سِفر الخروج
الدرس تسعة وعشرون – الإصحاحان ثلاثون وواحد وثلاثون
سنُواصل اليوم دراسة جَوانب مختلفة من خيمة الاجتماع؛ أثاثها، والكهنوت الذي يؤسسه الربّ. كل هذه الأشياء مصمّمة لإنجاز طريق ليَسكن بين شعبه، إسرائيل. لنقرأ معًا الإصحاح ثلاثين من سِفر الخروج.
قراءة الفَصل (الإصحاح) 30 كله
يبدأ الإصحاح ثلاثون بإعطاء الله لموسى تعليمات بشأن قِطعة الأثاث الثانية من حيث القدسية في الحَرم المقدس. يُطلق على هذه القِطعة عدد من الأسماء، ولكن المَذبح الذهبي ومذبح البخور هما الأكثر شيوعًا.
كان إحراق البَخور بالتزامن مع العبادة ممارسة شائعة إلى حدٍ ما في ثقافات الشرق الأوسط في ذلك اليوم. في الواقع، كان تقديم القرابين وحرق البخور والصلاة أمرًا أساسيًا في معظم الممارسات الدينية في العالم المعروف في تلك الحقبة. إذًا، هل كان بنو إسرائيل يَتبنون هذه الأنشطة الثقافية القياسية التي كانوا على دراية أنها خاصّة بهم؟ إلى حدٍ ما، نعم…ولكن كان ذلك بأمرِ من الله. إنّ يَهوَه يتعامل مع الإنسان بطرق يمكننا أن نفهمها، ولذلك فهو يتعامل معنا على مستوانا. سيكون من المستحيل تمامًا أن يتعامل الله معنا على مستواه، لأننا لسنا سوى بشر. من أجلنا، يُعطينا الله تعليمات وإرشادات للعيش والعبادة. استخدمَ الله طرقًا كانت مألوفة وعادية في ثقافات الشرق الأوسط القديمة؛ لكن طُرق وأسباب هذه العبادات المختلفة، وما تعنيه، كانت مختلفة تمامًا عن الديانات الأخرى.
كان الفَرق الجوهري بين ما كانت الطقوس الدينية الوثنية المألوفة في ذلك اليوم، وما كان يَهوَه يُشرّعه لبني إسرائيل كما يلي: كانت الطقوس الوثنية تدور حول استرضاء أو إشباع الاحتياجات المفترضة لإله معين. أما الطقوس العبرانية فكانت كلها تدور حول اتباع التعليمات التي وضعها الله لصالح الإنسان. يجب علينا ألا نعتقد أبدًا أنّ أي شيء نفعله ذو طبيعة تعبّدية، حتى لو كان مأمورًا به في الكتاب المقدس هو لمصلحة الله. فهو ليس له احتياجات ولا يحتاج إلى استرضاء.
إنّ سياق ممارسات العبادة والاحتفالات التي يتم إنشاؤها هنا في سِفر الخروج هو سياق عبادة الله الذي يُغدق محبّته ورحمته على شعبه، وإقامة نظام عدالة يمكن أن يفتدي به الإنسان، حتى تَحدث المصالحة بين الله والإنسان. يتعلّق الأمر بتعليم الرب لشعبه عنه، والقيمة التي يوليها لهم. إنها طريقة لإعطاء الشعب طريقة للتواصل مع الله آنذاك، وتهيئة البشر لإعلان مستقبلي من شأنه أن يُحقّق المصالحة الدائمة بين الله والإنسان.
صُمم مذبح البخور بطريقة مألوفة لدينا الآن: إطار من خشب السنط (الأكاسيا) ثم طُلي بالذهب. كانت مساحته حوالي ثمانية عشرة بوصة مربعة وارتفاعه ثلاثة أقدام. على غرار المذبح النحاسي الأكبر حجمًا الذي كان موجوداً في الفناء الخارجي… المذبح الذي كانت تُحرق عليه الذبائح….. كان لمذبح البخور أربعة قرون، واحدٍ في كل زاوية. كان هناك إطار مبني حول الجزء العلوي، وكانت تُوضع حلقات من الذهب تحت الإطار لإدخال أعمدة خشبية وتحريك المذبح الذهبي حسب الحاجة.
كان من المقرر أن توضع هذه القطعة أمام الحجاب، "الباروخيت"، الذي كان يَفصل قدس الأقداس عن المكان المقدس. لذا فقد أخذت مكانها بين أثاثين آخرين كانا يَشغلان تلك الغرفة من الحَرَم الذي كان يُسمى المكان المقدس، والتي سَبَق أن فحصناه قبلاً "المنورا" (حامل المصباح الذهبي)، ومائدة الأرغفة. لقد وُضعت في الجانب الغربي من المكان المقدس، تمامًا كما وُضع تابوت العهد في الجانب الغربي من قدس الأقداس. وكان هذا دلالة على أهميته.
كان من المُقرر أن يوضع على مذبح البخور الذهبي مرة واحدة في السنة، دم ذبيحة على قرنيه لتطهيره. الآن، ليس من المؤكد متى حدث هذا التطهير لمذبح البخور بالضبط. قد يَعتقد المرء أنه تمّ في يوم كيبور، ذلك اليوم الوحيد في السنة الذي كان الكاهن الأعظم يدخل فيه قدس الأقداس ويَرش الدم على كرسي الرحمة. أظن أنّ هذا هو الوقت الذي حدث فيه ذلك، لأنه في يوم كيبور، تُشير الكتابات القديمة إلى أنّ رئيس الكهنة كان يؤدي طقوسًا مختلفة تَتعلق بمذبح البخور.
كان يجب أن يُحرق بخور مَصنوع بشكل خاص لهذا الأمر بشكل ُمستمرّ على مذبح البخور. كان دخان البخور، الذي كان يتصاعد إلى الأعلى، يَرمز إلى صلوات شعب الله.
من الواضح أنّ وظيفة رئيس الكهنة كانت إضافة البخور والفحم الساخن إلى المذبح، لإبقائه مشتعلًا على الرغم من أنه كان في المكان المقدس (حيث كان يُسمح للكهنة العاديين) ربما كان الكهنة العاديون يهتمون بهذا المذبح معظم الوقت. كان يَهوَه محددًا تمامًا بشأن موعِد إضافة البخور؛ كان ذلك في الوقت الذي كانت تُشذب فيه فتائل مصباح "مينورا" المذبح ويُضاف الزيت. كان هذا يَحدث مرتين في اليوم، في الصباح والمساء.
والآن، هناك تحذير أيضًا: لا يُستعمل أي نوع آخر من البخور غير ذلك الذي صاغه الله، ولا يُستعمل مذبح الذهب في مختلف أنواع الذبائح الحيوانية التي فُرضت. الكلمة المستخدمة في الآية تسعة لوصف أي شكل آخر من أشكال البخور هي بالعبرية "كيتوريت زارا". معظم الكتب المقدسة تُترجم هذه الكلمة على أنها "غريب" أو "غير مقدس" أو "فضائي" …. كلها ترجمات مقبولة. هناك معنى مزدوج هنا: الأول، هو أنّ ما يعلنه الله مقدسًا هو مقدس….. لا شيء آخر. والحقيقة هي أنّ المكونات المُستخدمة في ذلك البخور الخاص لم تكن لها صفة سحرية عندما تم خلطها معًا بنسبة ملائمة ثم حرقها. بل أعلن الله ببساطة أنها مقدسة، وبالتالي فإن كل ما عداها لم يكن مقدسًا. وهذا يدلّ على مبدأ الله الذي يجب أن نضعه دائمًا في الاعتبار. كما ترون أن الديانات الوثنية كانت تعتقد أن بعض التربة، وبعض الأطعمة، وتركيبات معينة من البخور أو الجرعات، وبعض الحيوانات، وأشياء أخرى كانت في حد ذاتها مقدسة وسحرية بطبيعتها.
يقول الله إنه لا يوجد شيء مقدس في حد ذاته. إنه قراره هو، بحكم قضائه، أن يُعلن ببساطة ما هو مقدس وما هو غير مقدس. لا يتوافق بالضرورة مع أي منطق بشري. على سبيل المثال، كان جبل سيناء مجرد تراب وصخور مثل بقية كوكب الأرض. ولكن، عندما كان الله حاضرًا ونشطًا هناك، أعلن أنه مقدس لأن قداسته متعالية لدرجة أنها حرفيًا تملأ كلّ ما هو قريب منها بالقداسة؛ وقِمة جبل سيناء كانت غير قابلة للمس تقريبًا إلا من قبل موسى لهذا السبب. عندما لم يَعُد يَهوَه حاضرًا وفاعلًا هناك لم يَعُد جبل سيناء مقدسًا أكثر من أي جبل آخر في العالم. لم يُطلب منا في أي مكان أن نقدس جبل سيناء أو أن نبتعد عن قمته، أو أن نتعامل معه كبقعة مقدسة بشكل دائم، أو أن نحجّ إليه. بالتأكيد، من الرائع الوقوف في نفس المكان الذي تلقّى فيه موسى الوصايا العشر. ولكن هذا لا يجعل المكان مقدسًا. من ناحية أخرى، قال الله أنه قد خصّص قطعة أرض محددة جدًا لنفسه ولشعبه…إسرائيل. التراب والصخور وأوراق الشجر الموجودة هناك ليست فريدة من نوعها. لا أعرف لماذا اختار الله تلك القطعة الجغرافية المحددة في كل الأرض ليخصِّصها لنفسه كميراث لإسرائيل…ولكنه فعل. تمامًا كما هو الحال مع البخور الخاص الذي أمر بصنعه للمذبح الذهبي، ليس لنا أن نُطبّق أساليب علمية أو فلسفات بشرية لنُحدّد لمَ هذا مقدس وذاك غير مقدس. للأسف، وَصَل الأمر اليوم، إلى اعتبار كلمة الله التي لا تتوافق مع عقل الإنسان باعتبارها مقدسة، خطأ. إعلان الله لما هو كائن وما هو غير كائن لا علاقة له برؤية الإنسان للعقل والمنطق.
الجزء الثاني من هذا المعنى المزدوج لعبارة "كيتوريت زارا" هو أنه من كان من الشائع عند الثقافات الأخرى إحراق البخور للآلهة، ويُستخدم كمزيل للروائح الكريهة. لم يكن من الممكن استخدام أنواع البخور الأخرى، وهذا البخور المقدس الخاص لم يكن ليأتي من خارج أمة إسرائيل. لم يكن بإمكانهم الاستعانة بمصادر خارجية لصنعه. إنّ الكلمة الحديثة الجيدة جدًا التي تُجسد جوهر "كيتوريت زارا" هي "بخور من الخارج". هنا الله يَضع طبَقة أخرى على السور الذي كان من المفترض أن يفصِل إسرائيل عن أي كيان آخر.
لكي يُحرق رئيس الكهنة البخور، كان عليه أن يتبع إجراءً معينًا. أولاً، كان عليه أن يُقدّم الذبيحة الحيوانية في الصباح، ثم مجددًا في المساء، على مذبح النحاس. بعد ذلك، كان عليه أن يغتسل طقسيًا في الحوض النحاسي (الأرجل واليدين)، وهو وعاء كبير لحِفظ الماء (سنتحدث عنه بعد قليل). وأخيراً، كان عليه أن يدخل إلى المكان المقدس، قبل أن يَتمكن من الاقتراب من مذبح البخور.
عندما كان رئيس الكهنة يضيف فحمًا فوق المذبح الذهبي، كان يجب أن يكون فحمًا مأخوذًا من مذبح النحاس، حيث كانت تُقدم الذبائح. سنَسمع فيما بعد بمصطلح "نار غريبة"؛ لم يكن من المفترض أن توضع "نار غريبة" على المذبح الذهبي. كانت الكلمة المستخدمة للنار الغريبة هي الكلمة التي تعلمناها للتو: "زارا". إذًا، النار الغريبة كانت تعني حرفيًا النار "الغريبة". كانت النار الغريبة، في الأساس، هي الفحم المأخوذ من أي مكان باستثناء مذبح النحاس. بينما نَمضي قدمًا، خاصةً في سِفر اللاويين، سندرس المزيد من المُتطلبات والمحظورات في طقوس خيمة الاجتماع. ولكن، في الوقت الحالي، دعوني فقط أرسُم لكم صورة للرمزية التي يتم رَسمها هنا فيما يتعلّق بالمذبح الذهبي.
ما تُظهره كل الطقوس المحيطة بمذبح البخور هو أننا عندما نأتي إلى الله في الصلاة، فإنّ ذلك يكون بشروطه. لا يمكننا أن نفعل ذلك بأي طريقة نُحّبها. لقد وضع لنا نموذجًا، إجراءً إن شئتم، لكي نستطيع أن نأتي إليه في الصلاة.
التوراة تعني التعليم، أو الإرشاد. كل ما كان يفعله الكهنة هو تعليم الشعب جانبًا من جوانب ملكوت الله. في حالة إحراق البخور على مذبح الذهب، كان الله يعلّمنا أنه، أولاً، لكي نأتي إليه في الصلاة، يجب أن نَتطهّر بالدم على مذبح الذبيحة كما كان رئيس الكهنة يفعل. الصليب هو مذبح الذبيحة الحقيقي الذي كان يرمز إليه مذبح النحاس؛ ويسوع هو الذبيحة التي تُطهر. يجب علينا أن نفهم ما فعله يسوع من أجلنا، لكي نتطهر كخطوة أولى نحو التواصل مع الله.
ثانيًا، يجب أن نغتسل بالماء لكي نتطهّر، تمامًا كما فعل رئيس الكهنة في غسله الطقسي عند الحمّام (الحوض) النحاسي. يقول المسيح أنه هو الماء الحيّ. قيل لنا أنه يجب أن نغتسل به قبل أن نقترب من يَهوَه. ولكن، هناك أيضًا جانب آخر؛ الغسل الطقسي هو أيضًا رمزٌ للاعتراف بخطايانا والتوبة عنها. فكما كان الكهنة يَغسلون الأوساخ والأتربة من أرجلهم وأيديهم، يجب أن نترك خطايانا وراءنا إذا أردنا الاقتراب من الله العليّ.
بعد ذلك، يجب أن ندخل المكان المقدس. في أيام موسى، كان المكان المقدس خيمة. فيما بعد سيكون مَبنى من الخشب والحجر نُسميه الهيكل. ولكن، اليوم، المكان المقدّس هو في داخلنا…. حيث يُقيم روح الله. ليس علينا أن نكون في مكان معيّن ولا أن نذهب إلى مبنى خاص لمقابلة الله. في الواقع، كمؤمنين لا يوجد مكان يمكن أن نذهب إليه ولا نكون في حضرته. كان على الكهنة في أيام موسى أن يدخلوا إلى الحَرَم ليكونوا في مكان مقدس. أما اليوم فالمكان المقدس هو حرفياً نحن…تلاميذ يسوع.
الآن، نُضيف معلومة عن مذبح البخور وننتقل إلى موضوع آخر. قُلت إنه يرمِز إلى الصلاة. قد يقول أحدكم: "أين وَرد ذلك في هذه المقاطع". حسنًا، في الحقيقة، لا تقول ذلك بشكل مباشر. ومع ذلك، أود أن أعرض عليكم شيئًا آملاً أن يساعدكم على أن تروا تماسُك الكتاب المقدس ووحدانيته، ودليلٌ آخر على أنّ خيمة الاجتماع البرية هي نموذج مادي أرضي لخيمة الله الروحية السماوية، ودليلٌ على أن دخان البخور يُمثِل بالفعل الصلاة التي جُعلت مقبولة عند الله.
ننتقل إلى سِفر الرؤيا ثمانية.
في سِفر الخروج، نرى الله يَخلق أمته المختارة…أو كما أسميته في مناسبات أخرى، الإنجيل الفصل واحد؛ وفي سِفر الرؤيا نرى الفداء النهائي لأمته المختارة والفصول الأخيرة من التاريخ البشري كما نعرفه؛ في الفصل الإنجيلي ثلاثة، الفصل الأخير.
قراءة رؤيا الإصحاح ثمانية الآية واحد إلى أربعة
عندما كَسَر الحَمل الختم السابع، كان هناك صَمت في السماء لمدة بَدت وكأنها نصف ساعة. ثم رأيتُ الملائكة السبعة الذين وقفوا أمام الله، وأُعطوا سبعة شوفار. وجاء ملاكٌ آخر وَوَقف عند المذبح ومعه وعاء بخور ذهبي، وأُعطي كمية كبيرة من البخور ليضيفها إلى صلوات شعب الله على مذبح الذهب أمام العرش. وكان دخان البخور يتصاعد مع صلوات شعب الله من يد الملاك أمام الله.
لا أعتقد أننا بحاجة إلى القلق من أننا قد نكون مُنغمسين في الرمزية أو التوضيح عندما نتحدث عن رمزية مذبح البخور على أنه صلوات شعب الله التي بإضافة صفة البخور….. صفة القداسة… أصبحت مقبولة عند الله. ويمكننا أن نعرف أيضًا أنه يوجد في السماء مذبح بخور روحي.
تأخذ الآية إحدى عشرة الآن منعطفًا مفاجئًا، ونرى يَهوَه يأمُر موسى بأن يقوم بإحصاء. لقد قرّر العلماء الجدد (لعدد من الأسباب الوجيهة) أنّ هذا الإحصاء مُنفصل تمامًا عن إحصاء سِفر العدد الإصحاح واحد. ستُستخدم النقود التي جُمعت من هذا الإحصاء لتكوين أساسات لأعمدة الحَرَم. على الرغم من حدوث ذلك لمرة واحدة إلاّ أنه سيتم وَضع مَرسوم دائم أكثر في وقتٍ لاحق في التوراة. ومع ذلك، وبعيدًا عن استخدام النقود، فإنّ الغرض الروحي له هو شيء آخر.
يكفي أن نقول إنّ هناك عدة أسباب لهذا الإحصاء. السبب المُعطى لنا هنا في سِفر الخروج هو أنّ كل إنسان مطالب بدفع فدية عن حياته. فكرة الفدية هذه هي في صميم خطة الله للخلاص. دفع الفدية هو ما يفدينا. نحن في الكنيسة نتحدث كثيرًا عن الفداء، وعن "خطة الفداء". ولكن، لا أعتقد أن الكثيرين منا يَعرفون ما يعنيه ذلك في الواقع، أو من أين جاءت الفكرة باختصار، إنها كما يلي: أنشأ يَهوَه نظامًا توجَّب فيه على كل أب أن يدفع بموجبه للكهنوت مبلغًا محددًا من المال لفداء حياة أول طفل ذَكَر يولد له (يسمى رسميًا البكر). وعادةً ما كان يجب دفعه في غضون ثلاثين يومًا من الولادة. بالإضافة إلى ذلك، كان هناك وَجه آخر أو نوع آخر من الفداء يَتضمن فداء قريب. كانت الفكرة هنا تتعلّق بأن يكون أحد الأقارب مسؤولاً…. ملزمًا في الواقع…… بفِداء ممتلكات أو حياة أحد أفراد الأسرة الذي وقع في دين، وكان سيفقِد ممتلكاته أو سيُباع كعبد، أو كليهما للدائن.
الآن، في حين أن هذا النظام كان يُستخدم كعنصر عملي يومي في القانون المدني لإسرائيل، إلا أن الله خلقه ليعلّم إسرائيل مبدأ، وهو: نحن كبشر ولدنا مدينين لله. هو خلقنا وهو يملكنا. نحن المدينون، وهو الدائن. علاوةً على ذلك، وبصِفتنا من نَسل آدم وحواء، فقد وُلدنا خطأة، وبكل حق، يجب أن نَهلك. إذا أردنا أن ننجو بحياتنا، يجب أن نرُدّ ديننا لله لعدم إهلاكنا؛ الدَّين الذي هو نتيجة الخطية. الفداء ليس مجانيًا. إنه مُكلف دائمًا. يجب أن يدفع شخصٌ ما الثمن. ولكن، ليس الشخص (البكر الرضيع) المَدين هو الذي يدفع، بل الأب. بل أكثر من ذلك، القريب وحده هو الذي له الحقّ والواجب في أداء الفداء. جانبٌ آخر ينصّ أن البكر له قيمة أعلى من بقية الأولاد. كان الابن البِكر هو الابن المفضّل، وكان له الحق في أن يرِث ضعف ما يرثه إخوته جميعًا، ويَرث أيضًا الحكم على تلك العائلة عند وفاة الأب.
اسمحوا لي أن أذكر مرة أخرى: لقد خلق الله هذا النظام كظلّ ونموذج لما سيأتي؛ تمامًا كما خلق الكهنوت وخيمة الاجتماع كظلّ ونموذج لما سيأتي. لقد خَدَم غرضًا عمليًا للغاية في وقته بالإضافة إلى كونه ظلًا…ولكن مع ذلك، فعل الله ذلك بتلك الطريقة ليُعلِّم البشرية مبادئه.
كان يشوع، يسوع المسيح، هو المُشار إليه في نظام الفداء. أولاً، كان يجب أن يكون واضحًا لإسرائيل، ثم لكل أمة، أننا جميعًا بحاجة إلى الفداء. المشكلة الكاملة مع العالم غير المُخلّص هي أن ناسه لا يفهمون مبدأ الله الأساسي بأننا وُلدنا محتاجين إلى أن تُفتدى حياتنا… حياتنا الأبدية… وإذا لم تكن حياتنا الأبدية فداءً، فإننا نعاني من الموت…الموت الأبدي. في كلام كنيستنا، نقول إننا جميعًا نحتاج إلى أن نخلص. يسوع، ابن الله البِكر دَفَع ثمن الفداء…. وغالبًا ما يُطلق عليه أحيانًا اسم الفادي….. لفداء أمّته البكر، إسرائيل.
إذًا، هذا الإحصاء في سِفر الخروج هو لأن إسرائيل هو بكر الله بين جميع أمم العالم. وتمامًا مثل الابن البكر للعائلة، يجب أن يُفتدى. إنّ ممارسة الفداء هذه تُشير من ناحية إلى أن شعب إسرائيل ينتمي بالفعل إلى الله؛ إنّهم له…هو يَملكهم افتراضيًا، لأنه خَلقهم بكل معنى ممكن من الكلمة. من ناحية أخرى، فإنه يدلّ على أنّ إسرائيل مخصّص، مُقدّس ليَهوَه.
لاحظوا أنه يجب على كل إنسان أن يدفع مبلغًا من المال……. في هذه الحالة نصف شيكل…… كثمن للفداء….. الفدية. وبغض النظر عن مدى غنى أو فقر هذا الرجل، فإن الثمن هو نفسه. وبطبيعة الحال، الأمر كذلك بالنسبة لنا. لقد دفع الله ثمن فداء الدّين بيسوع الفادي أي افتدى ما يُدين به كل إنسان له من أجل حياته الأبدية. وسواء كان ملكاً أو عبدًا، غنيًا أو فقيرًا، ذكرًا أو أنثى، أسود أو أسمر أو أبيض البشرة، فالثمن واحد: لا زيادة ولا نقصان ولا بديل. يسوع هو قريبنا الذي كان له الحقّ في افتدائنا، وهو ثمن هذا الفداء.
في الآية سبعة عشرة، يأمُر يَهوَه موسى بصُنع الحوض النحاسي؛ أي وعاء نحاسي كبير من البرونز لحفظ الماء لاستخدامه في الغَسل الطقسي الذي سيحدُث عدة مرات في اليوم. لم يُذكر حجمه؛ ولكن لا بد أن يكون حجمه كبيرًا لاستيعاب كل المياه التي سيكون هناك حاجة إليها.
في حين كان بنو إسرائيل العاديون يقفون عند مذبح النحاس، بل ويذبحون الحيوانات ويُقطّعونها هناك، كان الكهنة وحدهم هم المسموح لهم باستخدام الحوض البرونزي. كان الحوض موضوعًا بين مذبح الذبيحة (المعروف أيضًا باسم مذبح النحاس) وباب المكان المقدس.
من المثير للاهتمام أنه ليس هناك الكثير من تفاصيل البناء التي قدمها الله لموسى فيما يتعلّق بالحوض، باستثناء أنه كانت يتألّف من قطعتين: قاعدة ووعاء الماء فوقه.
كما ناقشنا من قبل، كان الغرض من الحوض هو غرف الماء للاغتسال. كان على الكهنة دائمًا أن يغتسلوا قبل دخولهم إلى المكان المقدس. كان الاغتسال يرمُز إلى التطهير والتجديد.
من الناحية الإجرائية، كان الكهنة يصعدون إلى الحوض، ويَغمسون أيديهم اليمنى في المغسلة ويَغسلون يدهم اليمنى أولاً، ثم يَغمسون رجلهم اليمنى. ثم يَغسلون يدهم اليسرى تليها رجلهم اليسرى. حتى لا تحصلوا على صورة خاطئة، كانت أيديهم فقط تُوضع في الماء؛ كانوا يغسلون أرجلهم بأيديهم. مرة أخرى، تذكّروا صورة يسوع وهو يَغسل قدمي التلاميذ بيَديه. ودعوني أذكّركم أنّ هذا الإجراء كان مخصصًا للكهنة فقط.
الموضوع التالي في هذا الإصحاح هو الدهن العطري الذي كان يُستخدم في الطقوس. لم يكن من المقرّر أن تأتي الأموال والمكونات من الأموال التي كان الشعب يُقدّمها كتقدمات إلى خيمة الاجتماع، بل كان من المقرّر أن يدفع قادة القبائل ثمنها. أحد أسباب ذلك هو التكلفة الباهظة للتوابل والعطور التي كانت مطلوبة. كان لا بد من جلب أهم المكونات من مسافات بعيدة مثل الجزيرة العربية والهند والصين. وكانت نادرة وصعبة التصنيع. لذلك كانت هدفًا رئيسيًا لقطّاع الطرق واللصوص أثناء نقلِها، لذا لم تصِل كمية منها إلى وجهتها المقصودة.
وقد أُعطيت لنا قائمة بالتوابل التي يتكون منها هذا الزيت: المُر والقرفة والقصب العطري والكاسيا. وبعد مَزجه من قبل مُتخصّص، يُستخدم لتكريس الناس والأدوات الطقسية في الخدمة الإلهية. في الواقع، بدون هذه الخلطة الخاصة لم يكن من الممكن تكريس الكهنة لخدمة الرب.
ولكن الآية واحد وثلاثين حتى ثلاثة وثلاثين تُخبرنا أيضًا أن هذا هو الاستخدام الوحيد المسموح به لهذا المزيج الخاص؛ لا يجوز لأحد سوى الكهنة أن يستخدمه، ولا يمكن استخدامه على أي شيء آخر. عاقبة مخالفة هذا الأمر خطيرة للغاية؛ كاريت. كاريت هو ما نترجمه عادةً إلى "استبعاد". اسمحوا لي أن أذكِركم أنّ ما يجري هنا هو الانقطاع الدائم عن جماعة الله، إسرائيل، وعن الله نفسه. إنّه لا يعني بالضرورة الموت الجسدي، مثل الإعدام…على الرغم من أنه يمكن أن يكون كذلك. يُعادل اللعنة الأبدية من دون أمَل في الخلاص. إذًا فالهلاك هو في معظم النواحي أخطر بكثير من مجرد الموت الجسدي وكان يخشى منه كثيرًا.
تَتعلّق التعليمات الأخيرة من الإصحاح ثلاثين بمكونات البخور المقدس الذي سيُحرق على مذبح البخور. يجب أن يتكون من أربع مكونات: راتنج البلسم، والأونيكا، والجلبانوم، واللبان. البَلسم هو نوع من الأشجار والمكوّن الاساسي هو عُصارة شجرة البلسم. أونيكا ليست مفهومة تمامًا. الكلمة العبرية المُستخدمة هنا هي شيكليت، وما لم يكن لها معنى مزدوج، فهي تُشير إلى مخلوق بحري…من الرخويات…يستخرجون منه مادّة عطرية. المكوّن التالي يُسمى الجلبانوم وهو يأتي من نبات في منطقة بلاد فارس، وأخيرًا يُضاف اللبان. كان اللبان عبارة عن صِمغ عطري باهظ الثمن يأتي من شجرة تنمو في الجزيرة العربية.
يُستخدم هذا الخليط الخاص فقط على المذبح الذهبي ولا يُستخدم أبدًا في الوسائل الشائعة. وأشير بالوسائل الشائعة إلى أنه لا يجب استخدامه كوسيلة لإزالة الروائح الكريهة أو جَعل رائحة الهواء أطيب، أكثر استخداماته شيوعًا بين الميسورين. يمكن للمرء أن يتخيّل حينها الروائح الكريهة التي كانت تنتشر في كل مخيم ومدينة وقرية من الذبائح المحروقة، والحيوانات التي كانت تعيش حرفيًا مع الناس، وعملية الذبح، وبالطبع الشعب نفسه الذي لم يكن يستحم بانتظام.
لننتقل إلى سِفر الخروج الإصحاح واحد وثلاثين.
قراءة الإصحاح واحد وثلاثون من سِفر الخروج كُلّه
لا يزال موسى على قمة جبل سيناء؛ لقد كان هناك منذ بداية الإصحاح أربعة وعشرين، ومَضَت أيام كثيرة. سيبقى هناك لمدة أربعين يومًا. بالكاد أستطيع أن أتخيّل التحوّل الذي كان يحدث داخل موسى، وهو في حضرة هذه القداسة النقية. كم مرّة سمعتُ قائدًا مسيحيًا يقول: "قد لا نعرف الإجابة على هذا اللغز حتى نقف أمام الله". حسنًا، لقد كان موسى واقفًا أمام الله؛ ولا بد أن المَعرفة والفهم اللذين كان يَستوعبهما، كانا مُحيّريَن للعقل. لا بد أن الأسئلة التي لا بد أنها تكونت في ذهن موسى وهو يَصعد ذلك الجبل…الشكوك والظنون والمخاوف الخفية والعميقة… لا بد أنّ هذه وغيرها قد تمّت مُعالجتها والإجابة عليها لأن موسى نزل مختلفًا من ذلك الجبل بعد كل مرة من المرّات العديدة التي صَعد فيها.
بينما كان وقت موسى في حضرة الله يَقترب من نهايته، وبينما كان يتم توزيع التعليمات القليلة الأخيرة على موسى من أجل خيمة الاجتماع، يُسمّي يَهوَه بالتحديد الشخص الذي سيكون المُصمّم الرئيسي والصانع لكلّ ما أمَرَ الله ببنائه من أجل خيمة الاجتماع. بينما تم إعطاء الكثير من التفاصيل، إلا أنها لم تكن إلا جزء بسيط. من الذي سيُقرر شكل الشيروبيم؟ حَجم حوض الماء البرونزي، وكم من الماء كان يجب أن يَتسّع؟ هل كان يجب أن يكون العمود الذي يحمل حجاب مدخل قدس الأقداس مربّعًا أم مستديرًا أم شيئًا آخر؟ كانت هذه الأنواع من القرارات ستُترك إلى رجلين اختارهما الله نفسه ومَسحهما لهذا الغرض. سيكون الرئيس هو بتسلئيل. وهو حفيد حور، الذي كان الرجل المساعد الثاني لهارون في ما يخص القيادة. قد يَعتقد المرء أن هارون كان سيختار ابنًا، أو على الأقل أحد زملائه اللاويين ليكون مساعداً له؛ ولكن حور، وبالتالي بتسلئيل، كانا من قبيلة يهوذا. اسم بتسلئيل يعني، "في ظل إيل"، أو كما نفكر فيه بشكل أكثر شيوعًا، "في ظل الله". كم هو مناسب.
يُعيّن الله لبتسلئيل رجلاً اسمه أوهولياف….، الذي يعني بالعبرية "في خيمة أبي"… الذي كان من قبيلة دان. لاحظوا أنّ هذين الرجلين يمثلان قبيلتين من القبائل الأربع المهيمنة …يهوذا ودان. وقد قيل لنا في الآية السادسة أنّ يَهوَه وَضَع بشكل خارق للطبيعة ما أراد أن يبدو عليه كل شيء في ذهن هذين الرجلين. كيف فعل ذلك إن لم يكن الروح القدس يَسكن فيهما؟ لا أدري. ولكن، إذا كان بإمكانه أن يفعل ذلك من دون أن يكون الروح القدس في داخلهما بالفعل، ولكنه يطوف فوقهما، فتخيّلوا ما هي الميزة الأعظم التي نمتلكها نحن كمؤمنين بأن روح الله يسكن فينا.
في الآية اثنا عشرة، يُعطي يَهوَه التعليمات لموسى ليُذكّر الشعب مرّة أخرى بالطبيعة المهمّة للسبث (السبت). في الآية ثلاثة عشرة، حيث تقول معظم الكتب المقدّسة "ومع ذلك"، أو "إلا أن"، أو "عليكم احترام أيام السبث الخاصة بي"، الكلمة العبرية المُترجمة هي "أخ". قد نرى ترجمة أخرى غير "ومع ذلك" أو "عليكم" وتُعبّر بشكل أفضل عن المعنى، في عقليتنا الأمريكية، هي "فوق كل شيء". أي أنّ هذا تذكير من يَهوَه بأنه في ظِلّ كل هذا الانشغال ببناء خيمة الاجتماع، والمذابح، وصنع ثياب الكهنة، والأدوات، وما إلى ذلك، لا يوجد شيء أهم عند الله من حِفظ السبث.
ما هو واضح في هذا القسم هو أنّ الأساس المنطقي لحِفظ شريعة السبث ليس مرتبطًا بعهد موسى، بل هو مُرتبط بالخَلق. إنها رواية الخلق الواردة في سِفر التكوين حيث نجد الرب يَختتم عمله الإبداعي ثم يُعلن اليوم التالي مقدسًا.
سِفر التكوين الصحاح اثنان الآية واحد وهكذا كملت السماوات والأرض وجميع جنوده. اثنان، وَفِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَكْمَلَ اللهُ عَمَلَهُ الَّذِي عَمِلَهُ، وَاسْتَرَاحَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ جَمِيعِ عَمَلِهِ الَّذِي عَمِلَهُ. ثلاثة، فبارك الله اليوم السابع وقدّسه، لأنّه استراح فيه من جميع عمله الذي خلقه الله وصنعه.
الفكرة هنا هي أنّ الله عَيّن يومًا للاحتفال بتوقُّف نشاطه الخلاق، وشكل الاحتفال يرقى إلى توقف الإنسان عن عمله العادي، نشاطنا الإبداعي. لكن الأمر ليس أن الرب قد رسم شيئًا جديدًا، هنا، في جبل سيناء في فَرض يوم السبث أو جعله شيئًا خاصًا بإسرائيل فقط. بل إنّه يقول: "يجب أن تَحفظوا أيام السبث الخاصة بي". وبعبارة أخرى، لقد خُلق السبث منذ زمن طويل ليَحفظه كل البشَر، ولكن يبدو أن البشَر تجاهلوه. لذلك يقول الرب، يا إسرائيل، يجب أن تَحرصوا أنتم على مراعاته لأنكم شعب مخصّص لي. لذلك ستكونون مثالاً لما يجب أن يفعله الناس في اليوم السابع، السبث……وهذا اليوم هو للراحة من أنشطتهم العادية والاجتماع بعائلاتهم وعبادة الرب.
لن أتكلّم عن يَوم السبت باعتباره يوم السبث ويوم الأحد هو يوم الرب مرة أخرى لأنه بِبساطة حقيقة تاريخية. بدلاً من ذلك أود أن أشير إلى أنّ معنى هذا المقطع الكتابي هو شيء من هذا القبيل: "بمجرد أن تبدأوا برنامج البناء، لا تنسوني ولا تنسوا وصاياي لكم". كم هو أمرٌ بشري أن نَتلقّى دعوة من الله للقيام بشيء ما، ونَنطلق مسبِّحين الله وسعداء بالمعرفة أنّ لدينا هدفًا إلهيًا… ثم نَترك أهواءنا تَسرح بنا. ننسى كلّ شيء عن مبادئ الله وأوامره، كما لو أنها وُضعت في حالة تعليق من أجلنا فقط، لأنّ مشروعنا مهم جدًا لدرجة أنه يتجاوز نواميسه وأوامره. لقد رأيتُ كنائس لديها طواقم بناء تعمل شبعة أيام في الأسبوع لإنهاء مشروع البناء، بسبب الحماس لتحقيق هدفهم. لقد رأيت رجالاً ونساءً يُهملون أزواجهم أو أطفالهم لتقديم خدماتهم. لقد رأيت وزارات كانت مصمِّمة على إنتاج أكبر قدر ممكن من الإنتاج كل يوم، وجعل كل دقيقة مهمة، لدرجة أن الصلاة أصبحت في طي النسيان. وفي كثير من الأحيان في يومنا هذا وعصرنا هذا، أرى وزارات لا تفعل شيئًا سوى جمع المال، أربعة وعشرين ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، ثلاثمئة وخمسين يومًا في السنة من أجل سلسلة من المشاريع البشرية الكبرى التي تَجعل الله مُجرد أداة تسويقية.
أجِد أنّه من بين كل المبادئ والاحتفالات التي وضعها الله، يأمُر موسى أن يَضع السبث، فوق كل شيء آخر. ومع ذلك، في عصرنا هذا، يَدّعي معظم المؤمنون أنّ القدّيس بولس قد أوصانا بأن السبث هو عبادة عفا عليها الزمن ولا قيمة لها، أو أننا قد أُعطينا حرّية تغييرها إلى ما هو أكثر ملاءمة لنا. ومن أين تأتي هذه الفكرة؟ إنها من أن العهد القديم قديم، والعهد الجديد جديد، لذا فإن الجديد يَحلّ مَحلّ القديم. ناهيك عن أنّ يسوع في الموعظة على الجبل قال عكسَ ذلك تمامًا، أنّه لن يزول من التوراة حرفٌ واحد أو عنوانٌ واحد، ولا أصغر تفصيل حتى تَزول السماء والأرض؛ ولا شيء يُمكن أن يكون تعليمًا مركزيًا للتوراة أكثر من السبث.
لا يُمكننا التخلّي عن قضية السبت هذه لمجرد أنّ الله يقول إن السبث هو عهد دائم بين إسرائيل وبينه…لأنّ العهد الجديد يوضح تمامًا أنّه عندما نَقبل المسيح يسوع، نُصبح جزءًا من مجموعة تُدعى إسرائيل الحقيقي…نُصبح بذورًا روحية لإبراهيم…نحن مرتبطون بعهود إسرائيل وكل بَرَكاتهم والتزاماتهم…بأكثر الطّرق الحقيقية، روحيًا. لم يَصدر ذلك عنّي، ولكن بشكل ٍمباشر وواضح وحرفيًا عن الكتاب المقدس كما أظهرت لكم في عدد من المناسبات.
سنَنتهي من الفصل (الإصحاح) واحد وثلاثين الأسبوع القادم.