25th of Kislev, 5785 | כ״ה בְּכִסְלֵו תשפ״ה

QR Code
Download App
iOS & Android
Home » العربية » Old Testament » التكوين » سِفْر التَّكوين الدرس الثاني – الإصْحاح الأوّل
سِفْر التَّكوين الدرس الثاني – الإصْحاح الأوّل

سِفْر التَّكوين الدرس الثاني – الإصْحاح الأوّل

Download Transcript


سِفْر التَّكوين

الدرس الثاني الإصْحاح الأوّل

اقرأ سِفْر التَّكوين واحد كلّه

يُمْكِنُنا أن نَقضي عِدَّة أسابيع في سِفْر التَّكوين واحد وحدَه، ولكنني سأفترض أن مُعْظمكم لَدَيْه بعض المَعْرِفة الأساسية بهذا الإصْحاح؛ ولأن ما جاء أولاً وثانياً وثالثاً وما إلى ذلك مذْكور بِوُضوح وبِشَكْلٍ مُباشر جداً، فلا حاجة لي أن أعلَّق على هذه الأمور بعد أن أقرأها لكم، لذلك سأتعامل مع قضايا ربما لم يُفَكر فيها بعضُكم. سأتعامل أيضاً بِشَكْلٍ أساسي مع المبادئ الرّوحِيَّة والأمور التأسيسيَّة المُهِمَّة التي أُسَمّيها ديناميكيّات الله الحاكِمة، والتي وُضِعت لنا في سِفْر التَّكوين واحد. هنا توجد مبادئ وديناميكيات لا تتغيَّر أبداً وهي الأساس الذي اسْتندت إليه التَوْراة، ثم التناخ (الكِتاب المُقَدَّس اليهودي) وأخيراً العهد الجديد.

مُباشرةً في سِفْر التَّكوين واحد، نحن أمام بعض هذه الأساسيّات، وبينما هذه الأساسيّات تأسيسيَّة ورئيسيّة، إلا أنها ليست بسيطة أو سهلة التَّعامُل معها.

أوّل أمْر يجب أن نتعامَل معه هو كَلِمَة "الله" لأن هناك طريقتان أساسيّتان يُمْكِنُنا من خلالهما معرفة الله: من خلال إسمه ومن خلال صِفاته. إسْمَحوا لي أن أصِف ذلك؛ عن طريق الأبعاد الأربعة التي تُشَكِّل كونَنا المادّي (الطّول والعرض والعُمق والزَّمن أو بتَعبير الفيزيائيين، الزّمكان) يُمْكِنُنا أن نعرف الله فقط من إسمه وصِفاته؛ ولكن عن طريق الرّوح القُدُس يُمْكِنُنا أيضاً أن "نعرِف" الله بطريقة أخرى، وهي مُتاحة فقط (في عصرِنا) للمؤمِنين. تتضمَّن طريقة الرّوح القُدُس هذه لِمَعرفة الله بُعداً إضافياً، بُعداّ خامساً للواقع غير موجود بِشَكْلٍ طبيعي في الكَوْن رباعيّ الأبعاد الذي نعيش فيه. سوف ندْخل في موضوع الأبعاد الإضافية قريباً لأنه بعيداً عن كوْنه أمراً خيالياً أو أمراً لا يُمْكِن أن يتأمَّله إلا المُثقَّفين، فهو يُساعدنا كثيراً في تأطير بعض العبارات الأكثر صعوبة في الكِتاب المُقَدَّس التي نحتاج إلى إلقاء نظرة دقيقة عليها.

في الصَّرخة الجادة من أجل السَّلام العالمي في عصْرِنا الحالي اكتَسَبَت الحرَكة بين الأديان زخماً، والأساس الذي تقوم عليه هذه الحرَكة هو أنه، بِغَض النَّظر عمّا يسمِّيه شخصٌ ما الله (سواء كان بوذا أو كريشنا أو براهما أو الله)، فإننا جميعاً نتحدَّث في الأساس عن نفس الإله، ولكن من منظور ثقافي ولُغوي مُخْتَلِف. هذا ليس صحيحاً. لأن ليس فقط أسماء كل من هذه الآلهة المُخْتَلِفة وما تَعْنيه مُخْتَلِفة تماماً، بل إن خصائص وسِمات كل من هذه الآلهة مُخْتَلِفة أيضاً، لذلك من المستحيل أن يكونوا يتحَدَّثوا عن نفس الإله.

لقد تمّ تقديم الإله الحقيقي لنا في الآية الأولى من سِفْر التَّكوين، كما تم تقديم أول ما سيَثْبت لنا أنها العديد من خصائِص صفات الله التي لا تتغيَّر والتي تكون أحياناً غامِضة. الكَلِمَة العبرية التي تُتَرجمها كتبنا المقدسة إلى "الله" هي إلوهيم. يجب أن نفهم أولًا أن إلوهيم ليس إسم الله؛ لن نعرِف إسم الله إلا في وقت لاحِق في التَوْراة. بل "إلوهيم"هو لَقَب، وهو لَقَب بالجمع (جمع بمعنى أكثر من واحد). إلوهيم واسْتِخْداماته المُخْتَلِفة مَسْألة معقَّدة لن نتطرَّق إليها اليوم إلا بِشَكْلٍ ضئيل؛ ولكن علينا أن نعرِف في الوقت الحالي أن إلوهيم كَلِمَة لا تُستخدَم فقط في الكِتاب المُقَدَّس للإشارة إلى الإله الواحد الحقيقي، بل تُستخدم أيضاً من حين لآخر عند الحديث عن الآلهة الكاذبة؛ وكما تحدَّثنا في مقدَّمة الأسبوع الماضي، فإن السِّياق هو كل شيء عند التَّعامُل مع اللّغة والثقافة العبرية.

لذا، مع إدخال لَقَب الجمْع هذا للإله، إلوهيم، ينْفَتِح الباب فوْراً للتَّعامل مع هذه الحقيقة والنَّموذَج المُذهلَيْن: الله واحد ولكنه أيضاً كثير. إن حرْف الياء في نهاية كَلِمَة إلوهيم يجعل هذه الكَلِمَة إسم جمع مُذَكَّر. في الواقع كدَرس عبري أساسي، كلما رأيت حرْف "ي-م" في نهاية كَلِمَة عبرية يمكنك أن تعرف أنها تتحدَّث عن أكثر من واحد (جمع). إلا أن هناك اسْتِخْدام آخر في العبرية للـ "ي-م" في نهاية الكَلِمَة وهو ما يُسمّى "جمع الجلالة، أي أن إضافة حرْفَيْ "ي-م" في نهاية الكَلِمَة يمكن أن يدلّ أيضاً على العظَمة وليس على الجمْع.

المسيحيون، وهم محِقّون في ذلك، يأخذون كَلِمَة إلوهيم على أنها تدلّ على العظَمة والتعدُّد. من هنا نشأ في النهاية مَفْهومنا المسيحي الفريد للثالوث: الآب والإبن والرّوح القُدُس …..ثلاثة آلهة في واحد أو الأفضل إله واحد يتألَّف من ثلاث أشخاص أو جواهِر أو تجلِّيات. إن اسْتِخْدام كَلِمَة إلوهيم لا يُثْبت في حدّ ذاته أن الله جمْع، بل هناك العديد من الأدِلَّة الأكثر أهمِّية التي سنُصادِفها لإثبات أن الله هو بالفعل جم~ع.

النُّقطة التالية التي يجب أن نَنتبَّه إليها هي مَسْألة اليوم الأول من الخَلق. هناك جدَل مُسْتمِر بين العُلَماء وعُلَماء اللاهوت حول ماهيَّة "اليوم" أو كم كان طول "اليوم" في وقت الخَلق. الأساس الأولي للجِدال يدور حول شيء من هذا الَقَبيل: "كيف يُمكن أن يكون الله قد خلَق كل شيء في ستّة أيام وكيف يُمكن أن يقول العبرانيون، من خلال احْتساب الأجيال، نجد أن عُمر الأرض يقترِب من ستة آلاف سنة، بينما كل علومنا تقول أن عُمر الكَوْن يبلغ مليارات السِّنين …. حوالي خمسة عشرة من تلك المليارات في الواقع". حسناً، إذا ما ألقيْنا نظرة فاحِصة على ما ورد في الكَلِمَات الافْتِتاحية لسِفْر التَّكوين يبدو أن بعضاً من هذه المَسْألة تحلّ نفسها بنفسها ولا نحتاج إلى الدُّخول في جدَل عِلمي ولاهوتي على الإطلاق.

إذا قرأت بِعِناية سترى أنه لم يقال أن خَلق السَّماء والأرض حدَثَ في اليوم الأول، بل حدَثَ في "البدايةليس بالضرورة أن يكون اليوم الأول هو البداية؛ يُمكن أن يكون اليوم الأول قد حدَثَ في وقت لاحِق. إذا أخذْنا هذه الكَلِمَات الافْتتاحية لسِفْر التَّكوين حرْفيّاً، فإن الشَّيْء الذي حدَث في اليوم الأول هو خَلق النور وفصْله عن الظُّلْمة. تترك الصِّياغة الباب مفتوحاً أمام احتمال واضح بأن السَّماوات والأرض قد خُلقت في وقت ما قبل اليوم الأول، مما أطلَقْنا عليه "الخَلق". كم من الوقت بقِيَت السَّماوات والأرض هناك بلا حياة، مُظْلمة، فوْضويَّة، لم نُخبَر بذلك؛ ولكن في مرحلة ما قرّر الله أن يأخذ الكَوْن الذي خلقَه ويبعَثْ فيه الحياة ويُعطيه نظاماً جديداً وبدأ يقوم بتلك العَمَلِيَّة الجديدة بِخَلْق النور، وذلك عندما نُصادف أول "يوم".

الآن لا يوجد سبب على الإطلاق لمُحاولة الدفاع عن اسْتِخْدام كَلِمَة "يوم". غالباً ما نسْمع الناس يقولون: "لكن الكِتاب المُقَدَّس يقول: "يوم واحد عند الله كألف سنة". هذا بِبساطة تعبير اصْطِلاحي يعني أن الله يعيش في مكان بلا زمان، وليس أن طول الفترة الزَّمنية التي تُسمّى "يوم" كانت ألف سنة أثناء الخَلق؛ وليس هناك أي دليل على أن اليوم الأول يَخْتَلِف بِشَكْلٍ عام من حيث الطول الزَّمني عن الأربعة وعشرين ساعة الحالية (باستثناء أنه سيكون من المُفيد تفسير عُمر الأرض إذا كانت الأيام السِّتة الأولى طويلة جداً). هناك بعض الأدلة على أن دوَران الأرض ربما يكون قد تباطأ قليلاً على مدى آلاف السِّنينَ الماضية، لكن دَوَران الأرض الأبطأ (الآن مقابل الماضي) سيَجْعل أيام الدُّهور الماضية أقصَر من اليوم الحالي، أليس كذلك؟ بعد كل شيء، بما أنّ دوْرة كاملة واحدة للأرض تُساوي يوماً واحداً، فإذا اسْتَغْرق الأمر وقتاً أطول للقيام بهذا الدّوَران الواحد، فإن اليوم يكون أطول. إذا كانت الأرض تدور بسرعة أكبر منذ زمن بعيد، لكان اليوم يمرّ أسرع من اليوم الحالي. بالتالي إذا كان دَوَران الأرض هو المُشْكِلة، فإن الأرض كانت ستَضْطَرّ منذ زمن بعيد إلى عدم الدّوَران تقريباً إذا اسْتَغْرق دَوَران واحد كامل ما نَحْسبه نحن ألف سنة.

أمر آخر: في حال لم تَكُن على دِراية بأن العبرانيين، بما في ذلك المُجتمع اليهودي الحديث اليوم، كانوا دائماً يحْسبون اليوم على أنه يبدأ عند غروب الشَّمْس وينتهي عند غُروب الشَّمْس التالي، أي أن اليوم الجديد يبدأ في المساء وهذا، بالطبع، يَخْتَلِف تماماً عن اختيارِنا لمُنْتصف الليل كبِداية ونهاية لكل يوم؛ وهو أيضاً يَخْتَلِف عن تقليدنا بأن الصباح هو بداية اليوم والليل هو نِهايته؛ والآن هذا الإخْتِلاف في تعريف وطريقة تحديد الوقت قد تسبّب بكل أنواع المشاكِل المُثيرة للإهتمام في مُحاولة التأكد بأي درَجة من الدِّقة وقعَت بعض أحداث الكِتاب المُقَدَّس. ما نحتاج الى فَهْمِه في الوقت الحالي هو أن الطَّريقة الحديثة لحفظ الوقت تتم بطريقة ميكانيكية ولا تَخْتَلِف من الناحية العَمَلِيَّة. لقد كان هناك اتِّفاق دُوَلي منذ بضع سنوات على وجود ساعة مرْكزيّة تتطابق من خلالها جميع الساعات. لم نعد بحاجة إلى مُراقبة النجوم أو القمر لتحديد الوقت بعد الآن. يُمْكِنُنا أن نكون في نَفَق على عُمق ميل تحت الأرض وإذا كانت ساعَتنا تعمَل، يُمْكِنُنا أن نعرِف الوقت بِدقَّة… إلى أجل غير مُسمّى….. من دون أن نُراقب السَّماء.

لكن بالنسبة للقُدماء، بما في ذلك العبرانيون، لم تَكُن هذه الطَّريقة الميكانيكية لضَبءط الوقت متاحة. كان يتم تحديد الوقت من خلال مُشاهدة السَّماء؛ متى تشرُق الشَّمْس ومتى تغرُب ومتى يَظهر القمَر ومتى تظْهر نجوم أو مجموعات نجوم مُعيّنة في السَّماء في الليل. باسْتِخْدام نظامنا الميكانيكي كنا نقسم اليوم بِشَكْلٍ أساسي إلى جزأين متساويين: إثني عشر ساعة نهاراً وإثني عشر ساعة ليلاً (ولكن ذلك يَخْتَلِف حسب الفَصْل وخطوط العرض). كما يَخْتَلِف طول النهار والليل العبري من يوم إلى آخر ومن فَصْل إلى آخر لأن نِسبة الوقت بين النهار والليل كانت تتغيَّر باستمرار، ومع ذلك كان اليوم الواحد الكامل لا يزال أربعة وعشرين ساعة والأسبوع الواحد لا يزال سبعة أيام كاملة. في جميع الأوقات في الكِتاب المُقَدَّس يتم اسْتِخْدام النظام العبراني لقياس الأيام؛ لذلك سواء كنا ندْرس التَوْراة أو أناجيل العهد الجديد، علينا أن نضع جانباً مفْهومنا الحديث عن حِفظ الوقت إذا أرَدْنا أن نفهم توْقيت الأحداث.

الآن من أين جاء العبرانيون بِفِكرة بِدْء اليوم وانْتِهائه عند غُروب الشَّمْس؟ أنظر إلى الآية الخامسة: "……. وَكانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْماً وَاحِداً". جاء المساء أولاً، وكان المَساء يُمثِّل الانْتِقال من يوم إلى آخر. بالمُناسبة، لا أعتقِد أننا نرْتكب خطيئة رَهيبة بالطَّريقة التي نحدّد بها نحن المُعاصرين بداية اليوم ونهايته، ولكن قد يكون الأمر مُربكاً عند مُقارَنته بالكِتاب المُقَدَّس.

لاحظ الآن شيئاً غريباً: في اليوم الأول قال الله أنه خَلَق النور. إلا أنه في اليوم الرابع خلق الله الشَّمْس…..أو كما يقول الكِتاب المُقَدَّس، "النور الأكبر لحُكم النهار" ما الذي يُفهم هنا؟ كيف يمكن أن يكون الله قد أضاء الأرض في اليوم الأول ولكنه لم يخلق الشَّمْس حتى اليوم الرابع؟ من أين جاء هذا النور إذا لم تَكُن هناك شمس؟ هل وجدْنا التَّناقُض الأول؟

يُصبح هذا مثيراً للإهتمام: في الآيتين ثلاثة وأربعة، الكَلِمَة العبرية التي تعني "نور" هي "أور". هذه الكَلِمَة لا تعني شيئاً يَنْبَعِث منه النور….. مثل الشَّمْس أو القمر أو النجوم أو مُصباح، بل تعني بالأحرى الإنارة والإسْتِنارة. عندما يقول الكِتاب المُقَدَّس أن الله نور، فإنه يقول أن إلوهيم هو "اور". ترْتَبِط هذه الكَلِمَة ارتباطاً وثيقاً بالحياة والفرح والخيْر. في الواقع عندما نقرأ عن اليوم الأول نلاحظ أن الحُكَماء العبرانيون اعتمدوا عليه منذ آلاف السِّنين: يقول إن الله خلَق النور، ورأى أنه حسَن (توف) وفصَل الله بين النور والظُّلْمة. فقط النور يُدعى "حسَنً"، أما الظُّلْمة فلا.

والآن لنَنْتقِل إلى الآية الرابعة عشرة عندما يبدأ الحديث عن وجود أنوار في السَّماء للفصل بين الليل والنهار، وفي الآية ستة عشرة عندما يقول الله أنه خلَقَ النور الأكبر (الشَّمْس) ليَحكم النهار والنور الأصغر (القمر) ليَحكم الليل، نرى هنا كَلِمَة مُخْتَلِفة تماماً عن الكَلِمَة المُسْتخدمة في الآيات السّابقة للتَّعبير عن "النور". هنا، الكَلِمَة العبرية هي "موروت"، هل تبدو مألوفة؟ إنها الكَلِمَة التي نَحْصل منها في الكَلِمَة الحديثة نيزك. ماور تعني الجسم الذي يَنْبَعِث منه النور ( ماوروت هي جمع، أي أنوار)، وإذا جاز لي أن أستخدم كَلِمَة شعرية، فالمقصود بها هي النجوم المُضيئة (الأجسام التي تضيء) مثل الشَّمْس والقمر والنجوم والمصابيح، وبالطبع النَّيازك.

بما أن حالة الكَوْن قبل اليوم الأول كانت ظلاماً (أو على الأقل كانت ظلاماً من وجهة نظر شخص يعيش على كوْكب الأرض)، فلا بد أن الظَّلام كان حالة غير مُرضية وإلا لما خلق الله النور. على الأقلّ كانت الظُّلْمة على ما يبدو غير قادِرة على دعم الحياة؛ وكما سّنّجِد عندما نَصِل إلى الأجزاء اللاحقة من سِفْر الخُروج ثم سِفْر اللاويين، فإن الأشياء التي تُعارض الحياة أو تُعيقها أو تقضي عليها تُعْتبَر ضدّ الله. لذلك عندما خلق الله "النور"، "أور" (مفرد)، خلق الإنارة والإسْتِنارة، وهو شرط أساسي للحياة؛ وعندما خلق الله "الأنوار"، "ماوروت"(بصيغة الجمع)، خلق أجساماً تبعث موْجات ضوئيّة. موْجات ضَوْئيَّة من نوع مُعيّن تَسمح للبشَر والحيوانات باسْتِخْدام مسْتَشْعِرات الضوء الخاصة بهم (عيونهم) وللنباتات أن تستخدم طريقتها في الحفاظ على الحياة، أي التَّمثيل الضوْئي. في سِفْر الرؤيا قيل لنا أنه عندما يُدَمِّر الله الأرض القديمة، ثم يخلق أرضاً جديدة، لن يكون هناك بعد ذلك موروت (أجسام يَنْبَعِث منها الضوء مثل الشَّمْس أو القمر) ولكن بدلاً من ذلك سيكون الله نورَنا، اسِتِنارَتنا. إنه نفس هذا النّوْع من "النور الإلهي" الذي يَجري الحديث عنه هنا في الآيتين ثلاثة وأربعة، ولكن هناك نوْع آخر يُشار إليه في الآيات من أربعة عشرة الى ستّة عشرة.

بالمُقابل دعونا نَنْظُر إلى كَلِمَة "الظُّلْمة" الكَلِمَة العبرية لهذه الكَلِمَة هي"تشوشك"في الثقافة العبرية، استُخدمت هذه الكَلِمَة في الثقافة العبرية على أنها عكس "أور" كس الإنارة). حمَلَت كَلِمَة "تشوشك"في طيّاتها معنى العَمى والبؤس والباطِل والجَهْل. إنها تعني الشَّيْء الذي يؤدي إلى الموت والهلاك. هذه ليست كَلِمَة عكس النهار. إنها ليست كَلِمَة تصِف ظاهرة الليل الطَّبيعيّة والجَيِّدة. في اللغة العبرية، الليل هو "لايل" وهي كَلِمَة مُخْتَلِفة تماماً عن كَلِمَة " تشوزيك". تشوشيك هي سلبِيّة في طبيعتها وتحمُل إيحاءات روحيّة شرّيرة معها. الليل، لايل، هو بِبساطة عَكْس النهار. إنه مُحايد؛ لا يحمُل أي معنى سلبي أو روحي إلا في حالة شاذّة حيث يمكن اسْتِخْدامه مَجازياً.

إذاً لنكُن واضحين: في الآيتين ثلاثة وأربعة ما خلَقَه الله هو الإنارة والإسْتِنارة التي كان هو مَصْدَرها؛ ولكنه كان أيضاً مُنْقسماً ومُنْفصلاً عمّا كان نقيض تلك الأشياء: الظُّلْمة والعَمى والباطِل. ماذا كانت هذه الإنارة والإسْتِنارة بالضبط؟ ربما كان من المُمْكن أن يكون جوْهر الله الأوّلي الذي نُسمّيه السَّكينة أو مَجْد السَّكينة؛ هذه الإنارة أو المَجْد الغامِض لله (المرئي أحياناً وغير المَرئي أحياناً أخرى) الذي نقرأ عنه في عِدَّة مواضِع في الكِتاب المُقَدَّس. الإضاءة المُناسبة لنا لنرى بها والتي تبدو غير ضروريّة عندما تتُشَكِّل الأرض الجديدة، ستأتي من الله نفسه. فيما لا يُمْكِنني أن أكون مُتَأكِّداً من ذلك، إلا أنني لا أرى سبباً يَمْنعني من القوْل بأن نور سِفْر التَّكوين الذي كان في اليوم الأول من الخلْق هو نفس النور الذي سيكون في اليوم الأول من الخليقة الجديدة كما هو معلن في رؤيا واحد وعشرين وإثنين وعشرين (يمكنك أن تذهب وتقرأه بنفسك). من المثير للإهتمام أيضاً أن النَّظير الرّوحي للنور الذي هو الظَّلام، كوشك، لن يكون موْجوداً في الخَلْق الجديد. في أنقى مَعانيه الرّوحِيَّة، النور هو الخَيْر والظُّلْمة هي الشر. لقد قيل لنا أنه في الخليقة الجديدة سيكون هناك خيْر فقط ولن يكون هناك شرّ بعد ذلك. إذاً في الخَليقة الجديدة نجِد غياباً تاماً للظُّلمة؛ بدلاً من ذلك لا يوجد سِوى النور. ولكن بِقدَر ما أنا متأكد من صِحَّة ما أخبرْتُكم به، أعترِف بسهولة أن هناك قدراً من التَّخمينات التي يَنْطَوي عليها الأمر.

إلى جانِب حلّ مُشْكِلة خَلق النور في اليوم الأول على الرغم من أن الأجسام التي تَصنع النور خُلقت في اليوم الرابع، أود أن أشير إلى أن هذا هو أول تلْميح لِمَبدأ سيُلاحِقنا جميعاً خلال دِراستنا للتوْراة. مبدأ مُجَرَّد ولكنه حقيقي يمكن ذكرَه بالكَلِمَات بسهولة إلى حدّ ما ولكنه ليس من السَّهل إدراكه أو تخيّله في أذهاننا. لذا كن حَذراً مسبقاً أن الأمر يَسْتَغْرِق بعض الوقت والدِّراسة قبل أن يبدأ المَفْهوم أن يُصبح مريحاً لنا. كنقطة مرْجعيّة أعْطَيْت هذا المفهوم إسماً: حقيقة الإزْدواجية. في الأساس، فِكرة حقيقة الازْدِواجيَّة هي: في الكِتاب المُقَدَّس وفي العهد الجديد غالباً ما تكون الأشياء المادّية مُجَرَّد ظل لشيء روحي. إذا أمْضينا أي وقت على الإطلاق في الكنيسة، نكون قد سَمِعنا هذا المصْطلح "ظلّ" يُستخدم لوصف العديد من أشياء العهد القديم التي حوّلها يسوع في النهاية إلى شيء أسْمى، ولكن ماذا يعني ذلك بالضَّبط: ظلّ لشيء سيأتي؟

الظّل ما هو إلا مُخطّط لشيء ما، من دون أن تَكْتَمِل كل التَّفاصيل. الظِّل حقيقي؛ أي أنه ليس سَراباً أو خِداعاً بصَريّاً، ولكنه أقل واقعيّة من الجسم الذي يُلقي الظِّل. مثال: أقِف بالخارج في الشَّمْس. ألقي بظُلِّي. أنا حقيقي والظلّ حقيقي. لكن بما أنني أنا مَصْدَر الظّل فأنا أيضاً الأصْل الكامل والظّل ما هو إلا تمثيل لي غير مُكْتَمل. علاوةً على ذلك، لا يملك الظّل أي حركة أو قوة من تِلْقاء نفسِه؛ لا يَمْلك الظّل الحياة وهو عالِق في حالة من التّلازم المُطلَق معي. وجود ظلِّي يَعْتمِد بنِسبة مئة في المئة على وجودي. إذا اختفى ظلّي من الوجود، فأنا ما زِلت موجوداً، أليس كذلك؟ إذا غابت الشَّمْس اختفى ظلّي، لكنني ما زلت موجوداً، لكن إذا أصْبَحت غير موجود فمن المُستحيل أن يكون هناك ظلّ لي. لذلك أنا أسْمى من ظلي، أنا أعْظَم من ظلّي، أنا لستُ مظهراً لظلّي، ظلّي ليس إلا مظهراً أدنى مني. الظلّ لا يُسبِّب وجودي، أنا سبب الظلّ.

عندما تتواجَد الصِّفات الجَسَديّة والرّوحِيَّة لأشياء كثيرة في وقتٍ واحد، فإن الرّوحانية تأتي أولاً وهي دائماً بارِزة. الروحاني يكاد يكون غير محدود في صِفاته ويعمَل في عدَد من الأبعاد. المادّي محدود للغاية (بالمقارنة مع الروحي) في صِفاته ولا يُمْكِن أن يوجد في أكثر من أربعة أبعاد (تذكَّر أن كوننا كلّه يتكوّن من أربعة أبعاد فقط: الطول والعرض والعمق والزمن). لذلك فإن المادّي أدنى من الرّوحاني، ولا يُمْكِن للمادّي أن يُحاكي أو يكشُف إلا جزئياً عن الأصْلي.

إن خلق البَشَرْ هو مثال واضِح إلى حدّ ما على ذلك لأن البَشَرْ مخلوقات تتكوَّن من المادّي وغير المادّي في آن واحد، أي من المادّي والرّوحاني. أي أننا كائنات رُباعية الأبعاد، جسديَّة ومَرئية وخاضِعة للزَّمن، ولكن لَدَيْنا أيضاً خاصِّية غير مَرئيّة. يسمّي الكِتاب المُقَدَّس هذه الخاصِّية غير المرئية بالنَّفس والرّوح. يُشير الحُكَماء العبرانيون القُدَماء إلى أن الله خلَق آدم من تُراب الأرض. لقد خلَق الله الكَوْن من لا شيء، لكنه خلَق الإنسان من شيء ما؛ شيء مادّي (تُراب) كان قد وضَعَه في الوجود من قبل؛ ولكن بالإضافة إلى ذلك وَضَع الله نفخَة الحياة في الإنسان، ووَضَع فيه نفَساً وروحاً لم يكونا شيْئَيْن مادِّيين، بل كانا روحانِيَيْن. لذا سواء اعترَفَت البَشَرْية بذلك أم لم تَعْترف، فنحن مثال ساطِع على حقيقة الإزْدِواجيّة.

خلقَ النّور وصفاته هو مثال جَيِّد آخر على هذا المَفْهوم. لا شكّ أن "النور"، هذا الـ "اور"، الذي خُلق في اليوم الأول من الخَلق، كان نوراً مادياً حقيقياً من نوع يَسْمح على الأقل بِقياس الزَّمن (فقد مرَّت ثلاثة أيام أخرى من الخَلق قبل أن يكون هناك أجسام تنبَعِث منها أنوار في السَّماء كانت ستُستخدم للدَّلالة على الفصول والسِّنين والأوقات المُحدّدة). لكن من الغامِض أيضاً أن هذا النّوْع من النور لم يأتِ من جسم مادي لأنه لم يُخلق أي جِسم يَنْبَعِث منه النور (أو على الأقل لم يكن مرئياً من الأرض) حتى اليوم الرابع. بالإضافة الى ذلك لأن النور هو نقيض الظُّلْمة، والنور يتميَّز من قبل الله بأنه خيْر بينما الظُّلْمة ليست كذلك، فلَدَيْنا علاقة وطيدة بين نوع النور المخلوق هنا وسِمَة الخَيْر. الخيْر والشرّ صِفَتان روحِيَّتان وليْستا صِفَتَيْن جسديَّتَيْن. إذاً هذا النور، هذا الأور، له حقيقة مُزْدَوِجة؛ له صفة جسديّة حقيقية جداً وصِفة روحيّة حقيقية جداً.

عادةً لا يُمْكِن لعقائد البَشَرْ أن تتحَمِّل هذا النّوْع من المُعْضِلة؛ كل الأشياء يجب أن تكون واحدة أو أخرى، وليس كِلاهما في آن واحد. أنا أخْبرك أن العديد من الأشياء المَخلوقة لا يُمْكِنها فقط أن تكون جسَديَّة وروحية في نفس الوقت، بل إنها غالباً ما تكون كِلاهما معاً. في الواقع أمور مثل صِفات نوع النور المخلوق في اليوم الأول يجب أن يكون كِلاهما معاً وإلا فإن الآيات القليلة الأولى من سِفْر التَّكوين لا معنى لها. هذا هو المبدأ التأسيسي الذي أُسَمّيه حقيقة الازْدِواجيَّة حيث يوجد العُنْصُر المادي والعُنْصُر الروحي لشيء ما في آن واحد. سوف يكون لَدَيْنا العديد من الأمْثِلة على ذلك التي ستبدأ مع مرور الوقت في أن تكون مَنْطِقيّة بالنسبة لكم. في غضون عام أو نحو ذلك عندما نصِل إلى خَيْمة الإجتماع سيكون لَدَيْنا أحد أمثلة الكِتاب المُقَدَّس الرئيسيّة لواقع الإزْدِواجيّة، لذلك لا تقلَق في هذه اللحظة إذا كنت تُفكِّر "هل هذا الرجل يتحدَّث الإنجليزية أصْلاً"؟

الآن في الآية عشرين هناك بعض العِبارات التي أريد أن أوضِح نُقْطة بشأنِها يجب أن تَدْفِنوها في بنوك ذاكِرَتكم، وهي تتعلَّق بقائمة المخلوقات الحَيَّة التي خلقها الله. إنها تتحدَّث عن المخلوقات التي تتجمّع في الماء والطيور المُحلِّقة في الهواء. لقد ملأ الرب المُحيطات بمخلوقات بحريَّة عِملاقة وأعلن أن كل هذه المخلوقات صالحة؛ ويمضي في الآية أربعة وعشرين ليتحدَّث عن المخلوقات البرِّية بجميع أنواعها (الأليفة والبرية)، بما في ذلك المخلوقات الزاحِفة مثل السحالي ويُعلن أيضاً أن هذه المخلوقات صالحة. أؤكد على ذلك لأنه في وقتٍ لاحق في التَوْراة (خاصة في سِفْر اللاويين) سنجِد الله يعدِّد العديد من هذه المخلوقات نفسها التي سمّاها هنا على أنها نَجِسة، وسنرى أيضاً في النهاية أنه قبل وقت طويل من إعطاء التَوْراة لموسى، كانت التَّسْمِيات الطاهرة والنَجِسة للكائنات الحَيَّة المخلوقة موجودة بالفعل. كيف يمكن لشيءٍ ما أن يكون طاهراً وغير طاهِر في آنٍ واحد؟ هل غيّر الله رأيَه بشأن بعض مخلوقاته الحَيَّة؟ حسناً، يُمكِنك إما أن تنتظر سنة أو نحو ذلك لتَكَتشِف، أو أن تأخذ بعض دراسات فصل التَوْراة عن سِفْر اللاويين وتستَبِق الأحداث. لكن مبادىء الكِتاب المُقَدَّس الأساسيّة للطاهِر والنَّجِس لها أساسها هنا في الإصْحاح الأول من سِفْر التَّكوين.

بعد ذلك نحصل على عِبارة تأمّل فيها أعظَم وألْمَع العُقول لآلاف السِّنين ولا يوجد اتفاق كبير على ما تُنبّئ به بالضبط. إنه القول بأننا كبَشَر مخلوقون على صورة الله.

لن نقضي الكثير من الوقت هنا ولكن دعوني أُشير لكم على بعض الأساسيّات لتأخذوها بعيْن الاعتبار. أولاً تقول أن الله خلق الجِنس البَشَرْي، ثم تقول أن الله خلق الذَكر والأنثى؛ ثانياً أن جميع البَشَرْ خُلقوا على صورَته.

لذلك يُمْكِنُنا على الفَوْر أن نُظهِر لدارْوين وجميع العِلمانيين الإنسانيَّين خَطأهم. إذا لم تَكُن هذه مَقولة من الكِتاب المُقَدَّس صحيحة (إذا كنا قد تطوّرنا من الصّدفة وطفْرة المواد غير الحَيَّة)، فلا فائدة من الإسْتمرار في دِراستنا للتوْراة، أليس كذلك؟ لا أتصوّر أن لدى أي من الموْجودين منكم في هذه القاعة أي حِجَجْ ولكن ماذا يعني أن نكون مَخلوقين على صورة الله؟ هذا يعني أننا قد أُعْطينا بعض الصِّفات التي لَدَيْه ولكننا نعلم أيضاً أننا لا نملك كل صفاته لأننا لو كنا نمْلكها لكُنّا آلهة، بل إن الله الذي يُقدّر جميع أنواع المخلوقات الحَيَّة الكثيرة التي خلقَها، جعَل الإنسان فريداً من بين جميع هذه المخلوقات. الإنسان وحده لَدَيْه القدرة على معرفة الله وهذه القدرة تأتي عن طريق المُكوِّن الروحي للإنسان. يمكن أن يكون للحيوانات أجساد ويمكن أن يكون لها عقول ويمكن أن يكون لها حتى ما يُشبه العواطف، لأن العديد من الحيوانات (وليس كلها) لَدَيْها أرواح حَيّة، وهي مقرّ العاطفة والفِكر؛ لكن البَشَرْ وحدَهم من بين جميع مخلوقات الله الحَيَّة لَدَيْهم أرواح وأرواحُنا هي التي تسمح بالتَّواصل مع الله الحيّ.

سنَبْدأ الأسبوع القادم بسِفْر التَّكوين إثنين.