سِفْر التَّكوين
الدرس الحادي عشر – الإصْحاح الثاني عشر
اقرأ سِفْر التَّكوين إثنَيْ عشر على واحد الى ثلاثة
يَقْطَعُ الله، أَدُونَاي (أَي الرَّبُّ أَو السَّيِّدُ)، عَهْدًا مَعَ إِبْرَاهِيمَ (الَّذِي كَانَ لَا يَزَالُ يُدْعَى أَفْرَامَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ). يَحْدُثُ هَذَا العَهْد وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ مُقِيمٌ فِي حَارَانَ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، وَمَا يَحْدُثُ فِي الْأَسَاسِ هُوَ أَنَّ اللهَ يَقُولُ لِإِبْرَاهِيمَ أَنْ يَتْرُكَ حَارَانَ وَيَذْهَبَ إِلَى حَيْثُ يَرْشِدُهُ اللهُ…… وَيَقُولُ اللهُ، بِالْمُنَاسَبَةِ، أَبُوكَ وَأَقَارِبُ أَبِيكَ الْآخَرِينَ غَيْرُ مُرَحَّبٍ بِهِمْ لِلذَّهَابِ مَعَهُ. وَأَظُنُّ أَنَّ مَا نَرَاهُ هُنَا هُوَ أَنَّهُ مَا دَامَ تِيرَاخُ قَدْ ذَهَبَ جُزْءًا مِنَ الطَّرِيقِ عَلَى مَا يَبْدُو ثُمَّ قَرَّرَ عَدَمَ اتِّبَاعِ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ اسْتَخْدَمَ اللهُ شَخْصًا سَيَذْهَبُ تِلْكَ التِّسْعَ يَارَدَاتِ كَامِلَةً…. إِبْرَاهِيمَ. الطَّاعَةُ الْجَزْئِيَّةُ لَيْسَتْ طَاعَةً صَغِيرَةً…… إِنَّهَا عَدَمُ طَاعَةٍ. هَكَذَا نَرَى اللهَ مَرَّةً أُخْرَى يُقَسِّمُ وَيَخْتَارُ وَيَفْصِلُ.
مَا أُودُّ أَنْ أَفْعَلَهُ، الْآنَ، هُوَ أَنْ أَتَوَقَّفَ قَلِيلًا عَلَى هَذَا العَهْد لِأَشْرَحَ مَاهِيَتُهُ وَأَشْرَحَ الطَّبِيعَةَ الْعَامَّةَ لِلْعُهُودِ فِي زَمَنِ الكِتاب المُقَدَّس.
يُعْطِي اللهُ إِبْرَاهِيمَ تَعْلِيمًا وَيُتْبِعُهُ بِوَعْدٍ؛ وَعْدٌ يَتَكَوَّنُ مِنْ عِدَّةِ أَجْزَاءِ. طَبْعًا التَّعْلِيمَاتُ هِيَ أَنْ يَتْرُكَ إِبْرَاهِيمُ الْمِنْطَقَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا (حَارَانَ) وَيَذْهَبَ إِلَى مَكَانٍ سَيُرِيهِ اللهُ إِيَّاهُ، وَأَنْ يَنفَصِلَ عَنْ أَبِيهِ وَأَخِيهِ. ثُمَّ يَصْدُرُ اللهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَجْمُوعَةً مِنَ الْوُعُودِ الَّتِي تَتَكَوَّنُ مِمَّا يَلِي:
واحد. سَيَجْعَلُ اللهُ إِبْرَاهِيمَ وَنَسْلَهُ أُمَّةً عَظِيمَةً.
هَذَا يَعْنِي أَنَّ إِبْرَاهِيمَ وَنَسْلَهُ سَيُصْبِحُونَ شَعْبًا، أَيْ أُمَّةً مُنفَصِلَةً، أُمَّةً لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حَتَّى تِلْكَ اللَّحْظَةِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ سَيَحْدُثُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِإِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ أَبْنَاءٌ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِأَبْنَائِهِمَا أَبْنَاءٌ، وَالكَثِيرُ مِنَ النَّسْلِ مِن بَعْدِهِمْ إِلَى دَرَجَةٍ أَنَّهُ فِي وَقْتٍ مَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ، سَيَكُونُ هُنَاكَ عَدَدٌ كَافٍ مِنْ هَذَا النَّسْلِ، الَّذِينَ يَظَلُّونَ مَتَمَاثِلِينَ مَعَ بَعْضِهِمُ الْبَعْضَ، لِيُعْتَبَرُوا "أُمَّةً".
اثنان. سَيُبَارِكُ اللهُ إِبْرَاهِيمَ وَسَيَكُونُ إِبْرَاهِيمُ نَفْسُهُ بَرَكَةً.
بِعَبَارَةٍ أُخْرَى، سَيَمْنَحُ اللهُ إِبْرَاهِيمَ نِعْمَتَهُ. سَيُعَامِلُ اللهُ إِبْرَاهِيمَ مُعَامَلَةً خَاصَّةً وَسَتَحْدُثُ لَهُ بَعْضُ الْأَشْيَاءِ الرَّائِعَةِ الَّتِي لَا يَسْتَحِقُّهَا، لَكِنَّ اللهَ اخْتَارَ أَنْ يَفْعَلَهَا عَلَى أَيَّةِ حَالٍ. مَا يَفْعَلُهُ اللهُ لِإِبْرَاهِيمَ سَيَعُودُ بِالْمَنْفَعَةِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ. مَا يَفْعَلُهُ إِبْرَاهِيمُ فِي طَاعَةِ اللهِ سَيَكُونُ فِي حَدِّ نَفْسِهِ بَرَكَةً لِلْآخَرِينَ.
ثَلاثَة. سَوْفَ يُبَارِكُ اللهُ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يُبَارِكُونَ إِبْرَاهِيمَ وَسَيَلْعَنْ اللهُ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَلْعَنُونَ إِبْرَاهِيمَ.
أَتَمَنَّى لَوْ كَانَ لَدَيَّ ضَوْءٌ أَحْمَرُ وَامِضٌ وَصَفَّارَةٌ إِنْذَارٌ لِإِعْلَانِ هَذِهِ الْآيَةِ. هَذِهِ لَيْسَتْ مَجْمُوعَةً مِنَ الْكَلِمَاتِ الْفَارِغَةِ. هَذَا لَيْسَ تَعَالٍ مِنَ اللهِ لِإِبْرَاهِيمَ، وَلَا تَرْبِيَةً عَلَى رَأْسِهِ كَمَا نَفْعَلُ مَعَ طِفْلٍ صَغِيرٍ، مُحَاوِلِينَ أَنْ نَجْعَلَهُ يَشْعُرَ بِالرَّضَا. هَذَا تَحْذِيرٌ جَادٌ؛ لَيْسَ لِإِبْرَاهِيمَ، بَلْ لِكُلِّ شُعُوبِ الْعَالَمِ مِن تِلْكَ اللَّحْظَةِ فَصَاعِدًا: يَتَوَقَّعُ اللهُ مِنَ النَّاسِ أَنْ يُدْرِكُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ مُخْتَارُ اللهِ، وَيَجِبُ احْتِرَامُهُ وَتَكْرِيمُهُ. مِن جِهَةٍ أُخْرَى، سَيَأْخُذُ اللهُ الْأَمْرَ عَلَى مَحْمَلٍ شَخْصِيٍّ إِذَا قَرَّرَ أَيُّ شَخْصٍ أَنْ يَكُونَ عَدُوًّا لِإِبْرَاهِيمَ. أَيْ أَنَّ اللهَ سَيُدِينُ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَصْطَفُّونَ ضِدَّ إِبْرَاهِيمَ.
لكن، دعوني أتقدَّم خطوةً أخرى إلى الأمام. تَذكَّر أن اللهَ في لُغةِ الكِتاب المُقَدَّس لا يُشيرُ فقط إلى إِبْرَاهِيمَ نَفْسِهِ. إنَّه يتحدثُ عن سَلَالةِ إِبْرَاهِيمَ؛ وبشَكلٍ أكثرَ تحديدًا، عن الأُمَّةِ الخاصةِ التي ستأتي من إِبْرَاهِيمَ…… نَسْلُهُ. الآن، مَن هو هذا النَّسْلُ الذي يُشكِّلُ تلك الأُمَّةَ الخاصةَ؟ سنرى قريبًا أن أُمَّةَ العَهْد هذه هي إِسْرَائِيلُ. سيكونُ لإِبْرَاهِيمَ في نِهايةِ المطافِ العديدُ من الأبناء، ولكن واحدًا منهم فقط هو النَّسْلُ الذي سيؤدي إلى إِسْرَائِيلَ. إذًا، ليس كلُّ نَسْلِ إِبْرَاهِيمَ يحملُ هذه البركةَ الخاصةَ والإنذارَ المرتبطَ بها. لقد أشرتُ سابِقًا إلى أن اللهَ قد وضعَ بالفعلِ نَمَطًا لهذا المفهوم: إنَّه يُقسِمُ ويختارُ ويفصِلُ. جاء إِبْرَاهِيمُ من سَلَالةِ فَالَخَ، التي انقسَمَت وانتُخبت من سَلَالةِ سَامَ، التي انقسمت وانتُخبت من سَلَالةِ نُوحٍ، التي انقسمت وانتُخبت من سَلَالةِ شِيتَ، التي انقسمَت وانتُخبت من سَلَالةِ آدَمَ؛ وبمرورِ الوقتِ، عندما يكونُ لإِبْرَاهِيمَ أبناء، سنرى ابنًا واحدًا مُعيَّنًا منقسِمًا ومُنْتَخبًا ومُنْفَصِلًا عن الآخرين. إنَّ نتيجةَ هذه العمليةِ الإلهية – عمليةِ التقسيمِ والاختيارِ والانتخابِ هذه، هي ما نسمعُ كثيرًا أنها تُسمَّى "خَطُّ الوَعْد". عادةً ما يُعتبرُ أنَّ خطَّ الوَعْدِ هذا يبدأ بإِبْرَاهِيمَ، ولكن الكِتاب المُقَدَّس يُظهرُ لنا أنه في الواقعِ يعودُ إلى شِيتَ.
أربعة: سَيَجْعَلُ اللهُ اسمَ إِبْرَاهِيمَ عَظِيمًا.
سَوْفَ يُكَافِئُ إِبْرَاهِيمَ مُكَافَأَةً عَظِيمَةً وَسَيُرْفَعُ اسمُهُ عَالِيًا بَيْنَ النَّاسِ. تَذَكَّرُوا، عِندَمَا يُقَالُ "اسم" يَجِبُ أَنْ نُفَكِّرَ حَقًّا فِي ثَقَافَتِنَا الْغَرْبِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ "السُّمُعَة". سَيَجْعَلُ اللهُ سُمُعَةَ إِبْرَاهِيمَ عَظِيمَةً. مَا هُوَ مُدْهِشٌ هُوَ أَنَّهُ حَتَّى فِي عَصْرِنَا هَذَا، بَعْدَ أَرْبَعَةِ آَلَافِ سَنَةٍ، أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ سُكَّانِ هَذَا الْكَوْكَبِ مُمَثَّلٌ فِي الْأَدْيَانِ التَّوْحِيدِيَّةِ الثَّلاثِ الْكُبْرَى: الْمَسِيحِيَّةُ وَالْيَهُودِيَّةُ وَالإِسْلَامُ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ الْبَطْرِيَارْكَ الْمُبَجَّلُ لِكُلٍّ مِنْهَا.
خمسة: سَيَسْتَخْدِمُ اللهُ إِبْرَاهِيمَ لِيُبَارِكَ جَمِيعَ عَائِلَاتِ الْأَرْضِ.
إنَّ مَا سَيَفْعَلُهُ اللهُ مِنْ خِلَالِ إِبْرَاهِيمَ لَنْ يُبَارِكَ إِبْرَاهِيمَ فَقَط، وَلَا نَسْلَهُ فَقَط، وَلَا الأُمَّةَ الْخَاصَّةَ الَّتِي سَتَأْتِي مِنْ هَذِهِ الْبَرَكَةِ: إِسْرَائِيلَ. هَذِهِ الْبَرَكَةُ الَّتِي سَتَحْدُثُ مِنْ خِلَالِ اخْتِيَارِ إِبْرَاهِيمَ سَتُفيدُ الْبَشَرِيَّةَ جَمِيعًا.
مُلاحَظة: انتقِل إلى القسمِ الذي يحمُلُ علامةَ الأسبوعِ السابع، العهود.
دَعونا نُلقي نَظَرَةً الآنَ على ما هو العَهْدُ. من بَيْنِ كُلِّ مَبادِئِ الكِتابِ المُقَدَّسِ، العَهْدُ هو أَكْثَرُ ما نَحْتاجُ أن نَفْهَمَهُ لأنَّهُ من خِلالِ عَمَلِيَّةِ العَهْدِ خُلِقَ شَعْبُ اللهِ المُخْتارُ (إسرائيلَ)، ومِن خِلالِ العَهْدِ يُمكِنُ أن نَخَلِّصَ بالثِّقَةِ في اللهِ… أَي في يَسُوعَ…….. يُعَرِّفُ قاموسُ وبِسترِ "العَهْدَ" بأنَّهُ اتِّفاقٌ مُلْزِمٌ وبأنَّهُ اتِّفاقٌ بَيْنَ أَعْضاءِ الكَنِيسةِ على الدِّفاعِ عن عَقائِدِها والحِفاظِ عليها. كما يَصِفُ "العَهْدَ" بأنَّهُ عَقْدٌ رَسْمِيٌّ.
لا شَكَّ أنَّ هذه التَّعريفاتِ تُحَدِّدُ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ فِكْرَةَ الثَّقافَةِ الغَرْبِيَّةِ، القَرْنِ الحادي والعِشْرينَ، عَنْ مَاهِيَّةِ العَهْدِ، وما نَتَصَوَّرُهُ نَحْنُ كَمَسيحيينَ بِشَكْلٍ عامٍّ في أَذْهَانِنا عِنْدَمَا تُسْتَخْدَمُ كَلِمَةُ "عَهْدٍ". لكن، يُخْطِئُ قاموسُ وَيبْسْتِرَ إِلَى حَدٍّ كَبيرٍ عِندَ مُقَارَنَتِهِ بما يَعْني العَهْدَ، في المصطلَحاتِ والأزْمِنَةِ في الكِتابِ المُقَدَّسِ، وما زالَ يَعْني؛ أَي ما يَعْنيهِ اللهُ بالعَهْدِ. أَوَّلًا وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، كانَ العَهْدُ مُقَدَّسًا.
في أَزْمِنَةِ الكِتابِ المُقَدَّسِ، كانتِ العُهُودُ بَيْنَ النَّاسِ تُسْتَخْدَمُ لِبَيْعِ الأَراضِي وعَقْدِ التَّحالُفاتِ واتِّفاقاتِ الحَرْبِ والسَّلْمِ، وَحَتّى لِعَقْدِ عُهُودٍ لاِسْتِخْدامِ بِئْرِ مَاءٍ مِن قِبَلِ شَخْصٍ آخَرَ غَيْرِ مالِكِهِ. يُمكِنُ أنْ يَكونَ العَهْدُ باتِّفاقٍ مُتَبادَلٍ، حيثُ كانَ عَلَى كِلَا الطَّرَفَيْنِ التِّزاماتٍ يَجِبُ أن يُفِيَا بِهَا؛ أَو….. في كَثيرٍ من الأَحْيانِ، كانَ العَهْدُ يَعْني التِّزامًا مِن طَرَفٍ واحِدٍ فَقَطْ، بَل وَيُمكِنُ أن يُفْرَضَ عَلى شَخْصٍ أَكْثَرَ قُوَّةً عَلى شَخْصٍ ما مِن قِبَلِ شَخْصٍ أَو أُمَّةٍ أَكْثَرَ قُوَّةً….. أَو مِن قِبَلِ اللهِ نَفْسِهِ.
نَحنُ نَمِيلُ إلى التَّفكيرِ في العَهْدِ عَلَى أَنَّهُ وَعْدٌ أَوْ عَقْدٌ، وَكَيْفِيَّةُ التَّعامُلِ مَعَ أَثَرِهِ في إِطارِ نِظامِنا القَضائِيِّ. بِالتَّالي نَتَصَوَّرُ العَهْدَ عَلَى أَنَّهُ اتِّفاقاتٌ بَشَرِيَّةٌ مَكْتُوبَةٌ بِأَيْدِي البَشَرِ وَمُطَبَّقَةٌ بِوَسَائِلَ بَشَرِيَّةٍ. نَعْلَمُ جَمِيعًا أَنَّ الزَّمَنَ أَوْ الأَشْخاصَ أَوْ الظُّروفَ يُمكِنُ أَنْ تَتَسَبَّبَ في إِنْهاءِ الوُعُودِ الشَّفَهِيَّةِ وَكَذَلِكَ العُقودِ الخَطِّيَّةِ أَوْ تَعديلِهَا أَوْ بِبَسَاطَةٍ أَنْ تُصْبِحَ غَيْرَ قابِلَةٍ لِلِاسْتِعْمَالِ. عادَةً ما تَكونُ عُقُوبَاتُ إِنْهاءِ العَقْدِ صَغِيرَةً في مُجْتَمَعِنا وَعادَةً ما تَنْطَوِي عَلَى تَسْوِيَةٍ مالِيَّةٍ، وَهِيَ تَحْدُثُ كُلَّ يَوْمٍ. يُمكِنُ لِلْمَحْكَمَةِ أَنْ تُبْطِلَ العَقْدَ أَوْ تُغَيِّرَهُ. يُخْلِفُ الرِّجَالُ وَالنِّساءُ الوُعُودَ الشَّخْصِيَّةَ عَلَى أَساسٍ ثابِتٍ إِلَى حَدٍّ مَا. يُمكِنُ لِلْحُكُومَاتِ أَنْ تَضَعَ دَستُورًا، أَي عَقْدَها مَعَ الشَّعْبِ، ثُمَّ أَنْ تُعَدِّلَهُ أَوْ حَتَّى أَنْ تُلْغِيَهُ كُلَّهُ وَتَبْدَأَ مِن جَدِيدٍ. يُمكِنُ لِلنَّاسِ، بِشَكْلٍ مُتَبَادَلٍ أَوْ مِن جَانِبٍ وَاحِدٍ، أَنْ يُغَيِّرُوا رَأْيَهُمْ وَيَحُلُّوا بِبَسَاطَةٍ العَقْدَ أَوْ الوَعْدَ أَوْ يَتَنْصَّلُوا مِنْهُ…… كَمَا هو الحالُ في الطَّلاقِ، بِعُقُوبَةٍ قَلِيلَةٍ نِسْبِيًّا. لا شَيْءَ مِنْ هَذَا مُمْكِنٌ في تَعْريفِ الكِتابِ المُقَدَّسِ للعَهْدِ.
الكَلِمَةُ العِبْرِيَّةُ الَّتي تَعْنِي العَهْدَ هي "بِرِيت"، وَهِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَذْرِ الكَلِمَةِ العِبْرِيَّةِ "بَرَحَ"، الَّتي تَعْنِي "قَطْعًا أَوْ تَقْسِيمًا"…… وَسَأُوضِّحُ لَكَ صِلَةَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَ قَلِيلٍ. الكَلِمَةُ اليُونَانِيَّةُ المُسْتَخْدَمَةُ في الكِتابِ المُقَدَّسِ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ العَهْدِ هي "دِيَاثِيك"، وَهَذِهِ الكَلِمَةُ اليُونَانِيَّةُ تُخْطِئُ إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ كَتَرْجَمَةٍ لِكَلِمَةِ بَرِيت. لَقَدْ عَلَّمْتُكُمْ في عَدَدٍ مِنَ المُناسَباتِ أَنَّ الثَّقَافَةَ وَاللُّغَةَ تَأْتِيَانِ كَحَزْمَةٍ وَاحِدَةٍ؛ وَأَنَّهُ دَاخِلَ أَيِّ ثَقَافَةٍ مَعَيَّنَةٍ لَدَيْهِمْ عَدَدٌ مِنَ التَّقالِيدِ وَالأَفْكارِ وَالمَفَاهِيمِ الأَسَاسِيَّةِ الَّتِي تَنْفَرِدُ بِهَا ثَقَافَتُهُمْ، وَبِالتَّالِي فَهِيَ غَرِيبَةٌ عَنْ كُلِّ الثَّقَافَاتِ الأُخْرَى. وَبِمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الحَالُ، هُناكَ العَدِيدُ مِنَ المَفَاهِيمِ العِبْرِيَّةِ الفَرِيدَةِ….
مَثَلُ المَفْهُومِ المُتَجَسِّدِ في الكَلِمَةِ العِبْرِيَّةِ "بِرِيت" أَو "شَالُوم" أَو "مِيسَايَا"….. الَّتِي لَا يُوجَدُ لَهَا مَثِيلٌ في لُغَةٍ أَوْ ثَقَافَةٍ أُخْرَى. فَكِّرْ في ذَلِكَ لِلْحَظَةِ؛ لأَنَّكَ مَا لَمْ تَكُنْ خَبِيرًا بِاللُّغَةِ، لَا يَتَّضِحُ لِمَعْظَمِنا بِسُهُولَةٍ أَنَّ هُنَاكَ كَلِمَاتٍ في لُغَةٍ مَا لَا تَتَوَافَقُ مُبَاشَرَةً مَعَ كَلِمَةٍ في لُغَةٍ أُخْرَى، أَيْ أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَضَعَ قَائِمَةً بِالكَلِمَاتِ العِبْرِيَّةِ وَنَضَعَ إِلَى جَانِبِهَا بِسُهُولَةٍ قَائِمَةً بِالكَلِمَاتِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ المُقَابِلَةِ لَهَا. في الْحَقِيقَةِ، يَتَطَلَّبُ الأَمْرُ مَا يُقَارِبُ ثُلُثَ مِنَ الكَلِمَاتِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ أَكْثَرَ مِنَ الكَلِمَاتِ العِبْرِيَّةِ لِقَوْلِ نَفْسِ الشَّيْءِ. يَبْلُغُ عَدَدُ صَفَحَاتِ الكِتابِ المُقَدَّسِ العِبْرِيِّ حَوَالَيَ ثُلُثَيْ عَدَدِ صَفَحَاتِ الكِتابِ المُقَدَّسِ الإِنْجِلِيِّ. يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صُعُوبَاتِ التَّرْجَمَةِ هُنَاكَ. دَعْنِي أُوَضِّحُ لَكَ هَذَا الأَمْرَ؛ عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، يَوْمٌ بِالعِبْرِيَّةِ تَعْنِي "دِيي" بِالإِنْجِلِيزِيَّةِ. إِنَّهُ نَفْسُ المَفْهُومِ، وَلِكُلٍّ مِنَ اللُّغَتَيْنِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ وَالعِبْرِيَّةِ مَفْهُومٌ مُشْتَرَكٌ وَمُبَاشِرٌ لِفَتْرَةٍ زَمَنِيَّةٍ مَدَّتُهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُينَ سَاعَةً، أَيْ دَوْرَةٌ كَامِلَةٌ لِلْأَرْضِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا كَلِمَةٌ تَصِفُ هَذَا المَفْهُومَ بِإيجَازٍ: في العِبْرِيَّةِ هِيَ "يَوْمٌ"، وَفي الإِنْجِلِيزِيَّةِ هِيَ "دِيي"، فَلَا مُشْكِلَةَ؛ وَلَكِن، كَلِمَةُ "شَالُوم" في العِبْرِيَّةِ، تَحْتَوِي عَلَى مَفْهُومٍ شَامِلٍ غَيْرِ مَوْجُودٍ في الثَّقَافَاتِ النَّاطِقَةِ بِاليُونَانِيَّةِ أَوِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ. وَبِمَا أَنَّ مَفْهُومَ "شَالُوم" غَيْرُ مَوْجُودٍ في الثَّقَافَتَيْنِ اليُونَانِيَّةِ أَوِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ، فَمِنَ الطَّبِيعِيِّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ كَلِمَةٌ يُونَانِيَّةٌ أَوْ إِنْجِلِيزِيَّةٌ لَهَا. لِذَا، فَإنَّ مُتَرْجِمَ الكِتابِ المُقَدَّسِ يُحَاوِلُ إِيجَادَ شَيْءٍ قَرِيبٍ مِنهُ؛ أَوْ يَسْتَخْدِمُ سِلْسِلَةً مِنَ الكَلِمَاتِ لِمُحَاوَلَةِ إِيصَالِ المَفْهُومِ لِلْقارِئِ. في مِثالِنَا عَنْ شَالُوم، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، كَثِيرًا مَا نَرَى كَلِمَتَيْ "سَلاَمٍ وَنِعْمَةٍ" تُسْتَخْدَمَانِ في اللُّغَةِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ لِتَرْجَمَةِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ "شَالُوم". وَلَكِن، السَّلاَمُ وَالنِّعْمَةُ تُعَرِّفُ القَلِيلَ فَقَطْ عَمَّا تَعْنِي هَذِهِ الكَلِمَةُ المُفَرَّدَةُ "شَالُوم" في الْعَقْلِ العِبْرِيِّ.
لَكِنَّ الأَمْرَ الأَكْثَرَ إِزْعَاجًا هُوَ مَا يَحْدُثُ عِنْدَمَا لَا يَكُونُ لَدَى المُتَرْجِمِ فَهْمٌ لِلثَّقَافَةِ الكَامِنَةِ وَرَاءَ اللُّغَةِ الَّتِي يُتَرْجِمُهَا. لَا تَحْتَاجُ أَنْ تَكُونَ عَلَى دِرَايَةٍ بِالثَّقَافَةِ الفَرَنَسِيَّةِ عَلَى الإِطْلَاقِ لِتَتَعَلَّمَ التَّحَدُّثَ بِاللُّغَةِ الفَرَنَسِيَّةِ، وَلَا تَحْتَاجُ إِلَى أَنْ تَكُونَ عَلَى دِرَايَةٍ بِالثَّقَافَةِ العِبْرِيَّةِ لِتَعَلُّمِ اللُّغَةِ العِبْرِيَّةِ. المُشْكِلَةُ هِيَ أَنَّهُ بِدُونِ تَوْحِيدِ فَهْمِ الثَّقَافَةِ مَعَ اللُّغَةِ، فَلَن يَفْهَمَ المُتَرْجِمُ مَعْنَى تِلْكَ الكَلِمَةِ إِلَّا فِي سِيَاقِ المَعْنَى الثَّقَافِيِّ الخَاصِّ بِهِ؛ وَهَذِهِ هِيَ المُشْكِلَةُ الرَّئِيسِيَّةُ الَّتِي نُعَانِي مِنْهَا فِي تَرْجَمَةِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ؛ فَقِلَّةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ المُتَرْجِمِينَ لَدَيْهِمْ أَيُّ مَعْرِفَةٍ عَمِيقَةٍ بِالثَّقَافَةِ وَالمَفَاهِيمِ العِبْرِيَّةِ القَدِيمَةِ، وَالأَسْوَأُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ غَالِبًا مَا يَكُونُ لَدَيْهِمْ تَحَيُّزٌ دَاخِلِيٌّ ضِدَّ العِبْرَانِيِّينَ القُدَمَاءِ، وَبِالتَّالِي يُمْضُونَ قَدُمًا بِنَظْرَةٍ سَلْبِيَّةٍ.
كَثِيرٌ مِنا مِمَّنْ اشْتَرَوْا أَجْهِزَةً صَغِيرَةً أَوْ أَدَوَاتٍ إِلِكْتِرُونِيَّةً مَصْنُوعَةً فِي الصِّيْنِ غَالِبًا مَا وَجَدُوا أَنَّ التَّعْلِيمَاتِ المُصَاحِبَةَ لَهَا تَبْدُو غَرِيبَةً أَوْ حَتَّى مُضْحِكَةً جِدًّا. أَتَذَكَّرُ بِوُضُوحٍ أَنَّهُ قِيلَ لِي فِي أَحَدِ الكُتَيِّبَاتِ أَنَّ عَلَيَّ إِحْكَامَ رَبْطِ المِسْمَارِ حَتَّى "يَكُونَ سَعِيدًا". مَاذَا قُلْتُ؟ كَيْفَ يُمْكِنُنِي مَعْرِفَةُ مَتَى يَكُونُ المِسْمَارُ سَعِيدًا؟ بِالطَّبْعِ، كَانَتِ الفِكْرَةُ هِيَ إِحْكَامُ رَبْطِهِ حَتَّى يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ مُنَاسِبًا. في القَامُوسِ، سَتَجِدُ أَنَّ كَلِمَةَ "سَعِيد" وَ"صَحِيح" لَهَا مَعَانٍ مُتَشَابِهَةٌ جِدًّا، وَلَكِن، بِالنِّسْبَةِ لِلْأَمْرِيكِيِّينَ، السَّعَادَةُ هِيَ عَاطِفَةٌ تُظْهِرُهَا الكَائِنَاتُ الحَيَّةُ وَلَيْسَتْ مَصْطَلَحًا تَقْنِيًّا. لِذَا، فَإنَّ الكَلِمَةَ تَبْدُو صَحِيحَةً بِنِسْبَةٍ لِلْمُتَرْجِمِ، لَكِنَّ المَفْهُومَ خَاطِئٌ تَمَامًا. لَدَيْنَا هَذِهِ المُشْكِلَةُ بِالضَّبْطِ فِي عَدِيدٍ مِنَ الأَمَاكِنِ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ. لِذَلِكَ، دَعُونَا نَعُودُ إِلَى تَعْدِيلِ فَهْمِنَا لِمَا هُوَ عَهْدُ الكِتَابِ المُقَدَّسِ فِي الْوَاقِعِ.
جُزْئِيًّا بِسَبَبِ اسْتِخْدَامِ كَلِمَةِ "ديَاثِيك" اليُونَانِيَّةِ فِي العَهْدِ الجَدِيدِ، وَجُزْئِيًّا أَيْضًا لأَنَّ المَفْهُومَ العِبْرِيَّ لِـ "بِرِيت" لَيْسَ لَهُ مُوَازٍ مُبَاشِرٌ فِي الثَّقَافَاتِ النَّاطِقَةِ بِاليُونَانِيَّةِ أَوِ الإِنْجِلِيزِيَّةِ، تَبَنَّى الْمَسِيحِيُّونَ الإِعْتِقَادَ بِأَنَّ مَا يُشَارُ إِلَيْهِ هُوَ مَا يُعَادِلُ مَفْهُومَنَا لِلْوَصِيَّةِ (مِثَالًا بِمَعْنَى "الْوَصِيَّةِ الأَخِيرَةِ"). فِي الْحَقِيقَةِ، لَقَدْ سَمِعْتُ عَدِيدًا مِنَ الْعَظَاتِ الَّتِي تَسْعَى لِشَرْحِ العَهْدِ بِهَذِهِ المُصْطَلَحَاتِ بِالضَّبْطِ. لِذَلِكَ، أَصْبَحْنَا نَسْتَخْدِمُ الكَلِمَةَ الإِنْجِلِيزِيَّةَ "الْوَصِيَّة" كَمَا فِي العَهْدِ الجَدِيدِ وَالعَهْدِ القَدِيمِ لِوَصْفِ نَصْفَي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، وَيَا لَهُ مِنْ مَفْهُومٍ خَاطِئٍ. لَا يَنْبَغِي لِأَيِّ عَالِمٍ بِالكِتَابِ المُقَدَّسِ مُوَثَّقٍ أَنْ يُدَافِعَ عَنْ اسْتِخْدَامِ الكَلِمَةِ اليُونَانِيَّةِ "ديَاثِيك" أَوْ مَا يُقَابِلُهَا بِالإنْجِلِيزِيَّةِ "تِيستَامِنْت" كَتَرْجَمَةٍ صَحِيحَةٍ لِكَلِمَةِ "عَهْد". إِذًا، لِمَاذَا نَسْتَمِرُّ فِي قَوْلِ (الْوَصِيَّةِ القَدِيمَةِ/ الوَصِيَّةِ الجَدِيدَةِ) (OT/NT) بَدَلًا مِنَ العَهْدِ القَدِيمِ وَالعَهْدِ الجَدِيدِ……. العَادَةُ وَالتَّقْلِيدُ وَالْجَهْلُ بِمَاهِيَةِ عَهْدِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ الحَقِيقِيِّ فِي الْمَقَامِ الأوَّلِ.
أحْدَى الاِخْتِلَافاتِ الرَّئِيسِيَّةِ بَيْنَ الفَهْمِ المَسِيحِيِّ النُّمُوذَجِيِّ لِلْعَهْدِ وَبَيْنَ مَا يَعْنِيْهِ اللّهُ بِهَذِهِ الكَلِمَةِ، هُوَ أَنَّ عَهْدَ الكِتَابِ المُقَدَّسِ هُوَ شَيْءٌ دَائِمٌ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوطًا. نَرَى عُهُودًا مَشْرُوطَةً وَدَائِمَةً فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ. العَهْدُ الدَّائِمُ لَا يُمْكِنُ التَّرَاجُعَ عَنْهُ، أَمَّا العَهْدُ المَشْرُوطُ فَيُمْكِنُ التَّرَاجُعَ عَنْهُ. الْفَرْقُ الآخَرُ هُوَ أَنَّ عُقُوبَةَ انتِهَاكِ عَهْدِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ عَادَةً مَا تَكُونُ قَاسِيَةً….. فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ، الْمَوْتُ. لَكِنَّ السِّمَةَ الغَالِبَةَ لِعَهْدِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ مِن صُنْعِ اللّهِ، عَلَى عَكْسِ العَهْدِ بَيْنَ البَشَرِ أَوْ حَتَّى الْوُعُودِ أَوِ الْعُقُودِ الحَدِيثَةِ، هِيَ أَنَّهُ مِجْرَدَ أَنْ يَقْطَعَ اللّهُ عَهْدًا، يُصْبِحُ فِعْلِيًّا قَانُونًا مَادِّيًّا لِلْكَوْنِ: مِثَالًا الجَاذِبِيَّةَ أَوْ سُرْعَةَ الضُّوءِ أَوْ قَوَانِينِ الدِّينَامِيَكِيَّةِ الحَرَارِيَّةِ. فِي الحَقائقِ، يُعَرِّفُ العِبْرَانِيُّونَ أَنفُسَهُمْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ كَلِمَةَ "بِرِيت"، وَهِيَ كَلِمَةُ عَهْدٍ عِندَهُمْ، تُسْتَخْدَمُ أَيْضًا لِلإِشَارَةِ إِلَى "قَوَانِينِ الطَّبِيعَةِ". عِندَمَا يَقْطَعُ اللّهُ عَهْدًا مَعَ خَلِيقَتِهِ، فَإِنَّ هَذَا العَهْدَ مُحْبُوكٌ فِي المَكَانِ وَالزَّمَانِ؛ إِنَّهُ يُؤَثِّرُ عَلَى كَيْفِيَّةِ عَمَلِ الْكَوْنِ؛ وَلَهُ أَيْضًا تَأْثِيرٌ فِي الْعَالَمِ الرُّوحِيِّ، لِأَنَّ الْعَالَمَ الرُّوحِيَّ هُوَ مَصْدَرُ العَهْدِ الَّذِي صَنَعَهُ اللّهُ. دَعُونِي أُعْطِيكُمْ مَثَالًا مُفَصَّلًا عَلَى مَبْدَأِ العَهْدِ هَذَا.
عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ: عِندَمَا خَلَقَ اللّهُ الْكَوْنَ أَوَّلًا، ثُمَّ الْإنْسَانَ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَوْتٌ. كَانَتْ نَوَامِيسُ الْكَوْنِ (يُمْكِنُ أَنْ نُسَمِّيَهَا قَوَانِينَ الطَّبِيعَةِ) بَحَيْثُ أَنْ كُلَّ مَا خُلِقَ كَانَ مِنَ الْمُفْتَرَضِ أَنْ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ. لَكِنْ، فِي مَكَانٍ مَا عَلَى طُولِ الْخَطِّ، تَغَيَّرَ شَيْءٌ مَا. لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَتَنَاوَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِشَكْلٍ كَامِلٍ، وَبِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ أَفْكَارِي حَوْلَ هَذَا الْمَوْضُوعِ، فَهِيَ تَحْتَوِي عَلَى بَعْضِ التَّخْمِينَاتِ لِأَنَّ الكِتَابَ المُقَدَّسَ لَا يُجِيبُ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ عَلَى جَمِيعِ أَسْئِلَتِنَا حَوْلَ الْخَلْقِ وَالْمَوْتِ وَالْفَنَاءِ. إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ لَنَا أَنَّ الْمَوْتَ دَخَلَ الْعَالَمَ عِندَمَا سَقَطَ آدَمُ وَحَوَّاءُ مِنَ النِّعْمَةِ. هَلْ هَذَا يَعْنِي الْمَوْتَ الشَّامِلَ؟ مَوْتَ كُلِّ شَيْءٍ؟ مَوْتَ كُلِّ النُّجُومِ وَالْكَوَاكِبِ وَالْأَقْمَارِ وَالشَّمْسِ وَالْأَرْضِ نَفْسِهَا؟ لَا أَظُنُّ ذَلِكَ. يُسَتَخْدِمُ الكِتَابُ المُقَدَّسُ مَصْطَلَحَ "الْمَوْتِ" بِمَعْنَى نِهَايَةِ الْحَيَاةِ. إِذَا لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَيَاةٌ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَوْتٌ لِأَنَّ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةَ فَقَطْ هِيَ الَّتِي تَمُوتُ. النُّجُومُ وَالْأَقْمَارُ وَالْكَوَاكِبُ مَوْجُودَةٌ، لَكِنَّهَا لَيْسَتْ "حَيَاةً". الْمَوْتُ الَّذِي يَتَحَدَّثُ عَنْهُ الكِتَابُ المُقَدَّسُ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِسُقُوطِ الْإنْسَانِ هُوَ مَوْتُ الْكَائِنَاتِ الْحَيَّةِ. إِذًا، إِنْ لَمْ يَكُنْ سُقُوطُ الْإنْسَانِ هُوَ الَّذِي بَدَأَ بِفَنَاءِ الْكَوْنِ، فَمَا الَّذِي بَدَأَهُ؟ فِي تَقْدِيرِي أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي بَدَأَ اِضْمِحْلالَ الْكَوْنِ هُوَ الشَّيْءُ نَفْسُهُ الَّذِي يُحَاكِي سُقُوطَ آدَمَ عَلَى غَرَارِ سُقُوطِ لُوسِيفَرَ، الَّذِي دُعِيَ إِبْلِيسَ.
دَعُونِي أُقَدِّمَ لَكُمْ بِإِيجَازٍ مَفْهُومَ الأَنْمَاطِ. سَيَكُونُ ذَلِكَ مُوجَزًا وَمَعَ مَرُورِ الْوَقْتِ سَأُضِيفُ إِلَيْهِ. السُّؤَالُ الشَّائِعُ الَّذِي عَادَةً مَا نَطْرَحُهُ عَلَى أَيِّ حَدَثٍ أَوْ قَانُونٍ أَوْ تَعَالِيمٍ أَوْ مَبْدَأٍ أَوْ قَرَارٍ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ هُوَ "لِمَاذَا"؟ لِمَاذَا هُوَ قَرِيبًا دَائِمًا السُّؤَالُ الْخَاطِئُ الَّذِي نَطْرَحُهُ حَوْلَ الْأُمُورِ الَّتِي أَمَرَ بِهَا اللّهُ. "لِمَاذَا" هِيَ طَرِيقَةُ تَفْكِيرٍ يُونَانِيَّةٍ. لَنْ تَجِدَ بِشَكْلٍ عَامٍ إِجَابَاتٍ عَنْ "لِمَاذَا" فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ، بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي تَعَلَّمْنَا أَنْ نَبْحَثَ وَنَكْتَشِفَ لِمَاذَا مِنْ خِلَالِ اسْتِخْدَامِ الطَّرِيقَةِ العِلْمِيَّةِ … وَهِيَ طَرِيقَةُ تَفْكِيرٍ يُونَانِيَّةٍ. بَدَلًا مِنْ ذَلِكَ، يُرْشِدُنَا اللّهُ بِإِعْطَائِنَا أَنْمَاطًا. إِنَّهُ يَصِفُ وَيُشَرِّحُ حَدَثًا مَا، وَفِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، سَيَحْصُلُ حَدَثٌ مُمَاثِلٌ بِطَرِيقَةٍ مُمَاثِلَةٍ وَنَتِيجَةٍ مُمَاثِلَةٍ؛ وَالسَّبَبُ فِي أَنَّ الْحَدَثَ اللَّاحِقَ وَقَعَ بِالطَّرِيقَةِ الَّتِي وَقَعَ بِهَا هُوَ أَنَّهُ كَانَ مُطَابِقًا لِنَمَطِ الْحَدَثِ السَّابِقِ. طَرِيقَةُ اللّهِ فِي التَّفْسِيرِ هِيَ عَنْ طَرِيقِ كَشْفِ الأَنْمَاطِ وَلَيْسَ عَنْ طَرِيقِ شَرْحِ السَّبَبِ.
لِذَا، مَعَ وَضْعِ مَبْدَأِ الأَنْمَاطِ فِي الْإِعْتِبَارِ، نَعْلَمُ أَنَّ سُقُوطَ الشَّيْطَانِ حَدَثَ فِي وَقْتٍ مَا قَبْلَ سُقُوطِ آدَمَ، مِنَ الوَاضِحِ أَنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ قَدْ نُفِيَ بِالْفِعْلِ إِلَى كَوْكَبِ الْأَرْضِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي وَصَلَ فِيهِ آدَمُ. لَقَدْ حَدَثَتْ جَرِيمَةُ الشَّيْطَانِ (الْكِبْرِيَاءُ وَالتَّمَرُّدُ) ضِدَّ اللّهِ فِي الْعَالَمِ الرُّوحِيِّ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ لَكِنْ، كُلُّ الدَّلَائِلِ فِي الكِتَابِ المُقَدَّسِ تَشِيرُ إِلَى أَنَّهُ إِلَى أَنْ لُوسِيفَرَ، الَّذِي يُدْعَى إِبْلِيسَ، ارْتَكَبَ خَطِيئَةً ضِدَّ اللّهِ، لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ شَرٌّ فِي الْعَالَمِ الرُّوحِيِّ. مَعَ ذَلِكَ، مِثْلَ الْعَدِيدِ مِنَ الْأُمُورِ الرُّوحِيَّةِ، كَانَ لَهَذَا الْأَمْرِ تَأْثِيرُهُ عَلَى الْعَالَمِ الْمَادِّيِّ أَيْضًا.
كَانَ سُقُوطُ إِبْلِيسَ بَدَايَةَ تَغْيِير اللّهِ لِطَرِيقَةِ عَمَلِ عَالَمِهِ: بَعْدَ السُّقُوطِ، كُلُّ مَا كَانَ مَوْجُودًا سَيَبْدَأُ الآنَ فِي التَّلَفِ وَالْمَوْتِ…… دُونَ اسْتِثْنَاءٍ. وَصَلَ آدَمُ وَحَوَّاءُ إِلَى كَوْكَبٍ، فِي كَوْنٍ كَانَ قَدْ بَدَأَ بِالْفِعْلِ فِي الْاضْمِحْلالِ بِسَبَبِ إِدْخَالِ الشَّيْطَانِ لِلْخَطِيئَةِ. لَقَدْ أَحْضَرَ ذَلِكَ مَعَهُ عِنْدَمَا طُرِدَ مِنَ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَ إِلَى كَوْكَبِ الْأَرْضِ؛ حَيْثُ عَاشَ فِي الْمَنْفَى مَعَ فَرِيقَتِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ السَّاقِطِينَ. ثُمَّ، فِي وَقْتٍ لَاحِقٍ، عِنْدَمَا وَصَلَ آدَمُ وَحَوَّاءُ، أَصَابَهُمُ الشَّيْطَانُ بِالْخَطِيئَةِ…… الَّتِي جَلَبَتْ الْمَوْتَ لِلْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ؛ وَالْآنَ، الْكَوْنُ بِأَكْمَلِهِ…… بِاسْتِثْنَاءِ عَالَمِ الرُّوحِ….. يَضْمَحِلُّ. فِي رَأْيِي أَنَّ الزَّمَنَ بَدَأَ عِندَ نُقْطَةِ تَمَرُّدِ الشَّيْطَانِ. كَمَا أَخْبَرْتُكُمْ فِي الدَّرْسِ السَّادِسِ، الزَّمَنُ هُوَ فِي الأَسَاسِ قِيَاسُ الإِضْمِحْلالِ. لَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِضْمِحْلالٌ، لَمَا وُجِدَ زَمَنٌ. كَثِيرًا مَا نَسْمَعُ الْعُلَمَاءَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ أَنَّ الْكَوْنَ يَشِيخُ: مَا يَقْصِدُونَهُ هُوَ أَنَّهُ يَضْمَحِلُّ، يَتَرَاجَعُ. كُلُّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ يَشِيخُ. عَلَى الْأَرْضِ، تَتَسَبَّبُ الرِّيَاحُ وَالْأَمْطَارُ فِي تَآكُلِ سَلاَسِلِ الْجِبَالِ وَشَوَاطِئِ الْبِحَارِ.
لَدَى الشَّمْسِ كَمِّيَّةٌ مُحَدَّدَةٌ مِنَ الْوَقُودِ وَسَوْفَ تَنْفَدُ فِي نِهَايَةِ الْمَطَافِ. كُلُّ شَيْءٍ مَادِّيٍّ يَتَلَاشَى بِبُطْءٍ وَلَكِنْ بِثَبَاتٍ، وَيَعُودُ إِلَى تَرْكِيبَتِهِ الْأَسَاسِيَّةِ. مِنَ النَّاحِيَةِ الرُّوحِيَّةِ، تَغَيَّرَتِ الْأُمُورُ أَيْضًا: لَقَدْ أُطْلِقَ الْعِنَانَ لِلشَّرِّ، وَكَانَ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَهُ لِأَنَّ الشَّرَّ يُلَوِّثُ الْكَمَالَ، وَالْخَطِيئَةُ تُدَنِّسُ قُدَاسَةَ اللّهِ الشَّخْصِيَّةَ. كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إِعْدَادِ مُخَلِّصٍ لِإِنْقَاذِ الإِنْسَانِ مِنَ الْفَنَاءِ الْكَامِلِ. كَانَ لَا بُدَّ مِنْ إِعْدَادِ الْهَاوِيَةِ لِسِجْنِ قَائِدِ الشَّرِّ، الشَّيْطَانِ، فِي الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ. سَتُصْبِحُ الْمَلَائِكَةُ فِي النِّهَايَةِ مُحَارِبِينَ. لِأَنَّ الْخَطِيئَةَ قَدْ دَخَلَتِ الْعَالَمَ، دَخَلَ الْمَوْتُ إِلَى الْعَالَمِ؛ أَوَّلًا سُقُوطُ الشَّيْطَانِ وَاضْمِحْلَالُ الْجَمَادِ، ثُمَّ سُقُوطُ الإِنْسَانِ وَاضْمِحْلَالُ الْمَخْلُوقَاتِ الْحَيَّةِ؛ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ حَاجَةٌ إِلَى "خَطِّ الْوَعْدِ" وَلَا إِلَى الْحَبْلِ بِلَا دَنَسٍ وَلَا إِلَى الصَّلْبِ الرَّهيبِ. نَحْنُ، الْيَوْمَ، مَا كُنَّا لِنَسْتَعِدَّ لِمَجِيءِ الْمَسِيحِ، بَيْنَمَا نُحَذِّرُ غَيْرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْحَرْبِ الْفَانِيَةِ.
إِلَيْكُمْ مِثَالٌ آخَرُ هُوَ تَشْبِيهٌ لِآثَارِ الْعَهْدِ: كُلُّنَا نَفْهَمُ آثَارَ الْجَاذِبِيَّةِ، حَتَّى لَوْ لَمْ نَفْهَمْ كَيْفَ تَعْمَلُ. مَاذَا سَيَحْدُثُ إِذَا حَذَفَ اللّهُ يَوْمًا مَا الْجَاذِبيَّة كَقَانُونٍ فِيزِيَائِيٍّ لِلْكَوْنِ؟ لَحَسْنِ الْحَظِّ، عَلَى الأَقَلِّ حَتَّى يَتِمَّ خَلْقُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ الْجَدِيدَةِ، فَإِنَّ الْجَاذِبيّةَ قَانُونٌ دَائِمٌ لِلطَّبِيعَةِ….. لَيْسَ لَهُ شُرُوطٌ أَوْ حَدٌّ زَمَنِيٌّ نُدْرِكُهُ. حَسَنًا، الْجَاذِبيَّةُ هِيَ الظَّاهِرَةُ الْفِيزِيَائِيَّةُ الَّتِي تَجْعَلُ الْقَمَرَ يَدُورُ حَوْلَ الْأَرْضِ وَالْأَرْضَ حَوْلَ الشَّمْسِ. فَفُصُولُنَا وَطَقَسُنَا وَدَرَجَاتُ الْحَرَارَةِ الَّتِي تَبْقَى ضِمْنَ نِطَاقٍ مُعَيَّنٍ لِتَسْمَحَ لِلْحَيَاةِ بِالْبَقَاءِ حَيَّةً؛ وَالْتَّمْثِيلُ الضُّوِيُّ الَّذِي هُوَ أَسَاسُ الْحَيَاةِ النَّبَاتِيَّةِ، كُلُّهَا تَعْتَمِدُ عَلَى ارْتِبَاطِنَا وَعَلَاقَتِنَا بِالشَّمْسِ. فَبِدُونِ الْجَاذِبيَّةِ، سَيَنْقَطِعُ هَذَا الِارْتِبَاطُ وَنَبْقَى غارِقِينَ فِي الْأَرْضِ، بَدَلًا مِنْ أَنْ نَطْفُوَ بَعِيدًا بِسَبَبِ الْجَاذِبيَّةِ. عِنْدَمَا نُسْقِطُ كَأْسًا، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَلَى الْأَرْضِ…… دَائِمًا. مَاذَا لَوْ قَرَّرَ اللّهُ بِبَساطة فِي يَوْمٍ مِنَ الأَيَّامِ أَنَّهُ "لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَزِيدٌ مِنَ الْجَاذِبيَّة". حَسَنًا، سَسَيَتَغَيَّرُ الْكَثِيرُ، سِلْسِلَةٌ مِنْ رَدُّودِ الْفِعْلِ ذَاتِ أَبْعَادٍ هَائِلَةٍ، أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟ الطَّرِيقَةُ الَّتِي يَعْمَلُ بِهَا الْكَوْنُ سَتَكُونُ مُخْتَلِفَةً تَمَامًا.
مَا أَقْصِدُهُ هُوَ أَنَّ الْمَوْتَ وَالْجَاذِبِيَّةَ هُمَا فِي الْأَسَاسِ عَهْدَانِ: قَوَانِينُ كُونِيَّةٌ تَعْتَمِدُ عَلَيْهَا مُعْظَمُ جَوَانِبِ الطَّبِيعَةِ وَالسَّمَاءِ الْأُخْرَى؛ إِذَا غَيَّرْتَ أَحَدَهُمَا، سَيَتَأَثَّرُ الْكَثِيرُ مِنَ الْجَوَانِبِ الْأُخْرَى. لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ كُلَّ قَانُونٍ مِنَ الْقَوَانِينِ الْكُونِيَّةِ لِلطَّبِيعَةِ الرُّوحِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ، وَكُلُّهَا تَعْمَلُ مَعًا…. لَمْ يَكُنْ أَيٌّ مِنْهَا عَرْضِيًّا. لِذَا، عِنْدَمَا أَضَافَ اللَّهُ الْإِضْمِحْلَالَ، ثُمَّ الْمَوْتَ إِلَى الْمِعَادَلَةِ، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، غَيَّرَ قَانُونًا مَادِّيًّا مِنْ قَوَانِينِ الطَّبِيعَةِ، وَكَانَ لِهَذَا التَّغْيِيرِ أَيْضًا نَظِيرُهُ الرُّوحِيُّ. لَقَدْ تَغَيَّرَ كُلُّ شَيْءٍ فِي الْكَوْنِ لِيَتَكَيَّفَ مَعَ هَذَا الْوَاقِعِ الْجَدِيدِ، رُوحِيًّا وَجَسَدِيًّا. هَلْ تَرَى ذَلِكَ؟ عِنْدَمَا يَقْطَعُ اللَّهُ عَهْدًا، أَيَّ عَهْدٍ، فَهُوَ لَيْسَ مِثْلِي أَوْ مِثْلَكَ عِنْدَمَا نَتَعَهَّدُ بِدَفْعِ أَقْسَاطِ قَرْضِ سَيَّارَةٍ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِثْلَ عُهُودِ الزَّوَاجِ الْبَشَرِيِّ. تَتَأَثَّرُ بَعْضُ الْأَجْزَاءِ، إِن لَمْ يَكُنْ كُلُّهَا، مِنْ مَجْمُوعَةٍ كَبِيرَةٍ مِنَ الْقَوَانِينِ الرُّوحِيَّةِ وَالْمَادِّيَّةِ لِلْكَوْنِ عِنْدَمَا يَقْطَعُ اللَّهُ عَهْدًا. أَرْجُوكَ افْهَمْنِي: هَذَا لَيْسَ مَجازًا وَلَا تَوْضِيحًا وَلَا انْفِعَالًا وَلَا مُبَالَغَةً؛ عِنْدَمَا يَقْطَعُ اللَّهُ عَهْدًا، لَا يَعُودُ الْكَوْنُ الرُّوحِيُّ وَالْمَادِّيُّ كَمَا كَانَ أَبَدًا.
الْآنَ، إِذَا كَانَ اللَّهُ سَيَتَوَاصَلُ مَعَ الإِنْسَانِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مَصْطَلَحَاتٍ يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ فَهْمُهَا. لِذَا، يَبْدُو أَنَّ اللَّهَ أَنْشَأَ نَوْعًا مِنْ نِظَامٍ لِلْعَهْدِ……. بَرُوتُوكُولُ عَهْدٍ مَرْئِيٍّ وَجَسَدِيٍّ وَمَلْمُوسٍ إِذَا صَحَّ التَّعْبِيرُ، يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ خِلَالِهِ أَنْ يُدْرِكَ وَيَفْهَمَ مَتَى كَانَ اللَّهُ يَخْلُقُ عَهْدًا، وَمَا هِيَ شُرُوطُهُ، وَ(بِقَدْرِ مَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَفْهَمَ) تَأْثِيرُهُ؛ وَاعْتَمَدَ الْبَشَرُ نَمَطًا مُمَاثِلًا لِعَقْدِ الْإِتِّفَاقَاتِ فِي مَا بَيْنَهُمْ.
بِالطَّبْعِ، نَرَى فِي الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ عُهُودًا أُبْرِمَتْ بَيْنَ الْبَشَرِ، وَنَرَى عُهُودًا أُبْرِمَهَا اللَّهُ، وَكَمَا هُوَ مُتَوَقَّعٌ، فَإِنَّهُمَا مُتَشَابِهَانِ كَثِيرًا فِي شَكْلِهِمَا. الطَّرِيقَةُ الْأَقْدَمُ وَالأَكْثَرُ بَدَائِيَّةً لِخَلْقِ الْعَهْدِ كَانَتْ تُسَمَّى "قَطْعَ الْعَهْدِ" …… بِالْعِبْرِيَّةِ "بِرِيت"، الَّتِي تَعْنِي حَرْفِيًّا "الْقَطْعَ أَوْ التَّقْسِيمَ". كَانَتْ أَقْدَمُ طَرِيقَةٍ لِإِبْرَامِ عَهْدٍ تَتِمُّ عَنْ طَرِيقِ قِيَامِ مُمَثِّلِ كُلِّ طَرَفٍ مِنْ طَرَفَيْ اتِّفَاقِ الْعَهْدِ الْمُقَتَرَحِ بِجُرْحِ ذِرَاعِهِ بِسِكِّينٍ، ثُمَّ يَضَعُ كُلُّ طَرَفٍ مَكَانَ الْقَصَّةِ عَلَى مَكَانِ قَصَّةِ الْآخَرِ لِلْدَّلَالَةِ عَلَى اخْتِلاَطِ الْدَّمِ؛ أَوْ فِي بَعْضِ الثَّقَافَاتِ، كَانَ يتُم امْتِصاص الدَّمُ مِنْ جُرُوحِ كُلِّ طَرَفٍ مِنَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَيُبْتَلَعُ. كَانَ يُقْسَم الْيَمِينُ الرَّسْمِيُّ مَعَ اسْتِحْضَارِ اسْمِ الْإِلَهِ الَّذِي يَعْبُدُهُ كُلُّ طَرَفٍ، لِأَنَّ الْعَهْدَ كَانَ مُقَدَّسًا، وَفِي جَمِيعِ الْحَالاتِ، كَانَ الدَّمُ وَالْإِلَهُ مَحَوَرَ الطُّقُوسِ.
بِمُرُورِ الْوَقْتِ، ظَهَرَ طَقْسٌ مُخْتَلِفٌ، تَضَمَّنَ تَقْطِيعَ الْحَيَوَانَاتِ، بَدَلًا مِنْ بَعْضِهِمِ الْبَعْضِ. بِصُفَةٍ عَامَّةٍ، لَمْ يَكُنْ هَذَا التَّقْطِيعُ يَعْنِي فَقَطْ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ لِسَحْبِ الدَّمِ، بَلْ كَانَ يَعْنِي حَرْفِيًّا قَتْلَهُ وَتَقْطِيعَهُ… تَقْسِيمَهُ إِمَّا إِلَى نِصْفَيْنِ أَوْ إِلَى عِدَّةِ قِطَعٍ. كَانَتِ الْقِطَعُ تُوضَعُ عَلَى الْأَرْضِ وَتُنَظَّمُ وَتُقَسَّمُ إِلَى مَجْمُوعَتَيْنِ، ثُمَّ يَمْشِي كِلَا الْمُشَارِكَيْنِ فِي الْعَهْدِ بَيْنَ الْقِطَعِ، بَيْنَمَا يُقَسِّمُونَ قَسَمًا بِاسْمِ إِلَـٰهِهِمْ.
كَانَ الدَّمُ جُزْءًا لَا يَتَجَزَّأُ مِنْ عَمَلِيَّةِ إِبْرَامِ عَهْدٍ، لِأَنَّ الْعُهُودَ كَانَتْ تُعْتَبَرُ عَهْدًا لِمَدَى الْحَيَاةِ…. وَلِأَنَّ الْحَيَاةَ كَانَتْ فِي الدَّمِ. افْهَمُوا مَا يَعْنِي ذَلِكَ: كَانَ الْعَهْدُ مَدَى الْحَيَاةِ، وَكَانَ الْمُشَارِكُونَ فِيهِ يُعْتَبَرُونَ أَنْفُسَهُمْ مُرَتَبِطِينَ مَعًا، كَجَسَدٍ وَاحِدٍ تقْرِيبًا، بِمُوجَبِ مَا يَتَطَلَّبُهُ هَذَا الْعَهْدُ مِنْ شُرُوطٍ. قَبْلَ أَنْ يُولَدَ إِبْرَاهِيمُ بِمِئَاتِ السَّنِينَ، أَخْبَرَ اللَّهُ آدَمَ أَنَّ الْحَيَاةَ كَانَتْ فِي الدَّمِ، وَلَمْ يَنْسَ الْبَشَرُ ذَلِكَ. فِي جَرَائِمِ الْقَتْلِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى الَّتِي حَدَثَتْ حَتَّى الآنَ، وَمَعَ ذَبْحِ الْحَيَوَانَاتِ وَأَكْلِهَا كَمُمارَسَةٍ عَادِيَّةٍ، كَانَ مِنَ الْبَدِيهِيِّ أَنْ الدَّمَ كَانَ أَسَاسِيًّا فِي الْحَيَاةِ؛ وَبِمَا أَنَّ الْأَمْرَ كَانَ يَتَعَلَّقُ بِالْدَّمِ، فَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُفْهَوم أَنْ الْعَهْدَ كَانَ أَمْرًا خَطِيرًا جِدًّا وَلَا يُنْبَغِي أَبَدًا إِبْرَامُهُ بِاسْتِخْفَافٍ.
كَانَتِ الْعُقُوبَةُ الْمُعْتَادَةُ لِنَقْضِ الْعَهْدِ هِيَ الْمَوْتُ.
كَانَ الْمِلْحُ، مَعَ الْخُبْزِ، يُؤْكَلُ عَادَةً كَحَدَثٍ أَخِيرٍ فِي مَرَاسِمِ الْعَهْدِ. كَانَ تَنَاوُلُ الْمُشَارِكِينَ لَوْجَبَةِ طَعَامٍ مَعًا عِندَ الاِنْتِهَاءِ مِنَ الْعَهْدِ وَسِيلَةً لِلْدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ عَلاَقَةً جَدِيدَةً مِنَ النَّوْعِ الْعَائِلِيِّ قَدْ تَشَكَّلَتْ. أَصْبَحَ الْمِلْحُ مُهِمًّا جِدًّا فِي هَذِهِ الصَّفْقَةِ، لِدَرَجَةٍ أَنَّ إِبْرَامَ الْعَهْدِ كَانَ يُسَمَّى أَحْيَانًا عَهْدَ الْمِلْحِ. فِي الْحَقِيقَةِ، فِي بَعْضِ الثَّقَافَاتِ، كَانَ مُجَرَّدُ تَبَادُلِ الْمِلْحِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ كَافِيًّا لِإِبْرَامِ عَهْدٍ بِشَأْنِ مَسْأَلَةٍ يَوْمِيَّةٍ، مِنْ دُونِ دَمٍ أَوْ أَيِّ طُقُوسٍ أُخْرَى. نَجِدُ فِكْرَةَ عَهْدِ الْمِلْحِ هَذِهِ مَذْكُورَةً فِي كُلٍّ مِنَ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ وَالْعَهْدِ الْجَدِيدِ.
بِمَا أَنَّ الْمِلْحَ كَانَ الْخُطْوَةَ الْأَخِيرَةَ فِي عَمَلِيَّةِ إِبْرَامِ الْعَهْدِ….. فَقَدْ كَانَ نَوْعًا مِّنْ خَتْمِ الصَّفْقَةِ، إِذَا جَازَ التَّعْبِيرُ….. كَانَ يُعْتَبَرُ الْمِلْحُ رَمْزًا لِلْسَّلَامِ. عِنْدَمَا كَانَ يُتَنَاوَلُ الْمِلْحُ، تَكُونُ قَدْ اكْتَمَلَتْ عَمَلِيَّةُ إِبْرَامِ الْعَهْدِ…… عَلَى غَرَارِ مَا نَقُومُ بِهِ الْيَوْمَ مِنْ وَضْعِ تَوَاقِيعِنَا عَلَى وَثِيقَةٍ قَانُونِيَّةٍ ثُمَّ الْمُصَافَحَةِ.
بَعْدَ مَجِيءِ مُوسَى وَاسْتِلَامِهِ التَّوْرَاةَ عَلَى جَبَلِ سِينَاءَ وَتَأْسِيسِ نِظَامِ الذَّبَائِحِ، أَمَرَ اللَّهُ الْكَهَنَةَ اللَّاوِيِّينَ أَنْ يُضِيفُوا الْمِلْحَ دَائِمًا إِلَى الذَّبَائِحِ. لَقَدْ ذَكَرْتُ سَابِقًا أَنَّهُ عِنْدَمَا قَطَعَ اللَّهُ عَهْدًا، كَانَ عَهْدًا أَبَدِيًّا وَقَدْ فَهِمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جَيِّدًا الْجِهَازَ الرَّائِعَ الَّذِي يُغَيِّرُ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَالَّذِي كَانَ عَهْدًا مِنَ اللَّهِ. وَبِمَا أَنَّ الْعُهُودَ كَانَتْ تُخَتَمُ بِالْمِلْحِ، فَإِنَّ الْمُمارَسَةَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا بِرَشِّ الْمِلْحِ عَلَى الذَّبَائِحِ كَانَتْ لِتَذْكِيرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنَّ الْعُهُودَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ أَبَدِيَّةً، وَأَنَّ الْعُهُودَ قَدْ صَنَعَتِ السَّلَامَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ.
الْآنَ، بَيْنَمَا نَمْضِي قَدُمًا فِي دِرَاسَتِنَا لِلَّتَّوْرَاةِ، سَنُصَادِفُ بَعْضًا مِّن مَرَاسِمِ وَإِجْرَاءَاتِ الْعَهْدِ. سَأُشِيرُ إِلَيْهَا لَكُمْ، حَيْثُ عَادَةً مَا يُتَمُّ تَضْمِينُ عَناصِرَ صَغِيرَةٍ فَقَطْ مِّن هَذِهِ الْمَرَاسِمِ؛ وَلَكِن، أُرِيدُ أَيْضًا أَنْ أَذْكُرَ أَنَّهُ كَثِيرًا مَا نَرَى فِي الْعَهْدِ الْجَدِيدِ إِشَارَاتٍ إِلَى الْمِلْحِ. آمل أَنْ تَرَى الْآنَ أَنَّ هَذِهِ الْإِشَارَاتِ إِلَى الْمِلْحِ تَتَعَلَّقُ كُلُّهَا بِجَوَانِبَ حَاسِمَةٍ مِّن صُنْعِ الْعَهْدِ وَإِجْرَاءَاتِ الذَّبَائِحِ، وَلَيْسَ الطَّبْخَ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، يَقُولُ يَسُوعُ فِي إِنْجِيلِ مَرْقُسَ خَمْسِينَ عَلَى تِسْعَةٍ: "ليَكُنْ لَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ مِلْحٌ، وَسَالِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا". وَيَقُولُ لَنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا "أَنتُمْ مِلْحُ الْأَرْضِ". وَيَقُولُ بُولُسُ "لِيَكُنْ كَلامُكُمْ دَائِمًا لَطِيفًا مُمَلَّحًا بِالْمِلْحِ". هُنَا يتمّ التَّذْكير بالْمِلْحُ كَعُنْصُرٍ أَخِيرٍ فِي الْعَهْدِ أَوِ الذَّبِيحَةِ، وَبِالتَّالِي فَهُوَ يَرْمُزُ إِلَى السَّلَامِ وَالنَّقَاءِ. فِي الْحَقِيقَةِ، فِي زَمَانِ يَسُوعَ، عِندَمَا اسْتَخْدَمَ أَحَدُهُمْ مَصْطَلَحَ "عَهْدِ الْمِلْحِ"، كَانَ يُشِيرُ إِلَى عَهْدٍ مُقَدَّسٍ وَدَائِمٍ، وَأَصْبَحَ "عَهْدُ الْمِلْحِ" يَعْنِي أَيْضًا الْعَهْدَ الْمُحَدَّدَ الَّذِي قَطَعَهُ اللَّهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ. لِذَا، كُلَّمَا رَأَيْنَا اسْتِخْدَامَ كَلِمَةِ "مِلْحٍ" فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، الْعَهْدِ الْجَدِيدِ أَوِ الْعَهْدِ الْقَدِيمِ، نَفْهَمُ أَنَّهُ فِي ذِهْنِ الْمُؤَلِّفِ الْعِبْرِيِّ كَانَ يُشَارُ إِلَى شَيْءٍ مِّنَ الْقُدَاسَةِ الْعَظِيمَةِ مُتَعَلِّقٍ بِعَهْدٍ أَوْ ذَبِيحَةٍ.
إِذًا، الْآنَ، مُتَسَلِّحِينَ بِهَذَا الْفَهْمِ لِلْعُهُودِ، دَعُونَا نَعُودُ إِلَى شُرُوطِ الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللَّهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ، مُدْرِكِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَهْدًا مَشْرُوطًا، بَلْ كَانَ عَهْدًا دَائِمًا، وَالْعَهْدُ، بِحُكْمِ تَعْرِيفِهِ، هُوَ عَهْدٌ أَبَدِيٌّ.
فِي الْآيَاتِ الثَّلاثِ الأُولَى مِنَ الْإِصْحَاحِ الثَّانِي عَشَرَ نَرَى اللَّهَ يُخْبِرُ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سَيُصْبِحُ أُمَّةً عَظِيمَةً، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ مُبَارَكًا وَسَيَكُونُ هُوَ نَفْسُهُ بَرَكَةً وَأَنَّ اسْمَ إِبْرَاهِيمَ سَيَكُونُ عَظِيمًا وَأَنَّ إِبْرَاهِيمَ سَيُبَارِكُ جَمِيعَ عَائِلَاتِ الْأَرْضِ، وَرُبَّمَا أَهَمُّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ هَذَا الْعَهْدِ فِي يَوْمِنَا هَذَا وَزَمَانِنَا هَذَا، هُوَ أَنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ الَّذِينَ يُبَارِكُونَ إِبْرَاهِيمَ وَيَلْعَنُ الَّذِينَ يَلْعَنُونَ إِبْرَاهِيمَ……. هَذِهِ الْوَعُودُ لَيْسَتْ بَاطِلَةً وَلَا بَالِيَةً؛ هَذِهِ الْوَعُودُ الَّتِي أُعْطِيَتْ فِي شَكْلِ عَهْدٍ، أَصْبَحَتْ قَانُونًا لِلْكَوْنِ الرُّوحِيِّ وَالْجَسَدِيِّ….. حَقيقة لَا تَتَغَيَّرُ فِي الْحَيَاةِ… فِي اللَّحْظَةِ الَّتِي أَعْلَنَهَا اللَّهُ. إِنَّ تَجَاهُلَ ذَلِكَ هُوَ أَقْصَى دَرَجَاتِ الْحَمَاقَةِ وَمُحَارَبَتُهُ تُؤَدِّي إِلَى الدَّمَارِ لِأَنَّهُ تَمَّ ضَبْطُ عَمَلِيَّةِ الْكَوْنِ بِأَكْمَلِهَا بِدِقَّةٍ لِتَحْقِيقِ شُرُوطِ هَذَا الْعَهْدِ الدَّائِمِ.
بَنُو إِسْرَائِيلَ….. وَهُمْ الْيَهُودُ فِي الْمِقَامِ الْأَوَّلِ ……. هُمْ أَنْسَالُ هَذَا الْعَهْدِ الَّذِي لَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ الَّذِي انتَقَلَ مِنْ خِلَالِ إِسْحَاقَ، ثُمَّ إِلَى يَعْقُوبَ (الَّذِي غَيَّرَ اللَّهُ اسْمَهُ لِيُصْبِحَ إِسْرَائِيلَ)، ثُمَّ إِلَى أَبْنَائِهِ، أَسْبَاطِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْإِثْنَي عَشَرَ؛ وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ أَبْنَاءٌ آخَرُونَ لِإِبْرَاهِيمَ، وَكَانُوا كَثِيرِينَ، إِلّا أن الكِتَابَ المُقَدَّسَ لَا يَتَنَاوَلُ سِوَى وَاحِدٍ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ غَيْرَ إِسْحَاقَ، وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ. لَقَدْ حَدَثَ انْقِسَامٌ مُهِمٌّ سَنَبْحَثُهُ فِي الْأَسَابِيعِ الْقَادِمَةِ؛ خَطُّ الْوَعْدِ فِي الْعَهْدِ…… أَيٌّ مِنْ أَبْنَاءِ إِبْرَاهِيمَ سَيَرِثُ كُلَّ الْوُعُودِ الْوَارِدَةِ فِي الْعَهْدِ الَّذِي قَطَعَهُ اللَّهُ مَعَ إِبْرَاهِيمَ …. بِشَكْلٍ خَاصٍّ وَصَرِيحٍ ذَهَبَ إِلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ إِسْحَاقَ انْتَقَلَ إِلَى يَعْقُوبَ الَّذِي يُدْعَى إِسْرَائِيلَ. إِذًا، كُلُّ مَا أُعْطِيَ لِإِبْرَاهِيمَ فِي الْأَصْلِ انْتَقَلَ إِلَى إِسْرَائِيلَ. يُمْكِنُنَا وَيَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مُنصِفِينَ فِي الْأُمُورِ الَّتِي نَرَى تَحْدُثُ فِي الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ، خَاصَّةً فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِإِسْرَائِيلَ وَالدَّوْلَةِ الْفِلَسْطِينِيَّةِ الْمُقَتَرَحَةِ؛ وَلَكِن، خُلَاصَةُ الْقَوْلِ، يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَعْمُنَا لِإِسْرَائِيلَ. الْيَوْمَ، يَقُولُ هَذَا الْعَهْدُ "…..أَنَا أُبَارِكُ الَّذِينَ يُبَارِكُونَ إِسْرَائِيلَ وَأَلْعَنْ الَّذِينَ يَلْعَنُونَ إِسْرَائِيلَ" ………………………………. هَذِهِ حَقيقة تَوْرَاتِيَّةٌ وَلَيْسَتْ سِيَاسَةً. أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقِفُونَ مَعَ إِسْرَائِيلَ سَيُبَارِكُهُمُ اللَّهُ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ، وَأُولَـئِكَ الَّذِينَ يُعَارِضُونَ إِسْرَائِيلَ سَيَنظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ بِاسْتِخْفَافٍ وَسَيُحَاكِمُهُمْ عَلَى عِصْيَانِهِمْ.
هَلْ تَقِفُ مَعَ إِسْرَائِيلَ؟ هَلْ تُصَلِّي مِنْ أَجْلِ إِسْرَائِيلَ؟ هَلْ تَفْهَمُ أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ….. وَلَيْسَتْ لِلْفِلَسْطِينِيِّينَ وَلَا لِأَيِّ شَخْصٍ آخَرَ؟ هَلْ تَدْعَمُ إِسْرَائِيلَ بِشَكْلٍ مُبَاشِرٍ؟ أَمْ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ "غَيْرَ مُتَحَيِّزٍ"؟ خُذِ الْقَلِيلَ مِمَّا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَعْطِهِ لِلْفِلَسْطِينِيِّينَ مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ الْعَالَمِيِّ؛ مِنْ أَجْلِ نَظْرَتِكَ لِمَا هُوَ عَادِلٌ. وَجْهَةُ نَظَرٍ تَتَعَارَضُ مَعَ تَفْوِيضِ اللَّهِ الْمُعَلَّنِ بَوُضُوحٍ.
إِنَّ دَعْمَ إِسْرَائِيلَ لَا يَعْنِي الْمُوَافَقَةَ عَلَى كُلِّ مَا يَفْعَلُونَهُ؛ فَهُم مَجَرَّدُ شَعْبٍ وَحَالِيًّا الْكَثِيرُ مِنْهُمْ، إِن لَمْ يَكُنْ مُعْظَمُهُمْ، وَثَنِيُّونَ. لِذَا، فَهُمْ لَا يَسِيرُونَ مَعَ اللَّهِ، الْأَمْرُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى قَرَارَاتٍ فَظِيعَةٍ. دَعْمُ إِسْرَائِيلَ لَا يَعْنِي عِبَادَةَ دَوْلَةِ إِسْرَائِيلَ، وَلَا يَعْنِي عِبَادَةَ الشَّعْبِ الْيَهُودِيِّ….. وَلَا يَعْنِي أَنْ نُعَلِّقَ أَنَّهُمْ فَوْقَ اللَّوْمِ، بَلْ يَعْنِي بِالْأَحْرَى أَنْ نَقِفَ إِلَى جَانِبِهِمْ وَنُسَاعِدَهُمْ وَنُحِبَّهُمْ وَنُظْهِرَ لَهُمُ الاحْتِرَامَ وَنُشَجِّعَهُمْ عَلَى فِعْلِ الصَّوَابِ وَنُشَجِّعَهُمْ عَلَى الْعَوْدَةِ إِلَى الرَّبِّ وَنُذَكِّرَهُمْ بِأَنَّ وُعُودَ اللَّهِ تِلْكَ تُخَوِّلُهُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ تِلْكَ الْأَرْضَ وَأَنْ يَحْتَفِظُوا بِالْلَّقَبِ "شَعْبُ اللَّهِ الْمُخْتَارُ".