشيء الذي أرشدكم إليه هو ما يلي: لا يمكن أن يأمُر المسيح، وهو واضِع التوراة، ومؤلف الناموس، بمِثل هذه العواقب لمخالفة شرائعه، ثم لا ينفّذها. ما مِقدار الاحترام الذي يجب أن يكون لدينا….. لإله يتكلّم ويأمُر بتنفيذ الأمور، ويقول إنّ هذه الأوامر أبدية، ثم يقول: ”أوه، انسوا الأمر، لقد غيّرت رأيي“.
أرجوكم اسمعوا ما أنا على وشك أن أقوله لكم: تلك العقوبات المقررة لأخطر أو أدقّ انتهاك للناموس ستُحسب ويُدفع ثمنها؛ كل واحدة منها. لا يَهمّ ما إذا كان هذا الانتهاك قد حدَث في زمن العهد القديم، أو في زمن العهد الجديد، أو قبل خمس دقائق. ولا يهمّ ما إذا كان ارتكب تلك الانتهاكات وثنيًا أو مؤمنًا مدى الحياة. كل خطيئة ارتكبتها، وكل شريعة من هذه الشرائع التي انتهكتَها يجب أن أدفع ثمنها، بلا استثناءات. وإلا فإنّ قداسة الله خدعة، وعندما يعطي أمرًا يكون بلا معنى. إذا لم أدفَع ثمن خطاياي فسوف يَدفَع شخص آخر الثمن… هذا هو نظام العدالة الذي أقامه الله. شخصٌ ما سيَحترق في النار بسبب ارتكابي أو ارتكابك أنا أو أنت للفجور. شخص ما سيُرجَم حتى الموت بسبب ارتكابي أو ارتكابك أنا أو أنت للتجديف. ولكن في أروع فِعل رحمة عرَفَه العالم على الإطلاق، تطوَّع واضع الناموس، واضع التوراة، الذي وَضَع الشرائع وقرّر العواقب، أن يكون ذلك الشخص الذي يَتحمّل العقوبات التي لا تُعَدّ ولا تحُصى التي يجب أن تدفعها أنت… وأنا…..
عندما كان يسوع مُعلقًا على ذلك الصليب أحرقه أبوه حتى الموت مليون مرة. رُجِمَ يسوع حتى الموت بوابِل من الحجارة القادمة من غضب الله. لقد قُطِعَ، وفُصِلَ عن شعبه وعن أبيه من قِبل أبيه… نُفِيَ بسبب عدد لا يُحصى من الخطايا التي ارتكبها كل واحد منا، وكل واحدة منها تستوجب تلك العقوبات (”إلهي إلهي لماذا تركتني“ صرَخ عندما حدث ذلك النفي). لقد تَحمّل كل تلك العواقب الرهيبة، واحدة تلو الأخرى المؤلمة، التي قضينا الشهور العديدة الماضية نقرأ عنها، والعُمر كلّه نَجمعها؛ تلك العواقب التي تأتي من انتهاك النواميس ذاتها التي وضَعها. وعندما كان يصنَع تلك النواميس كان يعلَم مسبقًا أنه هو نفسه من سيَدفع الثمن عن أولئك الذين أحبوه وبدلاً منهم.
والخبر السارّ هو أنه عندما نرى أنفسنا على حقيقتنا من خلال عيون شرائع سِفْر اللاويين….. وعندما نرى خطورة الأشياء الفظيعة التي ارتكبناها ضد يَهوَه… بعضها قبل أن نعرِفه وبعضها بعد ذلك…. نُدرك أن شخصًا ما يجب أن يدفع ثمن تلك الأشياء…… وشخص ما فعل ذلك ولا يزال يفعل. إخوتي وأخواتي في يسوع نجَونا من النار بسبب ما فعلناه وما نفعله، لكن يسوع لم يَفعل.
والآن، وقد افتُدينا ولم نُضطر أبدًا لمواجهة أحكام الله العادلة والرهيبة ضدنا، كيف يجرؤ شعب الله على الاستهانة بما فعَله يسوع بإعلاننا أنّ كل تلك الخطايا التي تنشأ عن انتهاك تلك الشرائع في التوراة لا يُمكن أن تُحتسب بعد الآن. وأنّ تلك المبادئ والأوامر التي أتى بها من السماء، وجاء إلى الأرض ليَدفع ثمن مُخالفتها، قد عفا عليها الزمن. ربما نشعُر بالرضا عن أنفسنا أن نعتقد أنّ الله حلّ مشكلة الخطيئة بمجرد التخلّص من الشرائع؛ لكن الأمْر ليس كذلك. فالشرائع باقية، وكذلك عواقبها؛ كل ما في الأمر أنّ يسوع هو بديلنا؛ فهو حامِل العقوبات المروِّعة التي تقتضيها تلك الشرائع.
يجب أن نخرُج من هنا اليوم أحرارًا وممتنين ومتزنين وعازمين على طاعته. ليس لأنها تكسبنا شيئًا….ولكن لأننا مَدينون له. يجب أن نخرج من هنا وعيوننا مفتوحة على أنّ العديد من المؤسسات الكنسية المخدوعة تَعتقد الآن أنّ الطاعة لم تَعُد مهمة……مع أنّ المسيح مات موتًا عن كل معصية من معاصينا.
التوراة حيّة ونافذة. لعنات التوراة حيّة ونافذة. السؤال هو فقط، من يتحمّل اللعنة؟ إذا كنتم قد سَلّمتم نفسكم ليسوع، فقد وافَق على أن يتحمّلها عنكم، وأن يحرِّركم…. من العواقب لا من الأوامر. إن لم ترجعوا إلى يسوع، فكما جاء في سِفْر اللاويين…. فأنتم المسؤولون. أنتم ستَدفعون ذلك الثمن بحياتكم الأبدية وستَتحمّلون كل تلك العقوبات، من دون أي أمل في الهروب على الإطلاق.
أنا بالتأكيد لا أقول إنّ الطريقة الثقافية التي كانت تُمارس بها المبادئ الكامنة وراء كل من هذه الشرائع والأوامر يجب أن تُمارس بطريقة مماثلة في يومنا هذا.
ولكن بعض الأشياء مِثل تعريفات الفسق الجنسي والنهي عنه، والتصرف العادل والعَدل مع أخينا الإنسان؛ وابتعادنا عن كل ما هو نجس، ومراعاة السبت، والكثير من تلك الشرائع القديمة هي بالأحرى واضحة ومباشرة وغير مرتبطة بالثقافة. أمّا أشياء أخرى مثل كيفية الاحتفال بالسبت، وبأعياد الكتاب المقدس وأدوار الذكور والإناث في المجتمع، وغيرها من الأمور الأخرى فيجب أن نُعالج تطبيقها. علينا أن نتعلّم كيف نُعيد تطبيق هذه المبادئ على حياتنا الخاصة.
أعتقد أنّ مهمتي هي تعليمكم التوراة….المكان الذي يتمّ فيه تعليم كل هذه المبادئ وتوضيحها. فقط تذكّروا أنّ التوراة هي كلام يسوع، يسوع المسيح، الذي يتحدّث إليكم كما يتحدّث في أي جُملة في الإنجيل. لنَعُد إلى دراستنا للإصحاح واحد وعشرين.
مع الآية عشرة ننتقل من التعامل مع الكهنة العاديين، إلى رئيس الكهنة. تُحدِّد الآية جزئيًا رئيس الكهنة بالحديث عنه على أنه الشخص الذي يتلقّى زيت المسحة……في الواقع في التكريس الكهنوتي (كما رأينا في الإصحاح ثمانية) هو الوحيد الذي يُمسح بالزيت……عكس الكهنة العاديون. وأول ما يتمّ الحديث عنه هو الموت في عائلة رئيس الكهنة مقارنةً بالحالة مع الكهنة العاديين. نُلاحظ فرقًا واضحًا: لا يستطيع رئيس الكهنة أن يلمِس جسد الميت، ولا أن يُشارك في جنازته، ولا حتّى في جنازة والديه. لا يمكنه حتى أن يكون في نفْس الغرفة مع جثّة الميت. وإحدى الأسباب الرئيسية لذلك هو أنٍّ رئيس الكهنة هو الوحيد الذي يُسمح له بالدخول إلى قدس الأقداس؛ لذلك من المستحيل أن يكون رئيس الكهنة طاهرًا بما فيه الكفاية ليُلامس الجسد الميت ولا يدنّس بطريقة ما مَسكن الله على الأرض.
علاوةً على ذلك لم يكن باستطاعة رئيس الكهنة أن يتزوّج إلا عذراء من العائلة الكهنوتية. والآن ما كان لأي كاهن أن يتزوّج إلا فتاة عذراء (وكذلك معظم الرجال الإسرائيليين العاديين)؛ ولكن الكهنة العاديين كان بإمكانهم أن يتزوّجوا فتاة من أي عائلة لاوية. توجَّب على رئيس الكهنة العثور على زوجة من سلالات عائلية مُعيَّنة من اللاويين فقط ؛ كان يجب أن تكون من طبقات أعلى من الكهنة العاديين.
وبقَدْر ما كانت الآية ستة عشرة قاسية بعض الشيء، تُضيف الآية ستة عشرة شروطًا صارمة أخرى لخدمة الكهنوت؛ أي أنه لا يمكن لأي كاهن به عَيب أن يُقدّم ذبيحة. الكلمة العبرية المُستخدمة هنا هي ”موم “وتعني عَيب أو شائبة. لذلك لا يجوز للكهنة الذين لديهم أي عيب جسدي من قائمة من العيوب أن يقدِّموا قرابينًا لله. يبقون كجزء من الكهنوت، ويُعطون ما هو نصيبهم الطبيعي من الطعام والمال المأخوذ من الذبائح…لذلك ليس الأمر وكأنهم طُردوا أو أصبحوا فقراء.
القائمة طويلة إلى حدٍ ما ومعظمها لا يحتاج إلى شَرْح، لذلك سأختصر في تعليقي عليها. إنّ مصطلحي أعمى وأعرج لا يعنيان العمى التامّ أو عدم القدرة على المشي. يمكن أن يعني الأعمى أنّ إحدى عينيه تالفة والأخرى سليمة. يمكن أن تكون دلالة على أنّ الكاهن مُصاب بإعتام عدسة العين. الفِكرة هي أنّ بَصَره ضعيف للغاية. يمكن أن تعني العَرَج الشديد، أو أنّ إحدى قدميه مفقودة، أو أي من العوائق التي تُعيق المشي الطبيعي. ولكن، لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال أنّ الشخص كان بالضرورة أعرج بالكامل، على الرغم من أنّ المصطلح قد يُشير إلى ذلك في بعض الأحيان.
ويُذكَر الكِسر في الساق أو الذراع لأنهم لم يكونوا يُتقنون تثبيت العظام، وعادةً ما كان الكِسر الصعب يعني التشوّه الدائم. ومن المثير للاهتمام أنه لم يكن بإمكان أي شخص مُصاب بانحناء الظهر أو يعاني من التقزّم أن يُقدِّم القرابين أيضًا.
هذه المجموعة الكاملة من القواعد المُتعلّقة بالعيوب والتشوهات موجودة لتَستمرّ في تطوير فكرة القداسة على أنها تتعلّق بالكمال والصِفة الطبيعية. يَتجلّى ذلك هنا من خلال الصفات الجسدية، بحيث أنّ الشخص الذي سيخدُم الرَب يجب ألا يكون مُعيبًا أو غير طبيعي. يُحرَّم المرء من الاقتراب من الله بسبب وجود عيب لأن الكمال مطلوب.
ما سنستنتجه هو أنه بسبب تخصيص حيوانات مُعيّنة للقداسة…. كونها ذبائح مقبولة لله…. نحصُل على قائمة مماثلة جدًا لمتطلبات كمالها الجسدي كما للكهنة؛ في الواقع القائمة متوازية تقريبًا بشكل دقيق.
إليكم الفكرة: لا يمكن تقديم أي شيء سوى الكمال لله. لا يُمكن لأي كاهن ولا حيوان ولا أي شخص عادي أن يكون به عَيب ويكون في حَضرة الله. إنّ قداسة الله مُتسامية لدرجة أنّ حتى التلميح بالنَقص هو تدنيس لقداسته الثابتة، وهو سيَحمي قداسته بأي ثمن.
هذا هو سبب وجود يسوع المسيح. إنّ المبادئ والمَطالب الكامنة وراء هذه الشرائع الصارمة في سِفْر اللاويين لم يتمّ التنازل عنها أبدًا. إذا كنا نَأمل أن نقترب من الله، علينا بطريقة ما أن نكون كاملين بدون أصغر عَيب. الحمد لله أنّ ذبيحة يسوع قد كَفّرت عن خطايانا تكفيرًا كاملاً حتى زالت عيوبنا. ماؤه الحي قد غسَلنا وطَهّرنا لدرجة أننا أصبحنا بالنسبة لله كاملين وبلا عَيب. ليس لأننا كاملون، ولا لأننا استحققنا الكمال….. بل لأنه أُعلن لنا الكمال. لذلك كما تَعلَّم كهنة إسرائيل أنّ الاستجابة المناسبة لشرَف خدمة الله تعالى هو أن يُحبّوه بكل عقلهم وروحهم وقوّتهم، علينا أن نحذو حَذوهم. كما جاهدوا هم، يجب أن نجاهد لنكون مُطيعين لمشيئته وِفق إرشاد الروح القدس، وأن نفعل ذلك بفرَح بدافع الامتنان لما فَعله من أجلنا.
سنَنتقل إلى الإصحاح الثاني والعشرين الأسبوع القادم.