سِفْر التكوين
الدرس الثالث والعشرون – الإصحاحان الرابع والعشرين وخمسة وعشرون
قراءة سِفْر التكوين الرابع والعشرون بكامِلِه
يَعِدُنا الكتاب المقدس للانتقال من إبراهيم باعتبارِه مِحور الاهتمام، إلى اسحاق، ثم إلى يعقوب، ثم بَني إسرائيل.
كما احتاجَ إبراهيم إلى أطفال لتَنفيذ عهود الوعد، كذلك الأمْر بالنسبة لإسحاق. وكانت الخطوة الأولى نحو هذه الغاية هي الزَوجة المناسبة. كان إبراهيم يَعلَم أنّ اختيار زوجة لإسحاق كان في غايَة الأهمية. لذلك، استخَدَم خادمَه الأعلى والأفضل والأكثر ثِقة للبَحث عن زوجة لإسحاق… وِفْق وَصْف إبراهيم وبعناية. أولاً يجب ألا تكون امرأة كنعانية. ففي النهاية، إذا كان لإبراهيم وذَريَّته أن يَمتلَّكوا الأرض، فلن يكون من الجيّد لاسحاق أن يدخُل في تَحالف وزواج مع امرأة قد تُحرَم أسرتها قريبًا من أرضِها. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن إبراهيم يريد أن تربّي أطفال الوَعد امرأة نشأت في الديانات الكنعانية. ثانيًا، في حال فشِل الخادم في إقناع الزوجة المُختارَة بالنزول إلى كنعان، وهو أمْر غير مرجَّح، لمْ يكُن الخادم ليُحضِر إسحاق إلى بلاد ما بين النهرين للزواج.
لذلك، أُرسِل الخادم شمالاً، إلى موطِن إبراهيم، بلاد ما بين النهرين. علاوةً على ذلك، كان عليه أن يَجِد فردًا من العائلة ليتزَوّجه إسحاق. الآن يمكننا أن نَفهم لماذا أُعطينا في الإصحاح الثاني والعشرين سلسلة نَسَب شقيق إبراهيم… لأنّ إبراهيم كان يأمَل أن تأتي عروس إسحاق المُستقبلية من هذا النَسَب.
لم يكُن إبراهيم قلقًا، لأنه كان يعلَم أنّ الله كان يُعدّ الطريق لذلك. الطَرَف القلِق كان الخادم، وليس إبراهيم. ومع ذلك، فإنّ حقيقة أنّ إبراهيم جَعَل الخادم يُقسِم يمينًا، بالإضافة إلى حقيقة أنّ إبراهيم كان كبيرًا جدًا في السنّ، وأدرك تمامًا أنه قد يموت في أي لحظة، تعني كلُّها أن إبراهيم كان يَشكّ في أنه قد لا يعيش ليرى اليوم الذي يحصُل فيه ابنه إسحاق على زوجة. لذلك، نظرًا لأنه قد لا يكون موجودًا لفَحْص الزوجة المُقترحة ومَنحِها بَرَكَته، فقد أعطى جميع المُتطلبات والشروط الخاصة بزوجة إسحاق لخادمه ليقوم بتنفيذها نيابة عنه.
يُتلى هذا القسم مع طَلَب إبراهيم من الخادم وَضْع يده تحت فخذ إبراهيم. كان وجود نوع من الإشارة المُصاحِبة للقسَم أمرًا طبيعيًا في ذلك العَصر وفي جميع العصور، بما في ذلك عصرنا الحديث. حتى في زمن إبراهيم، لدينا سِجلاّت عن رَفْع اليد كجزء قسَم الوَعد. ولكن ماذا تعني حركة "اليد تحت الفخذ"؟ حسنًا، هذه عبارة عبرية؛ وهي تُشير إلى أعضاء إبراهيم التناسلية. الآن، وبقدْر ما قد يبدو هذا غريبًا ومثيرًا للاشمئزاز، فإن لهذا معنى تَحدّث عنه الحاخامات القدماء وهو أمْر منطقي (سواء كانوا على حقّ في ذلك أم لا، لا أستطيع أن أجزِم).
إنّ علامَة العهد مع يَهوَه تَظهَر في الأعضاء التناسلية الذكرية؛ الخِتان.
(ترجمة الكتب المقدس الأميركية النموذجية – ناس) سِفْر التكوين الإصحاح السابع عشر الآية الحادية عشرة "وتُختَنون في لحم غرلتكم، فتكون علامة عهد بيني وبينكم".
في وقتٍ لاحق من سِفْر التكوين، نَجِد يعقوب، حفيد إبراهيم، يَطُلب نفس الإشارة بالضبط "اليد تحت الفخذ" لأداء القسم من قبل يوسف. لذا، يُنظَر إلى هذا الفِعل الغريب على أنه استدعاء لقوّة وحضور الله باعتباره الكيان الذي خَلَق العهد، وأيضًا من يَضمَن القسَم. لا نَجِد هذه الإشارة في أي مكان آخر في أي ثقافة أخرى في أي وقت. والإشارتان الوحيدتان لها في الكتاب المقدس هما الإشارتان اللتان أعطيتكم إياهما للتو… وهما تتَعلّقان بالآباء وتنفيذ أحكام العهد.
إنّ كَلِمات التعليم التي أعطاها إبراهيم لخادمه هي آخر كَلِمات إبراهيم المُسجَّلة في الكتاب المقدس. والتغيير الذي نراه بين بعض تَصريحاته المُسجَّلة الأولى مقابِل ما نقرأه الآن مُذهل. هنا، إيمانه ثابت، لا يوجد قَلَق لأنّ كل شيء في يَد الله وهو مُخلِص تمامًا. إنّ إبراهيم يَثِق في أنّ الرِب سيُحقِّق له كل ما وَعَده به. فقبِل ذلك سأل "كيف أعرف أني سأملِك الأرض؟" وكَذَب بشأن أنّ سارة زوجته. وأراد أن يعرِف كيف سيكون له ذريّة إذا كانت سارة عاقرًا، إلخ. هذا ما تجلِبُه سنوات وسنوات من السَير مع الله… النُضْج في الإيمان. لا يحدُث هذا بسرعة، أليس كذلك؟
لقد تَأثَّر هذا الخادم الأمين، الذي ربما كان لا يزال إليعازر الدِمشقي الذي تَحدَّثنا عنه في الفصول (الإصحاحات) السابقة، بإبراهيم كثيرًا: لأنه سافر عائدًا إلى بلاد ما بين النهرين، مَسقط رأس إبراهيم، وعندما وَصَل إلى مدينة ناحور، صلّى أن تتمّ مشيئة الله. لاحظوا أنه على الرغم من أنّ بعض نُسخ الكتاب المقدس تُظهِر إليعازر وهو يُنادي الله "أدوناي" أو "الرَب"، إلا أنّه في العبرية الأصلية يُنادي الله "يَهوَه". إنه يَستخدِم اسم الله الشخصي.
وهنا نرى شيئًا سنُصادِفه كثيرًا في الكتاب المقدس: امرأة أو نساء يأتين إلى البئر لجلْب الماء. هذه ليست فكرة رومانسية أو أسلوبًا أدبيًا؛ فقد كانت نساء الشرق الأوسط في ذلك العَصر مُنفصلات عن الرِجال في الغالب. كانت هناك أوقات مُعيَّنة من اليوم حيث كنّ يذهبْن إلى البئر أو إلى نَبْع أو نهر لجلْب الماء… وهي مهمّة قياسية للنساء… وعادةً ما لا يكون الرجال موجودين. كان كل هذا يَتعلَّق بالحياء التقليدي. ويَنطبِق ذلك بشكل خاص على الفتيات غير المُتزوّجات والشابّات. لذلك، غالبًا ما نَحصُل على قصة عن شخصية ذكورية في الكتاب المقدس تَلتقي بامرأة عند البئر أو النبع، ويكون هناك هذا الشعور بالمفاجأة… وتُذهَل الفتاة… عند رؤية رَجُل أو سماع صوته. لا تزال هذه الممارسة سائدة في العديد من أجزاء العالم اليوم.
يحدُث جزءٌ مثير للاهتمام من هذا الإصحاح في الآية عشرة، لأنه يَتحدَّث عن خادم إبراهيم الذي أخَذ معه عشرة جِمال في رِحلته إلى الشمَال للبَحْث عن زوجة. سيقول معظم علماء الآثار أنّ هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا، لأن الإبل لم تكُن معروفة في المنطقة في هذا الوقت… هذا الوقت كان حوالى ألف وثماني مئة وخمسين إلى ألف وتسمعمئة قبْل الميلاد. ومع ذلك، فإنّ بعض النتائج الحديثة نسبيًا تُلقي بعض الضوء على هذه المسألة.
تَذكُر السِجلاّت التي عُثِر عليها في جنوب بلاد ما بين النهرين من عَصر المملكة البابلية القديمة (حوالى ألفين قبل الميلاد) شُرْب حليب الإبل. علاوةً على ذلك، تَذكُر بعض الكتابات السومرية والأكادية من نَفْس العصر مخلوقًا يُستخدَم للنَقل يُطلَق عليه حرفيًا "حمار أرض البحر". ومع تلك الكتابات كانت هناك صوَر توضيحية لأنواع الجمال، فهناك "الجَمَل ذو السنام الواحد". في الواقع، الجَمَل ليس ناقة، فالناقة ذات سنامين.
يبدو الأمر وكأن الموطِن الأصلي للناقة كان بلاد ما بين النهرين والشرق الأقصى، بينما كان الموطِن الأصلي للجِمال العَربية هو شبه الجزيرة العربية، في أقصى الجنوب. إنّ احتِمال أن يكون لإبراهيم جِمال، أمْر منطقي للغاية، حيث كان يَجوب المناطق الجنوبية ويتعامَل باستمرار مع القبائل السامية في الجنوب. لذا، فإنّ فكرة أنّ سِفْر التكوين أربعة وعشرون هو إضافة أو تحرير لاحق، لا تَفتَح مجالاً للنقاش.
الآن، افهموا: لقد ذَهب إليعازر إلى البئر، في ذلك الوقت من اليوم، لأنه كان يَعلَم أنّ هذا هو الوقت الذي سيَجِد فيه بعض الإناث المؤهلات… لم يكُن هذا نوعًا من المُصادَفة السعيدة. في الشرق الأوسط، إذا كنت تريد العثور على فتاة صغيرة، فهذا هو المكان المناسِب. لقد رأى بعض الفتيات قادمات، وشَرَع في وضْع نوع من "الصوف" أمام الله: أي أنه وَضَع نوعًا من الاختبار حتى يَتمكّن من التأكد من أنّ المرأة التي اختارها لإسحاق هي المرأة التي أرادها الله. ولن تصدّقوا أنه قبْل أن يتمكّن من إنهاء حديثه إلى الله، تَصِلُه إجابة صلواته في هيئة ريفكا، ريفكا، ابنة بتويل. كان بتويل ابن أخ إبراهيم؛ وكان ابن ناحور شقيق إبراهيم. لذا، فإنّ بتويل، والد ريفكا، كان ليكون ابن عم اسحاق الأول. وكانت ريفكا، باعتبارها ابنة ابن عم اسحاق الأول، بمثَابة ابنة عمّ من الدَرجة الثانية. لذا، كانت العلاقة بين اسحاق وريفكا صِلة بالدم، لكنها لم تكُن وثيقة للغاية؛ ولأن ريفكا نطقت بالكلمات الدقيقة التي وضعها إليعازر كصوف، فقد عرف أنه على الطريق الصحيح. لكنه التَزَم الصمت لأنه أراد أن يرى كيف ستَسير الأمور… أراد أن يتأكد. ربما كان استمرارها في سَحْب الماء حتى شبِعَت كل الناقات العشرة التي أحضرَها إليعازر معه تمامًا أمرًا مثيرًا للإعجاب بالنسبة لإليعازر، لذلك اتّخَذ الخطوة التالية.
يُقدِّم إليعازر للفتاة ريفكا هدايا ذات قيمة كبيرة بما في ذلك… نعم… حَلقَة في الأنف. لم تكُن هذه قطعة مجوهرات غير عادية على الإطلاق في ذلك الوقت. بالطبع، عادت ريفكا إلى المنزِل وأخبرَت والدتَها وأعضاء العشيرة الإناث الأخريات بما حدَث للتو. عندما رأى شقيق ريفكا، لابان، الذي سيَلعب دورًا مهمًّا في القصة التوراتية في وقتٍ ما في المستقبل، المجوهرات الثمينة التي تَرتديها أختُه، ركَضَ لمقابلة هذا الرَجُل الذي أعطاها هذه الأشياء. في حين أنّ مُقابَلة شخص غريب، ضَيف، كانت دائمًا أمرًا مُهمًا في ذلك الوقت، فإن حقيقة أنّ هذا الغريب ثري هي ما أثار حماس لابان. في محاولة للتَحدُّث معه، استحْضر لابان اسم يَهوَه في تحية إليعازر. لا ينبغي لنا أن ننبهِر كثيرًا أو نَستفيد كثيرًا من هذا الأمْر: سنكتشِف لاحقًا أنّ لابان كان يمتلِك العديد من الآلهة، لذلك كان ودودًا فقط في استخدام اسم الإله الذي كان يعبُده سيد إليعازر.
لقد دُعي إليعازر للبقاء مع العائلة، ولكن لتناوُل وَجبة أولاً. أولاً وقبْل كل شيء. إليعازر خادم مُخلِص… وهو في مهمّة… لذا فهو يريد أن يعرف ما إذا كان يُضيّع وقته فقط. لقد ذَكَر على الفور من هو سيده وما هو هدفُه. ثم، حتى لا يكون هناك شكّ في أنّ حياء الفتاة لم يُنتهَك، ولا أنها ارتكَبت أي شيء غير لائق في التحدّث مع رَجُل، وأنّ كل النوايا كانت شريفة، أعاد ذِكْر كل ما قيل له، وكيف قام بواجِبه، وكيف قاده ذلك إلى ريفكا.
في الضيافة الشرقية المُعتادة، يقول والد ريفكا (ريبيكا) وشقيقها إنه من غير المُمكن أن يُعارِضا إرادة الله لابنتهما. لا شك أنهما لم يكونا حريصَيْن على التخلّص من ريبيكا؛ لقد كانا يعلَمان بالفعل من الأساور الثمينة وحلَقة الأنف أنّ الهدايا المُعتادة التي سيَحصلان عليها مقابل يدها ستكون في هذه الحالة من رَجِل ثري وبالتالي ستكون فدية المَلِك. وهذا ما حَدَث. وبعد المزيد من المُقايضة، رافقت ريبيكا، مع النساء اللاتي اعتنَين بها عندما كانت طفلة، إليعازر إلى كنعان.
لاحظوا، مدى ضآلة الدَور الذي يؤديّه الأب، بتويل في كل هذا: لابان، شقيق ريفكا، هو اللاعب المُهيمِن من جانب ريفكا من العائلة. وهذا أمْر غير مُعتاد. التفسير الوحيد هو أنّ بتويل كان ضعيفًا بسبب التقدّم في السنّ أو المَرَض، وكما جَرَت العادة، تولّى لابان (ربما المولود الأول لبتويل) واجبات الوَصي على الإناث غير المتزوّجات في العشيرة.
وهكذا، في الآيتين أربعة وخمسين وخمسة وخمسين، عندما نرى أليعازر يَطلُب الإذِن لأخذ ريفكا والذهاب، فإنّ أمها وشقيقها… وليس والدها… هما من طلَبا منها ألا تذهب الآن. وبعد المزيد من المساومة، وبعد أن صرَّحت ريفكا بأنها مُستعدّة للذهاب، مُنِحت الإذن بالمغادرة. ويُخبِرنا الكتاب المقدس أنّ "مُمرِّضة" ريفكا رافَقتها في الرحلة. يبدو أنّ هذه المُمرّضة كانت من أفراد الأُسْرة المحبوبين للغاية، وربما كانت في الواقع مُرضِّعة ريفكا وهي طفلة صغيرة، والتي أصبحت في النهاية بمثابة وصيّة لريفكا. في الواقع، الكلمة العبرية المُترجَمة "ممرضة" هنا هي منيكت، والتي تعني مُرضِّعة. بالطبع، كانت ريفكا قد تَجاوزت تلك المرحلة من الحياة، لذا فمن المُحتمَل أن يُشير ذلك إلى أنّ هذه الممرضة الشخصية بدأت إقامتها مع الأُسْرة كمُرضِّعة لريفكا واستمرّت معها بعد هناك.
بينما كانت ريفكا ومُرضِّعتها وعدّة جواري يركَبن الناقات ويَستعِدنّ للمغادرة إلى كنعان، تَمّت مُباركة ريفكا. ولدهشتي، لم يكُن هذا الأمر بَرَكةً نموذجية تُعطى في ذلك العصر لفتاة صغيرة تُسافِر للزواج. بل إنها نبوءة إلهية، وأنا مُتأكِّد من أنّ عائلتها لم تكُن لديها أي فكرة أنها تَتحدث عنها؛ وهي تتَعلّق بإنجابها عددًا كبيرًا من النَسْل وأنّ هذا النَسْل سيَنتصِر على أعدائه. هذا، بالطبع، يَتوافق تمامًا مع العهد الذي قَطَعه يَهوَه مع إبراهيم؛ العَهد الذي سيَرِثُه الآن زوج ريفكا المُستقبلي، إسحاق.
عادت القافلة من رِحلتها، ورأى إسحاق وريفكا بعضهما البعض لأول مرة. إنّ تغطية وجهَها بالحِجاب أمْر مثير للاهتمام نوعًا ما. لقد سَمعِتُ العديد من التعاليم حول هذا الجزء من سِفْر التكوين، وكان يُقال دائمًا أنّ النساء في ذلك العصر يُغطيّن وجوهَهنّ بالحجاب في حضور الذكور. حسنًا، هذا ليس هو الحال ببساطة. لم تكُن النساء العبرانيات يرتدِين الحجاب. لا يوجد ذِكْر لسارة وهي ترتدي الحجاب. ولم يكُن من عادة بلاد ما بين النهرين أيضًا ارتداء الحجاب كرَمز لإظهار الحياء.
كان الحِجاب في ذلك الجزء من العالم، في ذلك العَصر، يُستخدَم كنوع من الزينة؛ وحتى لإظهار الثروة. كان الاستخدام المُعتاد الوحيد للحجاب بين بني إسرائيل، والكنعانيين، وبلاد ما بين النهرين، والسومريين، وما إلى ذلك، يَتعلّق بإجراءات الزفاف والخطوبة. وكان من المعتاد أن تتزوَّج العروس وهي ترتدي حِجابها مُنسدلاً، ولا يُسمَح للعريس برؤيتها بدون حجابها لبعض الوقت قبْل حفْل الزفاف (ولنتحدَّث هنا عن تاريخ الممارسة الحديثة المُتمثِّلة في ارتداء حجاب العروس أثناء حفل الزفاف، ثم يَرفعُه العريس عند إتمام عهود الزواج). لذا، فإنّ ما يُشير إليه هذا على الأرجح هو أّن ريفكا كانت تُخبِر إسحاق بأنها أ) هي التي اختارها له والده، وب) أنها وافقت على أن تكون زوجته، وفي الواقع، كانت فترة الخطوبة قد بدأت بالفِعل.
كان إسحاق يبلُغ من العمر أربعين عامًا عندما تزوَّج ريفكا. وكان الأب والأم للجيل التالي من خطّ الوَعد موجودين الآن. ما هو مثير للاهتمام هو إخبارنا بأنّ اسحاق وريفكا دخلا خيمة أم اسحاق المتوفاة، ويبدو أنها أصبحت لهما. تذكَّروا، في هذا العَصر كان الرِجال والنساء عمومًا مُنفصِلين، حتى بعد الزواج. كان الأزواج والزوجات، وخاصّةً إذا كانوا أثرياء أو رؤساء عَشائر كبيرة، ينامون في أماكن مُنفصِلة. في الواقع، فإنّ دخول العروس والعريس خَيمة سارة كان رمزًا لتولّي ريفكا منصِب الأم الذي شَغلَته سارة حتى وفاتِها. كانت خيمة سارة تُصان فقط لهذا الغرَض الاحتفالي، حتى تم اختيار عروس لاسحاق.
أحبُّ كثيرًا كيف ينتهي الفَصل عندما يذكُر الكتاب المقدس أنّ إسحاق وَجَد راحة كبيرة، أخيرًا، في فقدان أمّه بالزواج من سارة. من الواضح أنه حتى مع وجود ريفكا، كانت سارة هي اتصاله الأساسي بالعالم النسائي. لا بد أنه كان قريبًا جدًا من والدته.
سِفْر التكوين الإصحاح خمسة وعشرون
قراءة سِفْر التكوين الإصحاح الخامس والعشرين من الآية واحد إلى الآية الحادية عَشرة
يا إلهي، هناك الكثير من المَعلومات المُتراكِمة في هذا الإصحاح. أظنّ أنه قبل عام ألف وتسعمئة وثمانية وأربعين والتحقيق الذي لا يُمكِن تصوُّره تمامًا للنبوءة بأن إسرائيل ستولد من جديد كأمّة من اليهود، كانت هذه القائمة للقبائل القادمة من إبراهيم غير مهمّة نسبيًا للناس باستثناء أمناء المكتبات والمؤرخين. ولكن الآن بعد أن عاد إسرائيل إلى وطنِهم، ومع الأحداث في الشرق الأوسط التي تَهزّ الأرض كلَّها، فإنّ هذه الأنساب تكتَسِب مستوى أكثر أهمية للكنيسة، وخاصةً؛ بالنسبة للظروف الغريبة التي أحاطت بولادة ابني إسحاق التوأمين يعقوب وعيسو.
هذه هي نهاية قِصّة إبراهيم، وفي الآيات اللاحقة، إسماعيل. لقد أعطينا بعض المعلومات النهائية عن إبراهيم والتي نَحتاج فقط إلى تدوينها في ذِهننا. أولاً، تزوَّج إبراهيم من امرأة أخرى، وهي قطورة، والتي لا نعرِف عنها شيئًا. حتّى أنّ علماء الكتاب المقدس ليسوا واضحين تمامًا فيما إذا كان إبراهيم قد تزوَّج سارة في نفْس الوقت الذي تزوَّج فيه قطورة أم لا. ومع ذلك، بَعْد بعض الدراسة والبَحث الإضافيين، أعتقد أنّه من الواضح أنه لا ينبغي لنا أن نَفترِض أنّ اتخاذ إبراهيم قطورة "زوجة" كان في تَسلسُل زمني مع الإصحاح السابق من سِفْر التكوين؛ أي أنّ قطورة جاءت بعد سارة. هذه الحيلة الأدبية التي تَستخدِمُها التوراة بُمقاطعة تسلسُل الأحداث، والعودة بِضع سنوات إلى الوراء وإضافة بعض المعلومات الجديدة عن شخص أو شيء ما، ليست غريبة في الكتاب المقدس كَكلّ، أو في كتابات أخرى من ثَقافات أخرى في ذلك العَصر، وحتّى العصور التي سبَقَت ذلك بكثير وجاءت بعدَها.
هناك احتمال واحد فيما يَتعلَّق بتوقيت قطورة يبرُز من بين كل الاحتمالات الأخرى بالنسبة لي: فأبناء إبراهيم، الذين ولِدوا من قطورة، ربّما ولِدوا لإبراهيم قبْل إسحاق. وذلك لأن إبراهيم لم يكُن قادرًا على إنجاب طُفل، وكذلك الأمر بالنسبة لسارة عندما حَمِلت بإسحاق. لذلك، ما لم يكُن هؤلاء الأبناء من قطورة "حَمْلاً معجزيًا"… وهو أمرٌ غير مرجّح… فلابد أنهم ولِدوا قَبْل أن تحمِل سارة بالطفل المُعجزة، إسحاق. والآن، بالطبع، يمكن للمرء أن يزعَم أنه عندما جَعَل الله إبراهيم قادرًا على إنجاب إسحاق، استعاد إبراهيم الخصوبة لفترة طويلة من الزَمن. ويختارُ العديد من العلماء هذا النَهج. على أي حال، أريد فقط أن تدرِكوا أنه من المستحيل تقريبًا تحديد متى اتّخذ إبراهيم قطورة زوجةً له، ومتى وُلِد هؤلاء الأطفال الآخرون، وما إذا كان هؤلاء الأبناء قد ولِدوا قَبْل أو بعْدَ إسحاق.
لقد قيل لنا أنّ قطورة أنجبَت لإبراهيم عدة أطفال، وقد ذُكِر منهم ستة. وليس لدينا أدنى فكرة عن هويّة قطورة أو من هم أسلافها. وكما هي العادة في الكتاب المقدس، لم يُذكَر سوى الأطفال الذكور، ولكن من غير المعقول أنّ قطورة لم تَلِد لإبراهيم عدّة بنات أيضًا. ومع ذلك، فمن الواضح أنّ أصْل اسم قطورة هو الكَلِمة العبرية كيتوريت، والتي تَعني التوابل. وفي الواقع، كانت بعض القبائل التي طالما اشتُبِه في أنّها من نسْل إبراهيم وقطورة مُرتبِطة بتجارة التوابل في العصور القديمة. ومن المُفيد لنا أيضًا أن نعرِف أنّ المنطقة الرئيسية لإنتاج التوابل في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، ولعدّة قرون قادمة، كانت مِنطقة جنوب شِبه الجزيرة العربية المَعروفة اليوم باسم اليمن. وهذا يوضِّح أيضًا مدى انتشار التجارة والسَفَر المُنتظم بين هذه الشعوب القديمة، منذ زَمنٍ بعيد جدًا.
سنَلتَقي بالعديد من هؤلاء الأطفال الذين يَحمِلون أسماء قطورة في وقتٍ لاحق من الكتاب المقدس، ومع ذلك لن نَسمَع عن آخرين مرة أخرى؛ لذا دعوني أشير إلى اِبنٍ واحد على وجه الخصوص لأنّ المِنطقة التي استقَرّ بها ستلعَب دورًا كبيرًا في حياة موسى: هذا الابن اسمه مديان. وَوفاءً لاسم والدته، كان المديانيون مَعروفين بتجارة التوابل، وخاصّةً البخور الثمين. كانت أراضيهم تَقَع في شبه الجزيرة العَرَبية، تَحدُّها الحافة الشرقية للبحر الأحمر التي تُسمى اليوم خليج العَقَبة. هؤلاء هم نفْس المديانيين ونفْس المنطقة التي فرَّ منها موسى من مصر، وحيث جاء الله إلى موسى في العِلّيقة المُشتعِلة، وحيث وَجَد موسى زوجة. في الواقع، من وجهة نظري، إنّ خليج العقبة هو البحر الأحمر التوراتي الذي قاد موسى بني إسرائيل عبْرَه إلى بَرّ الأمان عندما فرّوا من جيوش فرعون.
هؤلاء الأبناء السِتة لقطورة، إلى جانب ابن هاجر الفتاة المَصرية، إسماعيل، سيُشكِّلون ما يمكننا أن نُسمّيه بشكلٍ عام الشعوب العربية… الناس الذين سَكنوا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولكن، انتبهوا إلى أنّ مُصطلح "عَرَب" لم يكُن صالحًا إلا بعد فترة من حُكْم الملك داوود؛ أي أنه لم تكُن هناك مجموعة بشرية يمكن تحديدها باسم "عَرَب" حتى عام تسعمئة قبل الميلاد، أي بعد حوالى تسعة قرون من الحَقبَة التي ندرُسُها حاليًا.
لقد قيل لنا في الآية خمسة أنّ إبراهيم أعطى كل ما لديه لإسحاق، الأمْر الذي كان سيَجعَل إسحاق رجُلًا ثريًا وقويًا للغاية. ولكن، من المؤكّد أيضًا، أنّ هذا الأمْر مَهَّد الطريق للغيرة الهائلة والصِراع بين إسحاق والمجموعة الكبيرة من الإخوة والأخوات غير الأشقاّء… وخاصةً إسماعيل. وهذا الصِراع والغيرة مُستمرّان حتى يومنا هذا. مع كل هؤلاء الإخوة والأخوات… العَشرات على الأقل… كان على إبراهيم أن يفعَل شيئًا لضَمان أنّ ابنه إسحاق قد تمّ رَفعُه بشكلٍ حاسم ومن دون مُعارضَة فوق كل الباقين وأُعطي مسارًا واضحًا للاستمرار في المَضي في طريق وَعْد العهد الذي رَسَمه الرب. وهكذا، مرة أخرى لدينا مثال درامي لمبدأ الله المُستمِرّ في التقسيم والانتخاب والفَصْل… وهذه المرة، موضوع التقسيم والفَصْل هو إسحاق.
بعد أن قيل لنا في الآية خمسة أنّ إبراهيم أعطى كل شيء لإسحاق، قيل لنا أيضًا أنّ إبراهيم أعطى هدايا قبل وفاتِه لأبناء مَحظياته. الآن، دعونا لا نَخلُط الأمور: على الرغم من أنّ معظم الكتب المقدسة تقول إنّ إبراهيم اتَّخذ قطورة كزوجة، وقَبْل ذلك بفترة هاجر أيضًا، إلا أنهما لم تكونا زوجتين فِعليتَين من الناحية الفنيّة مِثل سارة. لقد كانتا مَحظيتين… فئة مُختلفة من الزوجات. ولم تكُن هذه الزوجات المزعومات ليَحصُلن على الكتوبة، أو عَقد الزواج. ولم تَكُن لتُقام مراسم الزواج. بل كان لابد أن يكون هناك إعلان بسيط من إبراهيم عن وَضعِهنّ باعتبارهنّ من أهْلِ بيته، وأمّهات شرعيات لأطفاله. وكانت هذه المَحظيات (الجواري) تُعامَلن مُعامَلة حسنة ومُحترمة، وتَتمتَّعن بمكانة الانضمام إلى عشيرة إبراهيم، ولكن لم يكن لهنّ المكانة الرفيعة كزوجة شرعيّة حقيقية، وكان أطفالهن سيَحظون بحقوق ميراث أقلّ من أبناء الزوجة الشرعية الحقيقية. والواقع أنّ قانون ذلك العَصر كان يَنصّ على أنّ الأمر مَتروك بالكامل للأب في اختيار أيٍ من أبنائه من المَحظيات سيحصُل على الميراث، إن وُجِد. لذا، فبينما حَصَل إسحاق على كلّ الميراث وسُلطة الأسرة، حَصَل أبناء إبراهيم الآخرون، عن طريق مَحظياته، على هدايا… هدايا ثمينة إلى حدٍ ما لأنّ إبراهيم كان ثريًا للغاية. والآن، هل كانت هناك مَحظيات أخرى غير قطورة وهاجر؟ ربما. ولكن في هذه المرحلة، الأمْر غير واضح. بعدها، أرسَل إبراهيم أبناء مَحظياته هؤلاء إلى أراضٍ أخرى؛ فالتقسيم والانتخاب يؤدّيان دائمًا إلى الانفصَال. لاحظوا التوازي مع سَماح الله للظروف بالتطوُّر التي أدَّت إلى الانفصال الضروري لإبراهيم عن ابن أخيه لوط. لاحِظوا أيضًا الاتجاه الذي أُرسِلوا إليه: الشَرق! لماذا الشرق؟ لماذا لم يرسُلهُم إبراهيم إلى الشمال، أو الجنوب، أو الغرب؟ استمِرّوا في تدوين ملاحظات ذهنية صغيرة عن الاتجاه الشرقي.
في الآية سبعة، مات إبراهيم عن عُمر ناهزَ مئة وخمسة وسبعين عامًا. يا لها من حياة عاشَها إبراهيم! لَيت كلّ واحد منّا كان قادرًا على أن يكون له مِثل هذا القُرْب والألفة والهَدف الوثيق مع الرَب.
لقد قيل لنا أنه جُمِع بقومِه. وهذا مُصطلح مُختلِف تمامًا عن "الموت" أو "الدَفن في الأرض" أو "النزول إلى شاوول". بل إنه يُشير إلى نوع من لمّْ الشَمْل مع أولئك الذين، على الأرجح هم من سلالة سيث ونوح وسام، الذين سَبَقوه. كما أنه يتحدَّث عن الاعتقاد بأنّ الموت ليس النهاية؛ وهو مَفهوم لن يُبنى عليه من هنا فصاعدًا إلا قليلاً في كتُب العهد القديم، ولكنه سيَكتسِب معنىً أكبر مع ظهور المسيح في العَهد الجديد. ومع ذلك، دعوني أكرِّر شيئًا أريدكم أن تَنتبهوا إليه أثناء دراستنا للتوراة: بينما هناك تلميح إلى شيء يتجَاوز الموت في عبارة "جُمِع بقومه"، لا يوجد ذِكْر لـ "الذهاب إلى السماء عندما نموت". لقد أُجرِيت دراسة شاملة إلى حدٍ ما للموت والاحتضار في العهد القديم، ويمكنني أن أُخبرَكم بثقة بما يكْمُن وراء القبر… الحياة الآخرة… ولم تتمّ مناقشَتَها بعُمق على الإطلاق في العهد القديم؛ ويبدو من المصطلحات المُتنوعة للموت والاحتضار…. الغامضة والعامة…. أنّ معنى الحياة الآخرة، إنْ وُجِدَت، كان غامضًا للغاية في أذهان أهْل العهد القديم. بالنسبة لبعض العبرانيين، من الواضح من الكتاب المقدس أنّ خوفَهم الشديد من الموت من دون وجود ابن يَحمِل اسم العائلة، كان يعني نهاية جوهَرهم أيضًا. بطريقة غير مُفسَّرة، عاش الأب من خلال ابنه. ليس بالتَناسُخ، ومن دون أي وَعي على الإطلاق…. أمّا فِكرة الروح البشرية باعتبارها فحوى الوجود بعد الموت وهي ليست مُحدَّدة جيدًا في العهد القديم. فكرة أنّ الإنسان سيَعيش بطريقة ما في السماء، مع الله، لم تكُن موجودة ببساطة…. على الأقل حتى نهاية العَهد القديم حوالى عام أربعمئة قبل الميلاد.
لقد علِمْنا أنّ إسماعيل وإسحاق اجتمعا لدَفْن والدِهما، وكما كان مُعتادًا عندما أمكن، دَفْن الزَوج مع زوجته. لقد دُفِن إبراهيم في نفْس القَبر الذي دُفِنَت فيه سارة… مَغارة المكبيلة في حَبرون… وبعدَ ذلك انضمّ إليهم اسحاق وريفكا، كما حَدَث مع يعقوب في النهاية.
في الآية الحادية عَشرة، يوضِح الله لأي شخص قد يَشكّ في نهاية خَطّ الوَعد، عندما يقول "بارَك الله اسحاق". لقد اكتمَل الآن تسليم الشّعلة من إبراهيم إلى اسحاق.
اسحاق هو الأب الجديد للعبرانيين، وإبراهيم يبقى ذِكرى.