22nd of Tevet, 5785 | כ״ב בְּטֵבֵת תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » اللاويين » سِفْر اللاويين الدرس السادس عشر – الإصحاح الحادي عشر تابع- الجزء اثنان
سِفْر اللاويين الدرس السادس عشر – الإصحاح الحادي عشر تابع- الجزء اثنان

سِفْر اللاويين الدرس السادس عشر – الإصحاح الحادي عشر تابع- الجزء اثنان

Download Transcript


سِفْر اللاويين

الدرس السادس عشرالإصحاح الحادي عشر تابع الجزء اثنان

في بعض الأحيان، لكي نَفهم كل ما كنا ندرُسه في التوراة، من الضروري أحيانًا أن نَتروّى ونَنظر من منظور أوسع، لتوضيح بعض المفاهيم عن طبيعة الكتاب المقدس. نَاقشتُ في الأسبوع الماضي مفهوم أنماط الفِكر العقلاني/المنطقي مقارنةً بأنماط الفكر التناظري لأن العقلاني/المنطقي هو النمط الفكري الثقافي الغربي الحالي، لكن كتّاب الكتاب المقدس فكّروا وتواصلوا بأسلوب تناظري.

باختصار، المنطِق العقلاني/المنطقي يَسأل "لماذا" وهو أساس منهجنا العلمي في الاكتشاف. فهو يؤمن بأنّ التاريخ خطّ مُستقيم، وأنّ التاريخ ليس له علاقة مُتأصلة بالحاضر أو المستقبل إلا وِفق مَسار تطوري خطي من البدائي الذي يقود إلى الأكثر تقدمًا. الآن عندما أقول ذلك، لا تفهموا الفكرة الخاطئة؛ فهناك العديد من مَجالات الدراسة، مثل عِلم الآثار، التي تُدرِّس الماضي. والسؤال بالنسبة لهم هو "ماذا" حدث وكيف حدث ذلك؟ وكيف أصبح الأمر على هذا النحو.

يجمَع الباحثون في علوم المناخ البيانات للنّظر في أحداث الطقس الماضية من أجل إنشاء نَماذج للمساعدة في التنبؤ بأحداث الطقس المُستقبلية. لكنهم لا يبحثون عن الطقس الماضي كسَبب للطقس المستقبلي.

فالفِكر التناظري لا يسأل "لماذا"، بل يسأل "أي". يَنظُر الفِكر التناظري إلى التاريخ ليس كخط مستقيم، بل كسلسلة من الدورات المتكرِّرة. يَعتمد الفكر التناظري على الأنماط والنماذج المقبولة والراسخة فهو يبحثُ عن الحقائق المشتركة بين الأشياء المتشابهة؛ فالعلاقات والروابط بين الأشياء مهمّة. يتعَلَّق سؤال "أي" بالنمط أو النموذج الذي يَعمل الظرف الحالي بناءً عليه.

أما سبب وجود هذا النمط أو النموذج بهذا الشكل، فهو أمْر ثانوي؛ وعلى الرغم من أنه قد يكون من الجيّد في بعض الأحيان معرفة السبب إلا أنّ لا علاقة له بعملية اتخاذ القرار. مرّة أخرى هذا هو الفِكر العبري القديم (في الواقع كان نمط الفِكر الشائع في جميع أنحاء العالم المعروف) وهذا النمط من الفكِر هو الذي تمّ التعبير عنه في الكتاب المقدس.

الفِكر العقلاني/المنطقي ليس أمرًا خاطئًا أو شريرًا؛ ولكن إذا أردنا أن نفهم الكتاب المقدس فعلينا أن نُدرك أنّ دراسة الكتاب المقدس بالسؤال "لماذا"، أو محاولة تنظيم واختبار (عبر المنهج العلمي) المبادئ والقوانين اللاهوتية القديمة التي دُوّنت بالفِكر التناظري، سيؤدي إلى الارتباك والخطأ الصريح؛ وهذا ما حدث بالفعل.

لذلك بينما ننظُر إلى التوراة، وحاليًا سِفْر اللاويين، ما نحتاج أن نبحثَ عنه هو الأنماط والنماذج. اسمحوا لي أن أقول ذلك مرة أخرى: الإجابات المُتاحة لنا لن تأتي إلاّ من خلال التعرّف على الأنماط التي وَضعَها يَهوَه. إنّ الفِكر العقلاني/المنطقي هو الذي يبحثُ عن إجابات أساسية. الفِكر التناظري يبحثُ عن نمط مألوف. علينا أن نكون حذرين جدًا من التساؤل عن "سبب" وجود قوانين وأوامر فَردية كما هي؛ ولماذا توجد مُتطلبات الأكل "الكوشر" ولماذا بعض الأشياء التي خلقَها يَهوَه يُسمّيها طاهرة وأخرى يسميها نجسة. لا يمكن العثور على هذه الإجابة من خلال البَحث عن أسباب عقلانية/منطقية عِلمية. تَتوفّر الإجابات في المبادئ الوارِدة في الأنماط التي خلقَها الله بدءًا من سِفْر التكوين واحد. لا توجد الإجابات في منطِق عقولنا، والمُثبتة في البراهين والنتائج، والسبب والنتيجة. توجد الإجابات من خلال الثقة في أنّ يَهوَه خلَق كل شيء، وأن كل شيء يعمل بطريقة لا تَتغير، وأنّ كل شيء يَعمل في تناغم. الحقيقة هي أنّ عقولنا ببساطة لم تُخلق لفهم عقل الله. هذا القول هنا يَتنافى تمامًا مع الفِكر العقلاني/المنطقي. ولذلك، فقد أدّى ذلك إلى أسوأ نوع من الرَمزية الخاطئة التي فُرضت على القديسين بسبب مترجمي وعُلماء الكتاب المقدس؛ أي أشخاص أرادوا قبل كل شيء أن يُثبتوا صحّة أجندتهم المُعادية لليهود، والذين شعروا أنه يجب أن يكون لديهم "لماذا" (علامات استفهام) حول أشياء لم يُقدم لها أسباب في الكتاب المقدس. لماذا كانوا بحاجة إلى معرفة السبب؟ لأن سؤال "لماذا" هو أساس الفِكر اليوناني. البحث عن "لماذا" هو أساس الفِكر العقلاني/المنطقي. ومع ذلك، لن تجدوا موضوع البحث المُستمر عن "السبب" في الكتاب المقدس. باستثناء في أندَر المناسبات، لم يكن سؤال "لماذا" ببساطة سؤالاً يَطرحه الناس عن شرائع الله وأوامره.

دعوني أقول لكم شيئًا آخر عن "لماذا"، السؤال عن السبب لا يتوافق مع الإيمان. إذا كان بإمكاننا دائمًا معرفة "السبب"، فأين الإيمان؟ الإيمان هو الثقة والعمَل عندما لا يكون "السبب" مُتاحًا. أين كان إيمان أيوب إذا كان الله قد أخبره لماذا كان يَمرّ بكل التحديات التي أخذت منه كل شيء؟ ومع ذلك، ها هو أيوب راضٍ إلى حدٍ كبير بقبول ظروفه ببساطة على أنها مشيئة الله في نفس الوقت الذي جاءه فيه سلسلة من الأصدقاء ليَعرضوا وجهة نظرهم عن سبب حدوث هذه الأمور. وبالطبع كل واحد منهم تَسبّب له ببساطة في مزيد من الألم ولم يكن أي واحدٍ منهم على صواب.

دعونا نتخلى عن هذا البحث عن السبب ونَنظر بدلاً من ذلك إلى بعض الأنماط والنماذج الأساسية التي أرسَتها لنا التوراة وسِفْر اللاويين.

وبما أننا الآن في سِفْر اللاويين، فلنبدأ بالنظر إلى موضوعه الأساسي، الذبيحة. تَستلزم الذبيحة مبادئ خلق الله ونَمَطه المرسوم للكَون. كل ما يَتعلّق بنظام التقدِمات يَتبع نموذجًا نراه راسخًا منذ جنّة عدن، ثم يَتوسّع ويَتّضح أكثر في جبل سيناء، ثم يتوسّع ويتّضح أكثر مع خيمة الاجتماع (البرية).

تُوفِّر خيمة الاجتماع نموذجًا ماديًا للقداسة التي يمكن للبشر رؤيتها وفهمَها وحتى التفاعل معها. تَنقسم خيمة الاجتماع إلى ثلاث مناطق ذات درجات مُختلفة من القداسة: قُدس الأقداس هو الجزء الأعمق حيث يُقيم الله. فقط يَهوَه وخادمه المعين، رئيس الكهنة، يستطيعان الدخول إلى ذلك المكان الذي يُعبّر عن القداسة العليا. هناك حاجز، ساتر، يَفصل هذا المكان الأقدس عن منطقة أخرى تُسمّى المكان المقدس، وهي منطقة أقل قداسة. يمكن لعامّة الكهنة الذهاب إلى هناك. هذا هو أقرب ما يكون إلى حضرة الله وِفق ما هو مسموح لهم. وأخيرًا، خارج حاجز آخر يُسمّيه الكتاب المقدس "الباب" إلى الخيمة توجد منطقة ثالثة من القداسة، وهي الفناء الذي يُحيط بخيمة الاجتماع. في هذا الفناء يُسمح بدخول شعب الله العادي، إسرائيل، من أجل تقديم ذبائحهم ليَهوَه. الإسرائيليون فقط هم المسموح لهم بالدخول إلى هذه المنطقة…..، ولا يُسمح لغير اليهود على الإطلاق…لأن الرب لم يُعلن قدسية غير اليهود. في حين أنّ هذه المنطقة الثالثة (الفناء) هي الأقل قداسة، إلا أنها بالرغم من ذلك مُقدسَة.

هذا الهيكل المصنوع يدويًا، خيمة الاجتماع، تم تشييده وفقًا لمخطط أُعطي لموسى من قِبل يَهوَه نفسه. وبالطبع، كان ببساطة على غرار ما كان موجودًا بالفعل: جَبَل سيناء. يَد الله، وليست أيدي البشر، هي التي بنت جبل سيناء، وهو أيضًا يتألف من ثلاث مناطق قداسة. كانت القِمّة هي المنطقة التي حَضَر فيها الله ولم يكن مسموحًا إلاّ لموسى بالذهاب إلى هناك. كانت هذه القمّة أقدس مكان ليس فقط على جبل سيناء، ولكن أيضًا على كوكب الأرض. كانت المنطقة الأقدس التي تليها هي المنحدر جانب الجَبل. كان مسموحًا فقط لهارون وأبناؤه، رئيس الكهنة المستقبلي وعامة الكهنة (وفي بعض الأحيان الشيوخ السبعين الذين كانوا يُمثلون حكومة إسرائيل)، بدخول هذه المنطقة المقدسة. في أسفل الجبل كان هناك حاجز….. حائط صخري….. يَفصِل بين المنطقة الأقدس والمناطق المقدسة عن المنطقة الأقل قداسة في أسفل جبَل سيناء حيث كان شعب الله….، أي حيث بني إسرائيل العاديين….. يستطيعون التَجمّع والعبادة.

خارج هذه المناطق الثلاث، تنتهي حدود الأماكن المقدسة. لقد تَحدّثنا في دروسٍ سابقة عن الزمان والمكان المُقدسَين (بُعد واحد للزمان وثلاثة أبعاد للمكان…. الطول والعرض والارتفاع…. هي الأبعاد الأربعة التي تُشكِّل كوننا)؛ هناك بعض الأماكن التي خَصصها يَهوَه على أنها مقدسة، أما باقي الأماكن فهي مجرد أماكن مُشتركة. أول مساحة مقدسة مُخصصة على الأرض كانت جنّة عدن. فيما بعد سيكون هذا المكان المقدس هو جبَل سيناء. بعد ذلك، سوف يَتجسّد المكان المقدس على الأرض في تلك الخيمة المحمولة التي يمكن أن تذهب أينما ذهب شعب الله. ثم أخيرًا أصبح المكان المقدس هو الهيكل الذي بُني في الموقع الذي حدده الله في جبل موريا في أورشليم. إذًا نمط الأماكن المقدسة يبدأ بقدس الأقداس، مكان مُخصص لحضور يَهوَه ورئيس الكهنة. المكان المقدس، مكانًا محجوز لعامة كهنة يَهوَه. المكان الأقل قداسة، وهو مكان مُخصص لشعب يَهوَه المختار.

لهذا السبب من المهم جدًا فهم مصطلح "خارج المخيم" الذي يعني خارج المكان المقدس، خارج مناطق القداسة الثلاث.

لاحظوا سِمة من سِمات هذا النمط: قدس الأقداس هو إمّا الأعلى (أعلى نقطة في جبل سيناء) أو الأقدس (قدس الأقداس). المكان المقدس هو المنطقة الوسطى، أو المنطقة العازلة، إن شِئتم (منحدر الجبل، أو غرفة الخيمة التي تَحدّ قدس الأقداس من جهة والساحة الخارجية للمكان الأقل قداسة من جهة أخرى). المكان الأقل قداسة هو إمّا في مكان خارجي (الفناء الخارجي لخيمة الاجتماع) أو سفلي (قاعدة جبل سيناء). ما وراء المنطقة التي يوجد فيها بنو إسرائيل هي خارج المخيم، وبالتالي فهي مشتركة وليست مُقدسة.

ليس من الصعب ملاحظة هذا النمط الذي يَستمرّ إلى أبعد من ذلك بقليل لأنه ينطبق أيضًا (كما هو مُتوقع، على ما أعتقد) على بنية الكهنوت. رئيس الكهنة هو الأقدس، وبالتالي قد يكون في حضرة الله (مرة واحدة في السنة). عامّة الكهنة (المُشتركين) هم الأقدس، ويعملون كوسطاء وحاجز بين شعب الله والله….. على الرغم من أنه لا يجوز لهم الدخول إلى حضرة الله. يخدم اللاويون (الذين ليسوا كهنة، بل هم خدم الله الأدنى مرتبة) في المنطقة الخارجية….. فناء خيمة الاجتماع. لا يجوز لهم دخول المنطقة المقدسة أو قدس الأقداس. اللاويون يخدمون شعب الله ويخدمون كهنة يَهوَه……. ولكن مرة أخرى، فقط في المنطقة الثالثة، الفناء، المنطقة الأقل قداسة. إذًا الكهنوت يعكِس أيضًا نمط المستويات الثلاثة للقداسة. لا يمكن لأي شخص خارج الكهنوت أن يقوم بأيٍ من المهام المحفوظة فقط للكهنة واللاويين.

لكن نمَط القداسة نفسه يذهب إلى أبعد من ذلك ويَنعكِس على جسد الذبيحة الحيوانية نفسها. هذا هو الموضوع الذي لأجله قضَينا كل تلك الساعات في دراسة كيف يتمّ التضحية بالحيوان، وما هي بالضبط أجزاء الحيوان المُستخدمة، وبأي ترتيب يتمّ استخدامها. يَنقسم جسد الذبيحة أيضًا إلى ثلاث مناطق قداسة؛ حتى الطريقة التي توضع بها أجزاء جسد الذبيحة على مذبح المحرقة تتمّ بترتيب يعكِس مناطق القداسة الثلاث هذه.

بالعودة إلى الإصحاح الأول من سِفْر اللاويين قيل لنا أنه يجب على "العُلى"، أي الذبيحة المحروقة أن تَشمل وَضْع أجزاء الحيوان على نار المذبح بترتيب مُعيّن: أولاً، الرأس، ثم الشَحم، ثم الأحشاء. وهكذا يكون لدينا كومة من أجزاء الذبيحة موضوعة على المذبح: في القمة الأحشاء، وتحتها الشحم، وتحتها الرأس.

باختصار، نرى أنه في أعلى الكومة توجد الأجزاء الداخلية للحيوان. ومن الناحية التشريحية فإنّ ما يُحيط بالأحشاء المُحدّدة التي يدعو الكتاب المقدس إلى وضعِها على المذبح هو طبقة سميكة من الشحم تُسمّى "الهيليف". هذا هو نوع الشحم الذي لا يستطيع الشعب أكله لأنه مقدس ليَهوَه. تذكّروا أنّ هناك نوعًا آخر من الشحوم يوجد داخل لحم الحيوان أو لحمه، وهو النوع الذي نعرفه جميعًا ويمكننا أن نراه تحت أغلفة السيلوفان الموجودة على طاولة اللحوم. يمكن أكل هذا النوع من الدهون. يُحيط شَحم الهيليف بالأحشاء ويُغلِّف الأحشاء المستخدمة في الذبيحة. في الواقع، تكون طبقة الدهون المحيطة بتلك الأحشاء كاملة بحيث لا يمكنكم رؤيتها حتى يتم إزالة الدهون. الرأس هو الجزء الأبعد عن أحشاء الذبيحة، وهو من الأجزاء الداخلية.

إذًا، الأجزاء الداخلية هي الأكثر قداسة؛ وشحم الهيليف الذي يُشكّل حاجز ومنطقة وسطى تَفصِل الأحشاء عن بقية الجسم وهو المكان المقدس؛ والرأس الذي هو الأبعد عن الأجزاء الداخلية، خارج حاجز شَحم الحليف، هو الأقل قداسة.

بالرجوع إلى الجزء السابق من هذا الدرس نرى أن الذبيحة، كمثال عن القداسة، قد وُصفت بنمط يَتكرّر في خيمة الاجتماع، والجَبل المقدس، والكهنوت، وحتى وإن لم تُتَح لي الفرصة للتطرق إلى هذا الموضوع، وجنة عدن.

لذلك "لماذا" نُظمت قوانين الاستخدام الدقيق لأجزاء الذبيحة؟ لأنها تَتوافق مع نمط قوانين ترتيب الكهنوت. لماذا صُممت القوانين المتعلقة بترتيب الكهنوت بهذا الشكل؟ لأنها تَتوافق مع نمَط قواعد هيكل خيمة البرية. لماذا وُضعت القوانين المتعلقة بهيكل خيمة الاجتماع بهذا الشكل؟ لأنها تَتوافق مع قواعد المناطق المقدسة على جبل سيناء… وهكذا دواليك. الجواب عن السبب هو دائمًا "أي نمط" يَنطبق.

هذا هو الفِكر التناظري. هذا هو أسلوب تفكير العبريين. الجواب عن "لماذا" هو لأن كل ذلك يَتوافق مع الأنماط التي رَسَمها الله. بهذه المعرفة دعونا الآن نَتعمق في محاولة فهم أحكام التوراة المُتعلقة بالطعام.

وما سأوضحه لكم هو أنّ الشرائع الغذائية قد وُضعت، في المقام الأول، لمواصلة نمط "القداسة" الذي كنا نناقشه.

إذا نظر المرء في كتابات الحكماء العبريين العظماء في التوراة فإنّ موضوع الكشروت، الأكل "الكوشر"، يُهيمن على أفكارهم. إذا كان هناك أي عالِم غير يهودي يجرؤ على الخوض في التوراة بمجرد أن يصِل إلى سِفْر اللاويين (الإصحاح الحادي عشر على وجه الخصوص)، وقوانين النظام الغذائي، فعادةً ما ينتهي به الأمر بالإحباط لأنه يُحلِّلها باحثًا عن "لماذا" أو السبب.

في النهاية، يَتوصّل هؤلاء العلماء الكبار عمومًا إلى أي من الاستنتاجين العقائديَين الرئيسيَين فيما يتعلق بالقوانين الغذائية في سِفْر اللاويين وهما كما يلي: واحد) قوانين وطقوس الكشروت غير عقلانية وتَعسّفية ولا تَعكس سوى خرافات ذلك العصر…… وبالتالي فإنّ تفسيرها ومعناها مستحيل؛ أو اثنان) هذه القوانين واللوائح ليست إلاّ تمثيلات مَجازية للنظافة، أو قيمة الطعام والأمن الغذائي، أو ربما حتى الأخلاق، والآداب، والرذائل، والفضائل.

دعوني أقول ذلك مرة أخرى: الاعتقاد العِلمي العام، الذي يَنعكس في جميع الشروح تقريبًا، هو أنّ قوانين الأكل "الكوشر" إما هي مَحض خيال وكلام فارغ لا قيمة له على الإطلاق للإنسان المعاصر، أو أنه يجب التعامل معها على أنها رمزية.

أحد أكثر المفاهيم شيوعًا حول الأكل "الكوشر" اليوم، خاصةً منذ ولادة حرَكة الجذور العبرية، يَتبنى النهج الذي تَبنّاه موسى بن ميمون، وهو حكيم يهودي عظيم من القرن الثاني عشر، وهو أنّ الأكل الكوشر هو صيغة لنظام غذائي صحي. الأطعمة النظيفة هي الأطعمة المغذية، والأطعمة غير النظيفة هي الأطعمة الضارة بجسم الإنسان على المدى الطويل. ومما لا شك فيه أن حقيقة أنّ موسى بن ميمون كان طبيبًا، تَشرح وجهة نظره. وصحيحٌ أن الخنزير ليس لديه أربعة بطون في جهازه الهضمي، كما هي الحال بالنسبة للماشية والأغنام والماعز وصحيحٌ أيضًا أنّ المَحار والكركند والروبيان من الكائنات التي تَتغذّى على القاع وتميل إلى أكل المواد العضوية الطافية أو المدفونة جزئيًا، بما في ذلك الفضلات واللحم المُتحلل... ومع ذلك، فإن هذه النظرة حول مسألة لماذا يُسمح ببعض الأطعمة ولا يُسمح بأطعمة أخرى هي في الحقيقة ذات توجه ثقافي وتَستند إلى فِكر تقدُّمي؛ أي أنها تأتي من نمط تفكير عقلاني/منطقي. إنه بالتأكيد لا يُمثل نمطًا، ولا يُفسّر القداسة.

يَعتقد فيلو – وهو مُفسِّر عبري كبير آخر عاش في زمن يسوع أنه كان يجب أن تؤخذ قواعد الأكل الكوشر بشكل مجازي ورمزي. في الواقع إنه يذهب إلى حدّ القول بأن "……. الأسماك بزعانفها وقشورها (الحيوانات الطاهرة) ترمِز إلى التحمّل وضبط النفس……… بينما المُحرّمات (مخلوقات البحر) التي يجرفها التيار، غير قادرة على مقاومة قوة التيار. الزواحف التي تنزلق على بطونها ترمز إلى الناس الذين يَستسلمون لكل شهواتهم وأهوائهم الجشعة……." لقد حَذَت التعاليم المسيحية حذو فيلو إلى حدٍ كبير من خلال اعتماد الرمزية كسلاح رئيسي في تفسير ما يبدو أنه غير قابل للتفسير.

على سبيل المثال، سنجِد هذه الحاشية كتعليق في هوامش الكتاب المقدس "وستمنستر" "…….تقسيم الحافر ومضغ الطعام المجتر. تقسيم الحافر ومضغ الطعام المجتر يدل على التمييز بين الخير والشر… "

وأعتقد أنه من الإنصاف أن نقول إنه مهما كان شَكل الاستعارة التي قد يَتّخذها المرء في محاولة تفسير أجزاء مُعيّنة من الكتاب المقدس (وخاصة فيما يتعلق بالأكل الكوشر)، فإنّ هذا الشكل يأخذ حتمًا وجهة النظر العقلانية/المنطقية التي يجب أن تكون في النهاية عن الخير والشر.

دعونا نواجه الأمر، سواء قلنا ذلك بصوت عالٍ أم لا، فإنّ أول ما يأتي إلى أذهاننا عندما نتحدث عن الأطعمة الطاهرة مقابل الأطعمة النجسة هو الخير مقابل الشر، الصواب مقابل الخطأ، الخطيئة مقابل البر، الصِحّة مقابل عدم المرض، أو فكرة مُوازية من هذا القبيل.

هناك نهج عِلمي نموذجي آخر إلى (لا يزال يَستخدِم الموضوع المجازي لتفسير الكتاب المقدس) يقول أنّ قوانين الكشروت، على الرغم من أنها تعسّفية بشكل عام، إلا أنها وُضِعت كنوع من الحماية لإسرائيل؛ أي أنّ هذه القوانين الغذائية الغريبة ساعدت على عزْل إسرائيل عن التأثير الوثني عن طريق حظْر الأطعمة التي كانت تَتمتع بها كثيرًا في العديد من ثقافات الشرق الأوسط التي كانت تُحيط بهم.

كل واحدة من هذه الآراء المجازية تَنبع من الفكر العقلاني/المنطقي، ولا تؤدي إلى أي مكان. تبدو هذه التفسيرات رائعة، بل جيدة لتفسير قوانين الطعام الغامضة في سِفْر اللاويين الحادي عشر……، ولكن في الواقع كل واحدة من هذه المقاربات الأكاديمية واللاهوتية معيبة لدرجة أنها لا تستحق أن تُنسب إلى يَهوَه. غالبًا ما وُجد أن الناس الذين انتموا إلى ثقافات تأكل بعض المخلوقات البحرية المصنفة على أنها غير نظيفة في سِفْر اللاويين عاشوا عمرًا أطول وكانت صحتهم أفضل من المعتاد على مدى حياتهم. كما لا تُقبل فكرة أن الأطعمة النجسة كانت "شريرة" بطبيعتها لأنه لم تكن هناك عقوبة صارمة على الشخص الذي تجرأ على أكلها. إن كون المرء "نجسًا" من أكل طعام نجس كانت حالة تستمر عادةً حتى غروب الشمس فقط، وربما تطلبت بعد ذلك أكثر قليلاً من مجرد اغتسال طقسي لتطهير النجاسة. هذا بعيدٌ كل البُعد عما نراه في الشرائع المُتعلقة بالسلوكيات الخاطئة المحددة (التي درسناها في الإصحاحات السابقة من سِفْر اللاويين) التي نَصَّت على مجموعة واسعة من العقوبات على الخطايا السلوكية من جميع الأنواع، بما في ذلك الموت. علاوةً على ذلك، أن نسمح لأنفسنا بالتفكير في أن يَهوَه، الذي يُصوَّر دائمًا على أنه إله لا يَتغير أبدًا، والذي يأمر بالنظام وليس الفوضى، سيَختار بعض الأطعمة اعتباطًا ويُسمّي بعضها طاهرًا والبعض الآخر نجسًا – مثل تقليب عُملة سماوية- ببساطة لا يَتوافق مع بقية الكتاب المقدس ولا طبيعته المقدسة. وعلاوةً على ذلك، فإن الحلول المجازية التي غالبًا ما تُقدَّم لشرح سِفْر اللاويين الحادي عشر ليست، في رأيي، أكثر من محاولة لجَعل المُستعير يبدو عالِمًا ومُطلعًا وورعًا إلى حدٍ كبير؛ لأن طبيعة المجاز في حد ذاتها تَعتمد على قدرة عقول البشر اللامحدودة على خَلق علاقات خيالية لا وجود لها في الواقع.

إذن، ماذا نفهم من هذه القوانين الغريبة الخاصة بالطهارة الطقسية فيما يتعلق بالنظام الغذائي للعبريين؟ حسنًا، على الأقل تأتي بداية الإجابة في الآية أربعة وأربعين من سِفْر اللاويين الحادي عشر:"لأَنِّي أَنَا يَهوَه إِلَهُكُمْ، فَقَدِّسُوا أَنْفُسَكُمْ وَكُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ، فَلاَ تُدَنِّسُوا أَنْفُسَكُمْ….." ثم في الآية سبعة وأربعين "والغرض منه هو التَّمْيِيزُ بَيْنَ الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ، وَبَيْنَ مَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ أَكْلُهُ".

القداسة هي الهدف الأساسي من تأسيس يَهوَه لشريعة الكشروت. إذا دَققّنا النظر، نرى أنّ لا إشارة في أي من آيات سِفْر اللاويين الحادي عشر تَدلّ إلى أن الشرائع الغذائية رمزية. كما أننا لا نقرأ أنّ المرء سيُصاب بالمرض من أكل شيء مُصنَّف على أنه نجس (إذا كان الأمر كذلك فلماذا لم توضع العديد من النباتات السامة في القائمة السوداء؟)؛ ولا نقرأ أنّ الحياة ستُصبح أقصر أو أنّ الطعام المُعيَّن "النظيف" هو بطبيعته أكثر صحة لكم من تلك الأطعمة المصنفة على أنها "نجسة" وهذا مهمّ…….لا يوجد شيء يقول، في حد ذاته، أن هناك شيء ما في حيوان نجس مُعيَّن شرير أو غير صحي بطبيعته.

لذلك يجب أن نَتخذ نهجًا مختلفًا تمامًا إذا أردنا أن نفهم متطلبات الأكل الكوشر هذه؛ ويمكننا أن نبدأ بِتبني فِكر كاتب الكتاب المقدس العبري، مما يعني أنّ أملنا الوحيد هو البحث عن النمط الذي أمر الله به والذي ينطبق على الأطعمة…..(نمط أو أنماط) يرتبط بتسميات الرب الطاهرة والنجسة.

لدينا بالفعل نمط واحد ثابت خَلقه يَهوَه للبشرية؛ وهذا النمط تم إنشاؤه من خلال استخدام واحدة من أهم الديناميكيات الحاكمة الأساسية التي يَستخدمها الله للتعامل مع خليقته: التقسيم والانتخاب والفَصْل. دعوني أستطرد للحظة فقط: ربما أعلى صرخة داخل المجتمع المسيحي هي الدعوة المُستمرة إلى "الوحدة". عمليًا كل راعٍ يدعو إلى الوحدة داخل جماعته، وفي بعض الأحيان يَستخدمها كذريعة ليطلب من شخص ما أن يَرحَل عندما يشعُر لأنه يُسبب "عدم الوحدة". لذلك عندما أقف هنا وأقول لكم إنّ إله الخلق يمضي قدمًا باستخدام الانقسام والانفصال، قد يكون الأمر غير مريح بعض الشيء بالنسبة للبعض منكم. لا يَرِد مصطلح "الوحدة" إلا في سبعة مواضع فقط في الكتاب المقدس بأكمله؛ خمسة منها في العهد الجديد. في اللغة العبرية، الكلمة التي تُترِجم "الوحدة" هي "إيشاد" وتعني الوحدة؛ وهي تُشير إلى شخصية الله وجوهره، وإلى علاقة الإنسان المثالية مع الله. على هذا النحو فإن مفهوم إيشاد، الوحدة، يَحتاج حقًا إلى تطبيقه في سياق روحي أكثر من السياق المادي.

في العهد الجديد الكلمة اليونانية المُستخدمة لمفهوم الوحدة هي "هينوتس"، وهي تعني بالفعل الوحدة….. ولكن بمعنى الاتفاق بالإجماع أكثر من "الوحدة" أمّا المفهوم العبري للوحدة، إيشاد، فيجلِب معه فكرة الانضمام معًا بشكل عضوي….. حرفيًا النمو معًا وبالتالي خَلْق اتحاد لا مجال لفصله ويخلق الكمال…… الذي ربما يكون السِمة الرئيسية للقداسة. لا يبدو أن هناك كلمة في اليونانية تُترجم بشكل صحيح المفهوم العبري الفريد لكلمة "إيشاد"؛ ومع ذلك فإن المبدأ العبري لـ "إيشاد"، أي الوحدة، هو بلا شك ما يتم التعبير عنه. في العهد الجديد، حيث يتم الدعوة إلى الوحدة، تكون تتعلّق بعلاقة الإنسان بالمسيح….. وليس بعلاقته مع البشر الآخرين. أي إحساس بالوحدة بين البشر فيما يَتعلّق بمفهوم الإيحاد مُتعلِّق باتحاد كل فرد مع يسوع. لذا فإن الوحدة تَتدفق من الإنسان إلى المسيح، وليس من الإنسان إلى الإنسان؛ وأي وحدة بين البشر يجب أن تتدفق من خلال المسيح. يسوع هو كالعجلة المحورية؛ هو النقطة المُشتركة. إذا كان البشر أضلاع العَجَلة، يجب أن نلاحظ أنها لا تُلامس بعضها في العجلة المحورية. أي وحدة بين الأضلاع تكون عن طريق المحور. إذًا المفهوم التوراتي للوحدة، إيشاد، لا يتعلّق بتوصُّل البشر إلى اتّفاق بالإجماع حول قضايا مختلفة مع بعضهم البعض….. وهو الفكر العقلاني/المنطقي اليوناني؛ بل يَتعلّق الأمر باتحادنا مع عقل وشخص المسيح….. وِحدتِنا مع المسيح……. هذا مثل كلاسيكي عن سوء فهم العقلية اليونانية للعقلية العبرية. وقد تَسبّب ذلك في الانقسام والكثير من التنافر والأذى داخل جسد المسيح في العديد من الكنائس. اسمعوني أيها الناس: الخلاف بين أعضاء الكنيسة أو الكنيس ليس انقسامًا كتابيًا. هناك مُتّسع كبير في بيت الله للاختلاف في وجهات النظر خاصةً حول المبادئ الأكثر تحديًا (وغالبًا الغامضة) التي نجِدها في الكتاب المقدس.

عودةً إلى المَسار: من منظور القداسة فيما يتعلق بأكل الحيوانات، لدينا حيوانات طاهرة، وهي الحيوانات التي يُمكن لشعب الله أكلها……وبالتالي يُمكن أن تكون في مخيم إسرائيل. الحيوانات غير الطاهرة، وهي الحيوانات التي لا يمكن أن يأكلها شعب إسرائيل، هي الحيوانات التي يجب أن تبقى خارج مخيم إسرائيل (لأهداف غذائية). وحيوانات الذبائح هي تلك التي يمكن أن يُقدِّمها الكهنة ليَهوَه كذبائح تكفير…لذلك فهي لا تعتبر فقط مؤهلة لأن تكون داخل مخيم إسرائيل، بل يمكن تقديسها إذا استوفت جميع مُتطلبات استخدامها كذبيحة ويُسمح لها بالدخول إلى المناطق المقدسة في خيمة الاجتماع.

إذا نظرنا بشكل أعمق قليلاً، نرى أيضًا نمطًا فرعيًا يَتبَع تعليمات يَهوَه
بأن "أن تكونوا (إسرائيل) مقدسين لأني أنا مقدس" على مستوى آخر: وهذا النمط يَدلّ إلى أن الحيوانات التي يمكن التضحية بها على المذبح للتكفير تأتي من نفس المجموعة الدقيقة من الحيوانات…. البهيمةالحيوانات البرية الداجنة التي يمكن لشعب إسرائيل أن يأكل منها. لذلك يمكننا القول إنّ يَهوَه يَشترِك روحيًا في نفس الحيوانات التي يشترك فيها بنو إسرائيل جسديًا.

والآن تَمتدّ علاقة القداسة بين البشر وحيوانات الذبيحة إلى أبعد من ذلك. اسمحوا لي أن أقرأ لكم الوصية التي نُطلق عليها الوصايا العشر، المُتعلقة بالسبت.

(نسخة الكتاب المقدس العالمية الجديدة) سِفْر الخروج الإصحاح عشرين الآية عشرة "وَأَمَّا الْيَوْمُ السَّابِعُ فَهُوَ سَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلَهِكَ. لاَ تَعْمَلْ فِيهِ عَمَلاً مَا، لاَ أَنْتَ وَلاَ ابْنُكَ وَلاَ ابْنَتُكَ وَلاَ خَادِمُكَ وَلاَ خَادِمَتُكَ وَلاَ بَهِيمَتُكَ وَلاَ الْغَرِيبُ الَّذِي فِي أَبْوَابِكَ".

إنه لأمر مثير للاهتمام إذا لاحظنا فقط أنّ السبت يشمَل الحيوانات وكذلك الإنسان، ألا تعتقدون ذلك؟ ولكن هناك معنى مَخفي في الكلمات والعقلية العبرية الأصلية في هذا المقطع من الكتاب المقدس هو ومعنى تَحجِبه الترجمات اليونانية والإنكليزية تمامًا؛ لأن الترجمة الشائعة لكلمة "الحيوانات" في هذه الآية بعيدة كل البُعد عن الحقيقة. بعض الكتب تستخدم "البهائم" بدلاً من "الحيوانات". حسنًا، هذا أقرب قليلًا، لكنه لا يزال بعيدًا بعض الشيء.

الكلمة العبرية هي "بهيمة" هل تبدو مألوفة؟ إنها تعني الحيوانات البرية الداجنة. أبقار، أغنام، ماعز…..حيوانات تصلُح للأكل وللتضحية. مجموعة مُختارة من الحيوانات، أليس كذلك؟

هل يُفاجئكم أن يعقِد يَهوَه عهدًا مع الحيوانات؟ في الواقع لقد فعَل ذلك بالضبط في أيام نوح. استمعوا إلى سِفْر التكوين الإصحاح تسعة الآية ثمانية إلى إحدى عشرة (نسخة الكتاب المقدس العالمية الجديدة) تكوين الإصحاح تسعة الآية ثمانية "ثُمَّ قَالَ اللهُ لِنُوحٍ وَبَنِيهِ مَعَهُ: تسعة "أُثَبِّتُ عَهْدِي الآنَ مَعَكَ وَمَعَ نَسْلِكَ مِنْ بَعْدِكَ عشرة وَمَعَ كُلِّ حَيٍّ كَانَ مَعَكَ مِنَ الْحَيَوَانِ الطُّيُورِ وَالسِّبَاعِ وَجَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكل مَا خَرَجَ مَعَكَ مِنَ الْسفينة – كُلُّ حَيٍّ عَلَى الأَرْضِ .إحدى عشر أُثبِّتُ عهدي معكم: لن تنقطع الحياة كلها مرة أخرى بمياه الطوفان، ولن يكون هناك طوفان يدمر الأرض".

يُقدِّر الله مخلوقاته الحية تقديرًا كبيرًا، ولذلك قطَع عهدًا مع جميع المخلوقات الحيّة….. وفي حالة نوح كان العهد ألا يُهلِكها مرة أخرى بطوفان. وهناك في وسط الوصايا العشر، قطَع عهدًا مع الحيوانات بأن ينالوا أيضًا راحة السبت. آه، ولكن خلافًا لعهد نوح، أريد أن أكرّر النقطة المهمة وهي أنّ البهائم، الحيوانات البرية الأليفة، تلك التي يجوز للعبريين أن يأكلوها، وهي نفسها التي يمكن أن تُقدم ذبيحة على المذبح، هي التي يَنطبق عليها هذا الأمر.

هنا نحصل على دليل مثير للاهتمام حول اختيار الحيوانات البرية الطاهرة والنجسة؛ الحيوانات التي يمكن أن تكون داجنة هي حيوانات طاهرة (مع معايير أنها يجب أن تمضغ وتَجترّ وأن يكون لها حافر مشقوق). لكن الحيوانات البرية المتوحشة بطبيعتها (الحيوانات التي لا يمكن تدجينها) ليست مشمولة في قائمة الحيوانات الطاهرة.

الآن، وقبل أن يفهم أحد فكرة خاطئة عما أنا على وشك قوله، أعتقد أنه من الضروري في هذا العالم الصوتي الذي نعيش فيه أن أذكر أنه بينما يوجد نمط موازٍ بين الإنسان والحيوان في ما يَخصّ علاقة العهد مع يَهوَه، فإنّ الإنسان أهم من الحيوان. يملِك الإنسان القدرة على أن يكون مَسكنًا روح الله القدوس…على عكس كل المخلوقات الحية الأخرى. لذلك، وُضع الإنسان في مركز السيادة على جميع المخلوقات الحية الأخرى. ولكن من السهل جدًا علينا أن نتجاهل الحب العظيم الذي يُكنِّه يَهوَه لكل ما خلقه، وخاصةً تلك المخلوقات التي يُسمّيها مخلوقات حية (بما فيها الحيوانات) لأنه وَضَع فيها نَسمة الحياة، وفصَلَها عن سائر خليقته.

إذًا، يَظهَر نمطٌ آخر هنا: يَهوَه مُتسلّط على الإنسان، كما أن الإنسان مُتسلّط على جميع المخلوقات الحية الأخرى. يَخصّ يَهوَه بعض البشر بالقداسة تمامًا كما يخصّ بعض الحيوانات بالقداسة….. تلك الحيوانات المُحدَدة التي تُقدم كقرابين.

يَهوَه يحرُس شعبه ويَهتمّ بشعبه الذي خَصّه بالقداسة تمامًا كما أُمَر الإنسان أن يحرُس ويهتمّ بتلك المخلوقات الحية التي خَصّها الخالق بهذه الأهمية وهي محبوبة من خالقنا. كما ترون، تلك الشريحة من البشر التي ترفُض الخضوع للرب الإله (أولئك الذين يبقون خارج مخيم إسرائيل) تَتساوى في مملكة الحيوان ومع الحيوانات البرية النجسة. تُعرَّف الحيوانات المتوحشة، من الناحية التوراتية، بأنها تلك التي ترفُض الخضوع للإنسان (الحيوانات التي لا يمكن تدجينها بنجاح)، لذلك يجب أن تبقى خارج مخيم إسرائيل تمامًا كما يجب أن يبقى البشر الذين يرفضون الخضوع ليَهوَه خارج مخيم إسرائيل. فقط الحيوانات التي تَسمَح للبشر أن يعتنوا بها، تلك التي نُسميها حيوانات داجنة، هي المؤهلة للقداسة. فقط البشر الذين يَسمَحون للخالق أن يعتني بهم هم المؤهلون للقداسة. هل بدأ هذا الأمر يبدو منطقيًا بالنسبة لكم….. هذا المفهوم للأنماط التي تربط كل شيء في كون الله؟

لنغُص بالتفاصيل: يَهوَه هو رَب وملِك حقيقي علينا. إنه يَحمي ما هو له بالمعنى الحرفي للكلمة. سيُحارب من أجلنا، ولن يَسمح لشيء أن يأخذنا من يدِه. لقد أمَر الله الإنسان على وجه التحديد بأن يَحمي تلك الحيوانات التي وضَعها تحت رعايته… أي الحيوانات الداجنة والطاهرة. الرعاة يَحمون قطعانهم بأرواحهم…… ومن المفترض أن يفعلوا ذلك.

وِفق النمط نفسه، فإنّ طهارة المكان المقدس (خيمة الاجتماع) وقداسة يَهوَه مَحميّة بالسماح فقط للبشر المقدسين والحيوانات المقدسة أن يكونوا في حضرته المقدسة.

لذلك عندما نتساءل "لماذا" فُرضت قواعد الحيوانات الطاهرة والنجسة بهذه الطريقة، فالجواب هو أنّ هذه القواعد تَتوافق مع القواعد الطاهرة والنجسة للبشر، وذلك لأنها كلها تَتوافق مع نمط القداسة التي وضعه يَهوَه. سنَستكشف في الأسبوع القادم العلاقة بين الطهارة الطقسية والخطيئة.